المصادمات بين المحامين والقضاة

خالد أبو كريشة أمين عام نقابة المحامين

على الجميع أن يسأل نفسه: لماذا أصبحت العلاقة بين المحامين والقضاة شائكة الآن وتشهد العديد من المصادمات؟ فمن المفترض أن المحاماة بمنزلة أمانة تمثيل أصحاب فى أثناء مخاصمة، والمحاماة لا تعرف إلا أن تكون هناك منازعة بين طرفين على حق المدعي من كليهما صوب الآخر، كما أن هناك مبارزة تعرفها المحاماة، منذ نشأتها، كانت أسلحتها الحجة والمنطق والمعلومة القانونية، والاحتكام فيها إلى الحكم القاضي بتسليم حضاري.

لا بد أن نحسم النزاعات بالقول الفصل، ولا يعطل النزاع مجددا حسم بقضاء فصل في منازعة، والطعن على الأحكام شكل من أشكال الاستطراد في الخصومة حتى منتهاها، فيجوز للمحامى أن يأخذ على الحكم القضائي أي مآخذ إذا كان يطعن عليه. ولم يكن هذا المنهج يأخذ لأحد، لأن المطاعن عبارة عن طرح الرؤية التي يتبناها أحد أطراف الخصومة حيال هذا الحكم، وهو أسلوب متحضر جدا، ويعرفه العالم المتحضر، وينهى به كثيرا من أسباب افتقار المجتمع للقانون.

بغياب القانون عن المجتمع، ينفتح الباب إلى وسائل أخرى لحسم المنازعة مثل القوة والإرهاب، وهذا يعني أن القانون مطلب مجتمعي بأن تكون هناك مرجعية لحسم كل خلاف.

هناك أشياء ناقصة ترتب على غيابها المصادمات، أولها مفهوم سيادة القانون. وإذا لم تدخل أسباب أخرى غير القانون في نشوب هذه المصادمات، فلن يوجد الخلاف. فبعض الهيئات يوجد بها بعض العناصر غير المؤتمنة على تطبيق القانون، وبالتالي يشعر المواطن بأن العلاقة بين رجال الأمن والضباط، وأمناء الشرطة، ورجال المباحث، والمخبرين، والمرشدين، أفضل من الاعتماد على فقيه في القانون، فينحسر الأمر بمركز الشرطة دون الحاجة إلى قانون، فيشعر المحامي بأن دوره أصبح ضئيلا، وأن هذا استفزاز للمحامي. وبالتالي إذا اقتصر الأمر على القانون دون سواه، فلن تكون هناك مشكلة.

المحامي من الممكن أن يخطئ، لكن محاسبته يجب أن تكون في حدود القانون، بمعنى أن الذي يمتلك تحرير المحضر إذا حدث شيء يخاصم القانون، فليس هناك ضرورة للتصادم، أو رفع الصوت، بل من أخطأ يحاسب بالورقة والقلم، ويسأل عن الأمور التي صدرت عنه، وتمثل مآخذ. وإذا طلب المحامي من ضابط طلبا ليس قانونيا، فإنه يستطيع أن يرفضه، ويحرر محضرا بما طلب، لكن لا يسبه، أو يطلب له أحد الجنود لإخراجه خارج مكتبه بالقوة، أو يقوم بتلفيق واقعة له. ويترتب على هذه الحالة حالات من الاحتقان، حتى وإن لم تباشر، لكنها تظل ماثلة في ذهن المحامي باعتبارها مخاوف، واعتبارات يجب أن يتقيها، ولذلك نقول يجب أن نعود للقانون.

الشيء الآخر الذي نفتقده هو الحوار بين الهيئات. ففي الماضي، كان التلاقي بين المحامين والهيئات القضائية والشرطية أمرا مطردا، وكانت هناك مكاشفة ومصارحة، ونقول لهم: نحن نأخذ عليكم هذا الأمر، فيردون بالأشياء التي تعيق مهمتهم، وبالتالي يكون معلوما للمحامي مقدما ما هي الأمور التي إذا طرح دفاعه، ينبغي أن يتقيها تجنبا لهذا الاستفزاز.

من الناحية الأخرى فإن المحامي يعاني إذا وجد شيئا من احتماء الجهة التي يختلف معها بالسلطة التي يؤتمن عليها. فلو أن الأحكام والقرارات ينعكس عليها رد فعل الحوار الذي جرى، فلا شك فى أن هذا الأمر مخيف جدًا للمجتمع. ولو أن خلاف المحامي مع القاضي يصدر بناء عليه قرار ضار، فهذا الأمر لا شك يترتب عليه شعور المحامي بالإضرار بالموكل، وبالتالي تصبح النتيجة المترتبة على ذلك أنه من الممكن أن تحدث مشكلة مع محام. وحينما يتم الترافع، يلاحظ وجود أثر للقاء السابق، وهذا ليس ثأرا، ولا يعني وقوع قاض في خطأ أن نأخذ موقفا من كل القضاة، أو وقوع محام في الخطأ أن يؤخذ موقف من كل المحامين، فهذه جاهلية بها ثأرية، لا تزر فيها وازرة  وزر ما فعلت، لكنها تزر فيها وزر أخرى، وهذا أمر يتعارض تماما مع الشرائح المتحضرة.

نريد أن نفتح حوارا، ونقابة المحامين تمثل المحامين في هذا الحوار، و طالبت أكثر من مرة بذلك، وليس من المهم من يبدأ، لكن هذا واجب وطني، كي تتحقق العدالة، وترد حقوق وطن ومواطن. ولا يحق لأحد أن يتصور أن الأمر متعلق بكرامه شخصية، أو بحالة من حالات التضخم النفسي غير المبرر، وهذه مهام وأمانات حمل على من يحملها، وليس بها مزايا إلا في جانبها الأدبي فقط. قيمة المهمة أن تحقق هذا الهدف أمام الله والوطن، وأن تحقق العدالة هو أرقى المطالب.

لماذا لم ينهض نادي القضاة إلى فتح هذه القنوات للتفاهم في لقاءات مطردة، حيث تلتقي فيها الأجيال المختلفة، التي عاصرت العلاقة الحميدة، ثم الأجيال المتوسطة، ثم الأجيال حديثة العهد، ويتم تناقل هذه القيم والموروثات الراقية التي هي في مصلحة المجتمع؟ الحوار منقطع، لا أحد يريد أن نتقابل بعد أن يتصادم محام وقاض لحل المشكلة، هذا علاج مسكن، ويجب استباقا أن توجد حوارات تنشئ هذا الجسر من التفاهم.  

من الممكن أن يتم تخصيص قاض بكل محكمة لحل النزاعات في حضور الممثل النقابي، أو أكبر محام بالدائرة.

هناك مشكلات تحدث بسبب ازدحام القضايا، ولا أحد بعينه يمكن أن يتهم بالتسبب في هذا الزحام، لكن هناك مؤسسات مسئولة، والذين يصرون على قلة عدد القضاة مقارنة بعدد القضايا لا بد أن لهم غايات يحاولون من خلالها الاحتفاظ بهذه الندرة التي تمثل بالنسبة للبعض الاحتفاظ بالقيمة. والمجتمع الذي يعاني انخفاضا فى عدد القضاة فيه، مقارنة بعدد المنازعات، مجتمع يعاني، ولا بد من حسم هذا الأمر.

عدد القضايا التي ترفع في الجلسة لا يساعد على فهم القضية، والاستماع للدفاع ويخفض من إمكانية تحقيق العدالة. ويتسبب زحام القضايا فى انعدام قيمة الأحكام إلى القضاء، ولذلك يجب أن يتم وضع نص قانوني يحدد عدد القضايا في الجلسة الواحدة، ويبطل أي حكم يصدر بالزيادة على هذا العدد، لأن الطاقة الذهنية محسومة. فالمحامي الذي جاء يحمل حجة، ويطرحها على القاضي، سيجده متضجرا بسبب الزحام، وضيق الوقت، وفي الوقت نفسه يظن القاضي أن المحامي جاء ليستعرض دفاعه، وبالتالي يحدث تعارض في المصالح غير الشخصية وصدام.

وتأتي أهمية التوسع في قاعات الجلسات، لأنها أصبحت ضيقة، وتمثل ضغطا نفسيا على القاضي والمحامي، ووسائل التسجيل للدفاع تقليدية جدا، وما يدونه السكرتير لا يمكن قراءته. وهنا، تأتي ضرورة تسجيل أحداث الجلسات بالصوت والصورة، بحيث إذا كان عليها مآخذ، يتم الرجوع للتسجيلات.

يجب أن تعاد العلاقة الحسنة الحكيمة المتحضرة.. أتمنى أن يكون حديثي بداية لجسر من التفاهم، وأن يكون بداية الطريق للحوار.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى