حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٧ لسنة ١٤ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٧ لسنة ١٤ دستورية
تاريخ النشر : ٠٩ – ٠٢ – ١٩٩٥

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم دستورية نص البند السادس من المادة الثانية من القانون رق ٧٣ لسنة ١٩٧٣ بشأن تحديد شروط وإجراءات انتخاب ممثلي العمال في مجالس إدارة وحدات القطاع العام والشركة المساهمة والجمعيات والمؤسسات الخاصة فيما تضمنه من حظر ترشيح شاغلي وظائف الإدارة العليا لعضوية مجالس إدارة شركات قطاع الأعمال العام التابعة.

الحكم

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور محمد ابراهيم ابو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف وعبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين أعضاء وحنفى على جبالى المفوض ورأفت محمد عبد الواحد امين السر .

– – – ١ – – –
تنص المادة الثانية من القانون رقم ٧٣ بشأن تحديد شرط وإجراءات انتخاب ممثلى العمال فى مجالس إدارة وحدات القطاع العام، والمشركات المساهمة والجمعيات والمؤسسات الخاصة، على انه يشترط فيمن يرشح لعضوية مجلس الإدارة أن تتوافر فيه عند الترشيح الشروط الآتية _____
“٦ ” ألا يكون من شاغلى وظائف الإدارة العليا ،____.
متى كان ذلك، وكان البين من كل من قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم ٢٠٣ لسنه ١٩٩١، والقانون رقم ٧٣ لسنه ١٩٧٣ المشار إليهما، أن أولهما أحال إلى ثانيهما فى شأن تحديد الشروط التى يتعين توافرها فيمن ينتخب ممثلا عن العاملين فى مجلس إدارة الوحدة الاقتصادية التى تتبع الشركات القابضة، ومن بينها ألا يكون أحد من هؤلاء شاغلا لوظيفة بالإدارة العليامتى كان ذلك، وكان القانون رقم ٧٣ لسنه ١٩٧٣ معمولا به عند نفاذ قانون شركات قطاع الأعمال العام، وكانت اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادر بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم ١٥٩٠ لسنه ١٩٩١ قد نصت _ ترديدا من جانبها للأحكام ذاتها التى تضمنها ذلك القانون _ على أن ينتخب العاملون فى الشركة من بينهم أعضاء غير متفرغين بمجلس الإدارة طبقا للقانون رقم ٧٣ لسنه ١٩٧٣ المشار إليه، فإن الأحكام المحال إليها ، تندمج فى قانون شركات قطاع الأعمال العام، وتشكل – بقدر اتصالها النزاع الموضوعى _ النص التشريعى المطعون عليه بعدم الدستورية بعدم الدستورية متى كان ذلك، وكان المدعى _ باعتباره شاغلا لوظيفة بالإدارة العليا _ قد حرم من الترشيح لعضوية مجلس إدارة الشركة التى يعمل بها إعمالا للبند السادس من القانون رقم ٧٣ لسنه ١٩٧٣ المحال إليه بمقتضى نص المادة ٢١ من قانون شركات قطاع الأعمال العام، فإن الطعن بعدم الدستورية ينحصر فيما تضمنه هذا البند _ مندمجا فى قانون شركات قطاع العمال العام _ من حظر ترشيح شاغلى وظائف الإدارة العليا لعضوية مجلس إدارة شركة قطاع العمال العام .

– – – ٢ – – –
تفترض الرقابة على الشرعية الدستورية دستورا مدونا جامدا تتصدر أحكامه القواعد القانونية الأدنى مرتبة منها وتعلوها ذلك أن الدستور _ إذا كان تقدميا _ يمثل ضمانة رئيسية لإنفاذ الإدارة الشعبية فى توجهها نحو مثلها الاعلى وبوجه خاص فى مجال إرسائها نظاما للحكم لا يقوم على التسلط على مقاليد الأمور، انفرادا بها، واحتكار لها، بل يعمل على توزيع السلطة فى إطار ديموقراطى بين الأفرع المختلفة التى تباشرها بما يكفل توازنها وتبادل الرقابة فيما بينها، وكان الأصل فى الدستور _ بالنصوص التى تضمنها _ أن يكون ملتزما إرادة الجماهير، معبرا عن طموحاتها، مقررا مسئولية القائمين بالعمل العام أمامها مبلورا لطاقاتها وملكاتها، كاشفا عن الضوابط والقيود التى تخول دون اقتحام الحدود التى تؤمن فعالية حقوقها وحرياتها، رادعا بالجزاء كل إخلال بها أو نكول عنها، وكان الدستور فوق هذا يرعى مصالح الجماعة بما يصون مقوماتها ويكفل إنماء القيم التى أرتضتها، بالغا من خلال ضمانها ما يكحون محققا للتضامن بين أفرادها، نابذا أنغلاقها، مقيما حرية الإبداع على دعائهما، فقد غدا من الحتم أن تعامل الوثيقة الدستورية بوصفها تعبيرا عن آمال متجددة ينبض واقعها بالحياة لتعمل من أجل تطوير مظاهرها فى بيئة بذاتها، متخذه من الخضوع للقانون إطارا لها، ولا مناص من الرجوع إليها تغليبا لأحكامها، ولأن الشرعية الدستورية فى نطاقها هى التى تكفل ارتكاز السلطة على الإرادة العامة، وتقوم اعوجاجها بما يعزز الأسس التى تنهض بها الجماعة، ويمهد الطريق لتقدمها .

– – – ٣ – – –
حرص الدستور على أن يفرض على السلطتين والتنفيذية من القيود ما ارتآه كفيلا بصون الحقوق والحريات العامة على أختلافها، ليحول دون اقتحام إحداهما المنطقة التى يحملها الحق أو الحرية بما يعطل فعالية ممارستها ولقد كان تطوير هذه الحقوق وتلك الحريات، وإنماؤها، من خلال الجهود المتواصلة الساعية لإرساء مفاهميها الدولية بين المم المتحضرة ، مطلبا أساسيا توكيدا لقيمتها الاجتماعية، وتقديرا لدورها فى مجال إشباع المصالح الحيوية المرتبطة بها ولردع كل محاولة للعدوان عليها .

– – – ٤ – – –
إذ نص الدستورية فى المادة ٢٦ منه، على أن يكون للعاملين فى المشروعات حق الاشتراك فى إدارتها ونصيب فى اباحها، وكان المشرع قد استعاض بقانون شركات قطاع العمال العام الصادر بالقانون رقم ٢٠٣ لسنه ١٩٩١ ، عن قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم ٩٧ لسنه ١٩٨٣ ، لتحل الشركات القابضة محل هيئات القطاع العام، والشركات التابعى محل الشركات التى كانت هذه الهيئات تباشر إشرافها عليها، وكان القانون الأول قد خول مجلس إدارة الشركة التابعة _ وفيما خلا ما يدخل من المسائل فى اختصاص جمعيتها العمومية _ السلطة العليا التى تهيمن بها على شئونها، باعتبارها جهة الاختصاص بتصريفها، وكذلك تقرير سياستها العامة، وتحديد الوسائل اللازمة لتحقيقها ، وإدارة محفظة أوراقها المالية، والقيام بكافة الأعمال اللازمة لتصحيح هياكلها التمويلية إلى غير ذلك مما يتصل بأغراضها، وكان الدستور من خلال ضمان حق العاملين فى الاسهام فى إدارة الوحدة الاقتصادية التى ينتمون إليها، قد كفل حقهم فى الاجتماع داخل مجلس إدارتها، باعتباره تنظيما يتبادلون فيه الآراء مع غيره من أعضاء المجلس حول مختلف شئونها، بما فى ذلك تقييم ممارساتها، وانتقاد رؤسائهم وقياداتهم، إرساء للديمقراطية، وتثبيتا لأسسها التى لا تكمل دعائمها بغير حق الأقتراع، تباشره القاعدة الأعرض من العاملين، التى تمنح ثقتها لعدد من بينهم تراه أكثر تعبيرا عن مصالحها، وأصلب عودا فى الدفاع عنها . إذ كان ما تقدم، فإن الفصل فى دستورية النص المطعون عليه، يتحدد على ضوء أحكام المواد ٢٦، ٤٠ ، ٤٧ ، ٥٤ ، ٥٥ ، ٦٢ من الدستور ن ذلك أن الإخلال بأيها عدوان عليها واقتحام لمجالاتها الحيوية التى تقوم إلا بها .

– – – ٥ – – –
تنص الفقرة الأولى من المادة ٢٦ من الدستور على أن ” للعاملين نصيبا فى إدارة المشروعات وفى أرباحها، ويلتزمون الإنتاج وتنفيذ الخطة فى وحداتهم الإنتاجية وفقا للقانون _.. ” كما تقضى فقرتها الثانية لأن ” يكون تمثيل العمال فى مجلس إدارة وحدات القطاتع العام فى حدود خمسين فى المائة من عدد أعضاء هذه المجالس __” والقول بأن الفقرة الثانية من المادة ٢٦ المشار إليها تخصص بحكمها نص فقرتها الأولى ، وتورد قيدا عليها ، مؤداه أن العاملين فى الوحدة الاقتصادية لا يملكون جميعهم حق التمثيل فى مجلس إدارتها وإنما يقتصر هذا الحق على فئة من بينهم هم الذين يصدق مصطلح ” العمال ” وهو أضيق نطاق من مصطلح ” العاملين ” ، ويقابل فى الوحدة الاقتصادية الإنتاجية موظفيها الإداريين . وتفسير الفقرة الأولى من المادة ٢٦ من الدستورية على هذا النحو، مردود بما أستقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا من أن الأصل فى عبارة النص هو أن تحمل على عمومها مالم يقم دليل على تخصيصها، فإذا خصص العام بغير دليل كان ذلك تأويلا غير مقبول، وكان عموم عبارة النص يفيد استغراقها لكل أفرادها واشتمالها بالتالى على المخاطبين بها، فلا تختص فئة من بينهم بحكمها، وكان عموم العبارة التى أفرغ الدستور فيها نص الفقرة الأولى من المادة ٢٦ منه مؤداه انصرافها إلى كل مشروع اقتصادى عام أيا كانت الأغراض التى يتوخاها وانسحابها إلى من يعملون فيه دون تخصيص أيا كان موقعهم أو درجتهم الوظيفية فإن هذه الفقرة تدل بخطابها على اتساعها لكل العاملين فى هذا المشرع . يؤيد ذلك أن الدستورية قابل الحقوق التى كفلها لهؤولاء العاملين، بواجباتهم فى مجال الإسهام فى تنفيذ الخطة الاقتصادية والاجتماعية داخل الإنتاجية، وتنمية الإنتاج فيها وجميعها واجبات لا تنحصر مسئولية الاضطلاع بها فى فئة من العاملين دون أخرى .

– – – ٦ – – –
الأصل فى النصوص القانونية هو ألا تحمل على غير مقاصدها، وألا تفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها أو يفصلها عن سياقها أو يعتبر تشويها لها ولو صح القول بأن الفقرة الأولى من المادة ٢٦ من الدستور مقصور حكمها على فئة من العاملين هو العمال الذين لا يشغلون فى وحداتهم وظيفة من وظائف الأدارة العليا، لحرم من يتولون هذه الوظائف من نصيبهم فى الأرباح، هو ما لم يقل به احد . ولا يتصور أن يكون الدستورية قد قصد إليه . يؤيد ذلك أن استقراء القوانين المتعاقبة التى نظم بها المشرع شئون العاملين بالقطاع العام، يدل على تعلقها بمن يعملون فى وحداته الأقتصادية دون تمييز بين أوضاعهم الوظيفية .
يؤيد ذلك أمرين : أولهما أن الدستور قرر بالفقرة الأولى من المادة ٢٦ منه مبدأ عاما كفل به للعاملين فى تلك المشروعات حقا فى إدارتها وفى أرباحها . ولا يتصور _ وقد جرى هذا المبدأ على أطلاق لا تقييد فيه _ أن تكون فقرتها الثانية قيدا عليه . ثانيهما أن الدستور ،إذ نص فى المواد ٨٦ ، ١٦٢ ، ١٩٦ منه على أن يكون النصف على الأقل من الأعضاء المنتخبين فى مجلس الشعب ، أو فى المجالس أن يكفل لفئتين – قدر ضعفهما فى البنيان الاجتماعى – الحد الأدنى من الحقوق التى تصور ضرورتها لتأمين مصالحها فى المجالس ذات الصفة التمثيلية . ومن ثم كان منطقيا يفوض الدستور المشرع فى بيان الشروط التى يحدد بها من يعتبر وفقا لأحكامها عاملا أو فلاحا . ولا فلاحا . ولا كذلك نص المادة الدستور التى خلت من تفوض المشرع فى شأن بيان نطاق تطبيقها ، بما مؤداه أن المقصود بالعاملين المشار إليهم فيها ، هم هؤلاء الذين يباشرون عملا دائما فى مشروع عام من خلال الوظيفة التى يشغلونها فيه ، وذلك أيا كانت طبيعة عملهم أو الأهمية التى يبلغها . وما قصد إليه الدستور حقا بنص المادة ٢٦ ، هو أن يكفل للعاملين فى وحداتهم الإنتاجية دورا ملحوظا فى إدارتها ، مع الحصول على حصة فى أرباحها ، متوخيا بذلك حفزهم على تنمية إنتاجها . ولا يتصور أن يكون استبعاد من يشغلون وظيفة بإداتها العليا من مجال أعمال هذين الحقين أو احدهما ، لازما لاستيفاء التنمية لمتطلباتها .

– – – ٧ – – –
إن العاملين فى وحداتهم الإنتاجية يملكون جميعهم وفقا للدستور حق الاقتراع لاختيار من يمثلون ويدافعون عن مصالحهم فى مجالس إدارتها ، ومن غير المفهوم أن يقف الدستور من حقهم فى الترشيح لهذه المجالس موقفا مختلفا بأن يمنعهم منه إذا كانوا شاغلين لوظيفة بعينها فى وحداتهم الإنتاجية ، حال أن المركز الأعلى لوظيفة بعينها ، منبت الصلة بالشروط الموضوعية التى يتطلبها التمثيل فى مجلس إدارتها .
يؤيد ذلك أن كلمة ” العمال ” التى تضمنتها الفقرة الثانية من المادة ٢٦ من الدستور قد وردت دون تحديد لمضمونها . ولو كان قد وردت دون تحديد لمضمونها . ولو كان الدستور قد قصد أن يكون معناها منصرفا لغير العاملين المشار إليهم لفقرتها الأولى ، لأحال _ تعريفا بها وتجلية لمحتواها _ إلى أداة أدنى .
كذلك فإذا ما نصت عليه الفقرة من المادة ٢٦ من الدستور من أن يكون تمثيل العمال فى مجالس إدارة وحدات القطاع العام فى حدود ٥٠ % من عدد أعضاء هذه المجالس، يفيد بالضرورة انصرافها إلى من يعملون فى شركات تملك الدولة رأس مالها بأكمله او غالبية أسهمها . وإذ كانت القوانين التى نظم بها المشرع أوضاع العاملين فيها لا تقيم _ فى مجال علاقة العمل التى تربطهم _ تمييزا بين فئاتهم، بل كان خطابها قاطعا فى أن كل من يقوم بعمل دائم فيها لقاء أجر، يعد عاملا بها ولو تدرج فى مناصبها إلى أعلاها، فقد تعين حمل الفقرة الثانية من المادة ٢٦ من الدستور، على فقرتها الأولى _ فى مجال كفالتها لحق العاملين فى الإسهام فى إدارة الوحدة الاقتصادية _ باعتبارهما مترابطتين .

– – – ٨ – – –
إن ضمان الدستور _ بنص المادة ٤٧ منه _ لحرية التعبير عن الآراء والتمكين من عرضها ونشرها سواء بالقول أو بالتصوير أو بطباعتها أو بتدوينها وغير ذلك من وسائل التعبير، قد تقرر بوصفها الحرية الأصل التى لا يتم الحوار المفتوح إلآ فى نطاقها، وبدونها تفقد حرية الأجتماعية مغزاها، ولا تكون لها من فائدة، وبها يكون الأفراد أحرارا لا يتهيبون موقفا، ولا يترددون وجلا، ولا ينتصفون لغير الحق طريقا .

– – – ٩ – – –
ما توخاه الدستور من خلال ضمان حرية ضمان حرية التعبير، هو أن يكون التماس الآراء والأفكار، وتلقيها عن الغير ونقلها إليه، غير مقيد بالحدود الإقليمية على اختلافها ولا منحصر فى مصادر بذواتها تعد من قنواتها، بل قصد أن تترامى آفاقها ، وأن تتعدد مواردها وأدواتها ، وأن تنفتح مسالكها ، وتفيض منابعها ” Free trade in ideas ” ” Marketplace of ideas ” ، لا يحول دون قيد يكون عاصفا بها ، مقتحما دروبها ، ذلك أن لحرية التعبير أهدافا لا تريم عنها ، ولا يتصور أن تسعى لسواها ، هى أن يظهر من خلالها ضوء الحقيقة جليا ، فلا يداخل الباطل بعض عناصرها، ولا يعتبرها بهتان ينال من محتواحا ولا يتصور أن يتم ذلك إلا من خلال اتصال الآراء وتفاعلها ومقابلتها ببعض ، وقوفا على ما يكحون منها زائفا أو صائبا، ومنطويا على مخاطر واضحة، أو محققا لمصلحة مبتغاه . ولازم ذلك أن الدستور لا يرمى من وراء ضمان حرية التعبير ان تكون مدخلا إلى توافق عام ، بل تغيا بضمانها أن يكون كافلا لتعدد الآرا Plurality of Opinions وإرسائها على قاعدة من جديد المعلومات Neutrality of Information ليكون ضوء الحقيقة منارا لكل عمل، ومحددا لكل اجاه .

– – – ١٠ – – –
إن الدستورية بعد أن أرسى القاعدة العامة التى تقوم عليها حرية التعبير بنص المادة ٤٧ ن حرص على أن يزاوجها ويكملها بإحدى صورها الأكثر أهمية والأبلغ أثرا، فكفل للصحافة حريتها كأصل عام ليحول دون التدخل فى شئونها من خلال القيود التى ترهق رسالتها أو تعطل خدماتها فى بناء مجتمعاتها وتطويرها وليؤمن من خلالها أفضل الفرص التى تكفل تدفق الأنباء والآراء والأفكار ونقلها إلى القطاع الأعرض من الجماهير، وبوجه خاص بنشر كل مطبوع يكون من أدواتها A Vehicle of Information and Opinion ، ولئن كان الدستور قد أجاز فرض رقابة محدودة عليها، فذلك فى الأحوال الاستثنائية، ولمواجهة تلك المخاطر الداهمة التى حددتها المادة ٤٨ من الدستور .

– – – ١١ – – –
عزز الدستور حرية التعبير ، بتلك التى يقتضيها إجراء البحوث العلمية وإنمائها على تباين مناهجها وأنماطها، باعتبار أن هذه البحوث وان كان أصلها جهداً فردياً، إلا أن قيمتها لا تكمن فى اطرائها، ولكن فيما يمكن أن يكون انتقادا لنتائجها، وتصويباً لاخطائها. ثم قرن الدستور هاتين الحريتين بالابداع فنياً وثقافياً، توكيداً لقيم الحق والخير والجمال ودون اخلال بوسائل تشجيعها، وأكمل حلقاتها حين خول كل ةرد. بنص المادة _ أن يتقدم بظلاماته الى السلطات العامة التى يكون بيدها رد ما وقع عليه من الأعمال الجائرة، والتعويض عن آثارها، على أساس من الحق والعدل .

– – – ١٢ – – –
إن حرية التعبير التى تؤمنها المادة ٤٧ من الدستور، أبلغ ما تكون أثرا فى مجال اتصالها بالشئون العامة وعرض أوضاعها تبيانا لنواحى التقصير فيها وتقويما لاعوجاجها، وكان حق الفرد فى التعبير عن الآراء التى يريد إعلانها ليس معلقا على صحتها، ولا مرتبطا بتمشيها مع الاتجاه العام فى بيئة بذاتها، ولا بالفائدة العملية التى تمكن أن تنتجها . إنما أراد الدستور بضمان حرية التعبير أن تهيمن مفاهيمها على مظاهر الحياة فى اعماق منابتها، بما يحول بين السلطة العامة ، وفرض وصايتها على العقل العام Public Mind ، فلا تكون معاييرها مرجعا لتقييم الآراء التى تتصل بتكوينه، ولا عائقا دون تدفقها .

– – – ١٣ – – –
من المقرر كذلك أن حرية التعبير وتفاعل الآراء التى تتولد عنها لا يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارستها سواء من ناحية
فرض قيود مسبقة على نشرها و من ناحية العقوبة اللاحقة التى تتوخى قمعها بل يتعين أن ينتقل المواطنون من خلالها _ وعلانية _ تلك الأفكار التى تجول فى عقولهم، فلا يتهامسون بها نجيا ،بل يطرحونها عزما _ ولو عارضتها السلطة العامة _ إحداثا من جانب هو بالوسائل السليمة _ لتغيير قد يكون النفاذ إليها ممكنا فى غيبة حرية التعبير كذلك فإن الذين يعتصمون بنص المادة ٤٧ من الدستور، لا يملكون مجرد الدفاع عن القضايا التى يؤمنون بها، بل كذلك اختيار الوسائل التى يقدرون مناسبتها وفعاليتها سواء فى مجال عرضها أو نشرها، ولو كان بوسعهم إحلال غيرها من البدائل لترويجها . ولعل أكثر ما يهدد حرية التعبير أن يكون الإيمان بها شكليا أو سلبيا بل يتعين أن يكون الإصرار عليها قبولا بتبعاتها، وألا يفرض أحد على غيره صمتا ولو بقوة القانون Enforced Silence . ذلك أن عدوان الدولة عليها بما يعطلها أو يقلصها، يولد الفزع منها ولن يثير بطشها إلا الإعراض عنها واقتحام لها يباعد بينها وبين مواطنيها وقد يغريهم بعصيانها، ولا يعدو أن يكون إهدارا لسلطان العقل، وتغييبا ليقظة الضمير .

– – – ١٤ – – –
حرية التعبير التى كلفها الدستور، هى القاعدة فى كل تنظيم ديموقراطى لا يقوم إلا بها، ذلك أن أهم ما يميز الوثيقة الدستورية ويحدد ملامحها الرئيسية، هو ان الحكومة خاضعة لمواطنيها ولا يفرضها إلا الناخبون . وكلما أعاق القائمون بالعمل العام أبعاد هذه الحرية وكان ذلك من جانبهم هدما للديمقراطية فى محتواها المقرر دستوريا ، وإنكارا لحقيقية أن حرية التعبير لا يجوز فصلها عن أدواتها ، وأن وسائل مباشرتها يجب أن ترتبط بغاياتهافلا يعطل مضمونها أحد ولا يناقض الأغراض المقصودة من إرسالها .
وما الحق فى الرقابة الشعبية النابعة من يقظة المواطنين المعنيين بالشئون العامة، الحريصين على متابعة جوانبها، وتقرير موقفهم من سلبياتها، إلا فرعا من حرية التعبير، ونتاجا لها .

– – – ١٥ – – –
الحق فى التجمع ـ بما يقوم عليه من انضمام عدد من الأشخاص الى بعضهم لتبادل وجهات النظر فى شأن المسائل التى تعنيهم. من الحقوق التى كفلتها المادتان ٥٤، ٥٥ من الدستور، وذلك سواء نظرنا اليه باعتباره حقاً مستقلاً عن غيره من الحقوق، أم على تقدير أن حرية التعبير تشتمل عليه باعباره كافلا لأهم قنواتها، محققاً من خلالها أهدافها.
وهذا الحق ـ وسواء أكان حقا أصيلا أم تابعا _ اكثر ما يكون اتصالا بحرية عرض الآراء وتداولها كلما اقام أشخاص يؤيدون موقفا أو أتجاها معينا، تجمعا منظما Ordered Assemblage يحتويهم، يوظفون فيه خبراتهم ويطرحون أمالهم . ويعرضون فيه كذلك لمصاعبهم، ويتناولون بالحوار ما يؤرقهم، ليكون هذا التجمع نافذا يطلون ومنها على ما يعتمل فى نفوسهم، صورة حيه لشكل من أشكال التفكير الجماعى Collective Thinking ، وكان تكوين بنيان كل تجمع _ وسواء أكان الغرض من الخروج منه قهرا . وهو فى محتواه لا يتمحض عن مجرد الاجتماع بين أشخاص متباعدين ينعزلون البعض، بل يرمى بالوسائل السليمة إلى أن يكون إطارا يضمهم، ويعبرون فيه عن مواقفهم وتوجهاتهم ومن ثم كان هذا الحق متداخلا مع حرية التعبير، ومكونا لأحد عناصر الحرية الشخصية التى لا يجوز تقييدها بغير اتباع الوسائل الموضوعية والإجرائية التى يتطلبها الدستور أو كلفها القانون، واقعا عند بعض فى نطاق الحدود التى يفرضها صون خواص حياتهم واعماق حرمتها بما يحول دون اقتحام أغوارها أو تعقبها لغير مصلحة جوهرية لها معينها ، لازما اقتضاء ولم يرد بشأنه نص فى الدستور ، كافلا للحقوق التى أحصاها ضماناتها، محققا فعالياتها، سابقا على وجود الدساتير ذاتها مرتبطا بالمدينة فى مختلف مراحل تطورها، كامنا فى النفس البشرية تدعو إليه فطرتها وهو فوق هذا من الحقوق التى لا يجوز النزول عنها .

– – – ١٦ – – –
حرية التعبير ذاتها تفقد قيمتها إذا جحد المشرع حق من يلوذون بها فى الاجتماع المنظم، وحجب بذلك تبادل الآراء فى دائرة أعراض بما يحول دون تفاعلها وتصحيح بعضها لبعض ،ويعطل تدفق الحقائق التى تتصل باتخاذ القرار ويعوق انسياب روافد تشكيل الشخصية الإنسانية التى لا يمكن تنميتها إلا فى شكل من أشكال الاجتماع، ذلك أن الاتعزال عن الآخرين، يؤول إلى استغلاء وجهة النظر الفردية وتسليطها، ولو كان أفقها ضيقا Narrowness أو كان عقمها، أو تحزبها One – Sidededness باديا .
كذلك فإن هدم حرية الاجتماع إنما يقوض الأسس التى لا يقوم بدونها نظام للحكم يكون مستندا إلى الإرادة الشعبية . ولا تكون الديمقراطية فيه بديلا مؤقتا أو إجماعا زائفا ، او تصالحا مرحليا لتهدئة الخواطر ، بل شكلا مثاليا لتنظيم العمل لحكومى وإرساء قواعده . ولازم ذلك امتناع تقييد حرية الاجتماع إلا وفق القانون، وفى الحود التى تتسامح فيها النظم الديموقراطية، وترتضيها القيم التى تدعو إليها .

– – – ١٧ – – –
من المقرر كذلك أن حق المرشحين فى الفوز بعضوية المجالس التى كفل الدستور أو المشرع صفتها التمثيلية، ولا يتنفصل عن حق الناخبين فى الإدلاء بأصواتهم لاختيار من يثقون فيه من بينهم . ذلك أن هذين الحقين مرتبطان ويتبادلان التأثير فيما بينهما، ولا يجوز بالتالى أن تفرض على مباشرة أيهما تلك القيود التى لا تتصل بتكامل العملية الانتخابية وضمان مصداقيتها Integrity and Reliabiliy of the Electoral Process أو بما يكون كافلا إنصافها وتدفق الحقائق الموضوعية المتعلقة بها بل يجب أن تتوافر لها بوجه عام أسس ضبطها ، بما يصون حيدتها، ويحقق الفرص المتكافئة بين المتزاحمين عليها .
ومن ثم تقع هذه القيود فى حمأة المخالفة الدستورية إذا كان مضمونها وهدفها مجرد حرمان فئة من العاملين فى الوحدة الاقتصادية _ دون أسس موضوعية _ من فرص الترشيح لعضوية مجلس إدارتها . وذلك أن أثرها هو أبعاد هؤلاء عن العملية الانتخابية بأكملها، وبصورة نهائية وحجبهم بالتالى عن الإسهام فيها، بما مؤداه أحتكار غرمائهم لها وسيطرتهم عليها دون منازع،وإنهاء حق المبعدين عنها فى إدارة الحوار حول برامجهم وتوجهاتهم وهو ما يقلص من دوائر الاختيار التى يتيحها المشرع للناخبين وبوجهم، وبوجه خاص كلما كان المبعدون أدنى إلى ثقتهم ، وأجدر بالدفاع عن حقوقهم .
بل إن القيم العليا لحرية التعبير _ بما تقوم عليه من تنوع الآراء وتدفقها وتزاحمها _ ينافيها ألا يكون الحوار المتصل بها فاعلا ومفتوحا ، بل مقصورا على فئة بذاتها من العاملين فى الوحدة الاقتصادية ، أو منحصرا فى مسائل بذواتها لا يتعداها .

– – – ١٨ – – –
حق الناخبين فى الاجتماع، مؤداه ألا تكون الحملة الانتخابية _ التى تعتبر قاعدة لتجمعاتهم وإطارا يحددون من خلالها أو لوياتهم _ محدودة آفاقها تفضى إليه من تضاؤل فرصهم التى يفاضلون من خلالها أولوياتهم – محدودة آفاقها تفضى إليه من تضاؤل فرصهم التى يفاضلون من خلالها بين عدد أكبر من المرشحين، وانتقاء من يكون من بينهم شريكا معهم فى أهدافهم :Like – Minded Citizens قادرا على النضال من أجل تحقيقها .

– – – ١٩ – – –
من المقرر أن حق تنظيم العملية الانتخابية سواء من حيث زمنها أو مكان إجرائها أو كيفية مباشرتها The Time , Place and Manner of Elections يجوز أن ينال من الحقوق التى ربطها الدستور بها بما يعطل جوهرها .
كذلك لا يجوز التذرع بتنظيمها لتامين مصالح جانبية محدودة أهميتها، ولا التدخل بالقيود التى يفرضها المشرع عليها للحد من حرية التعبير – وهى قاعدة التنظيم الانتخابى ومحوره _ ذلك أن غايتها أن توافر لهيئة الناخبين الحقائق التى تعينها على تحديد موقفها من المرشحين الذين يريدون الظفر بثقتها، من خلال تعريفها بأحقهم فى الدفاع عن مطالبها، وبمراعاة ملكاتهم وقدراتهم، لتكون مفاضلتها بينهم على أسس موضوعية لها ما يظاهرها، ووفق قناعتها بموقفهم من قضاياها، ومن المسائل التى يدور حولها الجدل .

– – – ٢٠ – – –
إن النص المطعون عليه _ بما حدده من شروط يتعين توافرها فيمن يرشح لعضوية مجلس إدارة الوحدة الاقتصادية _ قد أعاق فئة بذاتها من العاملين هم الشاغلون لوظيفة بإدارتها العليا _ من نشر الأفكار ةوالآراء التى يؤمنون بها والدفاع عن توجهاتهم، ونقل رسالتهم هذه إلى هيئة الناخبين التى لا يجوز فرض الوصاية عليها، ولا تعريضها لتأثير يؤول إلى تفككها أو اضطرابها أو بعثرة تكتلاتها، ولا أن تعاق قنواتها إلى الحقائق التى ترد النفاذ إليها، ولا حرمان أفرادها أو فئة من بينهم _ لها توجهها الخاص _ من أن تكون تجمعاتهم طريقا إلى بلورة أفكارهم، وتحديد مطالبهم، وإنفاذا لإرادتهم من خلال أصواتهم التىلا يجوز تقييد فرض الإدلاء بها دون مقتض . متى كان ذلك من المقرر أن اتساع قاعدة الاختيار فيما بين المرشحين، ضمانة أساسية توفر لهيئة الناخبين ظروفا أفضل تمنح من خلالها ثقتها لعناصر من بينهم تكون عندها أجدر بالدفاع عن مصالحها، فإن قاعدة الاختيار هذه _ إذا ما حد المشرع من نطاقها وضيق من دوائرتها _ تؤثر مآلا فى حق الاقتراع، وتنال من فاعليته .

– – – ٢١ – – –
إن الدساتير المصرية جميعها بدءا بدستور سنه ١٩٢٣ ، وإنتهاء بالدستور القائم، ورددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون De Jure ، وكفلت تطبيقة على المواطنين كافة باعتباره أساس العدل، والحرية، والسلام الاجتماعى، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل تتمثل أصلا فى صون حقوق المواطنين وحرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ _ فى جوهره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل يمتد مجال أعمالها كذلك، إلى تلك التى كفلها المشرع للمواطنين فى حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققا للمصلحة العامة .

– – – ٢٢ – – –
لئن نص الدستور فى المادة ٤٠ منه على حظر التمييز بين المواطنين فى احوال بعينها، هى تلك التى يقوم التمييز فيها على أساس الجنس او الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، إلا أن إيراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظورا فيها مرده أنها الأكثر شيوعا فى الحياة العملية ولا يدل البتة على أنحصاره فيها إذ لو صح ذلك لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزا دستوريا، وهو ما يناقض المساواة التى كفلها الدستور، ويحول دون إرساء أسسها، وبلوغ غاياتها .
وآية ذلك أن من صور التمييز التى أغفلتها المادة ٤٠ من الدستور، ما لا يقل عن غيرها خطرا سواء من ناحية محتواها أو من جهة الآثار التى ترتبها كالتمييز بين المواطنين فى نطاق الحقوق التى يتمتعون بها، أو الحريات التى يمارسونها لاعتبار مرده إلى مولدهم، او مركزهم الاجتماعى، أو انتمائهم الطبقى، أو ميولهم الحزبية، أو نزعاتهم العرقية، أو عصيبتهم القبلية، أو إلى موقفهم من السلطة العامة، أو إعراضهم عن تنظيماتها، او تبنيهم لأعمال بذاتها، وغير ذلك من أشكال التمييز التى لا تظاهرها أسس موضوعية تقيمها، وكان من المقرر أن صور التمييز المجانية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة، أو تقييد او تفصيل، أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التى كفلها الدستور، أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانونا للانتفاع بها، وبوجه خاص على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغير ذلك شاغلى وظائف الإدارة العليا بالوحدات الاقتصادية من فرض الترشيح التى كفلها لغيرهم من العاملين بها رغم تماثلهم جميعا من مراكزهم القانونية، ودون أن يستند هذا التمييز إلى أسس موضوعية يقتضيها التمثيل فى مجالس إدارتها، فإن هذا التمييز يكون تحكميا ومنهيا عنه بنص المادة ٤٠ من الدستور .

– – – ٢٣ – – –
إذ كان النص المطعون عليه، يناقض _ بالصيغة التى أفراغها المشرع فيه _ حكم المادة ٢٦ من الدستور، ويخل كذلك بالحقوق التى كفلها فى مجال حرية التعبير وحق الاجتماع وحق الاقتراع المنصوص عليها فى المواد ٤٧ ، ٥٤ ، ٥٥ ٦٢ منه ، وينتهك فوق هذا مبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه فى المادة ٤٠، فإن الحكم بعدم دستوريته يكون متعينا .

[الطعن رقم ١٧ – لسنــة ١٤ ق – تاريخ الجلسة ١٤ / ٠١ / ١٩٩٤ – مكتب فني ٦ – رقم الجزء ١ – رقم الصفحة ٤٤٠ – تم قبول هذا الطعن]

بعد الاطلاع علي الأوراق ، والمداولة ٠ حيث إن الوقائع – على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى – ويعمل مديرا عاما للمشتريات بالشركة المدعي عليها – كان قد تقدم للترشيح لعضوية مجلس إدارتها كممثل للعاملين بها ، إلا أن المدعي عليه الثالث رفض ذلك بمقولة أن هذا الترشيح محظور على شاغلى وظائف الإدارة العليا ، مما حمل المدعى على أن يقيم أمام محكمة دمنهور الابتدائية الدعوى رقم ١٤٩٣٠ لسنة ١٩٩١ مدنى كلى بطلب الحكم بأحقيته في ذلك الترشيح ٠ وأثناء نظرهذا النزاع ، دفع بعدم دستورية نص البند ج من المادة ٢١ من قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم ٢٠٣ سنة ١٩٩١ ، والبند السادس من المادة الثانية من القانون رقم ٧٣ لسنة ١٩٧٣ ، واذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع ، فقد أجلت نظر الدعوى ، وصرحت للمدعى برفع الدعوى الدستورية ، فأقامها ٠ وحيث إن المادة ٢١ من قانون شركات قطاع الأعمال العام تنص على ما يأتى << مع مراعاة أحكام المادة (٤) من هذا القانون ، يتولى إدارة الشركة التى يملك رأس مالها بأكمله شركة قابضة بمفردها أو بالاشتراك مع شركات قابضة أخرى أوأشخاص عامه أو بنوك القطاع العام ، مجلس إداره يعين لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد ، ٠٠٠٠٠٠٠ ويتكون مجلس الإدارة من عدد فردى من الأعضاء لايقل عن خمسة ولايزيد على تسعة بمن فيهم رئيس المجلس ، علي النحو التالى ٠٠٠٠٠٠٠٠ (ج) عدد من الأعضاء مماثل لعدد الأعضاء ذوى الخبرة ، يتم انتخابهم من العاملين بالشركة طبقا لأحكام القانون المنظم لذلك ” ٠ وتنص المادة الثانية من القانون رقم ٧٣ لسنة ١٩٧٣ بشأن تحديد شروط وإجراءات انتخاب ممثلى العمال فى مجالس إدارة وحدات القطاع العام ، والشركات المساهمة والجمعيات والمؤسسات الخاصة ، على أنه ” يشترط فيمن يرشح لعضوية مجلس الإدارة أن تتوافر فيه عند الترشيح الشروط الآتية ٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ ( ٦) ألا يكون من شاغلى وظائف الإدارة العليا ، ٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠” وحيث إن البين من كل من قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادربالقانون رقم ٢٠٣ سنة ١٩٩١، والقانون رقم ٧٣ لسنة ١٩٧٣ المشار إليهما ، أن أولهما أحال إلى ثانيهما فى شأن تحديد الشروط التى يتعين توافرها فيمن ينتخب ممثلا عن العاملين فى مجلس إدارة الوحدة الاقتصادية التي تتبع الشركة القابضة ، ومن بينها ألا يكون أحد من هؤلاء شاغلا لوظيفة بالادارة العليا ٠ متى كان ذلك ، وكان القانون رقم ٧٣ لسنة ١٩٧٣ معمولا به عند نفاذ قانون شركات قطاع الأعمال العام ، وكانت اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم ١٥٩٠ لسنة ١٩٩١ قد نصت ترديدا من جانبها للأحكام ذاتها التى تضمنها ذلك القانون على أن ينتخب العاملون فى الشركة من بينهم أعضاء غير متفرغين بمجلس الإدارة طبقا للقانون رقم ٧٣ لسنة ١٩٧٣ المشار إليه ، فإن الأحكام المحال إليها تندمج فى قانون شركات قطاع الأعمال العام ، وتشكل بقدر اتصالها بالنزاع الموضوعى النص التشريعى المطعون عليه بعدم الدستورية ٠ متي كان ذلك ، وكان المدعى باعتباره شاغلا لوظيفة بالإدارة العليا قد حرم من الترشيح لعضوية مجلس إدارة الشركة التي يعمل بها إعمالا للبند السادس من القانون رقم ٧٣ لسنة ١٩٧٣المحال إليه بمقتضى نص المادة ٢١ من قانون شركات قطاع الأعمال العام ، فإن الطعن بعدم الدستورية ينحصرفيما تضمنه هذا البند – مندمجا فى قانون شركات قطاع الأعمال العام – حظر ترشيح شاغلى وظائف الإدارة العليا لعضوية مجلس إدارة شركة قطاع الأعمال العام ٠ وحيث إن الرقابة على الشرعية الدستورية تفترض دستورا مدونا جامدا تتصدر أحكامه القواعد القانونية الأدنى مرتبة منها وتعلوها ، ذلك أن الدستور – إذا كان تقدميا – يمثل ضمانة رئيسية لإنفاذ الإرادة الشعبية في توجهها نحو مثلها الأعلي ، وبوجه خاص فى مجال إرسائها نظاما للحكم لايقوم علي التسلط على مقاليد الأمور انفراداً بها واحتكاراً لها بل يعمل على توزيع السلطة فى إطار ديموقراطى بين الأفرع المختلفة التى تباشرها بما يكفل توازنها وتبادل الرقابة فيما بينها ، وكان الأصل فى الدستور – بالنصوص التى يتضمنها – أن يكون ملتزما إرادة الجماهير ، معبرا عن طموحاتها ، مقرراً مسئولية القائمين بالعمل العام أمامها ، مبلورا لطاقاتها وملكاتها ، كاشفا عن الضوابط والقيود التي تحول دون اقتحام الحدود التى تؤمن فعالية حقوقها وحرياتها ، رادعا بالجزاء كل إخلال بها أو نكول عنها ، وكان الدستور فوق هذا يرعى مصالح الجماعة بما يصون مقوماتها ، ويكفل إنماء القيم التي ارتضتها ، بالغا من خلال ضمانها ما يكون محققاللتضامن بين أفرادها ، نابذا انغلاقها ، مقيما حرية الإبداع على دعائمها ، فقد غدا من الحتم أن تعامل الوثيقة الدستورية بوصفها تعبيرا عن آمال متجددة ينبض واقعها بالحياة ، لتعمل من أجل تطويرمظاهرها فى بيئة بذاتها ، متخذة من الخضوع للقانون إطارا لها ، ولا مناص من الرجوع إليها تغليبا لأحكامها ، ولأن الشرعية الدستورية فى نطاقها هى التى تكفل ارتكازالسلطة على الإرادة العامة ، وتقوم اعوجاجها بما يعزز الأسس التى تنهض بها الجماعة ، ويمهد الطريق لتقدمها ٠ وحيث إن الدستور حرص على أن يفرض على السلطتين التشريعية والتنفيذية من القيود ما ارتآه كفيلا بصون الحقوق والحريات العامة على اختلافها ، ليحول دون اقتحام إحداهما المنطقة التى يحميها الحق أو الحرية بما يعطل فعالية ممارستها ٠ ولقد كان تطوير هذه الحقوق وتلك الحريات ، وإنمائها ، من خلال الجهود المتواصلة الساعية لإرساء مفاهيمها الدولية بين الأمم المتحضرة ، مطلبا أساسيا توكيدا لقيمتهاالاجتماعية ، وتقديرا لدورها في مجال إشباع المصالح الحيوية المرتبطة بها ، ولردع كل محاولة للعدوان عليها ٠ وحيث إن الدستور قد نص فى المادة ٢٦ منه على أن يكون للعاملين فى المشروعات حق الاشتراك فى إدارتها ونصيب فى أرباحها ، وكان المشرع قد استعاض بقانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم ٢٠٣ سنة ١٩٩١، عن قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم ٩٧ لسنة ١٩٨٣ ، لتحل الشركات القابضة محل هيئات القطاع العام ، والشركات التابعة محل الشركات التي كانت هذه الهيئات تباشر إشرافها عليها ، وكان القانون الأول قد خول مجلس إدارة الشركة التابعة وفيما خلا ما يدخل من المسائل في اختصاص جمعيتها العمومية السلطة العليا التى تهيمن بها علي شئونها ، باعتبارها جهة الاختصاص بتصريفها ، وكذلك تقرير سياستها العامة ، وتحديد الوسائل اللازمة لتحقيقها ، وإدارة محفظة أوراقها المالية ، والقيام بكافة الأعمال اللازمة لتصحيح هياكلها التمويلية إلى غير ذلك مما يتصل بأغراضها ، وكان الدستورمن خلال ضمان حق العاملين فى الاسهام فى إدارة الوحدة الاقتصادية التى ينتمون إليها ، قد كفل حقهم فى الاجتماع داخل مجلس إدارتها ، باعتباره تنظيما يتبادلون فيه الآراء مع غيرهم من أعضاء المجلس حول مختلف شئونها ، بما فى ذلك تقييم ممارساتها ، وانتقاد رؤسائهم وقياداتهم ، إرساء للديموقراطية ، وتثبيتا لأسسها التى لاتكتمل دعائمها بغير حق الاقتراع تُباشره القاعدة الأعرض من العاملين ، التى تمنح ثقتها لعدد من بينهم تراه أكثر تعبيرا عن مصالحها ، وأصلب عودا فى الدفاع عنها ٠ إذ كان ماتقدم ، فإن الفصل فى دستورية النص المطعون عليه ، يتحدد على ضوء أحكام المواد ٢٦ ، ٤٠ ، ٤٧ ، ٥٤ ، ٥٥ ، ٦٢ من الدستور ، ذلك أن الإخلال بأيها عدوان عليها ، واقتحام لمجالاتها الحيويه التى لاتقوم إلا بها ٠ وحيث إن الفقرة الأولى من المادة ٢٦ من الدستور تنص على أن << للعاملين نصيب فى إدارة المشروعات وفى أرباحها ، ويلتزمون بتنمية الإنتاج و تنفيذ الخطة فى وحداتهم الانتاجية وفقا للقانون ٠٠٠٠>> كما تنص فقرتها الثانية على أن << يكون تمثيل العمال فى مجالس إدارة وحدات القطاع العام فى حدود خمسين فى المائة من عدد أعضاء هذه المجالس ٠٠٠٠٠٠>> وحيث إن هيئة قضايا الدولة ذهبت إلي القول بأن الفقرة الثانية من المادة ٢٦ المشار إليها تُخصص بحكمها نص فقرتها الأولى ، وتُورد قيدا عليها ، مؤداه أن العاملين في الوحدة الاقتصادية لايملكون جميعهم حق التمثيل فى مجلس إدارتها ، وإنما يقتصر هذا الحق على فئة من بينهم هم الذين يصدق عليهم مصطلح ” العمال” وهو أضيق نطاقا من مصطلح” العاملين “، ويقابل فى الوحدة الاقتصادية الإنتاجية موظفيها الإداريين ٠ وحيث إن هذا الدفاع مردود أولا بما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا من أن الأصل فى عبارةالنص هو أن تحمل على عمومها مالم يقم دليل على تخصيصها ، فإذا خصص العام بغير دليل ، كان ذلك تأويلا غير مقبول ، وكان عموم عبارة النص يفيد استغراقها لكل أفرادها ، واشتمالها بالتالى على المخاطبين بها ، فلا تختص فئة من بينهم بحكمها ، وكان عموم العبارة التى أفرغ الدستور فيها نص الفقرة الأولى من المادة ٢٦ منه ، مؤداه انصرافها إلى كل مشروع اقتصادي عام أيا كانت الأغراض التي يتوخاها ، وانسحابها إلى من يعملون فيه دون تخصيص أيا كان موقعهم أو درجتهم الوظيفية ، فإن هذه الفقرة تدل بخطابها على اتساعها لكل العاملين فى هذا المشروع ٠ يؤيد ذلك أن الدستور قابل الحقوق التي كفلها لهؤلاء العاملين ، بواجباتهم فى مجال الإسهام فى تنفيذ الخطة الاقتصادية والاجتماعية داخل وحداتهم الإنتاجية ، وتنمية الإنتاج فيها ٠ وجميعها واجبات لاتنحصر مسئولية الاضطلاع بها فى فئة من العاملين دون أخرى ٠ ومردود ثانيا : بأن الأصل فى النصوص القانونية هو ألا تحمل على غير مقاصدها ، وألا تفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها أو يفصلها عن سياقها أو يعتبرتشويها لها ٠ ولو صح القول بأن الفقرة الأولى من المادة ٢٦ من الدستور مقصورحكمها على فئة من العاملين ، هم العمال الذين لايشغلون فى وحداتهم وظيفة من وظائف الإدارة العليا ، لحُِرم من يتولون هذه الوظائف من نصيبهم فى الأرباح ، وهو مالم يقل به أحد ٠ ولايتصور أن يكون الدستور قد قصد إليه ٠ يؤيد ذلك أن استقراءالقوانين المتعاقبة التى نظم بها المشرع شئون العاملين بالقطاع العام ، يدل على تعلقها بمن يعملون فى وحداته الاقتصادية دون تمييز بين أوضاعهم الوظيفية. ومردود ثالثا : بأن الدستور قرر بالفقرة الأولى من المادة ٢٦ منه ، مبدأ عاما كفل به للعاملين فى تلك المشروعات حقا فى إدارتها وفى أرباحها ٠ ولايتصور وقد جرى هذا المبدأ على اطلاق لا تقييد فيه أن تكون فقرتها الثانية قيدا عليه٠ ومردود رابعا : بأن الدستور ، إذ نص فى المواد ٨٦ ، ١٦٢ ، ١٩٦ نه على أن يكون النصف على الأقل من الأعضاءالمنتخبين فى مجلس الشعب ، أو فى المجالس الشعبية المحلية ، أو فى مجلس الشورى من العمال والفلاحين ، فقد قصد بذلك أن يكفل لفئتين – قَدَّرضعفهما فى البنيان الاجتماعي – الحد الأدنى من الحقوق التى تصورضرورتهالتأمين مصالحها فى المجالس ذات الصفةالتمثيلية ٠ ومن ثم كان منطقيا أن يفوض الدستورالمشرع فى بيان الشروط التى يحدد بها من يعتبر وفقا لأحكامها عاملا أوفلاحا ٠ ولا كذلك نص المادة ٢٦ من الدستورالتى خلت من تفويض المشرع فى شأن بيان نطاق تطبيقها ، بما مؤداه أن المقصود بالعاملين المشار إليهم فيها ، هم هؤلاء الذين يباشرون عملا دائما فى مشروع عام من خلال الوظيفة التى يشغلونها فيه ، وذلك أيا كانت طبيعة عملهم أو الأهمية التى بلغها٠ يؤيد ذلك أن ما قصد إليه الدستور بنص المادة ٢٦ منه ، هو أن يكفل للعاملين فى وحداتهم الانتاجية دورا ملحوظا فى إدارتها ، مع الحصول على حصة في أرباحها ، متوخيا بذلك حفزهم على تنمية إنتاجها ٠ ولايتصور أن يكون استبعاد من يشغلون وظيفة بإدارتها العليا من مجال إعمال هذين الحقين أو أحدهما ، لازما لاستيفاء التنمية لمتطلباتها ٠ ومردود خامسا : بأن العاملين فى وحداتهم الإنتاجية يملكون جميعهم وفقا للدستور حق الاقتراع لاختيار من يمثلونهم ويدافعون عن مصالحهم في مجالس إدارتها ، ومن غير المفهوم أن يقف الدستور من حقهم في الترشيح لهذه المجالس موقفا مختلفا بأن يمنعهم منه إذا كانوا شاغلين لوظيفة بعينها في وحدتهم الإنتاجية ، حال أن المركز الأعلي لوظيفة بعينها منبت الصلة بالشروط الموضوعية التى يتطلبها التمثيل في مجلس إدارتها ٠ ومردود سادسا : بأن كلمة << العمال >> التى تضمنتها الفقرة الثانية من المادة ٢٦ من الدستور قد وردت دون تحديد لمضمونها ٠ ولو كان الدستورقد قصد أن يكون معناها منصرفا لغيرالعاملين المشار إليهم بفقرتهاالأولى ، لأحال تعريفا بها وتجلية لمحتواها إلى أداة أدنى ٠ ومردود سابعا : بأن ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة ٢٦ من الدستور من أن يكون تمثيل العمال فى مجالس إدارة وحدات القطاع العام في حدود ٥٠% من عدد أعضاء هذه المجالس ، يفيد بالضرورة انصرافها إلي من يعملون فى شركات تملك الدولة رأس مالها بأكمله أو غالبية أسهمها ٠ وإذ كانت القوانين التى نظم بها المشرع أوضاع العاملين فيها ، لاتقيم فى مجال علاقة العمل التى تربطهم بها تمييزا بين فئاتهم ، بل كان خطابها قاطعا فى أن كل من يقوم بعمل دائم فيها لقاء أجر، يعد عاملا بها ولو تدرج فى مناصبها إلى أعلاها ، فإن الفقرة الثانية من المادة ٢٦ من الدستور يتعين حملها على فقرتها الأولى فى مجال كفالتها لحق العاملين في الاسهام فى إدارة الوحدة الاقتصادية باعتبارهما مترابطتين ٠ وحيث إن ضمان الدستور بنص المادة ٤٧ منه لحرية التعبير عن الآراء والتمكين من عرضها ونشرها سواء بالقول أو بالتصوير أو بطباعتها أو بتدوينها وغير ذلك من وسائل التعبير ، قد تقرر بوصفها الحرية الأصل التى لايتم الحوار المفتوح إلا فى نطاقها ، وبدونها تفقد حرية الاجتماع مغزاها ، ولاتكون لها من فائدة ، وبها يكون الأفراد أحرارا لايتهيبون موقفا ، ولايترددون وجلاً ، ولاينتصفون لغير الحق طريقاً ٠ وحيث إن ماتوخاه الدستور من خلال ضمان حرية التعبير ، هو أن يكون التماس الآراء والأفكار، وتلقيها عن الغير ونقلها إليه ، غير مقيد بالحدود الإقليمية على اختلافها ولامنحصر فى مصادر بذواتها تعد من قنواتها ، بل قصد أن تترامى آفاقها ، وأن تتعدد مواردها وأدواتها ، وان تنفتح مسالكها ، وتفيض منابعها [Marketplace of ideas] [free trade in ideas] ، لايحول دون ذلك قيد يكون عاصفا بها ، مقتحما دروبها ، ذلك أن لحرية التعبير أهدافا لاتريم عنها ، ولايتصورأن تسعى لسواها ، هى أن يظهر من خلالها ضوء الحقيقة جليا ، فلا يُداخل الباطل بعض عناصرها ، ولإيعتريها بهتان ينال من مُحتواها ٠ ولايتصور أن يتم ذلك إلا من خلال اتصال الآراء وتفاعلها ومقابلتها ببعض ، وقوفا على مايكون منها زائفا أو صائبا ، منطويا على مخاطرواضحة ، أومحققا لمصلحة مبتغاه ٠ولازم ذلك أن الدستور لايرمى من وراء ضمان حرية التعبير ، أن تكون مدخلاً إلى توافق عام ، بل تغيا بضمانها ، أن يكون كافلاً لتعدد الأراء plurality of opinions وإرسائها على قاعدة من حيدة المعلومات neutrality of information ليكون ضوء الحقيقة مناراً لكل عمل ، ومحددا لكل اتجاه ٠ وحيث إن الدستور بعد أن أرسى القاعدة العامة التى تقوم عليها حرية التعبير بنص المادة ٤٧ ، حرص على أن يزاوجها ويكملها بإحدى صورها الأكثر أهمية والأبلغ أثرا ، فكفل للصحافة حريتها كأصل عام ليحول دون التدخل فى شئونها من خلال القيود التى ترهق رسالتها ، أو تعطل خدماتها فى بناء مجتمعاتها وتطويرها ، وليؤمن من خلالها أفضل الفرص التى تكفل تدفق الانباء والأراء والافكار ونقلها الى القطاع الأعرض من الجماهير، وبوجه خاص بنشر كل مطبوع يكون من أدواتها a vehicle of information and opinion ، ولئن كان الدستور قد أجاز فرض رقابة محدودة عليها ، فذلك فى الأحوال الاستثنائية ، ولمواجهة تلك المخاطرالداهمة التى حددتها المادة ٤٨ من الدستور ٠ وقد عزز الدستور حرية التعبير، بتلك التى يقتضيها إجراء البحوث العلمية وإنمائها على تباين مناهجها وأنماطها ، باعتبارأن هذه البحوث وإن كان أصلها جهدا فرديا ، إلا أن قيمتها لا تكمن فى إطرائها ، ولكن فيما يمكن أن يكون انتقادا لنتائجها ، وتصويبا لأخطائها٠ ثم قرن الدستور هاتين الحريتين بالإبداع فنيا وأدبيا وثقافيا ، توكيداً لقيم الحق والخير والجمال ودون إخلال بوسائل تشجيعها ، وأكمل حلقاتها حين خول كل فرد بنص المادة ٦٣ أن يتقدم بظلاماته إلى السلطات العامة التى يكون بيدها رد ماوقع عليه من الأعمال الجائرة ، والتعويض عن آثارها ، على أساس من الحق والعدل ٠ وحيث إن حريه التعبير التى تؤمنها المادة ٤٧ من الدستور ، أبلغ ماتكون أثراً فى مجال اتصالها بالشئون العامة ، وعرض أوضاعها تبياناً لنواحى التقصير فيها ، وتقويماً لاعوجاجها ، وكان حق الفرد فى التعبير عن الآراء التى يريد إعلانها ، ليس معلقاً على صحتها ، ولا مرتبطاً بتمشيها مع الاتجاه العام فى بيئة بذاتها ، ولا بالفائدة العملية التى يمكن أن تنتجها ٠ وإنما أراد الدستور بضمان حرية التعبير أن تهيمن مفاهيمها على مظاهر الحياه فى أعماق منابتها ، بما يحول بين السلطة العامة وفرض وصايتها على العقل العام Public mind ، فلا تكون معاييرها مرجعاً لتقييم الآراء التى تتصل بتكوينه ، ولا عائقاً دون تدفقها ٠ وحيث إن من المقرركذلك أن حرية التعبير، وتفاعل الآراء التى تتولد عنها ، لايجوزتقييدها بأغلال تعوق ممارستها سواء من ناحية فرض قيود مسبقه على نشرها ، أومن ناحية العقوبة اللاحقة التى تتوخى قمعها ٠بل يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها وعلانية تلك الأفكار التى تجول فى عقولهم ، فلا يتهامسون بها نجيا ، بل يطرحونها عزما ولو عارضتها السلطة العامة إحداثا من جانبهم وبالوسائل السلمية لتغيير قد يكون مطلوبا ٠ فالحقائق لايجوزإخفاؤها ، ومن غيرالمتصورأن يكون النفاذ إليها ممكنا في غيبة حرية التعبير٠ كذلك فإن الذين يعتصمون بنص المادة ٤٧ من الدستور ، لا يملكون مجرد الدفاع عن القضايا التى يؤمنون بها ، بل كذلك اختيار الوسائل التى يقدرون مناسبتها وفعاليتها سواء فى مجال عرضها أو نشرها ، ولو كان بوسعهم إحلال غيرها من البدائل لترويجها ٠ ولعل أكثر مايهدد حرية التعبير أن يكون الإيمان بها شكلياً أو سلبياً ، بل يتعين أن يكون الإصرار عليها قبولا بتبعاتها ، وألايفرض أحد على غيره صمتا ولو بقوة القانون enforced silence ٠ ذلك أن عدوان الدولة عليها بما يعطلها أو يقلصها، يولد الفزع منها ، ولن يثير بطشها إلا الإعراض عنها ٠ واقتحامها لها يباعد بينها وبين مواطنيهاوقد يُغريهم بعصيانها ، ولايعدوأن يكون إهداراً لسلطان العقل ، وتغييبا ليقظة الضمير ٠ وحيث إنه متى كان ماتقدم ، تعين القول بأن حرية التعبير التى كفلها الدستور هى القاعدة فى كل تنظيم ديموقراطى ، لايقوم إلا بها ، ذلك أن أهم مايميز الوثيقة الدستورية ويحدد ملامحها الرئيسية ، هو أن الحكومة خاضعة لمواطنيها ولايفرضها إلا الناخبون ٠ وكلما أعاق القائمون بالعمل العام أبعاد هذه الحريه ، كان ذلك من جانبهم هدماً للديموقراطيه فى محتواها المقرر دستورياً ، وإنكاراً لحقيقة أن حرية التعبير لايجوز فصلها عن أدواتها ، وأن وسائل مباشرتها يجب ان ترتبط بغاياتها ، فلا يعطل مضمونها أحد ، ولا يناقض الأغراض المقصوده من إرسائها ٠ وما الحق فى الرقابة الشعبية النابعة من يقظة المواطنين المعنيين بالشئون العامة، الحريصين على متابعة جوانبها ، وتقرير موقفهم من سلبياتها ، إلا فرعا من حرية التعبير ، ونتاجا لها ٠ وحيث إن الحق فى التجمع بمايقوم عليه من انضمام عدد من الأشخاص إلى بعضهم لتبادل وجهات النظرفى شأن المسائل التى تعنيهم من الحقوق التى كفلتها المادتان ٥٤ ، ٥٥ من الدستور ، وذلك سواء نظرنا إليه باعتباره حقا مستقلا عن غيره من الحقوق ، أم على تقدير أن حرية التعبير تشتمل عليه باعتباره كافلا لأهم قنواتها ، محققا من خلالها أهدافها ٠ وحيث إن هذا الحق وسواء أكان حقا أصيلا أم تابعا أكثر ما يكون اتصالا بحرية عرض الآراء وتداولها كلما أقام أشخاص يؤيدون موقفا أواتجاها معينا ، تجمعا منظما ordered assemblage يحتويهم ، يوظفون فيه خبراتهم ويطرحون أمالهم ، ويعرضون فيه كذلك لمصاعبهم ويتناولون بالحوار ما يؤرقهم ، ليكون هذا التجمع نافذه يطلون منها على ما يعتمل فى نفوسهم ، وصورة حية لشكل من أشكال التفكير الجماعى collective thinking ، وكان تكوين بنيان كل تجمع وسواء أكان الغرض منه سياسيا أو نقابيا أم مهنيا لايعدو أن يكون عملا اختياريا لايساق الداخلون فيه سوقا ، ولايمنعون من الخروج منه قهرا ٠ وهو فى محتواه لايتمحض عن مجرد الاجتماع بين أشخاص متباعدين ينعزلون عن بعضهم البعض ، بل يرمى بالوسائل السلمية إلى أن يكون إطارا يضمهم ، ويعبرون فيه عن مواقفهم وتوجهاتهم ٠ ومن ثم كان هذا الحق متداخلا مع حرية التعبير؛ ومكونا لأحد عناصرالحرية الشخصية التى لايجوز تقييدها بغيراتباع الوسائل الموضوعية والاجرائية التى يتطلبها الدستور أو يكفلها القانون ؛ واقعا عند البعض فى نطاق الحدود التى يفرضها صون خواص حياتهم وأعماق حرمتها بما يحول دون اقتحام أغوارها أو تعقبها لغير مصلحة جوهرية لها معينها ؛ لازما اقتضاءً ولو لم يرد بشأنه نص فى الدستور؛ كافلاً للحقوق التى أحصاها ضماناتها ، محققا فعالياتها ؛ سابقاعلى وجود الدساتير ذاتها ؛ مرتبطا بالمدنية فى مختلف مراحل تطورها؛ كامنا فى النفس البشرية تدعو إليه فطرتها ؛ وهو فوق هذا من الحقوق التى لايجوز النزول عنها ٠ بل إن حرية التعبير ذاتها تفقد قيمتها إذا جحد المشرع حق من يلوذون بها فى الاجتماع المنظم ، وحجب بذلك تبادل الآراء فى دائرة أعرض ، بما يحول دون تفاعلها وتصحيح بعضها لبعض ، ويعطل تدفق الحقائق التى تتصل بإتخاذ القرار ، ويعوق إنسياب روافد تشكيل الشخصية الإنسانية التى لايمكن تنميتها إلا فى شكل من اشكال الاجتماع ذلك أن الانعزال عن الأخرين ، يؤول إلى إستعلاء وجهة النظرالفردية وتسلطها ، ولو كان أفقها ضيقاnarrowness أو كان عقمها أو تحزبها one – sidedness باديا ٠ كذلك فإن هدم حرية الاجتماع إنما يقوض الأسس التى لايقوم بدونها نظام للحكم يكون مستنداً إلى الإرادة الشعبية ٠ ولاتكون الديموقراطية فيه بديلاً مؤقتا أو إجماعا زائفا أو تصالحا مرحليا لتهدئة الخواطر ، بل شكلا مثاليا لتنظيم العمل الحكومى وإرساء قواعده ٠ ولازم ذلك امتناع تقييد حرية الاجتماع إلا وفق القانون ، وفى الحدود التى تتسامح فيها النظم الديموقراطية، وترتضيها القيم التي تدعو إليها ٠ وحيث إن من المقرر كذلك أن حق المرشحين فى الفوز بعضوية المجالس التى كفل الدستور أو المشرع صفتها التمثيلية ، لاينفصل عن حق الناخبين فى الإدلاء بأصواتهم لاختيار من يثقون فيه من بينهم ٠ ذلك أن هذين الحقين مرتبطان ، ويتبادلان التأثير فيما بينهما ، ولا يجوز بالتالى أن تفرض على مباشرة أيهما تلك القيود التى لاتتصل بتكامل العملية الانتخابية وضمان مصداقيتها integrity and reliability of the electoral process ، أو بما يكون كافلا إنصافها وتدفق الحقائق الموضوعية المتعلقة بها ، بل يجب أن تتوافرلها بوجه عام أسس ضبطها ، بما يصون حيدتها ، ويحقق الفرص المتكافئة بين المتزاحمين عليها ٠ ومن ثم تقع هذه القيود فى حمأة المخالفة الدستورية إذا كان مضمونها وهدفها مجرد حرمان فئه من العاملين فى الوحدة الاقتصادية ودون أسس موضوعية من فرص الترشيح لعضوية مجلس إدارتها ٠ ذلك أن أثرها هو إبعاد هؤلاء عن العملية الانتخابية بأكملها، وبصورة نهائية ، وحجبهم بالتالى عن الإسهام فيها ، بما مؤداه احتكارغرمائهم لها وسيطرتهم عليها دون منازع ، وإنهاء حق المبعدين عنها فى إدارة الحوار حول برامجهم وتوجهاتهم ٠ وهومايقلص من دائرة الاختيار التي يتيحها المشرع للناخبين ، وبوجه خاص كلما كان المبعدون أدنى إلى ثقتهم ، وأجدر بالدفاع عن حقوقهم ٠ بل أن القيم العليا لحرية التعبير – بما تقوم عليه من تنوع الآراء وتدفقها وتزاحمها – ينافيها ألا يكون الحوارالمتصل بها فاعلا ومفتوحا، بل مقصورا على فئة بذاتها من العاملين فى الوحدة الاقتصادية ، أو منحصرا فى مسائل بذواتها لايتعداها٠ كذلك فإن حق الناخبين فى الاجتماع مؤداه ، ألا تكون الحملة الانتخابية التى تعتبر قاعدة لتجمعاتهم وإطاراً يحددون من خلالها أولوياتهم محدودة آفاقها بما تفضي إليه من تضاؤل فرصهم التى يفاضلون من خلالها بين عدد أكبر من المرشحين ، وانتقاء من يكون من بينهم شريكا معهم فى أهدافهم like – minded citizens قادرا علي النضال من أجل تحقيقها ٠ وحيث إن من المقرر أن حق تنظيم العملية الانتخابية سواء من حيث زمنها أو مكان إجرائها أو كيفية مباشرتها The time , place and manner of electionsلايجوزأن ينال من الحقوق التى ربطها الدستور بها بما يعطل جوهرها ٠ كذلك لايجوزالتذرع بتنظيمها لتأمين مصالح جانبية محدودة أهميتها ، ولا التدخل بالقيود التى يفرضها المشرع عليها للحد من حرية التعبير وهى قاعدة التنظيم الانتخابى ومحوره ذلك أن غايتها أن توفر لهيئة الناخبين الحقائق التى تعينها على تحديد موقفها من المرشحين الذين يريدون الظفر بثقتها ، من خلال تعريفها بأحقهم في الدفاع عن مطالبها ، بمراعاة ملكاتهم وقدراتهم ، لتكون مفاضلتها بينهم على أسس موضوعية لها ما يظاهرها ، ووفق قناعتها بموقفهم من قضاياها ، ومن المسائل التى يدور حولها الجدل ٠ وحيث إن النص المطعون عليه بما حدده من شروط يتعين توافرها فيمن يرشح لعضوية مجلس إدارة الوحدة الإقتصادية – قد أعاق فئه بذاتها من العاملين – هم الشاغلون لوظيفة بإدارتها العليا – من نشر الأفكار والآراء التى يؤمنون بها والدفاع عن توجهاتهم ، ونقل رسالتهم هذه إلى هيئة الناخبين التى لايجوز فرض الوصاية عليها ، ولا تعريضها لتأثير يؤول إلى تفككها أو اضطرابها أوبعثرة تكتلاتها ، ولا أن تعاق قنواتها إلى الحقائق التى تريد النفاذ إليها ، ولاأن يحرم أفرادها أو فئة من بينهم – لها توجهها الخاص – من أن تكون تجمعاتهم طريقا إلى بلورة أفكارهم ، وتحديد مطالبهم ، إنفاذاً لإرادتهم من خلال أصواتهم التى لايجوز تقييد فرص الإدلاء بها دون مقتض ٠ متى كان ذلك ، وكان من المقرر أن اتساع قاعدة الاختيار فيما بين المرشحين ، ضمانة أساسية توفر لهيئة الناخبين ظروفا أفضل تمنح من خلالها ثقتها لعناصر من بينهم تكون عندها أجدر بالدفاع عن مصالحها ، فإن قاعدة الاختيار هذه – إذا ماحّد المشرع من نطاقها وضيق من دائرتها تؤثر مآلا فى حق الاقتراع وتنال من فاعليته ٠ وحيث إن الدساتير المصرية جميعها بدءاً بدستور سنة ١٩٢٣ ، وانتهاء بالدستور القائم ، رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون de Jure ، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة بإعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى ، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلا فى صون حقوق المواطنين وحرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها ، وأضحى هذا المبدأ – فى جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لايقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل يمتد مجال أعمالها كذلك ، إلى تلك التى كفلها المشرع للمواطنين فى حدود سلطته التقديرية ، وعلى ضوء مايرتئيه محققا للمصلحة العامة ٠ ولئن نص الدستورفى المادة ٤٠ منه على حظر التمييز بين المواطنين فى أحوال بعينها ، هى تلك التى يقوم التمييز فيها على أساس الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ، إلا أن إيراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظورا فيها ، مرده أنها الأكثر شيوعاً فى الحياة العملية ، ولايدل البتة على انحصاره فيها ، إذ لو صح ذلك لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزاً دستورياً ، وهو مايناقض المساواة التى كفلها الدستور ، ويحول دون إرساء اسسها ، وبلوغ غاياتها ٠ وآية ذلك أن من صور التمييز التى أغفلتها المادة ٤٠ من الدستور، مالايقل عن غيرها خطراً سواء من ناحية محتواها أو من جهة الآثار التى ترتبها، كالتمييز بين المواطنين فى نطاق الحقوق التى يتمتعون بها ، أو الحريات التى يمارسونها ، لاعتبار مرده إلى مولدهم ، أو مركزهم الاجتماعى ، أو انتمائهم الطبقى ، أو ميولهم الحزبية ، أو نزعاتهم العرقية ، أو عصبيتهم القبلية ، أو إلى موقفهم من السلطة العامة ، أو إعراضهم عن تنظيماتها ، أو تبنيهم لأعمال بذاتها ، وغير ذلك من أشكال التمييزالتى لاتظاهرها أسس موضوعيه تقيمها ، وكان من المقرر أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها ، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أوتفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التى كفلها الدستور أو القانون ، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها، وبوجه خاص على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغير ذلك من مظاهر الحياه العامة ٠ متى كان ذلك ، وكان النص المطعون عليه قد استبعد شاغلى وظائف الإدارة العليا بالوحدات الاقتصادية من فرص الترشيح التى كفلها لغيرهم من العاملين بها رغم تماثلهم جميعا فى مراكزهم القانونية، ودون أن يستند هذا التمييز إلى أسس موضوعية يقتضيها التمثيل فى مجالس إداراتها، فإن هذا التمييز يكون تحكميا ومنهيا عنه بنص المادة ٤٠ من الدستور ٠ وحيث إنه متى كان ماتقدم ، وكان النص المطعون عليه بالصيغة التى أفرغها المشرع فيه – يناقض المادة ٢٦ من الدستور ، ويخل كذلك بالحقوق التى كفلها فى مجال حرية التعبير وحق الاجتماع وحق الاقتراع المنصوص عليها فى المواد ٤٧ ، ٥٤ ، ٥٥ ، ٦٢ منه ، وينتهك فوق هذا مبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه فى المادة ٠ ٤ ، فإن الحكم بعدم دستوريته يكون متعيناً ٠ فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية نص البند السادس من المادة الثانية من القانون رقم ٧٣ لسنة ٧٣ فيما تضمنه من حظر ترشيح شاغلى وظائف الإدارة العليا لعضوية مجالس إدارة شركات قطاع الأعمال العام التابعة ، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنية مقابل أتعاب المحاماه

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى