حصانة المحامى أمل منشود
كتبه: محمود الحمزاوي المحامى
حق الدفاع الذي يختص به المحامون أصبح جزءا جوهريا من التراث الإنساني كما بات من أهم ضمانات المحاكمات العادله وثمه من ثماتها ويعد حق الدفاع ركيزه اساسيه من ركائز الانظمه القضائية في العالم ومن ثم بات واجبا ان يحاط المحامى الذي يمارس هذا الحق بعدة ضمانات تكفل حمايته وتزيل العقبات التى يمكن أن تحول بينه وبين أداء هذا الحق و بينه وبين السلطات التى قد تقف عقبه امام واجبه في الدفاع عن المتهمين باعتبار ان المتهمين دائما هم الطرف الأضعف في الدعوى الجنائية فلا جدوي من ترك الأمر لتلك السلطات سواء الشرطيه او القضائية يمكنوه من أدائه متي شاءوا ويمنعوه متى أرادوا سيما وان تلك السلطات يمتلك اصحابها القدره والسلطه والأدوات بموجب نصوص قانونيه او أزرعهم الامنيه بما قد يؤدي إلى تجاوزات ينبغي أن يؤمن المحامى من انحرافها وشرود أصحابها
وان كان من الإنصاف ان نشير الي ان قانون الإجراءات الجنائية وكذا المحاماه لم يهملوا هذه الحصانه بصوره كامله وأعطوا للمحامي حصانه جزئية فنص قانون الإجراءات الجنائية في المادة ٢٤٥ منه على أنه إستثناء من الاحكام المنصوص عليها في المادة ٢٤٣ و٢٤٤ إذا وقع من المحامى أثناء قيامه بواجبه في الجلسه وبسببه مايجوز إعتباره تشويشا مخلا بالنظام أو ما يستدعي مؤاخذته جنائيا يحرر رئيس الجلسة محضرا بما حدث وللمحكمة ان تقرر إحالة المحامى الي النيابة العامه لإجراء تحقيق إذا كان ما وقع منه يستدعي مؤاخذته جنائيا وإلى رئيس المحكمة إذا كان ما وقع منه يستدعي مؤاخذته تأديبيا وفي الحالتين لايجوز أن يكون رئيس الجلسه التى وقع فيها الحادث أو أحد أعضائها عضوا في الهيئة التى تنظر الدعوى.
ثم جاء قانون المحاماه المصري وأكد في المادة ٥٠ منه على عدم جواز القبض على المحامى فى هذه الحاله أو حبسه إحتياطيا وحظر رفع الدعوى الجنائية عن هذه الأفعال التى وقعت من المحامى فى الجلسه – جرائم الجلسات – الا بأمر من النائب العام أو من ينوب عنه من المحامين العامين.
وحسنا صنع المشرع لانه حظر على المحكمة ان تتخذ إزاء المحامى الذي يؤدي رسالته في الجلسه أي إجراء من الإجراءات التحفظيه فجل سلطتها هو تحرير مذكرة ورفعها على النحو الذي أوضحه القانون
إلا أن ذلك ليس الأمل المنشود بل كان ينبغي أن يقرر المشرع في ذات النص جزاءا يوقع إذا تعمدت المحكمة إنتهاك هذا النص وتلك الضمانه وقامت بإتخاذ إجراء تحفظي على المحامى أثناء الجلسه بالمخالفه للنص الوارد في الماده ٥٠ سالفة الذكر من قانون المحاماه إذ لايجوز بأي حال ان يضع المشرع حظرا معينا ثم لايقرن مخالفته بجزاء لأن ذلك يفرغ النص من مضمونه ويجعله دون جدوى لافتقاده صفة الإلزام فيصير النص مقررا لقاعده أخلاقيه أبعد عنها قانونيه لان القواعد القانونيه تتسم نصوصها بالإلزام وتقرن مخالفته غالبا بالعقاب.
كما أنه من الإنصاف أيضا ان نشير الي أنه بالاضافه إلى الضمانه السابقه فقد وضع قانون المحاماه ضمانات أخرى أهمها عدم جواز تفتيش مكتب المحامي إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة فلايجوز لعضو النيابة العامه أن ينيب أحدا مكانه لإجراء هذا التفتيش وهذه الضمانه بالغة الأهميه نص عليها قانون المحاماه في المادة ٥١ منه إلا أن هذ ا النص أيضا لم يقرن بجزاء يوقع على من يخالف هذه الضمانه من رجال الشرطه ويقوم بنفسه بإقتحام مكتب المحامون وتفتيشه مما يوجه سهام النقد أيضا لذلك النص ويعيبه بالقصور.
و أعطى القانون للمحامي ضمانة أخرى في المادة ٣٠٩ من قانون العقوبات المصري والمادة ٤٧ من قانون المحاماه رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣ وهي إعفاء دفاع الخصوم شفويا أو مكتوب من مخاطر العقاب عن السب أو القذف أو إساءة الاعتبار فنص في المادة ٣٠٩ من قانون العقوبات على أنه لاتسري أحكام المواد ٣٠٢، ٣٠٣، ٣٠٥، ٣٠٦،،٣٠٨ وهي تعاقب على السب والقذف والبلاغ الكاذب والاهانه وخدش الاعتبار على ما يسنده أحد الأخصام والمحامي كما قالت محكمة النقض في حكم الأخصام في الدفاع الشفوي أو الكتابي امام المحاكم فإن ذلك لايترتب عليه إلا المقاضاه المدنيه أو المحاكمة التأديبيه.
فقد تفهم المشرع الظروف التى تحيط بالمحامي أثناء تأديته لواجبه والأجواء التى قد تدفعه بدون قصد بإطلاق أو كتابة عباراة تمثل إهانة أو قذفا أو إساءة ومن ثم حظر معاقبة الدفاع عنها جنائيا بل أتاح له في المادة ٤٧ من قانون المحاماه إستعمال الكلمات والالفاظ التى يستلمها حق الدفاع عن موكله.
وكما تعقبنا بعض النصوص التى وضعت في القوانين المصرية كضمانه للمحامي وأشدنا بها فقد بات واجبا علينا أن نوضح ان تلك الضمانات لم تحقق الأمل المنشود لدى المحامين لأنه على النقيض من ذلك أجازت ذات القوانين القبض على المحامى الذي يرتكب فعلا يعد جريمة أثناء أو بسبب تأدية الوظيفة إذا كان في حالة تلبس بتلك الأفعال
فإن كانت قد حظرت النصوص السابقه القبض على المحامى فى جرائم الجلسات فقد أتاحت القبض عليه في الحالات الأخرى التى يتلبس فيها بأي فعل جنائي مهما بلغ قدر هذا الفعل من بساطه أو تفاهه.
فقد شاهدنا في المحاكم الحالات التي يتم القبض فيها على المحامون أثناء وجودهم برفقة موكليهم بسبب مشادة حدثة مع رجال الشرطه كما شاهدنا أيضا حالات قبض وإحتجاز لمحامون بسبب مشاداة بسيطة من أعضاء من النيابة العامه وكل ذلك لان القانون أجاز القبض على المحامى فى حالة التلبس أثناء ممارسة مهنته
ولا يخفى علينا جميعا أن المحامون دائما في حالة تلبس سواء أثناء وجودهم في مراكز البوليس او النيابات والمحاكم ومن ثم فقد فقد المحامون الحصانه الحقيقية التى يجب أن يتمتعوا بها عند أداء واجب الدفاع والتي باتت أمرا ضروريا ولامناص من حصولهم عليه ولهذا فقد أصبح أمرا ملحا مع قصور تلك النصوص ان يعاد النظر فيها وأن توضع حصانه فعليه وأن يطالب المحامون من خلال قناتهم الشرعيه وهي نقابة المحامين من السلطات المعنيه بإستكمال النقص وإصدار تشريعات تساهم في حماية المحامى وتضفي عليه حصانه فعليه حال قيامه بممارسة أعمال مهنته.