الزعيم مصطفى كامل.. المحامي صاحب فكرة إنشاء أول جامعة مصرية
كتب: محمد علاء
مصطفى كامل باشا (1874 – 1908) زعيم سياسي ومحامي وكاتب مصري، أسس الحزب الوطني وجريدة اللواء، كان من المنادين بإنشاء الجامعة الإسلامية، ومن أكبر المناهضين للاستعمار وعرف بدوره الكبير في مجالات النهضة مثل نشر التعليم وإنشاء الجامعة الوطنية، وأدت مجهوداته إلى فضح جرائم الاحتلال والتنديد بها في المحافل الدولية خاصة بعد مذبحة دنشواي التي أدت إلى سقوط اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني في مصر.
نشأته
ولد مصطفى كامل في 14 أغسطس عام 1874، في قرية كتامة التابعة لمركز بسيون بمحافظة الغربية وكان أبوه “علي محمد” من ضباط الجيش المصري، وقد رزق بابنه مصطفى وهو في الستين من عمره، وعرف عن الابن النابه حبه للنضال والحرية منذ صغره؛ وهو الأمر الذي كان مفتاح شخصيته وصاحبه على مدى 34 عامًا.
تلقى تعليمه الابتدائي في ثلاث مدارس، أما التعليم الثانوي فقد التحق بالمدرسة الخديوية، أفضل مدارس مصر آنذاك، والوحيدة أيضًا، ولم يترك مدرسة من المدارس إلا بعد صدام لم يمتلك فيه من السلاح إلا ثقته بنفسه وإيمانه بحقه.
وفي المدرسة الخديوية أسس جماعة أدبية وطنية كان يخطب من خلالها في زملائه، وحصل على الثانوية وهو في السادسة عشرة من عمره، ثم التحق بمدرسة الحقوق سنة 1891، التي كانت تعد مدرسة الكتابة والخطابة في عصره، فأتقن اللغة الفرنسية، والتحق بجمعيتين وطنيتين، وأصبح يتنقل بين عدد من الجمعيات؛ وهو ما أدى إلى صقل وطنيته وقدراته الخطابية.
واستطاع أن يتعرف على عدد من الشخصيات الوطنية والأدبية، منهم: إسماعيل صبري الشاعر الكبير ووكيل وزارة العدل، والشاعر الكبير خليل مطران، وبشارة تقلا مؤسس جريدة الأهرام، الذي نشر له بعض مقالاته في جريدته اللواء.
وفي سنة 1893، ترك مصطفى كامل مصر ليلتحق بمدرسة الحقوق الفرنسية؛ ليكمل بقية سنوات دراسته، ثم التحق بعد عام بكلية حقوق تولوز، واستطاع أن يحصل منها على شهادة الحقوق، وألف في تلك الفترة مسرحية “فتح الأندلس” التي تعتبر أول مسرحية مصرية، وبعد عودته إلى مصر سطع نجمه في سماء الصحافة، واستطاع أن يتعرف على بعض رجال وسيدات الثقافة والفكر في فرنسا، ومن أبرزهم جولييت آدم، وازدادت شهرته مع هجوم الصحافة البريطانية عليه.
صاحب فكرة إنشاء الجامعة المصرية
علم الزعيم مصطفى باشا كامل في أثناء وجوده ببريطانيا للدفاع عن القضية المصرية والتنديد بوحشية الإنجليز بعد مذبحة دنشواي، أن لجنة تأسست في مصر للقيام باكتتاب عام لدعوته إلى حفل كبير وإهدائه هدية قيمة؛ احتفاءً به وإعلانًا عن تقدير المصريين لدوره في خدمة البلاد.
فلما أحيط علما بما تقوم به هذه اللجنة التي كان يتولى أمرها محمد فريد رفض الفكرة على اعتبار أن ما يقوم به من عمل إنما هو واجب وطني لا يصح أن يكافأ عليه، وخير من ذلك أن تقوم هذه اللجنة “بدعوة الأمة كلها، وطرق باب كل مصري لتأسيس جامعة أهلية تجمع أبناء الفقراء والأغنياء على السواء، وأن كل قرش يزيد عن حاجة المصري ولا ينفقه في سبيل التعليم هو ضائع سدى، والأمة محرومة منه بغير حق”.
فأرسل إلى الشيخ علي يوسف صاحب جريدة المؤيد برسالة يدعو فيها إلى فتح باب التبرع لمشروع الجامعة، وأعلن مبادرته إلى الاكتتاب بخمسمائة جنيه لمشروع إنشاء هذه الجامعة، وكان هذا المبلغ كبيرًا في تلك الأيام؛ فنشرت الجريدة رسالة الزعيم الكبير في عددها الصادر بتاريخ 30 سبتمبر 1906.
لم تكد جريدة المؤيد تنشر رسالة مصطفى كامل حتى توالت خطابات التأييد للمشروع من جانب أعيان الدولة، وسارع بعض الكبراء وأهل الرأي بالاكتتاب والتبرع، ونشرت الجريدة قائمة بأسماء المتبرعين، وكان في مقدمتهم حسن بك جمجوم الذي تبرع بألف جنيه، وسعد زغلول وقاسم أمين المستشاران بمحكمة الاستئناف الأهلية حينها، وتبرع كل منهما بمائة جنيه.
غير أن عملية الاكتتاب لم تكن منظمة، فاقترحت جريدة المؤيد على مصطفى كامل أن ينظم المشروع، وتقوم لجنة لهذا الغرض تتولى أمره وتشرف عليه من المكتتبين في المشروع، فراقت الفكرة لدى مصطفى كامل، ودعا المكتتبين للاجتماع لبحث هذا الشأن، واختيار اللجنة الأساسية، وانتخاب رئيس لها من كبار المصريين من ذوي الكلمة المسموعة حتى يضمن للمشروع أسباب النجاح والاستقرار.
أتمت لجنة الاكتتاب عملها ونجحت في إنشاء الجامعة المصرية يرأسها الملك فؤاد الأول آنذاك.
وسائل مصطفى كامل في مقاومة الاستعمار
لقد كانت عقيدة مصطفى كامل بسيطة في مبادئها إذا أنها تقوم على الحب الخالص للوطن، لا يشوبه التفكير في انتفاع أو مصلحة شخصية، فكان يستخدم في حملته ثلاثة وسائل هي:
الوسيلة الأولى: ألا يأس مطلقاً، وتصدقوا أيها المصريين كلام الإنجليز ومأجوريهم بأن مركزهم في مصر لا يتزعزع ولن يتزعزع.
الوسيلة الثانية: لا تثقوا مطلقاً بوعودهم ولا تركنوا إلى محاولتهم في تبسيط مركز البلاد الدولي، بل تذرعوا بتلك العناصر الدولية والعثمانية التي يكرهها الإنجليز.
الوسيلة الثالثة: لا تصدقوا أن الاحتلال يمكن أن يبطن خيراً لكم أو لبعضكم، هو يفعل ذلك ليفرق كلمتكم ويجعل من بعضكم أعداء البعض الآخر.
علاقة مصطفى كامل بالخديوي عباس حلمي الثاني
من المعروف أن الخديوي عباس قد اصطدم في بداية توليه الحكم باللورد كرومر في سلسلة من الأحداث كان من أهمها أزمة وزارة مصطفى فهمي عام 1893، و توترت العلاقات إلى حد خطير في حادثة الحدود عام 189، و كان عباس يري أن الاحتلال لا يستند إلى سند شرعي، و أن الوضع السياسي في مصر لا يزال يستند من الناحية القانونية إلى معاهدة لندن في 1840 و الفرمانات المؤكدة لهذه المعاهدة إلى جانب الفرمانات التي صدرت في عهد الخديوي إسماعيل بشأن اختصاصات ومسئوليات الخديوية.
فالطابع الدولي للقضية المصرية من ناحية إلى جانب عدم شرعية الاحتلال كانا من المسائل التي استند عليها عباس في معارضته للاحتلال، ورأى عباس أن يستعين كذلك في معارضته للاحتلال بالقوى الداخلية.
أما بالنسبة لتعاون مصطفى كامل مع عباس غله أسبابه أيضاً من وجهة نظر مصطفى كامل:
أولاً: يجب أن نقرر أن الحركة الوطنية المصرية في ذلك الوقت كانت أضعف من أن تقف بمفردها في المعركة.
ثانياً: أن مصطفى كامل كان يضع في اعتباره هدفاً واحداً وهو الجلاء وعدواً واحداً وهو الاحتلال، ولذلك كان مصطفى كامل على استعداد للتعاون مع كل القوى الداخلية والخارجية المعارضة للاحتلال، أما المسائل الأخرى التي كانت العناصر الوطنية المعتدلة، من أمثال حزب الأمة فيما بعد، تضعها في الاعتبار الأول كمسألة الحياة البرلمانية وعلاقة مصر مع تركيا وغيرها فكلها مسائل يجب أن تترك حتى يتخلص المصريون من الاحتلال.
اهتمامه بالحياة الثقافية
في عام 1898ظهر أول كتاب سياسي له بعنوان “كتاب المسألة الشرقية”، وهو من الكتب الهامة في تاريخ السياسة المصرية، وفي عام 1900 أصدر جريدة اللواء اليومية، واهتم بالتعليم، وجعله مقرونًا بالتربية.
أقواله المأثورة
لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً.
أحراراً في أوطاننا، كرماءً مع ضيوفنا.
الأمل هو دليل الحياة والطريق إلى الحرية.
لا يأس مع الحياة ولا معنى للحياة مع اليأس.
إني أعتقد أن التعليم بلا تربية عديم الفائدة.
إن الأمة التي لا تأكل مما تزرع وتلبس مما لا تصنع أمة محكوم عليها بالتبعية والفناء.
إن من يتهاون في حق من حقوق دينه وأمته ولو مرة واحدة يعش أبد الدهر مزعزع العقيدة سقيم الوجدان.
إن مصر للمصريين أجمع وعلى حامل اللواء أن يجدّ ويجتهد حتى ينصهر داخل العمل الوطني فلا تستطيع أن تقول إلا أنه جزء من الشعلة.
وفاته
توفي في 10 فبراير 1908عن عمر يناهز 34 عاما، ورغم أنه عاش ثماني سنوات فقط في القرن العشرين فإن بصماته امتدت حتى منتصف القرن.