«النقض»: يكفي للعقاب على تقليد أوراق العملة المشابهة بين الصحيح وغير الصحيح
أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم 19775 لسنة 74 القضائية، أنه يكفي للعقاب على تقليد أوراق العملة أن تكون هناك مشابهة بين الصحيح وغير الصحيح، ولا يشترط أن يكون التقليد متقنًا؛ بحيث ينخدع به حتى المدقق، بل يكفى أن يكون بين الورقة المزورة والورقة الصحيحة من التشابه ما تكون به مقبولة في التداول، وأن يكون على نحو من أن يخدع الناس.
المحكمة
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتى الشروع فى تقليد عملات ورقية محلية وحيازة الأدوات المستعملة فى التقليد قد شابه القصور فى التسبيب ومخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه والفساد فى الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ذلك إنه دانه رغم أن ما قام به من أفعال لا تؤدى لتوافر الجريمة فى حقه ولم يبين أوجه الشبه بين العملة الصحيحة والعملة المزيفة المضبوطة وأطرح بما لا يسوغ دفعه ببطلان إذن التسجيل لابتنائه على تحريات غير جدية لعدم الإفصاح عن مصدرها كما أنه صدر عن جريمة مستقبلية وقعت بناء على تحريض من رجال المباحث ورد الحكم بما لا يصلح على دفاعه بانتفاء القصد الجنائى لديه لقيام المبلغ الأول بكافة مراحلها وأن الأجهزة المضبوطة مملوكة له وحده كما أنها توجد بكل مسكن ولا تكفى لتقليد العملة بدون جهاز المسح الضوئى (الاسكانر) والذى لم يضبط وأخيرًا فقد التفت الحكم عن دفاعه القائم على اختلاف الرقم الذى تحمله الورقة المالية فئة الخمسة جنيهات عن الرقم الذى أملاه الطاعن للمبلغ الأول وهو ما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أن التحريات السرية التى أجراها المقدم ……………. رئيس قسم الأموال العامة قد أسفرت على صحة البلاغ المقدم به كل من ………… و……….. بقيام الطاعن بعرض تقليد عملات وطنية بفئاتها المختلفة باستخدام جهاز وألة طبع كمبيوتر ودفعها للتداول بمعرفته مقابل حصول كل منهم على نسبة من حصيلة ترويج تلك العملات المقلدة، فاستصدر إذن من القاضى الجزئى بمحكمة ……… الكلية بتسجيل المحادثات الهاتفية التى تدور بين المبلغين والطاعن عبر الهواتف التى أثبت أرقامها فى محضر جمع الاستدلالات وقد تبين له من تسجيل هذه المحادثات اتفاقهم على اللقاء وتوفير الورق اللازم لتقليد العملة والأحبار وفئات العملة التى يتم تقليدها وقيام الطاعن بإملاء المبُلغ الأول أرقام عملة ورقية فئة العشرون جنيهًا وأخرى فئة الخمسة جنيهات وكيفية ترويج تلك العملات بعد تقليدها والمقابل الذى يحصل عليه كل منهم من حصيلة الترويج، وأنه قد تحدد مساء يوم 3/ 2/ 2003 لاجتماعهم، وبناء على ذلك فقد انتدب المأذون له الرائد ……….
بتنفيذ الإذن فقام بتجهيز المبُلغ الأول بالأجهزة الفنية الخاصة بالتسجيل وتقابل الطاعن مع المبُلغ الثانى فى المكان المتفق عليه واصطحبه إلى الحانوت المملوك للمبُلغ الأول وهناك قام الضابط بضبط الطاعن حال قيامه باستخدام جهاز الكمبيوتر والطباعة الملونة فى تقليد العملات وبتفتيشه له عثر معه على مبلغ قدره خمسة وعشرون جنيهًا وتحمل ذات الأرقام التى أثبتت فى محضر جمع الاستدلالات كما تمكن من ضبط إحدى وعشرون ورقة مالية فئة المائة جنيه منها ورقة واحدة كاملة الوجه والظهر وعدد خمس ورقات للوجه فقط وعدد خمس ورقات للظهر فقط كما تم ضبط عدد ثمانى ورقات مالية مقلدة فئة العشرون جنيهًا تحمل ذات الأرقام، كما تم ضبط عدد سبعة ورقات مالية مقلدة فئة الخمسة جنيهات منها ثلاثة ورقات كاملة للوجه والظهر وعدد أربعة ورقات للوجه فقط كما تمكن من ضبط الاسطوانة المدمجة من وحدة التحكم فيها وجهاز الكمبيوتر بالكامل والطابعة الملونة، ثم أورد الحكم أدلة الثبوت التى استمد منها ثبوت الواقعة فى حق الطاعن من أقوال شهود الإثبات ومما ثبت من تقرير أبحاث التزييف والتزوير ومما جاء بتقرير خبير الأصوات بالإذاعة، وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها، وخلص منها إلى إدانة الطاعن بجريمة الشروع فى تقليد عملات ورقية مالية محلية.
لما كان ذلك، وكانت المادة 45 من قانون العقوبات قد عرفت الشروع بأنه ” البدء فى تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها، فلا يشترط لتحقق الشروع أن يبدأ الفاعل بتنفيذ جزء من الأعمال المكونة للركن المادة للجريمة بل يكفى لاعتبار أنه شرع فى ارتكاب جريمة جناية أو جنحة أن يبدأ فى تنفيذ فعل ما سابق مباشرة على تنفيذ الركن المادى لها ومؤد إليه حتمًا، وبعبارة أخرى يكفى أن يكون الفعل الذى باشره الجانى هو الخطوة الأولى فى سبيل ارتكاب الجريمة وأن يكون بذاته مؤديًا حالاً ومن طريق مباشر إلى ارتكاب الجريمة ما دام قصد الجانى من هذا الفعل معلومًا وثابتًا، وكان من المقرر أن تقدير العوامل التى أدت إلى وقف الفعل الجنائى أو خيبة أثره، وكون الأسباب التى من أجلها لم تتم الجريمة هى إرادية أو خارجة عن إرادة الجانى هو أمر متعلق بالوقائع يفصل فيه قاضى الموضوع، وكان الثابت من الحكم على السياق المتقدم أن الطاعن عقد العزم وأعد عدته لتقليد العملات الورقية المحلية وقد أبدى هذه الرغبة للشاهدين الأول والثانى فأعدا له جهاز الكمبيوتر والطباعة الملونة بينما قام هو بإعداد الأوراق والأحبار اللازمة وأنه حال قيامه بطباعة الأوراق المالية من عملات محلية مختلفة تم القبض عليه، فإن ما خلص إليه الحكم من تحقق أركان هذه الجريمة، وأن الطاعن لم يعدل إراديًا عن ارتكابها بل كان ذلك لسبب خارج عن إرادته يكون قد أصاب صحيح القانون، ويكون منعى الطاعن على الحكم فى هذا الخصوص غير سديد.
لما كان ذلك، وكان من المقرر، أنه يكفى للعقاب على تقليد أوراق العملة أن تكون هناك مشابهة بين الصحيح وغير الصحيح، ولا يشترط أن يكون التقليد متقنًا بحيث ينخدع به حتى المدقق، بل يكفى أن يكون بين الورقة المزورة والورقة الصحيحة من التشابه ما تكون به مقبولة فى التداول وأن يكون على نحو من أن يخدع الناس، وإذ كان الحكم قد أثبت نقلاً عن تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير أن الأوراق التى عوقب الطاعن من أجل الشروع فى تقليدها وترويجها مزيفة وفق أسلوب التزييف الكلى باستخدام المسح الضوئى (اسكانر) للورقتين الماليتين فئتى الخمسة جنيهات والعشرين جنيهًا ومن ورقة مالية فئة المائة جنيه مصرى وتم الطباعة بواسطة طابعة كمبيوتر تماثل الطابعة المضبوطة وأنه من الممكن أن ينخدع الشخص العادى فى تلك الأوراق المالية المقلدة فيقبلونها فى التعامل على غرار الصحيحة وذلك فى حالة إتمام المرحلة الأخيرة لعملية التزييف وهى قص وتهذيب وتنظيم الوجه والظهر للعملة الواحدة منها، فإن عدم تعرض الحكم لأوجه الشبه بين العملة الصحيحة والعملة المضبوطة لا يؤثر فى سلامته ما دامت المحكمة قد قدرت أن من شأن ذلك التقليد أن يخدع الناس، ومن ثم فإن منعى الطاعن بهذا الوجه يكون غير سديد.
لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة قد استقر على تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتسجيل والضبط والتفتيش هو من المسائل الموضوعية التى يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، فمتى كانت هذه المحكم على ما يبين من مدونات الحكم المطعون فيه قد اقتنعت بجدية التحريات التى بنى عليها أمر التسجيل وإذن الضبط والتفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره فلا معقب عليها فى ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، ولا يجوز المجادلة فى ذلك أمام محكمة النقض، وإذ كان القانون لا يوجب حتمًا أن يتولى رجل الضبط القضائى بنفسه مراقبة الأشخاص المتحرى عنهم أو أن يكون على معرفة سابقة بهم بل عليه أن يستعين فيما يجريه من تحريات أو أبحاث أو ما يتخذه من وسائل التفتيش بمعاونيه من رجال السلطة العامة والمرشدين السريين ومن يتولون إبلاغه عما وقع بالفعل من جرائم ما دام قد اقتنع شخصيًا بصحة ما نقلوه إليه وبصدق ما تلقاه من معلومات، وكان لا يعيب الإجراءات أن تبقى شخصية المرشد غير معروفة وأنه لا يفصح عنها رجل الضبط القضائى الذى اختاره لمعاونته فى مهمته، فإن النعى على الحكم فى هذا الشأن لا يكون له محل.
لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن من بطلان إذن الضبط والتفتيش بمقولة أنه صدر لضبط جريمة مستقبلية مردود بما هو مقرر من أنه لا يصح إثارة أساس جديد للدفع ببطلان إذن الضبط والتفتيش أمام محكمة النقض ما دام أنه فى عداد الدفوع القانونية المختلطة بالواقع، ما لم يكن قد أثير أمام محكمة الموضوع، أو كانت مدونات الحكم ترشح لقيام ذلك البطلان. لما كان ذلك، وكان الطاعن قد قصر دفاعه أمام محكمة الموضوع ببطلان إذن الضبط والتفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية ولم يتمسك ببطلانه لصدوره عن جريمة مستقبلية، فإنه لايقبل منه إثارة ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن بانتفاء القصد الجنائى لديه لقيام المبلغ الأول بكافة مراحل تجهيز الجريمة وأطرحه فى قوله ” ……… لما كان الثابت من أقوال شهود الإثبات وما أسفرت عنه التحريات والتسجيلات والمراقبات الفنية أن تفتيش حانوت الشاهد الأول قد أسفر عن ضبط جهاز كمبيوتر وطابعة ملونة والاسطوانة المدمجة التى ثبت بتقرير أبحاث التزييف والتزوير أنها تحوى ثمانى ملفات تحوى نسخًا لظهر ووجه الأوراق المالية المقلدة المضبوطة وكذا تم ضبط تلك الأوراق المقلدة المشار إليها وهى من فئة الخمسة جنيهات والعشرون جنيهًا والمائة جنيه المصرية مقلدة وصالحة لطرحها للتداول على غرار الصحيحة وذلك فى حالة إتمام المرحلة الأخيرة لعملية التزييف وهى فصل وتهذيب وتنظيم الوجه والظهر للعملة الواحدة منها، وكان ذلك من مثل نشاط المتهم وسلوكه الإجرامى بقصد الإضرار بمال الدولة وتحقيق ربح مادى وإن وقف نشاطه عن حد الشروع ” وهو ما يكفى لاطراح دفاع الطاعن لما هو مقرر أن جريمة الشروع فى تقليد الأوراق المالية تتحقق بقيام الجانى بطبع هذه الأوراق بما استعمله من آلات للطباعة وبما استخدمه من أدوات ومداد ومواد أخرى، ولو كان هناك نقص أو عيوب فى التقليد، وإن هذه الجريمة وإن استلزمت فضلاً عن القصد الجنائى العام قصدًا خاصًا هو نية دفع العملة الزائفة إلى التداول مما يتعين على الحكم استظهاره إلا أن المحكمة لا تلتزم بإثباته فى حكمها على استقلال متى كان ما أوردته عن تحقق الفعل المادى يكشف بذاته عن توافر تلك النية الخاصة التى يتطلبها القانون، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعن أنه شرع فى تقليد أوراق مالية محلية وأورد على ذلك أدلة سائغة من شأنها ان تؤدى إلى ما رتبه عليها كما أورد فى تحصيله لواقعة الدعوى أنه كان ينوى أن يدفع بالعملة الزائفة إلى التداول وأن يقتسم حصيلة ذلك بينه وبين الشاهدين الأول والثانى، كما أن الطاعن لا يدعى أن هناك هدفًا آخر له غير الترويج من تزييف العملة المضبوطة، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بدعوى القصور فى بيان الركن المعنوى للجريمة لا يكون سديدًا، أما ما يثيره الطاعن حول الأدوات التى ضبطت بحانوت الشاهد الأول من أنها لا تكفى وحدها دون جهاز المسح الضوئى فى عملية تقليد العملة الورقية وأن هذه الأجهزة مما تحويه كافة المنازل عادة فإنه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا مما لا يجوز إثارته أمام هذه المحكمة.
لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع ليست ملزمة بمتابعة المتهم فى مناحى دفاعه الموضوعى والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت التى يوردها الحكم وفى عدم إيراها لهذا الدفاع ما يدل على أنها أطرحته اطمئنانًا منها للأدلة التى عولت عليها فى الإدانة، فإن منعى الطاعن على الحكم إغفاله دفاعه القائم على اختلاف الرقم الذى تحمله الورقة المالية المضبوطة فئة الخمسة جنيهات عن الرقم الذى أملاه للشاهد الأول يكون فى غير محله. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا.