«النقض» ترسخ عدة مبادئ تتعلق بالاختصاص في القضايا الدولية.. وتؤكد: المحاكم المصرية غير مختصة بالحكم في القضايا المرفوعة ضد الدول الأجنبية

كتب: عبدالعال فتحي

أصدرت محكمة النقض المصرية، حكماَ في الطعن المقيد برقم 2703 لسنة 87 القضائية، برئاسة المستشار مجدي مصطفي، وعضوية المستشارين وائل رفاعي، ورفعت هيبة، وياسر فتح الله العكازي، وهاني عميرة، وبحضور رئيس النيابة لدي محكمة النقض أحمد عبد العال، وأمانة سر عادل الحسيني. 

ورسخت فيه المحكمة لعدة مبادئ قضائية بخصوص الاختصاص في القضايا الدولية، قالت فيه: «المحاكم المصرية غير مختصة بالحكم في القضايا المرفوعة ضد الدول الأجنبية، والسفارات ليست ممثلة قانونية لدولها ولا يجوز اختصامها، وعلي المحكمة أن تبحث اختصاصها دوليا بنظر النزاع قبل أن تنظر موضوعه، ولا يجوز لدولة أن تستفيد من بنود اتفاقية دولية لم تشارك فيها أو توقع عليها ».

حيثيات الحكم

المحكمة في الحيثيات قالت إن الحكم بعدم اختصاصِ المحاكمِ المصرية بنظرِ الدعوى لا يترتب عليه انقضاء الحقِ الذي رفعت به وإلَّا كان إنكارًا لحق المُدعيين في العدالة والانتصاف، وترك الضرر يستقر حيثما وقع دون أن تتحمل الدولة المعتدية مسئولية ما ترتب علي عُدوانِها، وهو ما يشكل ظلمًا بينًا للمُدعيين، فإن هذا الحكمَ لا يحولُ بينهم وبينَ مطالبةِ الحكومة المصريةِ، بوصفِها الهيئة التنفيذيِّة والإداريِّةَ العُليا والمُمثِّل الوحيدَ للدولةِ والمُعَبر عن سيادتها في علاقتها بأشخاصِ القانونِ الدوليِ، باتخاذِ جميعِ الإجراءاتِ الضرورية اللازمةِ علي الصعيدِ الدوليِّ وسلوكِ كافةِ السُّبُلِ التي توفرُها قواعدُ القانونِ الدوليِّ، بما يكفل الحصولَ للمدعيينَ علي حقِهم في التعويضِ عنْ الأضرارِ التي حاقت بهم من جَرَّاءِ قتْلِ القواتِ الفرنسيةِ لمورثِهم بعد أسْرِه، بالمخالفةِ لاتفاقياتِ جنيفٍ الأربعِ والبروتوكولاتِ الملحقةِ بها وقواعدِ العُرفِ الدوليِّ الآمرةِ.

على ما سلفَ بيانُه – ذلك أنَّ السعيَ الجادَ لحمايةِ حقوقِ المواطنينَ من عُدوانِ دولةٍ أجنبيِّةٍ لا يدخلُ في نطاقِ وظيفتِها ومسئوليتِها السياسيِّةِ كسلطةٍ تنفيذيةٍ فحسب، بل يمثلُ التزامًا أخلاقيًّا وإنسانيًّا ، فضلًا عن أنَّه التزامٌ دستوريٌّ وقانونيٌّ علي عاتقِ الدولةِ، مما لا سبيلَ إلي إنكارِه أو النكولِ به ، فهي كما تفرض سيادتَها عن طريق أعمالِ السيادةِ التي لا تخضعُ لرقابةِ القضاءِ، يجبُ أنْ تَبْسُطَ حمايتَها علي مواطنيها من كلِ عسفٍ أو عدوانٍ علي حقوقِهم سواءً كان المُعتدِيّ من داخلِ الدولةِ أو خارجِها ، وهو ما يأتي في صدارةِ واجباتِ الحكومةِ وأسمي وظائفِها.

ووفقا لـ«المحكمة» – إنَّ نصوصَ الموادِ من 28 حتي 35 من قانون المرافعات – التي ترسمُ حدودَ الاختصاصِ القضائيِّ الدوليِّ للمحاكم ِالمصريةِ – تدلُ علي أنَّ أحكامَ هذه الموادِ تقومُ علي المبدأ العامِ السائدِ في فقهِ القانونِ الدوليِّ الخاصِ، وهو أنَّ الأصلَ في ولايةِ القضاءِ في الدولةِ هو الإقليميةُ، ومنْ ثَمَّ تتحددُ هذه الولايةُ وفقًا للضوابطِ والقواعدِ المنصوصِ عليها في هذه الموادِ باعتبارها المرجعَ في تحديدِ اختصاصِ المحاكمِ المصريةِ، والمخالفةُ في هذا المقامِ لا تتصلُ بمخالفةِ قواعدِ الاختصاصِ النوعيِّ أو القيميِّ أو المحليِّ، ولا بالاختصاصِ الولائيِّ أو الوظيفيِّ، الذي يقصدُ به توزيعُ الاختصاصِ بين الجهاتِ القضائيةِ المختلفةِ التي لها ولايةُ الفصلِ في المنازعاتِ داخلَ الدولةِ، وإنَّما تتعلقُ المخالفةُ في هذا الخصوصِ بتجاوزِ المحكمةِ حدودَ سلطتِها بالفصلِ في نزاعٍ يخرجُ عن ولايتِها ولا يدخلُ في اختصاصِ أو ولايةِ أيةِ جهةٍ من جهات القضاءِ الوطنيِّ ، لخروجِه عن ولايةِ السلطةِ القضائيةِ في الدولةِ.

الالتزام بالاتفاقيات الدولية

وإذ لم تلتزم الدولةُ الفرنسيةُ بأحكامِ هذه الاتفاقياتِ الواجبةِ الاحترام من جميعِ الدولِ ، سواءً كانت طرفًا فيها أو من غير أطرافِها ، بعدَ أنْ اكتسبتْ هذه الأحكامُ الصفةَ العُرفيِّةَ وأصبحتْ من القواعدِ العُرفيِّةِ الدوليِّةِ ، التي ليس لها أطرافٌ تنحصر فيهم قوتُها الملزمةُ، بل تنصرفُ إلي عمومِ الدولِ ، إذ اُسْتُقِرَ في الضميرِ العالميِّ علي أنَّ ما حوتْه تلك الاتفاقياتُ من أحكامٍ يُعَدُّ بمثابةِ قواعدِ النظامِ العامِ الدوليِّ الملزمةِ والتي لا يسقطُ بالتقادمِ ما يترتبُ علي مخالفتِها باعتبارِها تُمثِّلُ الحدَ الأدنى من الأخلاقِ الدوليةِ التي لا غني عنها لوجود الجماعة الدولية، وبرغم ثُبوتِ مُخالفةِ القواتِ الفرنسيِّةِ لأحكامِ اتفاقياتِ جنيفٍ والبروتوكولاتِ الملحقةِ بها – علي النحو السالف البيان – بما يستوجبُ مسئوليةَ الدولةِ الفرنسيِّةِ عما قارفتْه قواتُها المسلحةُ في حقِ مورثِ الطاعنينَ، إلَّا أنَّ الحصانةَ القضائيةَ التي تتمتعُ بها الدولةُ الفرنسيِّةُ تعفيها من الخضوعِ لولايةِ المحاكمِ المصريةِ ، ولا يؤثرُ في ذلك انضمامُ الدولةِ الفرنسيِّةِ إلي اتفاقيةِ الأممِ المتحدةِ لحصاناتِ الدول وممتلكاتِها من الولايةِ القضائيةِ التي نُشِرَتْ وفُتِحَتْ للتوقيعِ بموجب قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتاريخ 2 ديسمبر 2004  التي نصت في المادة 12 منها علي أنَّه ” ما لم تتفقِ الدولتان المعنيتان علي غير ذلك ، لا يجوزُ لدولةٍ أن تحتجَ بالحصانةِ من الولايةِ القضائيةِ أمام محكمةِ دولةٍ أخري ، تكونُ من جميعِ الوجوهِ الأخرى هي المحكمةُ المختصةُ ، في دعوي تتصلُ بالتعويضِ النقديِّ عن وفاةِ شخصٍ أو من ضررٍ لحقَه أو عن الإضرارِ بممتلكاتٍ ماديِّةِ أو عن ضياعِها ، نتيجةً لفعلٍ أو امتناعٍ عنْ فعلٍ يدعي عزوه إلي الدولةِ ، إذا كان الفعلُ أو الامتناعُ قد وقع كليَّا أو جزئيًّا في إقليمِ تلك الدولةِ الأخرى وكان الفاعلُ أو الممتنعُ موجودًا في ذلك الإقليم وقتَ حدوثِ الفعلِ أو الامتناعِ “.

وهذا النص ولئنْ كانَ منْ شأنِه أنْ يُخَوِّلَ المحاكمَ المصريةَ ولايةَ الفصلِ في الدعوي المطروحةِ باعتبارها مطالبةً بتعويضٍ نقديٍ عن الأضرارِ التي حاقتْ بالمُدعيينَ الناجمةِ عن قتْلِ القواتِ الفرنسيِّةِ مورثَهُمْ أثناءَ تواجدِها علي الأراضي المصريةِ خلال الحربِ العُدوانيةِ علي مصرَ سنة 1956 ، بما تتوافرُ معه الشروطُ الواردةُ في ذلك النصِ والذي يمتنعُ بموجبِه علي الدولةِ الفرنسيِّةِ الاحتجاجُ بالحصانةِ القضائيةِ من الولايةِ القضائيِّةِ للمحاكمِ المصريةِ ، إلَّا أنَّه لمَّا كانتْ مصرُ لم تنضمْ إلي هذه الاتفاقيةِ، ومن ثم لا تفيدُ من أحكامِها، لأنَّ الاتفاقياتِ الدوليِّةَ الجماعيِّةَ – وعلي ما جري به قضاء هذه المحكمة – لا تلزم إلَّا الدولَ أطرافَها في علاقتِها المتبادلةِ ، وهي الدولُ التي صدَّقّتْ عليها علي النحو الذي يحددُه تشريعُها الداخليّ وقامتْ بإيداعِ هذا التصديقِ بالطريقةِ التي توجبُها كلُ اتفاقيةٍ، بما مؤداه، أنَّ الدولَ التي لم تنضمْ إلي اتفاقيةٍ جماعيةٍ معينةٍ تخضعُ في علاقاتِها المتبادلةِ وفي علاقاتِها مع الدولِ التي انضمتْ إليها للقواعدِ المقررةِ في القانونِ الدوليِّ ، دون تلك التي نصتْ عليها الاتفاقيةُ.

إذ لا يتصورُ أنْ تُنشئَ الاتفاقيةُ التزاماتٍ أو حقوقًا للدولِ غير الأطرافِ بدون موافقتِها ، احترامًا لسيادة تلك الدول، كما أنَّه منْ غير ِالمقبولِ أنْ تستفيدَ دولةٌ من أحكامِ اتفاقيةٍ ليست طرفًا فيها -لكلِ ما تقدم بيانُه آنفًا – فإنَّ هذه المحكمةَ لا تملك سوي تقريرِ عدمِ اختصاصِ المحاكمِ المصريةِ بنظر الدعوي والوقوف عند هذا الحد ، باعتبارِ أنَّ قواعدَ الاختصاصِ القضائيِّ الدوليِّ هي قواعدٌ منفردةٌ تقتصرُ علي تحديد ما إذا كانت المحاكمُ الوطنية ُمختصةً أم لا ولا تتجاوز هذا النطاقَ إلي تحديدِ المحكمةِ المختصةِ، فإنَّ الحكمَ المطعونَ فيه إذ انطوي قضاؤه في موضوعِ الدعوي علي قضاءٍ ضمنيٍ باختصاصِ المحاكمِ المصريةِ بنظرِ الدعوي، فإنَّه يكونُ معيبًا بمخالفةِ القانونِ، بما يُوجبُ نقضَه وإلغاءَ الحكمِ المستأنفِ والقضاءَ بعدمِ اختصاصِ المحاكمِ المصريةِ بنظرِ الدعوى.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى