«النقض»: لمحكمة الموضوع السلطة التامة لفهم الواقع في الدعوى

 

أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم ٢١٦١٣ لسنة ٨٩ قضائية ـ الدوائر العمالية – جلسة ٢٠٢١/٠٦/٢٣، أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة ، إذ أنها لا تقضي إلا على أساس ما تطمئن إليه وتثق به ولا رقيب عليها في ذلك طالما لم تعتمد على واقعة بغير سند ، وحسبها أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تحمله عليها ، ولا عليها من بعد أن تتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وطلباتهم وترد استقلالاً على كل قول أو حجة أو طلب أثاروه مادام قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها فيه الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج والطلبات .

المحكمــة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الـذي تـلاه السيد القاضي المقرر ، والمرافعة ، وبعد المداولة.

حيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم ….. لسنة ٢٠١٤ عمال الإسكندرية الابتدائية على الشركات الطاعنة انتهى فيها إلى طلب الحكم بإلزامها أن تؤدي إليه مبلغ مليون وثلاثمائة وثمانين ألف جنيه ، والفوائد القانونية بواقع ٤%، وشهادة خلو طرف ، ومستنداته الشخصية ، وقال بياناً لها إنه كان من العاملين لدى الطاعن بصفته الممثل القانوني للشركات الطاعنة في وظيفة مستشار قانوني بأجر شامل مقداره ١٢٥٦٧ جنيهاً شهرياً.

وبعد أن بلغ سن الستين في ١٠/١٠/٢٠٠٦ استمر في ذات العمل بموجب عقد عمل جديد حتى ٣٠/٦/٢٠١٣ فوجئ بفصله من العمل بدون مبرر ، وهو ما أصابه بأضرار مادية وأدبية يستحق عنها تعويضاً يقدره بمبلغ ٨١٠ ألف جنيه ، وتعويضاً عن عدم مراعاة مهلة الإخطار مقداره ٩٠ ألف جنيه بالإضافة إلى ما يستحقه من مقابل نقدي عن إجازاته السنوية غير المستنفدة ، ومكافأة العمل بعد سن الستين والأرباح ، ومكافاة عضوية مجلس الإدارة.

ومن ثم فقد أقام الدعوى بطلباته سالفة البيان ، ندبت المحكمة خبيراً وبعد أن قدم تقريره حكمت بتاريخ ١٨/١/٢٠١٨ بإلزام الطاعن الأول بصفته الممثل القانوني للشركات الطاعنة أن يؤدي للمطعون ضده مبلغ مائة ألف وخمسمائة وست وثلاثين جنيهاً المقابل النقدي عن إجازاته الاعتيادية غير المستنفدة ، والفوائد القانونية بواقع ٤% من تاريخ المطالبة القضائية ، وأن يسلمه مستنداته الشخصية ، ورفضت ما عدا ذلك من طلبات ، استأنفت الشركات الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم ….. لسنة ٧٤ ق الإسكندرية.

كما استأنفه المطعون ضده أمام ذات المحكمة بالاستئناف رقم ….. لسنة ٧٤ ق ، وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين حكمت بتاريخ ٢٥/٨/٢٠١٩ برفض الاستئناف الأول، وفي الاستئناف الثاني بإلغاء الحكم المستأنف في خصوص ما قضى به من رفض طلب التعويض عن الفصل من العمل ، وعدم مراعاة مهلة الإخطار ، والقضاء بإلزام الطاعن بصفته الممثل القانوني للشركات الطاعنة أن يؤدي للمطعون ضده مبلغ ٣٦٥١٢٠ جنيهاً تعويضاً عن الفصل من العمل ، ومبلغ ٣٧٧٠١ جنيه تعويضاً عن عدم مراعاة مهلة الإخطار ، وتأييد الحكم المستأنف فيما عدا ذلك.

طعنت الشركات الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض ، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن ، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة المشورة حددت جلسة لنظره ، وقضت بجلسة ٢٦/٥/٢٠٢١ بعدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة للشركات الطاعنة من الثالثة حتى الثامنة ، وأمرت الشركتين الطاعنتين الأولى والثانية باختصامها في الطعن فقامتا بتنفيذ هذا القرار .

وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية بالنسبة للطاعنتين الأولى والثانية .

وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب تنعي بها الطاعنتان الأولى والثانية على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب ، وفي بيان ذلك تقولا إن الحكم المطعون فيه استخلص من واقعة إلغاء التوكيلات الصادرة منه للمطعون ضده دليلاً على فصله من العمل، ورتب على ذلك قضائه له بالتعويض عن هذا الفصل ، وعدم مراعاة مهلة الإخطار متخذاً من الأجر الوارد بتقرير الخبير ومقداره ١٢٥٦٧ جنيهاً أساساً لاحتساب هذا التعويض ، رغم أنه لم يصدر عنه قراراً بفصله من العمل بالإضافة إلى تقديمه إفادة صادرة من التأمينات الاجتماعية ثابت بها أن المطعون ضده مازال مؤمناً عليه باعتباره من العاملين لديها ، وأن الأجر الخاضع للتأمين الاجتماعي يغاير الأجر الذي عول عليه الحكم في احتساب التعويض عن الفصل ، وعدم مراعاة مهلة الإخطار ، وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .

وحيث إن هذا النعي مردود ، ذلك أن المقرر – في قضاء محكمة النقض – أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة ، إذ أنها لا تقضي إلا على أساس ما تطمئن إليه وتثق به ولا رقيب عليها في ذلك طالما لم تعتمد على واقعة بغير سند ، وحسبها أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تحمله عليها ، ولا عليها من بعد أن تتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وطلباتهم وترد استقلالاً على كل قول أو حجة أو طلب أثاروه مادام قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها فيه الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج والطلبات.

لما كان ذلك ، وكان تقدير ما إذا كان فصل العامل مبرراً أم لا من المسائل الموضوعية التي تستقل بتقديرها محكمة الموضوع متى أقامت قضائها على استخلاص سائغ له أصله الثابت بالأوراق ، وإذ استخلص الحكم من واقعة إلغاء الطاعن بصفته التوكيلات الصادرة منه إلى المطعون ضده وعدم تكليفه بأعمال أخرى بالإضافة إلى عدم إنذاره بالفصل بسبب انقطاعه عن العمل وفقاً لادعائه بذلك أمام محكمة الموضوع أن الطاعن بصفته فصل المطعون ضده من العمل بغير مبرر ، كما استخلص من تقرير الخبير المقدم في الدعوى أن المطعون ضده كان يتقاضى أجراً شاملاً مقداره ١٢٥٦٧ جنيهاً شهرياً ، وإذ لم يقدم الطاعن عقد عمل صحيح ثابت به أن الأجر الذي يتقاضاه المطعون ضده يغاير الأجر الذي حدده الخبير.

فإن ما خلص إليه الحكم المطعون فيه في خصوص ثبوت واقعة الفصل التعسفي ، وتحديد الأجر بالمبلغ المشار إليه يكون سائغاً وله مأخذه من الأوراق وفيه الرد الضمني المسقط لكل دليل أو حجة مخالفة ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بهذه الأسباب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة المقدمة في الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ، ويضحى هذا النعي على غير أساس .

وحيث إنه لما كان مفاد المادة ٢٥٣ من قانون المرافعات أنه يجوز لمحكمة النقض – كما هو الشأن بالنسبة للنيابة العامة وللخصوم – إثارة الأسباب المتعلقة بالنظام العام ولو لم يسبق التمسك بها أمام محكمة الموضوع أو في صحيفة الطعن متى توافرت عناصر الفصل فيها من الوقائع والأوراق التي سبق عرضها على محكمة الموضوع ، ووردت هذه الأسباب على الجزء المطعون فيه من الحكم وليس على جزء آخر منه أو حكم سابق عليه لا يشمله الطعن.

ولما كانت أحكام قانون العمل أحكاماً آمرة متعلقة بالنظام العام لتنظيمها علاقات العمل وروابطه بما في ذلك عقد العمل الفردي تحقيقاً للصالح العام ، وإيجاد التوازن بين حقوق العامل وحقوق صاحب العمل ، وكان النص في المادة ١٢٥ من قانون العمل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣ – المنطبق على واقعة النزاع – على أنه ” لا يجوز تحديد سن للتقاعد تقل عن ستين سنة ، ويجوز لصاحب العمل إنهاء عقد العمل إذا بلغ سن الستين ما لم يكن العقد محدد المدة ، وكانت مدته تمتد إلى ما بعد بلوغه هذه السن ففي هذه الحالة لا ينتهي العقد إلا بانقضاء مدته ، وفي جميع الأحوال يجب عدم الإخلال بأحكام قانون التأمين الاجتماعي فيما يتعلق بسن استحقاق المعاش.

وبحق العامل في الاستمرار في العمل بعد بلوغه هذه السن استكمالاً للمدة الموجبة لاستحقاق المعاش ” يدل على أن المشرع قد وضع أصلاً عاماً يقضي بإنهاء عقد العمل تلقائياً دون حاجة لإخطار سابق في حالة بلوغ العامل سن الستين ، فإذا استمر العامل في عمله بعد بلوغه سن التقاعد بموافقة صاحب العمل فإن ثمة عقداً جديداً غير محدد المدة يكون قد انعقد بين الطرفين ، ولا يجوز إنهاؤه بغير إخطار سابق ودون مبرر طالما أن استمرار العامل في العمل بعد بلوغ سن التقاعد لم يكن بسبب أن عقد العمل محدد المدة ، ولم تنتهِ مدته بعد أو كان يقصد استكمال مدة الاشتراك في التأمين الاجتماعي الموجبة لاستحقاق المعاش وفقاً لما تقضي به المادة ١٦٣ من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥ . لما كان ذلك ، وكان الثابت مما سجله الحكم بمدوناته أن المطعون ضده التحق بالعمل لدى الطاعن بصفته اعتباراً من ١/٣/٢٠٠٠.

وأقر المطعون ضده بصحيفة الدعوى أنه بعد أن بلغ سن الستين في ١٠/١٠/٢٠٠٦ استمر في العمل بموجب عقد عمل جديد حتى قام الطاعن بإنهائه في ٣٠/٦/٢٠١٣ ، وإذ خلت الأوراق مما يثبت أن استمرار المطعون ضده في العمل بعد بلوغه سن التقاعد كان لاستكمال المدة الموجبة لاستحقاق المعاش أو بسبب عدم انتهاء مدة عقد العمل المؤرخ ١/٣/٢٠٠٠ فإن انتهاء هذا العقد في ١٠/١٠/٢٠٠٦ لبلوغه سن الستين يكون مبرراً وغير مخالف للقانون ، ولا يستحق عن ذلك ثمة تعويض ، إلا أن إنهاء الطاعن لعقد العمل الجديد اللاحق على عقد العمل السابق في ٣٠/٦/٢٠١٣.

وقد تم – وعلى نحو ما سلف بيانه – بدون مبرر وبدون إخطار سابق يرتب للمطعون ضده الحق في التعويض عن الأضرار التي لحقت به من جراء هذا الفصل التعسفي بالإضافة إلى التعويض عن عدم مراعاة مهلة الإخطار وفقاً لما تقضي به المواد ١١١ ، ١١٨ ، ١٢٢ من قانون العمل المشار إليه ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى للمطعون ضده بالتعويض عن عدم مراعاة مهلة الإخطار ، والتعويض عن إنهاء علاقة العمل عن كامل مدة عقدي العمل سالفي الذكر.

رغم أن إنهاء عقد العمل الأول كان له ما يبرره من القانون ، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه في هذا الخصوص لهذا السبب المتعلق بالنظام العام بالنسبة للشركتين الطاعنتين الأولى والثانية ، وأيضاً بالنسبة للشركات الأخرى المحكوم عليها والتي تم اختصامها في الطعن باعتبار أن الحكم المطعون فيه صادر في موضوع لا يقبل التجزئة .

محكمة النقض: يجوز إثبات الغش بكافة طرق الإثبات

abdo

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى