حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٣٠ لسنة ٥ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٣٠ لسنة ٥ دستورية
تاريخ النشر : ١٨ – ٠٢ – ١٩٩٣

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة السادسة من القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة.

الحكم

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور محمد ابراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وسامى فرج يوسف وعبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين أعضاء ومحمد خيرى طه عبد المطلب رئيس هيئة المفوضين ورأفت محمد عبد الواحد أمين السر .

– – – ١ – – –
البين من الأعمال التحضيرية للقرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ أن جهات القضاء المختلفة كانت قد أصدرت أحكاماً متوالية قررت بموجبها اعتبار أوامر فرض الحراسة على الأشخاص الطبيعيين الصادرة استنادا إلى أحكام القانون رقم ١٦٢ لسنة ١٩٥٨ فى شأن حالة الطوارئ باطلة عديمة الأثر قانونا، و إنه إذ كان إعمال الآثار التى رتبتها هذه الأحكام فى شأن تلك الأوامر مؤداه أن ترد عينا لهؤلاء الأشخاص أموالهم و ممتلكاتهم، فقد تقرر – لمواجهة هذه الأثار و تنظيما لها، و إنهاء للمنازعات القائمة فى شأنها ، و توقيا لإثارة منازعات جديدة بصددها – التدخل تشريعيا بالنصوص التى تضمنها القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١، و ذلك للحد بوجه خاص من الآثار المترتبة على قيام هؤلاء الأشخاص باسترداد بعض أموالهم و ممتلكاتهم ممن يحوزنها مددا طويلة رتبوا خلالها و على أساسها أحوالهم المعيشية ، مما يناقض السلام الإجتماعى ، و يمس بعض الأوضاع السياسية و الاقتصادية فى الدولة ، و يبرر الالتجاء إلى التنفيذ بطريق التعويض بدلا من التنفيذ العينى ، و على أساس أنه ليس ثمة ما يحول دون تدخل المشرع لتنظيم عناصر التعويض ، و ذلك بتقرير أسس لتحديده لا تتضمن أية مصادرة كلية أو جزئية للحق فى التعويض.

– – – ٢ – – –
النص فى المادة الأولى من القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ المشار إليه على ” أن تعتبر كأن لزم تكن الأوامر الصادرة بفرض الحراسة على الأشخاص الطبيعيين و عائلاتهم و ورثتهم إستنادا إلى أحكام القانون رقم ١٦٢ لسنة ١٩٥٨ فى شأن حالة الطوارئ و تتم إزالة الأثار المترتبة على ذلك على الوجه المبين فى هذا القانون ….” مؤداه أن المشرع قنن بهذه المادة ما استقر عليه القضاء من اعتبار هذه الأوامر متضمنة عيبا جسيما لصدورها فاقدة لسندها فى أمر ينطوى على اعتداء على الملكية الخاصة التى نص الدستور على صونها و حمايتها، مما يجرد ذلك الأوامر من مشروعياتها الدستورية و القانونية ، و ينحدر بها إلى مرتبة الأعمال المادية عديمة الأثر قانونا، و هو ما عززته المادة الثانية من القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ و ذلك بما قررته قى صدرها – و كأثر حتمى لأعمال مادته الأولى – من أن ترد عينا إلى الأشخاص الطبيعيين و عائلاتهم و ورثتهم الذين شملتهم الحراسة المشار إليها فى المادة الأولى من هذا القانون، جميع أموالهم و ممتلكاتهم . أما ما أوردته المادة الثانية للحد من إطلاق هذه القاعدة ، فقد اعتبرته هذه المحكمة بحكمها الصادر فى الدعويين رقمى ١٣٩،١٤٠ لسنة ٥ قضائية ” دستورية” مخالفا للدستور على أساس أن التعويض الذى قررته المادة الثانية لأموال الخاضعين و ممتلكاتهم التى استثنتها من قاعدة الرد العينى ، ليس معادلاً لقيمتها الحقيقية .

– – – ٣ – – –
البين من أحكام القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٨١ بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة و ما أثير بشأنها من مناع متعلقة بدستوريتها ، أنها تدور حول الملكية الخاصة التى أفردها الدستور بالحماية و كفل صونها باعتبارها مترتبة على الجهد الذى بذله صاحبها بكده و عرقه، و يتعين بالتالى أن يختص بثمارها و أن تعود إليه كافة المزايا الأخرى المترتبة عليها. متى كان ذلك ، و كانت الفقرة الثانية من المادة السادسة من القرار بقانون المشار إليه ، صريحة فى نصها على ألا تقبل الدعاوى المتعلقة بالحقوق الناشئة عن الحراسة التى فرضتها الدولة – قبل العمل بالقانون رقم ٣٤ لسنة ١٩٧١ بتنظيم فرض الحراسة و تأمين سلامة الشعب – أو المترتبة عليها، ما لم ترفع الدعوى بشأنها خلالل سنة من تاريخ العمل بهذه القرار بقانون ، فإن هذا الميعاد يكون مرتبطا بدعوى الاستحقاق التى تكفل الحماية لتلك الحقوق ، و مسقطا للحق فى إقامتها بفواته.

– – – ٤ – – –
الأصل فى دعوى الاستحقاق أنه ليس لها من أجل معين تزول بانقضائه ، و ذلك ترتيبا على ما لحق الملكية من خاصية تميزه عن غيره من الحقوق الشخصية منها و العينية ، الأصلية منها و التبعية. و تتمثل هذه الخاصية فى أن الملكية وحدها هى التى تعتبر حقا دائما، و أنها لا تزول بعدم استعمالها ، ذلك أنه أيا كانت المدة التى يخرج فيها الشئ من حيازة مالكه، فإنه يظل متمتعا بالحق فى حمايتها و أن ترد إليه حال اغتصابها منه دون أن تتقيد فى ذلك بزمن معين إلا إذا آل الحق فيها إلى غير وفقا للقانون، بما مؤداه أن حق الملكية باق ما بقى الشئ محلها منقولا كان أم عقارا . و لا ينال مما تقدم ما نص عليه القانون المدنى من أن المنقول يصبح لا مالك له إذا تخلى عنه مالكه بقصد النزول عن ملكيته ، ذلك أن هذا التخلى لا يفيد أن حق الملكية فى المنقول من الحقوق الموقوته، بل يظل حقا دائما إلى أن ينزل عنه صاحبه ، و لا يعتبر هذا النزول توقيتا لحق الملكية فىالمنقول.

– – – ٥ – – –
إذ كان من المقرر أن حق الملكية يظل باقيا ما بقى محلها منقولا كان أم عقارا فإن حق الملكية ذاته يكون غير قابل للسقوط بالتقادم، و لا يتصور بالتالى أن تسقط بالتقادم الدعوى التى تقام لطلبه . متى كان ذلك ، و كانت الفقرة الثانية من المادة السادسة من القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٨١ بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة – و هى النص التشريعى المطعون عليه – صريحة فى نصها على أن ترفع الدعاوى المتعلقة بالحقوق الناشئة عن الحراسة التى فرضتها الدولة – قبل العمل بالقانون رقم ٣٤ لسنة ١٩٧١ بتنظيم فرض الحراسة و تأمين سلامة الشعب – أو المترتبة عليها، خلال سنة من تاريخ العمل بالقرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ المشار إليه، و إلا كانت غير مقبولة ، فإن النص التشريعى المطعون عليه يكون قد انتقص من الحماية التى كفلها الدستور للملكية الخاصة ، و جاء بالتالى مخالفا للمادة ٣٤ منه.

– – – ٦ – – –
التمييز بين المراكز القانونية بعضها البعض، يفترض تغايرها – و لو فى بعض جوانبها – تغايرا يقوم فى مبناه على عدم اتحاد هذه المراكز فى العناصر التى تكونها. متى كان ذلك، و كان من المقرر قانونا أن كل واقعة منعدمة ليس لها من وجود، إذ هى ساقطة فى ذاتها، و الساقط لا يعود ، بما مؤداه أن انعدامها زوال لها و اجتثاث لها من منابتها و إفناء لذاتيتها، فإن مثل هذه الواقعة – و هى فى اطار النزاع الراهن واقعة فرض الحراسة على أموال الأشخاص الطبيعيين و ممتلكاتهم استنادا إلى قانون الطوارئ – لا يمكن أن يقوم بها التباين بين مركزين قانونيين ، و لا يعتد بالآثار المصادمة للدستور التى رتبها المشرع عليها ، خاصة ما تعلق منها بالانتقاص من الحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية ، و هى حماية يفرضها مبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليه فى المادة ٦٥ من الدستور بما يتضمنه هذا المبدأ من استقامة المنحى عند إقرار النصوص التشريعية ، و ذلك بالتقيد بالضوابط التى فرضها الدستور فى شأن الحقوق و الحريات التى كفلها. متى كان ذلك ، و كان النص المطعون عليه قد خص المخاطبين بأحكامه – و هم من أخضعتهم الدولة لتدابير الحراسة المنعدمة فى ذاتها على ما سلف البيان – بمعاملة استثنائية مايز فيها – فى مجال دعوى الاستحقاق – بينهم و بين غيرهم ممن يملكون منقولا أو عقارا غير محمل بهذه التدابير و يقيمون هذه الدعوى لطلبه ، و دون أن يستند التميز بين هاتين الفئتين إلى أسس موضوعية ، و ذلك لارتكازه فى مبناه على واقعة الحراسة المنحدرة إلى مرتبة الأعمال المادية عديمة الأثر قانونا، و التى يقوم بها التباين فى المراكز القانونية على ما تقدم ، و كان من غير المتصور أن تؤول الحراسة فى أثرها إلى الانتقاص من حقوق هؤلاء الذين ناءوا بعبئها ، فإن النص المطعون فيه – و قد قيد دعوى الاستحاق – التى يقيمها المخاطبون بأحكامه – بزمن معين خلافا للأصل فيها ، و إخلاله من جهته بالمعاملة القانونية المتكافئة التى يقتضيها التماثل فى المراكز القانونية – يكون قد ناقض جوهر الملكية ، و أهدر مبدأ المساواة أمام القانون بالمخالفة للمادتين ٤٣،٤٠ من الدستور.

[الطعن رقم ١٣٠ – لسنــة ٥ ق – تاريخ الجلسة ٠٦ / ٠٢ / ١٩٩٣ – مكتب فني ٥ – رقم الجزء ٢ – رقم الصفحة ١٧٣ – تم قبول هذا الطعن]

بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة. حيث إن الوقائع – على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام دعواه الموضوعية أمام محكمة القيم طالبا الحكم برد أمواله الخاضعة لتدابير الحراسة عينا. وأثناء نظر هذه الدعوى دفع بعدم دستورية أحكام القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه وصرحت له برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة طالبا الحكم بعدم دستورية أحكام القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ برمتها وذلك عدا ما جاء به متفقاً مع أحكام الدستور. وبمذكرة تم إيداعها بتاريخ ٤ نوفمبر ١٩٩٠، قصر المدعى طلباته على الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة السادسة من القرار بقانون المشار إليه. وحيث إن من بين ماينعاه المدعى على الفقرة الثانية من المادة السادسة من القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ المشار إليه، مخالفتها للحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة المنصوص عليها فى المواد ٣٤، ٣٥، ٣٦ من الدستور، وذلك فيما قررته من أن “لاتقبل الدعاوى المتعلقة بالحقوق الناشئه عن الحراسة التى فرضت قبل العمل بالقانون رقم ٣٤ لسنة ١٩٧١ بتنظيم فرض الحراسة وتأمين سلامة الشعب أو المترتبة عليها مالم ترفع الدعوى بشأنها خلال سنة من تاريخ العمل بهذا القانون”. وحيث إن هذا النعى سديد فى جوهره، ذلك أن البين من الأعمال التحضيرية للقرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ المشار إليها أن جهات القضاء المختلفة كانت قد أصدرت أحكاما متواليه قررت بموجبها اعتبار أوامر فرض الحراسة على الأشخاص الطبيعيين الصادرة استناداً إلى أحكام القانون رقم ١٦٢ لسنة ١٩٥٨ فى شأن حالة الطوارئ باطله عديمة الأثر قانوناً . وإذ كان إعمال الآثار التى رتبتها هذه الأحكام فى شأن تلك الأوامر مؤداه أن ترد عينا لهؤلاء الأشخاص أموالهم وممتلكاتهم، فقد تقرر – لمواجهة هذه الآثار وتنظيما لها، وإنهاء للمنازعات القائمة فى شأنها، وتوقيا لإثارة منازعات جديدة بصددها – التدخل تشريعيا بالنصوص التى تضمنها القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١، وذلك للحد بوجه خاص من الآثار المترتبة على قيام هؤلاء الأشخاص باسترداد بعض أموالهم وممتلكاتهم ممن يحوزونها مدد طويلة رتبوا خلالها وعلى اساسها أحوالهم المعيشية، مما يناقض السلام الاجتماعى ، ويمس بعض الأوضاع السياسية والاقتصادية فى الدولة، ويبرر الالتجاء إلى التنفيذ بطريق التعويض بدلا من التنفيذ العينى، وعلى أساس أنه ليس ثمة ما يحول دون تدخل المشرع لتنظيم عناصر التعويض وذلك بتقرير أسس لتحديده لاتتضمن أية مصادرة كلية أو جزئية للحق فى التعويض. وحيث إنه توكيدا لانعدام أوامر فرض الحراسة الصادرة فى حق الأشخاص الطبيعيين على النحو المتقدم، وإقرارا بما انطوت عليه هذه الأوامر من عداون على الملكية الخاصة يرقى إلى مرتبة اغتصابها، نصت المادة الأولى من القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ المشار إليه على “أن تعتبر كأن لم تكن الأوامر الصادرة بفرض الحراسة على الأشخاص الطبيعيين وعائلاتهم وورثتهم استناداً إلى أحكام القانون رقم ١٦٢ لسنة ١٩٥٨ فى شأن حالة الطوارئ وتتم إزالة الآثار المترتبة على ذلك على الوجه المبين فى هذا القانون …” مقننة بنصها هذا ما استقر عليه القضاء من اعتبار هذه الأوامر متضمنة عيبا جسيما لصدورها فاقدة لسندها فى أمر ينطوى على اعتداء على الملكية الخاصة التى نص الدستور على صونها وحمايتها، مما يجرد الأوامر من مشروعيتها الدستورية والقانونية، وينحدر بها إلى مرتبة الأعمال المادية عديمة الأثر قانونا. وهو ما عززته المادة الثانية من القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ وذلك بما قررته فى صدرها – وكأثر حتمى لأعمال مادته الأولى – من أن ترد عينا إلى الأشخاص الطبيعيين وعائلاتهم وورثتهم الذين شملتهم تدابير الحراسة المشار إليها فى المادة الأولى من هذا القانون ، جميع أموالهم وممتلكاتهم. أما ما أوردته المادة الثانية من استثناء للحد من إطلاق هذه القاعدة، فقد اعتبرته هذه المحكمة بحكمها الصادر فى القضيتين رقمى ١٣٩، ١٤٠ لسنة ٥ قضائية دستورية، مخالفا للدستور على اساس أن التعويض الذى قررته المادة الثانية لأموال الخاضعين وممتلكاتهم التى استثنتها من قاعدة الرد العينى، ليس معادلا لقيمتها الحقيقة. وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان تطبيق أحكام القرار بالقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ المشار إليه وما أثير بشأنها من مناع متعلقة بدستوريتها، إنما يدور حول الملكية الخاصة التى اختصها الدستور بالحماية وكفل صونها باعتبارها فى الأصل ثمرة مترتبة على الجهد الخاص الذى بذله الفرد بكده وعرقه، وبوصفها حافزا إلى الانطلاق والتقدم، إذ يختص دون غيره بالأموال التى يملكها وتهيئتها للانتفاع المفيد بها لتعود إليه ثمارها. إذ كان ذلك، وكانت الفقرة الثانية من المادة السادسة المطعون عليها قد حددت ميعاد سنة من تاريخ العمل بالقرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ كى ترفع خلالها الدعاوى المتعلقة بالحقوق الناشئة عن الحراسات التى عينتها أو المترتبة عليها، وإلا كانت غير مقبولة، فإن هذا الميعاد يكون مرتبطاً بدعوى الاستحقاق التى تحمى تلك الحقوق ، ومسقطا لها بفواته. وحيث إنه متى كان ذلك، وكان الأصل فى دعوى الاستحقاق ، أنه ليس لها أجل محدد تزول بإنقضائه ، وذلك بناء على مالحق الملكية من خاصية تميزه عن غيره من الحقوق الشخصية، وكذلك عن غيره من الحقوق العينية الأصلية منها أو التبعية . وتتمثل هذه الخاصية فى أن الملكية وحدها هى التى تعتبر حقا دائماً، وتقتضى طبيعتها ألا يزول هذا الحق بعدم الاستعمال، ذلك إنه أيا كانت المدة التى يخرج فيها الشئ من حيازة مالكه، فإنه لايفقد ملكيته بالتقاعس عن استعمالها، بل يظل من حقه أن يقيم دعواه لطلبها مهما طال الزمن عليها إلا إذا كسبها غيره وفقا للقانون، بما مؤداه أن حق الملكية باق لايزول ما بقى الشئ المملوك . ومن ثم لاتسقط الدعوى التى تحميه بانقضاء زمن معين سواء كان محل الملكية منقولا أو عقارا. ولئن نص القانون المدنى على أن المنقول يصبح لا مالك له إذا تخلى عنه مالكه بقصد النزول عن ملكيته، إلا أن هذا التخلى لايفيد أن حق الملكية فى المنقول من الحقوق الموقوته، بل يظل حق الملكية فى المنقول حقا دائما إلى أن ينزل عنه صاحبه ولا يعتبر النزول عن الحق توقيتا له. متى كان ذلك، وكان لايتصور أن يكون حق الملكية ذاته غير قابل للسقوط بالتقادم وتسقط مع ذلك بالتقادم الدعوى التى يطلب بها هذا الحق ، فإن النص المطعون عليه يكون قد انتقص من الحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية، وجاء بالتالى مخالفا لنص المادة ٣٤ منه. ولاينال مما تقدم قالة أن الذين خضعوا لتدابير الحراسة يعتبرون بالنسبة إلى أموالهم وممتلكاتهم التى يطلبون ردها فى مركز قانونى مختلف عن غيرهم ممن يدعون ملكية شئ غير خاضع لهذه التدابير ويقيمون دعوى الاستحقاق لطلبه، ذلك أن هؤلاء وهؤلاء يطلبون رد أموالهم وممتلكاتهم إليهم أيا كان سبب كسبهم ملكيتها، ولا يتمايزون عن بعضهم البعض إلا فى واقعة بعينها، هى فى ذاتها منعدمة من الناحية الدستورية والقانونية، تلك هى المتعلقة بخضوع الأولين لتدابير الحراسة التى فرضتها الدولة عدوانا على ملكيتهم واغتصابا لها. ولا يتصور قانونا أن تكون الواقعة المنعدمة مرتبة لأية آثار فى محيط العلاقات القانونية، ذلك أن انعدامها زوال لها واجتثاث لها من منابتها وإفناء لذاتيتها، وإذ كان القضاء قد جرد أوامر الحراسة من كل قيمة وقرر انحدارها إلى مرتبة الأعمال المادية عديمة الأثر قانونا، فإن من غير المتصور أن تؤول فى اثرها إلى الانتقاص من حقوق هؤلاء الذين ناءوا بعبئها. وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان التمييز بين المراكز القانونية بعضها البعض، يفترض تغايرها – ولو فى بعض جوانبها – تغايرا يقوم فى مبناه على عدم اتحاد هذه المراكز فى العناصر التى تكونها، وكان من المقرر قانونا أن كل واقعة منعدمة ليس لها من وجود ، إذ هى ساقطة فى ذاتها والساقط لايعود، فإن مثل هذه الواقعة – وهى فى إطار النزاع الراهن واقعة فرض الحراسة على أموال الاشخاص الطبيعيين وممتلكاتهم استنادا إلى قانون الطوارئ – لايمكن أن يقوم بها التباين بين مركزين قانونيين، ولا يعتد بالآثار التى رتبها المشرع عليها خاصة ما تعلق منها بالانتقاص من الحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية، وهى حماية يفرضها مبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليه فى المادة ٦٥ من الدستور بما يتضمنه هذا المبدأ من استقامة المنحى عند إقرار النصوص التشريعية، وذلك بالتقيد بالضوابط التى فرضها الدستور فى شأن الحقوق والحريات التى كفلها. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد خص الفئة التى تعلق بها مجال تطبيقه بمعاملة استثنائية جائرة لاتستند إلى أسس موضوعية رتبها على كونهم ممن خضعوا لتدابير الحراسة التى فرضتها الدولة عليهم بأوامرها ، وهى تدابير منعدمة فى ذاتها على ماسلف بيانه، ولا يقوم بها التباين فى المراكز القانونية بين هؤلاء وبين غيرهم ممن يتمتعون بالحماية الكاملة التى ضمنها الدستور لحق الملكية أيا كان صاحبها، وكانت دعوى الاستحقاق سواء كان محلها منقولا أو عقاراً لاتندرج تحت الدعاوى التى يتقيد رفعها بميعاد، فإن النص المطعون فيه إذ أفرد المخاطبين بأحكامه – المعتبرين ملاكا كغيرهم – بميعاد قصره عليهم، ناقض به جوهر الملكية وأخل بالحماية التى كفلها الدستور لها. وكذلك بمبدأ المساواة أمام القانون يكون قد وقع فى حومة المخالفة الدستورية لتعارضه وأحكام المادتين ٣٤، ٤٠ من الدستور. فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة السادسة من القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة، وألزمت الحكومة المصروفات ، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماه.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى