ويل للعظماء من الأوغاد !

ويل للعظماء من الأوغاد !

نشر بجريدة أخبار اليوم السبت 28/8/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

تربص الأوغاد بالعظماء، ظاهرة قديمة ممتدة من الماضي إلى الحاضر.. رأينا ذلك في كثير من حوادث الاغتيال، ورأيناه أيضاً في المعاكسات والمناكفات والمضايقات، وفي الرغبة المحمومة لإيذاء العظماء والناجحين، وفي التهجم والنكاية والكيد وإطلاق القذائف الباطلة والشائعات الكاذبة.. والاغتيال المعنوي بأساليبه العديدة والمتدنية إلى جوار الاغتيال المادي الذي لا يتورع عن القتل وإزهاق الأرواح !

فالذي اغتال الفاروق عمر بن الخطاب، هو أبو لؤلؤة المجوسي.. وكان مجوسيا لا دين له ومن الحثالة الأوغاد.. والذي اغتال الإمام علىّ بن أبى طالب ـ واحدٌ من الخوارج يدعى عبد الرحمن بن ملجم، وكان وغدًا معلول العقل ملبوس التفكير، وقد ذهب إلى مذبلة التاريخ بعد أن اغتال خليفة من أعظم نجباء الصحابة الأخيار، والذى اغتال غاندي حمامة السلام ــ متطرف شارد، اغتاله غدرًا بخسه وهو يمد يده للسلام عليه، وكذلك كثير من حوادث الاغتيال.. ودراسة سير حياة الزعماء والساسة والأدباء والمفكرين والفنانين، حافلة بكثير من قصص تربص الأوغاد بهم، والتطاول عليهم، والكيد لهم، والنكال بهم..

قد يكون الحسد باباً لتحرش الصغار بالكبار، والفاشلين بالناجحين !.. بيد أن الحسد لا ينشأ إلاّ من خلال علاقة أو صلة تحرك الشعور بالنقص وتدفع الناقص الفاشل الموتور، إلى إجراء المقارنة وحسد الناجح الذي يحسده على نجاحٍ لم ينله هو.. لذلك فالحاسد لا يحسد غريبا عنه، لأن هذه الغُربة لا تستحضر المقارنة.. وإنما تكون المقارنة بين الأقارب والمعارف والزملاء والجيران والأصدقاء.. ونادراً جداً ما يسفر التربص بالقادة والعظماء عن كشف حالة حسد لأنهم بعداء بمكانتهم وعظمتهم عن المقارنة التي تولد الحسد.. إنما قد يكشف هذا التربص عن بغض أو مقت أو رفض، أو عدم توافق أو عداء سياسي، أو اعتراض على أعمال أو قرارات أو سياسات ! وقد يكون حصاد فكر ملبوس !!

معنى هذا أن العظماء معرضون للنكيرين.. لنكير الحاسدين من دوائر معارفهم وأصدقائهم وذوي قرباهم.. حتى قيل في الأمثال: الأقارب كالعقارب !.. ونكير دوائر المعترضين على سياساتهم أو أفكارهم واتجاهاتهم وسياساتهم وقراراتهم !

ومن النادر جدا أن يأتي الحسد والغيرة من ناجح، وأندر أن يأتي من صاحب ملكات وإمكانيات.. مرد ذلك أن الحسد مرض حقيقي يصيب نفس الحسود، ويهيمن عليه، قيل عنه في الحديث إنه كالنار يأكل صاحبه كما تأكل النار الحطب.. وذلك لا يصيب ذوي النجاحات أو الإمكانيات والقدرات أو المؤهلات، وإنما يتمكن من أصحاب العلل النفسية ومركبات النقص وخيبة الحاضر وانعدام الأمل الواعد في المستقبل.. هنالك تسقط النفس فريسة للمقارنات، لا يرضيها إلاّ أن تنزل بالمحسود إلى دركٍ أقل من دركها، ولا تتطلع ـ لأنها عاجزة ـ إلى الرقى بنفسها لتحقيق ما تنفسه على الناجح وتــغار منه وتحسده عليه !!

مشكلة ولا شك للمحسود أن تأتيه الغيرة والحسد وتداهمه بلواها من أقربائه أو أصدقائه، فالمصاب عند ذاك مصابان.. مصاب الحسد الذي يأكل كالنار ويستخرج كل ما في نفس الحاسد من شرور وضعة، والمصاب في القريب الذي أعطى ظهره لآصرة القربى أو في الصديق الذي خان الصداقة وتنكر لها وحسد صديقه ـالذي كان ـ على ما أفاءت به عليه ملكاته ومواهبه وقدراته..

انعدام الملكات والمواهب والقدرات، والفشل والإخفاق، هو الباب الواسع لمشاعر الغيرة والبغض والحسد.. وقدر على الناجحين وعلى القامات والعظماء، أن ذات هذه الملكات والمواهب والقدرات ـ هي التي تجر عليهم صغائر الصغار، وحقد العاطلين من المواهب، المهمشين على هامش الحياة، الذين لا يجدون لأنفسهم مكانًا أو موضعًا يزاحمون بــه الكبار فيرمونهم بالأحجار !!

صدق الشاعر الذي قال:

قُل لمن بصروف الدهر عَيَّرنى

هل عارض الدهرُ إلاّ من له خطرُ

ألم تر البحر تعلو فوقه الجيف

وتستقـر في أعماقـه الــدررُ

وكم على الأرضِ من خُضَرٍ وفاكهةٍ

وليـس يُرجـمُ إلاّ مـن لـه ثمرُ

وفي السماء نجوم لإعداد لـها

وليـس يُكْسـفُ إلاّ الشمس والقمرُ

زر الذهاب إلى الأعلى