«النقض» توضح الأصل في رفع الدعوى الجنائية
أكدت محكمة النقض، خلال حكمها بالطعن رقم 209 لسنة 90 قضائية، أنه إذا كان تصرف النيابة العامة لا يفيد على وجه القطع استقرار الرأي على عدم رفع الدعوى الجنائية فإنه لا يصح اعتبار تصرفها أمراً بألا وجه لإقامة الدعوى؛ لأن الأصل في هذا الأمر أن يكون صريحاً ومدوناً بالكتابة فلا يصح استنتاجه من تصرف أو إجراء، إلا إذا كان هذا التصرف أو الإجراء يترتب عليه حتماً وبطريق اللزوم العقلي أن ثمة أمر بألا وجه لإقامة الدعوى .
المحكمـــة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة والمداولة قانوناً .
ومن حيث إن الواقعة حسبما استقرت في يقين المحكمة واطمأن إليه وجدانها مستخلصة من الأوراق وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها بجلسة المحاكمة تتحصل في أنه على إثر خلافات سابقة داهم المتهم الماثل وآخر سبق الحكم له الحانوت الخاص بالمجني عليه / …. مشهرين أسلحة بيضاء في وجهه ثم كال له المتهم ضربة واحدة بساطور والمتهم الآخر ضربة واحدة بعصا شوم واستقرت ضربتيهما بذقنه ورأسه على الترتيب فأحدثا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وهي عبارة عن جرح رضي بالدقن وجرح قطعي بفروة الرأس وكدمة نزيفية بالمخ في الفص الأمامي الأيسر وشرخ بالجمجمة من الناحية اليسرى وتخلف لديه من جراء تلك الإصابات عاهة مستديمة تتمثل في عدم انتظام عظمي بما يعتبر عاهة مستديمة تقدر نسبتها بحوالي 1% واحد بالمائة .
وحيث إن الواقعة على الصورة المتقدمة قد ثبت وقوعها وتوافرت صحة إسنادها للمتهم مما شهد به المجني عليه / أحمد طلعت عبد العال وشاهدي الإثبات / …. ، …. وما أورده التقرير الطبي الشرعي .
فقد شهد بالتحقيقات وبجلسة المحاكمة المجني عليه / أحمد طلعت عبد العال أنه إثر خلافات سابقة بينه وبين المتهم وآخر سبق الحكم له داهما حانوته الخاص به وكال له المتهم الماثل ضربة بساطور استقرت برأسه فأحدث إصاباته الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي .
وشهد / …. بأنه شاهد المتهم وآخرين حال تعديهم على المجني عليه مستخدمين شوم وسكاكين .
وشهد / …. بأنه شاهد المتهم حال اعتدائه على المجني عليه بأن ضربه ـــــ الماثل ـــــ بساطور على رأسه .
وثبت من التقرير الطبي الشرعي المؤرخ 23/ 2/ 2019 أن المجني عليه مصاب بجرح قطعي بفروة الرأس أبعاده عشرة سم وجرح رضي بالذقن طوله حوالي ثلاثة سم وكدمة نزيفية بالمخ في الفص الأمامي الأيسر وشرخ بالجمجمة من الناحية اليسرى وأن إصابته كانت في الأصل ذات طبيعة رضية قطعية تنتج من المصادمة بأداة ذات شفرة قاطعة ثقيلة نوعاً ما أياً كان نوعها وهي جائزة الحدوث من مثل التصور الوارد بالأوراق وفي تاريخ معاصر وقد تخلف لديه من جراء الإصابة عاهة مستديمة تقدر نسبتها بحوالي واحد بالمائة .
وحيث إن ممثل النيابة العامة الحاضر بالجلسة صمم على طلب معاقبة المتهم طبقاً لمواد الاتهام .
وحيث إن المتهم أُعلن قانوناً وحضر بجلسة المحاكمة أمام هذه المحكمة بوكيل عنه محام وطلب سماع شهادة شهود الإثبات والطبيب الشرعي ، وكان قد حضر بجلسة المحاكمة أمام محكمة الجنايات بوكيل عنه محام ودفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق صدور أمر ضمني بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في الجنحة رقم 18 لسنة 2018 أمن دولة طوارئ اللبان ، وانتفاء أركان الجريمة ، والتراخي في الإبلاغ ، وكيدية الاتهام ، منتهياً إلى طلب البراءة ، ومثل المجني عليه بوكيل عنه محام وادعى مدنياً بمبلغ 10001 جنيه وقدم صورة ضوئية من الجنحة آنفة الذكر .
وحيث إنه عن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق صدور أمر ضمني بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في الجنحة رقم 18 لسنة 2018 جنح أمن دولة طوارئ اللبان ، فمردود عليه بأنه من المقرر أن الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الصادر من النيابة العامة بوصفها إحدى سلطات التحقيق بعد أن تجري التحقيق بنفسها أو يقوم به أحد رجال الضبط القضائي بناءً على انتداب منها على ما تقضي به المادة 209 من قانون الإجراءات الجنائية هو وحده الذي يمنع رفع الدعوى ، كما أن المقرر أنه إذا كان تصرف النيابة العامة لا يفيد على وجه القطع استقرار الرأي على عدم رفع الدعوى الجنائية فإنه لا يصح اعتبار تصرفها أمراً بألا وجه لإقامة الدعوى.
لأن الأصل في هذا الأمر أن يكون صريحاً ومدوناً بالكتابة فلا يصح استنتاجه من تصرف أو إجراء إلا إذا كان هذا التصرف أو الإجراء يترتب عليه حتماً وبطريق اللزوم العقلي أن ثمة أمر بألا وجه لإقامة الدعوى . لما كان ذلك ، وكان البين من المفردات المنضمة والدعوى رقم 18 لسنة 2018 جنح أمن دولة طوارئ اللبان أن كل ما صدر من النيابة العامة في هذا الصدد اتهامها لمتهمين آخرين دون أن تذكر شيئاً عن المتهم / …. وانهت التحقيقات في هذه الجنحة دون سؤاله مما يفيد أنها ـــــ أي سلطة التحقيق ـــــ لم تجابهه بالأدلة والقرائن التي تجمعت لديها حتى يُبدي دفاعه ودفوعه بشأنها.
الأمر الذي يدل على أنها لم تقابل الأدلة التي توفرت لديها في شأنه أو تزنها وتمحصها التمحيص الكافي حتى ترجح مبلغ كفايتها من عدمه لتقديمه للمحاكمة ـــــ وهو مناط التصرف في شأن المتهم أو عدم وجود وجه لإقامة الدعوى صريحاً كان أم ضمنياً ـــــ ، الأمر الذي ترى معه هذه المحكمة من جماع كل ما تقدم أنه لا يصح حمل تصرف النيابة حتماً وبطريق اللزوم العقلي على أنه أمر ضمني بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبله يحول دون تحريكها بعد ذلك ، مما يكون معه هذا الدفع غير سديد .
وحيث إنه عن الدفع المُبدى بانتفاء أركان جريمة العاهة المستديمة ، فلما كان من المقرر أن القصد الجنائي في جرائم الضرب عامة بما فيها جريمة الضرب المفضي إلى العاهة المستديمة يتحقق متى ارتكب الجاني الفعل عن إرادة وعلم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة المجني عليه أو صحته ، ولا يلزم أن يتحدث الحكم صراحة عنه بل يكفي أن يكون مفهوماً من وقائع الدعوى ـــــ كما أوردها الحكم ـــــ ، وكان البين من أقوال شهود الإثبات والتقرير الطبي الشرعي أن المتهم اتجهت نيته إلى المساس بسلامة المجني عليه ، ومن ثم فإن الدفع يكون غير مقبول .
وحيث إنه عن الدفع بالتراخي في الإبلاغ ـــــ بفرض صحة ذلك ـــــ فلا يمنع المحكمة من الأخذ بأقواله ما دامت قد أفصحت عن اطمئنانها إليها وأنها كانت على بينة من الظروف التي أحاطت بها ؛ ذلك أن تقدير قوة الدليل من سلطة محكمة الموضوع ، وإذ كانت هذه المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال المجني عليه والتي ساندتها أقوال باقي شهود الإثبات ، فإن هذا الدفع يكون غير مقبول .
وحيث إنه عن الدفع بتلفيق الاتهام ، فإنه مردود عليه بأنه من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً وأن الرد عليها يستفاد من أدلة الثبوت التي اقتنعت بها المحكمة ، إذ بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ، ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه ؛ لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، ومن ثم فإن ما يثيره المتهم من دفاع في هذا الشأن يكون غير مقبول .
وحيث إنه عما أثاره دفاع المتهم من طلب سماع أقوال المجني عليه وشهود الإثبات والطبيب الشرعي أمام هذه المحكمة بجلسة المرافعة الأخيرة ، فمردود عليه بأنه من المقرر أن الأصل في المحاكمات الجنائية أن تقوم على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة بجلسة المحاكمة في مواجهة المتهم وتسمع فيه الشهود سواء لإثبات التهمة أو نفيها ما دام سماعهم ممكناً.
إلا أنه يجوز للمحكمة بمقتضى الفقرة الأخيرة من المادة 273 من قانون الإجراءات أن تمتنع عن سماع شهادة الشاهد متى رأت أن الواقعة التي طلب سماع شهادته عنها قد وضحت لديها وضوحاً كافياً وهو ما تحقق لدى هذه المحكمة بالفعل من وضوحها بما هو كاف لتكوين عقيدتها ، سيما أن دفاع المتهم لم يحدد ما يرمي إليه من طلبه مناقشة الشهود ، فإن طلبه هذا يكون جديراً بالالتفات عنه .
وحيث إنه لم كان ما تقدم يكون قد ثبت للمحكمة أن المتهم :
…
في يوم 22 من يناير سنة 2018 بدائرة قسم شرطة اللبان ـــــ محافظة الإسكندرية .
ـــــ ضرب المجني عليه / …. بأن تعدى عليه بالضرب باستخدام سلاح أبيض ساطور حمله المتهم وكال له ضربة واحدة فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة تقدر بحوالي 1% واحد في المائة .
ـــــ حاز وأحرز سلاحاً أبيض ساطور دون مسوغ من الضرورة الشخصية أو الحرفية .
مما يتعين معه إعمالاً للمادة 304/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية معاقبته بالمادة 240/ 1 من قانون العقوبات والمادتين 1/ 1 ، 25 مكرراً / 1 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل والبند رقم (6) من الجدول رقم (1) المرفق بالقانون الأول .
وحيث إن الجريمتين اللتين ارتكبها المتهم قد انتظمتا في مشروع إجرامي واحد وارتبطتا ببعضهما ارتباطاً لا يقبل التجزئة ، ومن ثم وجب اعتبارهما جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشدهما عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات .
وحيث إن المحكمة تأخذ المتهم بقسط من الرأفة إعمالاً للمادة 17 من قانون العقوبات .
وحيث إنه عن الدعوى المدنية ، فإنه لما كانت المحكمة قد انتهت في الدعوى الجنائية إلى ثبوت الواقعة قبل المتهم وقضت بإدانته عنها ، ومن ثم فإن المحكمة تجيب المدعي بالحق المدني إلى طلبه عملاً بالمادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية مع إلزام المتهم مصاريفها شاملة أتعاب المحاماة عملاً بالمادة 320 من القانون سالف الذكر .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :ـــــ بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وإلزامه بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ عشرة آلاف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت وألزمته مصاريف الدعويين المدنية والجنائية ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .