«النقض» توضح حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى

كتب/ عبد العال فتحي

أكدت محكمة النقض خلال حكمها بالطعن رقم 7286 لسنة 90 قضائية، أنه من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوي حسبما يؤدي إليه إقتناعها، وأن تطرح ما يخالفهـا مـن صـور أخري ما دام إستخلاصها سائغاً مستندا إلي أدلـة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وكان وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلي محكمة الموضـوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليـه بغيـر معقب.

 

الوقائـــــــــــــــــع

اتهمت النيابة العامة الطاعن في قضية الجناية رقم ٥٨٢٠ لسنة ٢٠١٩ قسم فايد (والمقيدة بالجدول الكلي برقم ٢١٨٠ لسنة ٢٠١٩ كلى الإسماعيلية).

بأنه في يوم 29 من ديسمبر سنة 2019 – بدائرة قسم شرطة فايد – محافظة الإسماعيلية.

– أحرز بقصد الاتجار جوهراً مخدراً هيروين في غير الأحوال المصرح بها قانوناً.

وأحالته إلى محكمة جنايات الإسماعيلية لمعاقبته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.

والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بجلسة الرابع من مارس سنة ٢٠٢٠ وعملاً بالمواد 1، 2، 38/1، 42/1 من القانون رقم ١٨٢ لسنة 1960 المعدل بالقانونين 61 لسنة ۱٩٧٧، ۱۲۲ لسنة ١٩٨٩ والبند رقم (۲) من القسم الأول من الجدول الأول الملحق بالقانون الأول والمستبدل بقراری وزیر الصحة رقم 46 لسنة ١٩٩٧ بمعاقبة / ……………. – بالسجن المشدد لمدة خمسة عشر سنة وبتغريمه مائة ألف جنيه عما أسند إليه وألزمته بالمصاريف الجنائية وأمرت بمصادرة المخدر المضبوط.

 

وذلك باعتبار أن إحراز المتهم للمخدر المضبوط مجرداً من القصود المسماة في القانون.

فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.

وقرر المحكوم عليه – بشخصه بقلم كتاب المحكمة – صحبة الحراسة – بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض بتاريخ 11 من مارس سنة ٢٠٢٠.

وأودعت مذكرة بأسباب الطعن بالنقض بتاريخ الخامس من إبريل سنة ٢٠٢٠ موقعاً عليها من الأستاذ/ ……… وبجلسة اليوم سمعت المرافعة على ما هو مبين بمحضر الجلسة.

 

المحكمــة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضى المقرر وبعد المداولة قانوناً.

من حيث إن الطعن قد إستوفى الشكل المقرر في القانون.

ومـن حيـث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيـه أنـه إذ دانـه بجريمة إحراز جوهر الهروين المخدر بغير قصد من القصود المسماه في القـانـون قـد شـابه القصـور والتناقض في التسبيب والفساد فـي الإستدلال والإخلال بحق الدفاع ذلك بأنه لم يبين واقعة الدعوى وأدلتها في بيان واف تتحقق به أركان الجريمة التي دانه بها ولم يستظهر توافر القصد الجنائي في حق الطاعن ومدى علمه بكنة المادة المخدرة المضبوطة.

وأطرح برد قاصر غیر سائغ دفع الطاعن ببطلان القبض والتفتيش لحصولهما قبل صدور الإذن بهما بدلالة ما ثبت من خروج الضابط والقوة المرافقة له من قسم الشرطة بتوقيـت سـابق علـى صـدور الإذن دون أن تجري المحكمـة تحقيقـاً فـي هـذا الشأن، وعول في الإدانة على أقوال شاهدي الإثبات دون بيان وجه استدلاله بها مكتفياً في بيان ذلك بما ورد بمحضر الضبط ولم تجبه المحكمة إلى طلبه سماع أقوالهما ، وتساند الحكم إلى أدلة باطلة وجاءت أسبابه متناقضة ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.

ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها ، وأورد علي ثبوتها في حقـه أدلـة سائغة مـن شـأنها أن تـؤدي إلـى مـا رتبـه الحكـم عليـهـا ، وجـاء إستعراض المحكمـة لأدلة الدعوى علـى نـحـو يـدل أنـهـا محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً ، يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها.

ومتى كان مجموع ما أورده الحكـم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما إستخلصتها المحكمة – كما هو الحـال في الدعوى الراهنة- فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون، ويكون ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا محل له. لما كان ذلك، وكان مناط المسئولية في حالتي إحراز وحيازة الجواهر المخدرة هو ثبوت اتصال الجاني بالمخدر اتصالاً مباشراً أو بالواسطة وبسط سلطانه عليه بأي صورة عن علم وإرادة إما بحيازة المخدر حيازة مادية أو بوضع اليد عليه على سبيل الملك والاختصاص ولـو لـم تتحقق الحيازة المادية، وكـان القصد الجنائي في جريمة إحراز أو حيازة الجوهر المخدر يتحقق بعلم المحرز أو الحائز بأن ما يحرزه أو يحوزه مـن المـواد المخدرة وكانت المحكمة غير مكلفة بالتحدث استقلالاً عن هذا الركن إذا كان ما أوردته في حكمها كافياً في الدلالة على علم المتهم بأن مـا يحرزه أو يحـوزه من المواد المخدرة.

وكان الحكم قد عرض لدفع الطاعن بانتفاء صلته بالمضبوطات وأطرحه في قوله وحيث إنـه عـن الـدفع المبـدي بـعـدم تـوافر ركـن الإحراز أو الحيازة للمـادة المخدرة وانتفاء صلة المتهم بالمخدر المضبوط فهو دفع غير سديد ذلك أن الإحراز هو مجرد الاستيلاء على الجوهر المخدر استيلاء مادياً طالت فترته أم قصرت والإحراز معاقب عليه بصرف النظر عن الباعث عليه كما لا يشترط لاعتبار الجاني حائزاً للمادة المخدرة أن يكون محرزاً لـهـا بـل يكفي أن يكون سلطانه مبسوطاً عليها عن علم وإرادة ولو لم تكن في حيازته المادية أو كـان المحرز لها شخصاً غيره .

لما كان ذلك وكان الثابت من أوراق الدعوى أنه تم ضبط المخدر فـي حـوزة المـتـهـم بـداخل الكيس البلاستيكي الذي كان يحملـه والذي كان سلطانه مبسوطاً عليه وعليه تقضي المحكمة والحال كذلك برفض الدفع، فإن ذلك ما يكفي للدلالة على قيام جريمة إحراز المخدر وثبوتها في حق الطاعن بركنيها المادي والمعنوي، ومن ثم فإن منعي الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لمـا كـان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن ببطلان القبض والتفتيش لحصولهما قبـل صـدور إذن النيابة العامة بذلك وأطرحه بقوله فمردود عليه أن المحكمة تطمئن كامل الإطمئنان إلى وقوع الضبط والتفتيش بناء على الإذن الصادر من النيابة العامة بتاريخ 29/12/2019 الساعة الثالثة والنصف مساء ويؤيد ذلـك مـا هـو ثـابـت بمحضر الضبط.

وكذا من أقوال الشاهدين اللذين تطمئن إليهما المحكمـة مـن أنهمـا إنـتقلا لتنفيذ الإذن الساعة الثالثة وخمسون دقيقـة مسـاء بـذات يـوم صـدوره أي داخـل مـدة الإذن ، وعليـه تقضي المحكمـة والـحـال كذلك برفض الدفع، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفع بصدور الإذن بعد الضبط والتفتيش يعد دفاعاً موضوعياً يكفي للرد عليه إطمئنان المحكمة إلى وقوع الضبط والتفتيش بناء على الإذن أخذاً منها بالأدلة السائغة التي أوردتها، فإن منعي الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. ولمـا كـان البين من الإطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يطلب من المحكمة تحقيقاً معيناً بصدد هذا الدفع فليس له من بعد أن ينعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لـم يطلب منها فإن منعي الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد.

لمـا كـان ذلك وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها علي بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوي حسبما يؤدي إليه إقتناعها ، وأن تطرح ما يخالفهـا مـن صـور أخري ما دام إستخلاصها سائغاً مستندا إلي أدلـة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.

وكان وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلي محكمة الموضـوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليـه بغيـر معقب ، وكانت المحكمة قد إطمأنت إلي أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في صورة الواقعة والنعي علي الحكم عدم إيراده علة إطمئنانه إلي أقوال شهود الإثبات لا يعدو أن يكون جدلاً في موضوع الدعوي تنآى عنـه وظيفة محكمة النقض ومن ثم يكون هذا النعي غيـر قـويـم .

لمـا كـان ذلك، وكـان الحكم المطعون فيه، وعلـى مـا يـبـيـن مـن استدلاله، لم يعول في إدانة الطاعن على دليل مستمد من محضر الضبط فإنـه لا جدوى من النعي عليه في هذا الشأن. لما كان ذلك، وكان البين من الإطلاع على محضر المحاكمة أن الضابطين شاهدى الإثبات في الدعوى تخلفا عن الحضور وتليت شهادتهما بالجلسة بموافقة النيابة العامة والدفاع ، ويبين كذلك أن المدافع عن الطاعن لم يطلب إلى المحكمة في مرافعته أو في ختامها سماع شهادتهما فليس له من بعد أن ينعي عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها.

فضلاً عما هو مقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستغنى عن سماع شهود الإثبات إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً دون أن يحول ذلك الإعتماد على أقوالهم التي أدلوا بها في التحقيقات ما دامت هذه الأقوال مطروحة على بساط البحث ، ويضحى منعى الطاعن في هذا الشأن غير مقبول . لما كان ذلك، ولئن كان الأصل أن من يقوم بإجراء باطل لا تقبل منه الشهادة عليه، إلا أن ذلك لا يكون إلا عند قيام البطلان وثبوته، وإذ كان الحكم المطعون فيـه قـد انتهـى سـديداً إلى صحة إجراءات القبض والتفتيش، فإنه لا تثريب عليه إن هو عول في الإدانة على أقوال ضابطي الواقعة، ويكون منعي الطاعن في هذا الشأن غير قويم. لما كان ذلك، وكان الطاعن لـم يفصح عن ماهية التناقض والتخاذل الـذي عـاب الحـكـم وكـانـت مدوناته قد خلت من هذا التناقض والاضطراب فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون على غير سند.

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الخطأ في رقم مادة العقاب المطبقة لا يترتب عليه بطلان الحكم ، مادام قد وصف الفعل وبين واقعة الدعوى موضوع الإدانة بياناً كافياً وقضى بعقوبة لا تخرج عن حدود المادة الواجب تطبيقها ، فإن خطأ الحكم بتخصيص المادة 38 من القانون رقم ١۸۲ لسنة 1960 بشأن مكافحة المخدرات وتنظيم إستعمالها والإتجار فيها بفقرتها الأولى بدلاً من الفقرة الثانية لا يعيبه، وحسب محكمة النقض أن تصحح الخطأ الذي وقع في أسباب الحكم المطعون فيه ، وذلك بإستبدال الفقرة الثانية من المادة المذكورة بالفقرة الأولى عملا بنص المادة 40 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959.لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع برفضه.

أمين السر نائب رئيس المحكمة

عبدالعال فتحي

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى