المقصود بالضرر غير المألوف الذي أوجب المشرع رفعه وجبره

أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم 6302 لسنة 74 قضائية، أن المقصود بالضرر غير المألوف الذي أوجب المشرع رفعه وجبره هو الضرر الجسيم الذي يتأذى منه الجار ولا يحتمله أو يتسامح فيه الناس عادة

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى …. لسنة 2001م. ك شبين الكوم. يطلب إلزام الطاعن أن يؤدي له مبلغ مائة ألف جنيه تعويضًا عما حاق به من أضرار مادية وأدبية الناجمة عن بلاغ الأخير للنيابة العامة متهمًا إياه بإحداث تشققات وشروخ بمنزله نتيجة استعمال ماكينات بورشة النجارة المملوكة للمطعون ضده. وإذ ثبت عدم صحة الواقعة فأقام الدعوى. وجه الطاعن دعوى فرعية بطلب إلزام المطعون ضده بأن يؤدي له مبلغ مائة وخمسين ألقف جنيه تعويضًا ماديًا وأدبيًا عن الأضرار التي لحقت به بسب استخدامه معدات تحدث اهتزازات شديدة عند تشغيلها مما أدى إلى تصدع منزله المجاور لورشة المطعون ضده وحدوث شروخ وتشققات به ومن ثم أقام الدعوى, حكمت المحكمة برفض الدعويين الأصلية والفرعية, فاستأنف الطاعن هذا الحكم برقم ….. لسنة 35 ق استئناف طنطا – مأمورية شبين الكوم – كما استأنفه المطعون ضده أمام ذات المحكمة برقم….. لسنة 35 ق. ضمت المحكمة الاستئنافين وندبت خبيرًا في الدعوى وبعد أن أودع تقريره قضت بتاريخ ../ ../ 2004 برفض الاسئنافين وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيه الرأي بنقض الحكم المطعون فيه. وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.

وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بأن المعدات التي يستخدمها المطعون ضده في ورشة النجارة المملوكة له تحدث عند تشغيلها اهتزازات شديدة أدت وفقًا من تقرير الخبير المنتدب إلى تصدع منزله وحدثت شروخ به تُعد من مضار الجوار غير المألوف توجب مسئولية المطعون ضده، فأطرح الحكم هذا الدفاع استنادًا إلى أن الورشة المشار إليها مطابقة لشروط الترخيص الإداري ورتب على ذلك نفي الخطأ في جانب المطعون ضده في حين أن الترخيص لا يدرء مسئوليته عن مضار الجوار غير المألوفة، كما دلل الحكم على عدم وقوع أضرار بمنزل الطاعن نتيجة تشغيل معدات الورشة المذكورة بأن المنزل الكائن به الورشة لم يحدث به شروخ أو تشققات دون بيان المصدر الذي استقى منه هذه الواقعة التي خلت من دليل عليها ما يعيبه ويستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك بأنه لما كان النص المادة 807 من القانون المدني على أنه (1) “على المالك ألا يغلو في استعمال حقه إلى حدج يضر بملك جاره. (2) وليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة التي لا يمكن تجنبها وإنما له أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف التي لا يمكن تجنبها وإنما له أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف، على أن يراعي في ذلك العرف, وطبيعة العقارات، وموقع كل منها بالنسبة إلى الأخر، والغرض الذي خصصت له، ولا يحول الترخيص الصادر من الجهات المختصة دون استعمال هذا الحق”.

يدل على أن المشرع أنشأ بهذا النص – الذي استلهمه من أحكام الشريعة الإسلامية – التزامًا مصدره المباشر القانون بين أركانه وحدد نطاقه ومداه، فرض بموجبه على الجار ألا يلحق بجاره ضرر يجاوز الحد المألوف, والمقصود بالضرر غير المألوف الذي أوجب المشرع رفعه وجبره هو الضرر الجسيم الذي يتأذى منه الجار ولا يحتمله أو يتسامح فيه الناس عادة, ومن ثم فإن المناط في تحقق مسئولية الجار هو قيام الدليل على أن المضار غير المألوفة التي حاقت بجاره ناجمة عن مباشرة الأول لسلطات وعناصر حق الملكية أو الانتفاع أو الإجارة أو أي حق آخر ولو لم يلامسها شيء من التقصير في جانبه، ذلك أن نص المادة 807 من القانون المدني واضح جلي المعنى قاطعًا في دلالته على أن المسئولية الناشئة عن مضار الجوار غير المألوفة يكفي لتحققها ثبوت هذه المضار ولا يشترط لقيامها ثبوت الخطأ في جانبه ويؤيد هذا النظر أن الترخيص الإداري الصادر من الجهات المختصة لا أثر له في قيام هذه المسئولية ولا يعصم الجار المسئول من آثارها. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وأقام قضاؤه على أن الورشة المملوكة للمطعون ضده مطابقة لشروط الترخيص الصادر له من الجهة المختصة بما ينفي الخطأ في جانبه ورتب على ذلك انتفاء مسئوليته عن الأضرار التي لحقت بمنزل الطاعن في حين أن هذا الترخيص لا يدرء مسئولية المطعون ضده عن هذه الأضرار التي جاوزت الحد المألوف وفقًا للثابت من تقدير الخبير المنتدب ويكفي لتحققها قيام الدليل على أن تلك الأضرار ناشئة عن استغلاله لورشته، ولا يغير من ذلك ما قرره الحكم من أن تلك الأضرار ليست ناجمة عن الاهتزازات التي تحدثها معدات ورشة المطعون ضده عند تشغيلها مستدلاً على ذلك بأن المنزل الكائن به الورشة لم يحدث به شروخ أو تشققات دون أن يبين المصدر الذي استقى منه هذه الواقعة التي خلت الأوراق من أي دليل ليها فإنه يكون معيبًا فضلاً عن الخطأ في تطبيق القانون بالفساد في الاستدلال.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى