حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٨ لسنة ٢ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٨ لسنة ٢ دستورية
تاريخ النشر : ١٦ – ٠٥ – ١٩٨٥

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم دستورية القرار بقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٧٩ بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية.

الحكم

برياسة محمد على بليغ رئيس المحكمة وحضور مصطفى جميل مرسى وممدوح مصطفى حسن ومنير أمين عبد المجيد ورابح لطفى جمعة ومحمد كمال محفوظ وشريف برهام نور أعضاء وأحمد محمد الحفنى المفوض وأحمد على فضل الله أمين السر .

– – – ١ – – –
أن نصوص الدستور تمثل القواعد و الأصول التى يقوم عليها نظام الحكم فى الدولة، و لها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين إلتزامها و مراعاها بإعتبارها أسمى القواعد الآمرة و أهدار ما يخالفها من تشريعات . و هذه القواعد و الأصول هى التى يرد إليها الأمر فى تحديد ما تتولاه السلطات العامة من وظائف أصلية و ما تباشره كل منها ومن أعمال أخرى إستثناء من الأصل العام الذى يقضى بإنحصار نشاطها فى المجال الذى يتفق مع طبيعة وظيفتها . و إذ كانت هذه الأعمال الإستثنائية قد أوردها الدستور على سبيل الحصر و التحديد فلا يجوز لأى من تلك السلطات أن تتعداها إلى غيرها أو تجور على الضوابط و القيود المحددة لها ، فيشكل عملها حينئذ مخالفة دستورية تخضع – متى انصبت على قانون أو لائحة – للرقابة القضائية التى عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها ، بغية الحفاظ على مبادئه و صون أحكامه من الخروج عليها.

– – – ٢ – – –
أن نصوص الدستور تمثل القواعد و الأصول التى يقوم عليها نظام الحكم فى الدولة، و لها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين إلتزامها و مراعاها بإعتبارها أسمى القواعد الآمرة و أهدار ما يخالفها من تشريعات . و هذه القواعد و الأصول هى التى يرد إليها الأمر فى تحديد ما تتولاه السلطات العامة من وظائف أصلية و ما تباشره كل منها ومن أعمال أخرى إستثناء من الأصل العام الذى يقضى بإنحصار نشاطها فى المجال الذى يتفق مع طبيعة وظيفتها . و إذ كانت هذه الأعمال الإستثنائية قد أوردها الدستور على سبيل الحصر و التحديد فلا يجوز لأى من تلك السلطات أن تتعداها إلى غيرها أو تجور على الضوابط و القيود المحددة لها ، فيشكل عملها حينئذ مخالفة دستورية تخضع – متى انصبت على قانون أو لائحة – للرقابة القضائية التى عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها ، بغية الحفاظ على مبادئه و صون أحكامه من الخروج عليها.

– – – ٣ – – –
أن سن القوانين عمل تشريعى تختص به الهيئة التشريعية التى تتمثل فى مجلس الشعب طبقاً للمادة ٨٦ من الدستور . و الأصل أن تتولى هذه الهيئة بنفسها سلطة التشريع على مقتضى القواعد المقررة فى الدستور ، إلا أنه نظراً لما قد يطرأ فى غيبة مجلس الشعب من ظروف توجب سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير ، فقد أجاز الدستور لرئيس الجمهورية فى تلك الحالات أن يصدر فى شأنها قرارات لها قوة القانون . و قد حرص المشرع الدستورى على أن يضع لهذه السلطة الإستثنائية فى التشريع من الضوابط و القيود ما يكفل عدم تحولها – إلى ممارسة تشريعية مطلقة . موفقاً بذلك بين مقتضيات مبدأ الفصل بين السلطات و ضمان مباشرة كل منها للمهام المنوطة بها، و بين الإعتبارات العملية الملحة التى تتطلب تخويل رئيس الجمهورية رخصة التشريع – على سبيل الإستثناء – لمواجهة تلك الظروف الطارئة حال غياب المجلس التشريعى المختص أصلاً بذلك. من أجل ذلك نص الدستور فى الفقرة الأولى من المادة ١٤٧ على أنه : ” إذا حدث فى غيبة مجلس الشعب ما يوجب الاسراع فى إتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية أن يصدر فى شأنها قرارات تكون لها قوة القانون ” و فى الفقرة الثانية على أنه ” و يجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائماً ، و تعرض فى أول اجتماع له فى حالة الحل أو وقف جلساته ، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلى اصدار قرار بذلك ، و إذ عرضت و لم يقرها المجلس زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها فى الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب على آثارها بوجه آخر”.

– – – ٤ – – –
أن سن القوانين عمل تشريعى تختص به الهيئة التشريعية التى تتمثل فى مجلس الشعب طبقاً للمادة ٨٦ من الدستور . و الأصل أن تتولى هذه الهيئة بنفسها سلطة التشريع على مقتضى القواعد المقررة فى الدستور ، إلا أنه نظراً لما قد يطرأ فى غيبة مجلس الشعب من ظروف توجب سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير ، فقد أجاز الدستور لرئيس الجمهورية فى تلك الحالات أن يصدر فى شأنها قرارات لها قوة القانون . و قد حرص المشرع الدستورى على أن يضع لهذه السلطة الإستثنائية فى التشريع من الضوابط و القيود ما يكفل عدم تحولها – إلى ممارسة تشريعية مطلقة . موفقاً بذلك بين مقتضيات مبدأ الفصل بين السلطات و ضمان مباشرة كل منها للمهام المنوطة بها، و بين الإعتبارات العملية الملحة التى تتطلب تخويل رئيس الجمهورية رخصة التشريع – على سبيل الإستثناء – لمواجهة تلك الظروف الطارئة حال غياب المجلس التشريعى المختص أصلاً بذلك. من أجل ذلك نص الدستور فى الفقرة الأولى من المادة ١٤٧ على أنه : ” إذا حدث فى غيبة مجلس الشعب ما يوجب الاسراع فى إتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية أن يصدر فى شأنها قرارات تكون لها قوة القانون ” و فى الفقرة الثانية على أنه ” و يجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائماً ، و تعرض فى أول اجتماع له فى حالة الحل أو وقف جلساته ، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلى اصدار قرار بذلك ، و إذ عرضت و لم يقرها المجلس زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها فى الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب على آثارها بوجه آخر”.

– – – ٥ – – –
أن الدستور و أن جعل لرئيس الجمهورية إختصاصاً فى إصدار قرارات تكون لها قوة لقانون فى غيبة مجلس الشعب ، إلا أنه رسم لهذا الإختصاص الإستثنائى حدوداً ضيقة تفرضها طبيعته الإستثنائية ، منها ما يتعلق بشروط ممارسته و منها ما يتصل بمآل قد يصدر من قرارات إستناداً إليه . فأوجب لأعمال رخصة التشريع الإستثنائية أن يكون مجلس الشعب غائباً و أن تتهيأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين إنعقاد مجلس الشعب بإعتبار أن تلك الظروف هى مناط هذه الرخصة و علة تقريرها . و إذ كان الدستور يتطلب هذين الشرطين لممارسة ذلك الإختصاص التشريعى الإستثنائى ، فإن رقابة المحكمة الدستورية العليا تمتد إليهما للتحقق من قيامهما ، بإعتبارهما من الضوابط المقررة فى الدستور لممارسة ما نص عليه من سلطات ، شأنهما فى ذلك شأن الشروط الأخرى التى حددتها المادة ١٤٧ و من بينها ضرورة عرض القرارات الصادرة إستناداً إليها على مجلس الشعب للنظر فى اقرارها أو علاج أثارها .

– – – ٦ – – –
أن الأسباب التى إستندت إليها الحكومة فى التعجيل بإصدار القرار بقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٧٩ فى غيبة مجلس الشعب، تتمثل فيما أوردته مذكرته الإيضاحية من “أن القانونين رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٠ و رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ الخاصين ببعض أحكام الأحوال الشخصية قد مضى على صدورهما قرابة خمسين عاماً طرأ فيها على المجتمع كثير من التغيير المادى و الأدبى التى إنعكست آثارها على العلاقات الإجتماعية الأمر الذى حمل القضاة عبئاً كبيراً فى تخريج أحكام الحوادث التى تعرض عليهم، و قد كشف ذلك عن قصور فى بعض أحكام القوانين القائمة مما دعا إلى البحث عن أحكام الأحوال التى إستجدت فى حياة المجتمع المصرى و ذلك فى نطاق نصوص الشريعة دون مصادرة أى حق مقرر بدليل قطعى لأى فرد من أفراد الأسرة بل الهدف من المشروع هو تنظيم إستعمال بعض هذه الحقوق……”.
لما كان ذلك، و كانت الأسباب سالفة البيان. و حاصلها مجرد الرغبة فى تعديل قوانين الأحوال الشخصية بعد أن طال الأمد على العمل بها رغم ما إستجد من تغييرات فى نواحى المجتمع و إن جاز أن تندرج فى مجال البواعث و الأهداف التى تدعو سلطة التشريع الأصلية إلى سن قواعد قانونية جديدة أو إستكمال ما يشوب التشريعات القائمة من قصور تحقيقاً لإصلاح مرتجى إلا أنه لا تتحقق بها الضوابط المقررة فى الفقرة الأولى من المادة ١٤٧ من الدستور، ذلك أن تلك الأسباب – تفيد أنه لم يطرأ – خلال غيبة مجلس الشعب – ظرف معين يمكن أن تتوافر معه تلك الحالة التى تحل بها رخصة التشريع الإستثنائية التى خولها الدستور لرئيس الجمهورية بمقتضى المادة ١٤٧ المشار إليها و من ثم فإن القرار بقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٧٩ – إذ صدر إستناداً إلى هذه المادة، و على خلاف الأوضاع المقررة فيها، يكون مشوباً بمخالفة الدستور.

– – – ٧ – – –
إن تقدير الضرورة الداعية لإصدار القرارات بقوانين عملاً بالمادة ١٤٧ من الدستور متروك لرئيس الجمهورية تحت رقابة مجلس الشعب بإعتبار ذلك من عناصر السياسة التشريعية التى لا تمتد إليها الرقابة الدستورية، ذلك أنه و إن كان لرئيس الجمهورية سلطة التشريع الإستثنائية طبقاً للمادة المشار إليها وفق ما تمليه المخاطر المترتبة على قيام ظروف طارئة تستوجب سرعة المواجهة و ذلك تحت رقابة مجلس الشعب، إلا أن ذلك لا يعنى إطلاق هذه السلطة فى إصدار قرارات بقوانين دون التقيد بالحدود و الضوابط التى نص عليها الدستور و التى سبق أن إستظهرتها المحكمة و من بينها إشتراط أن يطرأ – فى غيبة مجلس الشعب – ظرف من شأنه توفر الحالة الداعية لإستعمال رخصة التشريع الإستثنائية و هو ما لم تكن له قائمة بالنسبة للقرار بقانون المطعون عليه الأمر الذى يحتم إخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.

– – – ٨ – – –
إقرار مجلس الشعب للقرار بقانون المطعون عليه لا يترتب عليه سوى مجرد إستمرار نفاذه بوصفه الذى نشأعليه كقرار بقانون دون تطهيره من العوار الدستورى الذى لازم صدوره. كما أنه ليس من شأن هذا الإقرار فى ذاته أن ينقلب به القرار بقانون المذكور إلى عمل تشريعى جديد يدخل فى زمرة القوانين التى يتعين أن يتبع فى كيفية إقتراحها و الموافقة عليها و إصدارها القواعد و الإجراءات التى حددها الدستور فى هذا الصدد و إلا ترتب على مخالفتها عدم دستورية القانون.

[الطعن رقم ٢٨ – لسنــة ٢ ق – تاريخ الجلسة ٠٤ / ٠٥ / ١٩٨٥ – مكتب فني ٣ – رقم الجزء ١ – رقم الصفحة ١٩٥ – تم قبول هذا الطعن]

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات والمداولة. حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعية كانت قد اقامت الدعوى رقم ٢٩ سنة ١٩٨٠ ولاية على النفس البدارى ضد زوجها المدعى عليه طالبة الحكم لها عليه بنفقة شرعية اعتبارا من أول نوفمبر ١٩٧٩. وبجلسة ٢ سبتمبر سنة ١٩٨٠ قضت محكمة البدارى الجزئية للاحوال الشخصية بوقف الدعوى واحالة الاوراق الى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية القرار بقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٧٩ بتعديل بعض أحكام قوانين الاحوال الشخصية. وحيث إن الحكومة دفعت بعدم قبول الدعوى استنادا الى أن قرار الاحالة جاء خلوا من بيان النص الدستورى المدعى بمخالفته خروجا على ما توجبه المادة ٣٠ من قانون المحكمة الدستورية العليا. وحيث إنه يبين من قرار الاحالة أن المحكمة استظهرت النصين الواجب تطبيقهما على واقعة الدعوى وهما المادة الاولى من القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٠ والمادة ١٦ من القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ المعدلتين بمقتضى المادتين الثانية والثالثة من القرار بقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٧٩ بتعديل بعض أحكام قوانين الاحوال الشخصية، وقد تراءى للمحكمة عدم دستورية هذا التشريع فى جملته لمخالفة المادتين ١٠٨ و١٤٧ من الدستور اذ لم يستند رئيس الجمهورية فى إصداره الى تفويض من مجلس الشعب يخوله هذه السلطة، كما أنه لم تتوافر عند إصداره فى غيبة مجلس الشعب ظروف توجب الاسراع فى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير. لما كان ذلك، وكان ما أورده قرار الاحالة واضح الدلالة فى بيان النص التشريعى المطعون بعدم دستوريته والنص الدستورى المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة – على النحو الذى يتحقق به ما تغياه المشرع – فى المادة ٣٠ من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩، فان الدفع بعدم قبول الدعوى يكون فى غير محله متعينا رفضه. وحيث إن الدعوى استوفت اوضاعها القانونية. وحيث إنه يبين من الاطلاع على القرار بقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٧٩ المطعون عليه، أنه استهدف معالجة الاوضاع المتعلقة بالاسرة وتنظيم استعمال الحقوق المقررة شرعا لافرادها، فكان قوامه والباعث عليه ما يتصل بمسائل الاحوال الشخصية التى تدور جميعها فى فلك واحد هو تنظيم شئون الاسرة فيما يتعلق بالزواج والطلاق والنفقة والحضانة، فقد نصت مادته الاولى على أن “تضاف الى القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ مواد جديدة أرقام (٥ مكررا)، ( ٦ مكررا)، ( ٦ مكررا ثانيا)، ( ١٨ مكررا)، ( ٢٣ مكرر) ” وتتضمن هذه المواد الاحكام الخاصة بكيفية توثيق الطلاق والاعلام بوقوعه وما يترتب على ذلك من آثار ( ٥ مكررا) وأنه يعتبر اضرارا بالزوجة اقتران زوجها باخرى بغير رضاها واخفاء الزوج على الزوجة الجديدة أنه متزوج بسواها ( ٦ مكرر) وبيان الآثار المترتبة على نشوز الزوجة ( ٦ مكررا ثانيا) وتقرير نفقة متعة للزوجة عند طلاقها بدون رضاها ( ١٨ مكررا) واستحقاق نفقة الصغير على ابيه (١٨ مكررا ثانيا) وفرض عقوبات جنائية لمخالفة بعض احكام هذا القانون ( ٢٣ مكررا) ونصت المادة الثانية من القرار بقانون المطعون عليه على أن يستبدل بنص المادة (١) من القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٠ نص جديد يتضمن الاحكام الخاصة بشروط استحقاق نفقة الزوجة وأحوال سقوطها. وتقضى المادة الثالثة منه بأن يستبدل بنصوص المواد ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٦، ٢٠، من القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ النصوص المحددة فى هذه المادة والتى تشتمل على الاحكام المتعلقة باجراءات التحكيم عند وقوع الشقاق بين الزوجين (٧، ٨، ٩، ١٠، ١١) وبما يفرض على الزوج من نفقة مؤقته لزوجته (١٦) وأحوال حضانة الصغار وأصحاب الحق فيها وشروطها (٢٠) . ثم نص القرار بقانون المشار اليه فى مادته الرابعة على حق المطلقة الحاضنة فى الاستقلال مع صغيرها بمسكن الزوجية المؤجر وشروط استعمال هذا الحق وتحديد الجهة المختصة بالفصل فى الطلبات المتعلقة به والمنازعات التى تثور فى شأنه, وأوجب فى المادة الخامسة على المحاكم الجزئية أن تحيل الى المحاكم الابتدائية الدعاوى التى أصبحت من اختصاصها بمقتضى أحكامه. وقضى فى المادة السادسة بالغاء كل من يخالف هذه الاحكام وانتهى فى المادة السابعة والاخيرة الى النص على نشر هذا القرار فى الجريدة الرسمية وأن تكون له قوة القانون وأن يعمل به من تاريخ نشره. وحيث إن نصوص الدستور تمثل القواعد والاصول التى يقوم عليها نظام الحكم فى الدولة، ولها مقام الصداره بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها باعتبارها أسمى القواعد الآمرة واهدار ما يخالفها من تشريعات. وهذه القواعد والاصول هى التى يرد اليها الامر فى تحديد ما تتولاه السلطة العامة من وظائف أصلية وما تباشره كل منها من أعمال أخرى استثناء من الاصل العام الذى يقضى بانحصار نشاطها فى المجال الذى يتفق مع طبيعة وظيفتها. واذ كانت هذه الاعمال الاستثنائية قد أوردها الدستور على سبيل الحصر والتحديد فلا يجوز لاى من تلك السلطات أن تتعداها الى غيرها أو تجور على الضوابط والقيود المحددة لها، فيشكل عملها حينئذ مخالفة دستورية تخضع – متى انصبت على قانون أو لائحة – للرقابة القضائية التى عهد بها الدستور الى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها، بغية الحفاظ على مبادئه وصون أحكامه من الخروج عليها. وحيث إن سن القوانين عمل تشريعى تختص به الهيئة التشريعية التى تتمثل فى مجلس الشعب طبقا للمادة ٨٦ من الدستور. والاصل ان تتولى هذه الهيئة بنفسها سلطة التشريع على مقتضى القواعد المقررة من الدستور، الا انه نظرا لما قد يطرأ فى غيبة مجلس الشعب من ظروف توجب سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير، فقد أجاز الدستور لرئيس الجمهورية فى تلك الحالات أن يصدر فى شأنها قرارات لها قوة القانون. وقد حرص المشرع الدستورى على أن يضع لهذه السلطة الاستثنائية فى التشريع من الضوابط والقيود ما يكفل عدم تحولها – الى ممارسة تشريعية مطلقة، موفقا بذلك بين مقتضيات مبدأ الفصل بين السلطات وضمان مباشرة كل منها للمهام المنوطه بها، وبين الاعتبارات العملية الملحة التى تتطلب تخويل رئيس الجمهورية رخصة التشريع – على سبيل الاستثناء – لمواجهة تلك الظروف الطارئة حال غياب المجلس التشريعى المختص أصلا بذلك. من أجل ذلك نص الدستور فى الفقرة الاولى من المادة ١٤٧ على أنه: “اذا حدث فى غيبة مجلس الشعب ما يوجب الاسراع فى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية ان يصدر فى شأنها قرارات تكون لها قوة القانون” وفى الفقرة الثانيةعلى أنه: “ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب خلال خمسة عشرة يوما من تاريخ صدورها اذا كان المجلس قائما، وتعرض فى أول اجتماع له فى حالة الحل او وقف جلساته، فاذا لم يعرض زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون دون حاجة الى اصدار قرار بذلك واذا عرضت ولم يقرها المجلس زال باثر رجعى ما كان لها من قوة القانون الا اذا رأى المجلس اعتماد نفاذها فى الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب على آثارها بوجه آخر”. وحيث إن المستفاد من هذا النص ان الدستور وأن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصا فى اصدار قرارات تكون لها قوة القانون فى غيبة مجلس الشعب، الا إأنه رسم لهذا الاختصاص الاستثنائى حدودا ضيقة تفرضها طبيعته الاستثنائية، منها ما يتعلق بشروط ممارسته ومنها ما يتصل بمآل ما قد يصدر من قرارات استنادا إليه. فأوجب لإعمال رخصة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الشعب غائبا وأن تتهيأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير الى حين انعقاد مجلس الشعب باعتبار أن تلك الظروف هى مناط هذه الرخصة وعلة تقريرها. واذ كان الدستور يتطلب هذين الشرطين لممارسة ذلك الاختصاص التشريعى الاستثنائى، فان رقابة المحكمة الدستورية العليا تمتد اليهما للتحقق من قيامهما، باعتبارهما من الضوابط المقررة فى الدستور لممارسة ما نص عليه من سلطات، شأنهما فى ذلك شأن الشروط الاخرى التى حددتها المادة ١٤٧ ومن بينها ضرورة عرض القرارات الصادرة استنادا اليها على مجلس الشعب للنظر فى اقرارها أو علاج آثارها. وحيث إنه يبين من الاعمال التحضيرية للقرار بقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٧٩ المطعون عليه أن الاسباب التى أستندت اليها الحكومة فى التعجيل باصداره فى غيبة مجلس الشعب، تتمثل فيما أوردته مذكرته الايضاحية من “أن القانونين رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٠ ورقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ الخاصين ببعض أحكام الاحوال الشخصية قد مضى على صدورهما قرابة خمسين عاما طرأ فيها على المجتمع كثير من التغيير المادى والأدبى التى انعكست آثارها على العلاقات الاجتماعية الأمر الذى حمل القضاء عبئاً كبيرا فى تخريج احكام الحوادث التى تعرض عليهم، وقد كشف ذلك عن قصور فى بعض أحكام القوانين القائمة مما دعا الى البحث عن أحكام الاحوال التى استجدت فى حياة المجتمع المصرى وذلك فى نطاق نصوص الشريعة دون مصادرة أى حق مقرر بدليل قطعى لاى فرد من أفراد الاسرة بل الهدف من المشروع هو تنظيم استعمال بعض هذه الحقوق…” كما أنه عند عرض القرار بقانون (محل الطعن) على مجلس الشعب للنظر فى اقراره، أفصح وزير الدولة لشئون مجلس الشعب عن ماهية الضرورة التى دعت الى اصداره بقوله “ولا شك أن الضرورة تحتم استصدار قانون لتعديل الاحوال الشخصية… وقد طال الامد على استصدار هذه القوانين، وطول الامد واستطالة المدة هى حالة الضرورة، بل هى حالة الخطورة فالاسرة المصرية تنتظر هذا الاصلاح منذ عام ١٩٠٥، واللجان تنعقد وتتعثر أعمالها ولكن دون جدوى ولائحة ترتيب المحاكم الشرعية، والقانونان اللذان يحكمان مجال الاسرة رقم (٢٥) لسنة ١٩٢٠ ورقم (٢٥) لسنة ١٩٢٩ كلاهما يحتاج الى تعديل منذ صدورهما، أى منذ عامى ١٩٢٠ و١٩٢٩. أليس فى هذا كله مدعاة لضرورة يقدرها ولى الامر ليصدر قرارا ثوريا باصلاح الاسرة؛ لو ترك الامر لاقتراح قرار بقانون أو لمشروع بقانون وثارت حوله المناقشات وظل شهورا وسنين فأين هى الحاجة التى تدعو الى تحقيق اصلاح الاسرة بقرار ثورى مثل القرار بقانون المعروض”. لما كان ذلك ، وكانت الاسباب سالفة البيان. وحاصلها مجرد الرغبة فى تعديل قوانين الاحوال الشخصية بعد أن طال الامد على العمل بها رغم ما أستجد من تغييرات فى نواحى المجتمع وان جاز أن تندرج فى مجال البواعث والاهداف التى تدعو سلطة التشريع الاصلية الى سن قواعد قانونية جديدة او استكمال ما يشوب التنشريعات القائمة من قصور تحقيقا لاصلاح مرتجى الا انه لا تتحقق بها الضوابط المقررة فى الفقرة الاولى من المادة ١٤٧ من الدستور، ذلك أن تلك الاسباب – تفيد أنه لم يطرأ – خلال غيبة مجلس الشعب – ظرف معين يمكن أن تتوافر معه تلك الحالة التى تحل بها رخصة التشريع الاستثنائية التى خولها الدستور لرئيس الجمهورية بمقتضى المادة ١٤٧ المشار اليها ومن ثم فان القرار بقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٧٩ – اذ صدر استنادا الى هذه المادة، وعلى خلاف الاوضاع المقررة فيها، يكون مشوبا بمخالفة الدستور. وحيث إنه لا ينال مما تقدم ما أثارته الحكومة من أن تقدير الضرورة الداعية لاصدار القرارات بقوانين عملا بالمادة ١٤٧ من الدستور متروك لرئيس الجمهورية تحت رقابة مجلس الشعب باعتبار ذلك من عناصر السياسة التشريعية التى لا تمتد اليها الرقابة الدستورية، ذلك أنه كان لرئيس الجمهورية سلطة التشريع الاستثنائية طبقا للمادة المشار اليها وفق ما تمليه المخاطر المترتبة على قيام ظروف طارئة تستوجب سرعة المواجهة وذلك تحت رقابة مجلس الشعب، الا أن ذلك لا يعنى اطلاق هذه السلطة فى اصدار قرارات بقوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التى نص عليها الدستور والتى سبق أن استظهرتها المحكمة ومن بينها اشتراط ان يطرأ – فى غيبة مجلس الشعب – ظروف من شأنه توفر الحالة الداعية لاستعمال رخصة التشريع الاستثنائية وهو ما لم يكن له قائمة بالنسبة للقرار بقانون المطعون عليه الامر الذى يحتم اخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية. وحيث إنه – من ناحية أخرى – فان اقرار مجلس الشعب للقرار بقانون المطعون عليه لا يترتب عليه سوى مجرد استمرار نفاذه بوصفه الذى نشأ عليه كقرار بقانون دون تطهيره من العوار الدستورى الذى لازم صدوره. كما أنه ليس من شأن هذا القرار فى ذاته أن ينقلب به القرار بقانون المذكور الى عمل تشريعى جديد يدخل فى زمرة القوانين التى يتعين أن يتبع فى كيفية اقتراحها والموافقة عليها واصدارها القواعد والاجراءات التى حددها الدستور فى هذا الصدد والا ترتب على مخالفتها عدم دستورية القانون. وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان القرار بقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٧٩ بتعديل بعض أحكام قوانين الاحوال الشخصية المطعون عليه قد استهدف بتنظيمه التشريعى المترابط موضوعا واحدا قصد به معالجة بعض مسائل الاحوال الشخصية المتعلقة بالاسرة على ما سلف بيانه، وكان العيب الدستورى الذى شابه قد عمه بتمامه لتخلف سند أصداره، فانه يتعين الحكم بعدم دستوريته برمته. “لهذه الأسباب” حكمت المحكمة بعدم دستورية القرار بقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٧٩ بتعديل بعض أحكام قوانين الاحوال الشخصية.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى