«النقض»: لا يشترط لثبوت جريمة الاتجار بالبشر ومعاقبة مرتكبها وجود شهود رؤية

أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم 10146 لسنة 89 قضائية، أنه لا يشترط لثبوت جريمة الاتجار بالبشر ومعاقبة مرتكبها وجود شهود رؤية أو قيام أدلة معينة بل للمحكمة أن تكون اعتقادها بالإدانة في تلك الجريمة من كل ما تطمئن إليه من ظروف الدعوى وقرائنها، ومتى رأت الإدانة كان لها أن تقضي على مرتكب الفعل المستوجب للعقوبة دون حاجة إلى إقرار منه أو شهادة شاهدي رؤية حال وقوع الفعل منه أو ضبطه متلبساً بها، ومن ثم فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الصدد يكون على غير أساس .

المحكمـــــــــــــــة

حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون .

حيث إن الطاعنة تنعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانها بجريمة الاتجار في البشر بأن تعاملت في شخص طبيعي الطفلة/ …. بقصد استغلالها في ممارسة الدعارة واصطحابها في الملاهي الليلية مستغلة حالة ضعفها وحاجتها المادية، قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ومخالفة الثابت بالأوراق، ذلك بأنه جاء بصيغة عامة معماة ولم يبين الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تحقق به أركان الجريمة والأدلة التي استخلصت منها الإدانة، واطرح بما لا يسوغ دفعها بانتفاء أركان الجريمة بركنيها المادي والمعنوي، ولم يستظهر قصد الاستغلال وعناصره والدليل عليه ولم يورد مضمون التحريات في هذا الشأن، وأقام قضاءه على الظن والاحتمال، وعول على أقوال شاهدي الإثبات رغم عدم معقوليتها وتناقضها وكذب المجني عليها، وأغفل إيراد مؤدى أقوال الشاهد الثاني – مجري التحريات -، وعدم إيراد أقوال شاهدي الإثبات كما جاءت بالأوراق، والتراخي في الإبلاغ.

ومخالفة أقوال المجني عليها لما انتهى إليه تقرير الطب الشرعي من أنها ثيب من قدم وسلبية العينة المأخوذة منها من آثار المواد المخدرة، وعدم توصل التحريات لصحة وجود مقاطع مصورة للمجني عليها بحوزة الطاعنة من عدمه، أو للأشخاص الذين شاركوا المتهمة في الجريمة، هذا وقد خلت الأوراق من شاهد أو دليل، وأسند للمجني عليها أقوالاً ليست بالأوراق حينما قرر أن الطاعنة هي من استقبلتها بمدينة ….، ونسب للطاعنة اعترافاً رغم أنه لا يعد اعترافاً بدلالة إنكارها للاتهام، والتفت عن دفاعها بكيدية الاتهام وتلفيقه وعن كافة دفاعها ودفوعها الأخرى إيراداً ورداً والمؤيدة بالمستندات، واستبدت بالمحكمة الرغبة في الإدانة، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .

وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله : ( حيث إنه في غضون شهر ديسمبر 2017 تركت المجني عليها …. والتي لم تبلغ ثمانية عشر عاماً مسكن أسرتها عندما دب الخلاف بينها وبين شقيقها وهامت على وجهها واتجهت لمدينة …. بغرض الحصول على فرصة عمل لتقتات منها وتعينها على تكاليف الحياة فتلقتها المتهمة …. والتي تقيم بتلك المدينة وأكرمت مثواها بغية أن تتخذ منها أداة لجريمة لم تفصح عنها في بداية الأمر ولما كشرت عن أنيابها وظهرت غايتها وبان قصدها سيما وأنها قد سبقت إدانتها في قضية آداب وجعلت منها سلعة تباع وتتكسب من ورائها بأن طلبت منها مصاحبة الرجال وممارسة الرزيلة معهم بمقابل مالي كانت تقتضيه بعد أن بدأت في ارتيادهما لأماكن اللهو والرقص والمسمى (نوادي الليل والمراقص).

فكان السهر غايتها والرقص مرادها وجذب الزبائن لقضاء سهرات حمراء هدفها فلما تمردت المجني عليها وأبت وحاولت ترك المسكن عثر على المتهمة إن لم تفعل ذلك لما لا وهي الصيد الثمين فأوحت إليها بالابتعاد عن ذلك الطريق وولوج طريق آخر تلتمس به رزقاً حلالاً فغضبت المجني عليها لمرادها وهي لا تعلم ما انطوت عليه نفس صاحبتها فمكثت غير بعيد وأحاطت بها ثلاثة رجال من دولة خليجية لقضاء وطراً منها بعد أن أسكرتها ووضعت لها المخدر في الشراب فغابت عن الوعي وشلت إرادتها أو تكاد فسلمت لهم بعد أن فقدت مقاومتها وعذريتها أيضاً وذلك بإشراف المتهمة وما أن قضي الأمر أرادت المجني عليها أن تنجو بنفسها بعد أن فقدت كل شيء فكانت المتهمة لها بالمرصاد.

وأوهمتها بأنها قد قامت بتصويرها حال ممارستها الرذيلة السابقة بفيديو وهددتها بإرساله لأهليتها فخافت منها ورضخت لطلباتها مستغلة التهديد السالف البيان وفقدانها الأهل والمأوى قاصدة الحصول لنفسها على منفعة مادية مقابل استغلال ممارسة الدعارة والتكسب منها وإرسالها للرجال دون غير في الشقق والفنادق وكان المقابل المادي من الأجانب أربعة آلاف جنيه والمصريين ثلاثمائة جنيه وبعد أن ضاقت المجني عليها بهذا التهديد وتلك الأعمال الغير الشريفة قامت بالتوجه لمغفر الشرطة وأبلغت بما حدث لها فقام الرائد/ …. بالتحري عن الواقعة وأثبتت تحرياته قيام المتهمة باستغلال المجني عليها جنسياً للحصول على منفعة من وراء ذلك.

وباستجواب المتهمة بتحقيقات النيابة أقرت بارتكابها للفعل المحرم ) . وساق الحكم على ثبوت هذه الواقعة في حق الطاعنة أدلة سائغة مستمدة من أقوال المجني عليها/ ….، الضابط/ ….، وإقرار المتهمة – الطاعنة – بتحقيقات النيابة العامة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك، وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت أن يشتمل كل حكم بالإدانة على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منه.

وكان يبين مما أورده الحكم على نحو ما تقدم أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الاتجار بالبشر بأن تعاملت في شخص طبيعي وهي المجني عليها الطفلة/ …. بقصد استغلالها جنسياً كما هي معرفة القانون، ودان الطاعنة بها وأورد على ثبوتها في حقها أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، وجاء استعراضه لأدلة الدعوى على نحو يدل على أن المحكمة محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماما شاملا يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن لا يكون له محل .

وحيث إنه لما كان ما سلف وكانت المحكمة تطمئن لشهادة المجني عليها من أن المتهمة وقد استغلت ضعفها وصغر سنها وقامت باصطحابها لأماكن اللهو لكي تجالس الرجال وتقوم بإرسالها للشقق والفنادق ولكي ترتكب الفحشاء مع الرجال بغير تمييز مما يشكل جريمة الدعارة والحصول على مبالغ مالية نظير ذلك وما تأيد بتحريات رجل البحث الجنائي من صحة ما جاء برواية المجني عليها وإقرار المتهمة بالتحقيقات أيضاً.

ولا ينال من ذلك ما جاء الدفاع من عدم الاطمئنان للتقرير الطبي الشرعي في هذا المجال أو أن المحكمة لا تعرض لجريمة هتك عرض أو اغتصاب تجرمه الاتجار بالبشر تقوم وإن انتفت جريمة الاغتصاب إذ إن الجريمة الأخيرة في القانون المصري يفترض أن تكون بدون رضاء المجني عليه ولكن جريمة الاتجار بالبشر لا تعتد بالرضا إطلاقاً )، وكان ما رد به الحكم على الدفع سائغاً وكافياً في بيان أركان جريمة الاتجار بالبشر بركنيها المادي والمعنوي، ويضحى ما تثيره الطاعنة في هذا الشأن على غير أساس .

لما كان ذلك، وكان لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن قصد الاستغلال في جناية الاتجار بالبشر التي دان الطاعنة بها، بل يكفي أن يكون ما أورده من وقائع وظروف ما يكفي للدلالة على قيامه – كما هو الحال في الدعوى المطروحة -، فإن ما تنعاه الطاعنة على الحكم في هذا الصدد يكون في غير محله . لما كان ذلك، وكان مما أورده الحكم من تحريات الشرطة يحقق مراد الشارع الذي استوجبه في المادة ٣١٠ من قانون الإجراءات الجنائية من دعوى بيان مؤدى الأدلة التي يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة، ومن ثم فإن النعي على الحكم بالقصور في هذا الشأن يكون على غير أساس .

لما كان ذلك، وكان الثابت من المفردات المضمومة أن ما حصله الحكم من أقوال الطاعنة بتحقيقات النيابة أنها كانت تصطحب المجني عليها للملاهي الليلية للترفيه على مرتاديها وتحصلت من ورائها على منفعة مالية له صداه وأصله الثابت في الأوراق، فإن دعوى الخطأ في الإسناد لا يكون له محل . لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفع بتلفيق الاتهام أو كيديته من الدفوع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل رداً صريحاً من الحكم ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها .

لما كان ذلك، وكانت الطاعنة لم تكشف عن أوجه الدفوع والدفاع التي تنعى على المحكمة قعودها عن الرد عليها حتى يتضح مدى أهميتها في الدعوى، وهل تحوى دفاعًا جوهريًا مما يتعين على المحكمة أن تعرض له وترد عليه، أم أنه من قبيل الدفاع الموضوعي الذي يكفي القضاء بالإدانة أخذاً بأدلة الثبوت رداً عليه، بل ساق قوله في هذا الصدد مرسلًا مجهلًا، فإن هذا الوجه من الطعن لا يكون مقبولاً .

فضلاً عن أن البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنة لم تقدم ثمة حوافظ مستندات – خلافاً لما تدعيه بأسباب طعنها -، فإن منعاها في هذا الشأن لا يكون مقبولاً .

لما كان ذلك، وكانت حالة الرغبة في إدانة المحكوم عليه مسألة داخلية تقوم في نفس القاضي وتتعلق بشخصه وضميره وترك المشرع أمر تقدير الإدانة لتقدير القاضي وما تطمئن إليه نفسه ويرتاح إليه وجدانه، ومن ثم فإن ما يثار في هذا المنحى لا يصح أن ينبني عليه وجه الطعن .

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الخطأ في رقم مادة العقاب المطبقة لا يترتب عليه بطلان الحكم، ما دام قد وصف الفعل وبين واقعة الدعوى موضوع الإدانة بياناً كافياً وقضى بعقوبة لا تخرج عن حدود المادة الواجب تطبيقها، فإن خطأ الحكم بتخصيص المادة 6 من القانون رقم 64 لسنة 2010 بشأن الاتجار بالبشر بفقراتها الثانية والثالثة والسادسة بدلاً من الفقرتين الثانية والسادسة فقط لا يعيبه، وحسب محكمة النقض أن تصحح الخطأ الذي وقع في أسباب الحكم المطعون فيه، وذلك بحذف الفقرة الثالثة من المادة 6 المذكورة عملاً بنص المادة ٤٠ من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٥٩.

لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .

abdo

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى