ومضة قانون ( ١٢١ ) ” بَيَانٌ عَاجِلٌ إِلَى الكَوكَبِ الأَرضِيِّ “
بقلم : أحمد خميس غلوش المحامى بالاستئناف
هُنا .. لا أكتب عن البيئة ، بل أكتب معها ، وأُصغِي إليها .. وكأنّ تلك الأشجار .. تُملِي عَلَيَّ شكواها :
فِي زمنٍ تتكلّم فيه الأرض بلُغةٍ لا يفهمها إلّا البعض، يأتي هذا المقال ليكون * بيانًا بيئيًّا بلغات الدّين ، القانون ، والأدب *. تتعانق فيه النّصوص الدّينيّة مع النّصوص الدّستوريّة ، وتتحوّل الأشجار من كائناتٍ صامتة إلى شواهد على أخلاقنا . فما الّذي تكشفه هذه الرّؤية المتكاملة حين نصغِي للبيئة ، لا كمورد ، بل كَكِياَن له صوت ، وحقّ ، وروح ؟!
هي ليست مجرّد كائنات خضراء تتنفّس الصّمت وتزرع الظّلال ، بل أرشيف حيّ للتّاريخ ، ومرايا تعكس توازن الرّوح والطّبيعة . تُشبه الأشجار بعض الأرواح الّتي تعرف كيف تصمت وتُثمر.. كيف تميل للضّوء .. دون أن تفقد جذورها ، وكيف تعانق الرّياح .. دون أن تُكسر ؟ .
فيُمكن أن تكون أكثر من خلفيّة طبيعية — قد تُصبح رمزًا للعدالة البيئيّة ، أو استعارة روحيّة عن الصّبر والتّجذّر والسّموّ .
١ ) ✦ الرّؤية الإيمانيّة لِلبيئة : ” لقاء بين الدّين والطّبيعة “.
في قلب الإسلام والمسيحيّة .. تتجلّى* العقيدة البيئيّة * كامتدادٍ للعقيدة الرّوحيّة . الأرض في القرآن ” موزونة ” وكلّ عبثٍ بتوازنها فساد ، والنّبي محمّد ﷺ جعل من غرس النخلة عبادة . وفي المسيحيّة ، الخليقة تمجّد الله ، وتنتظر مِن الإنسان أن يحفظها لا أن يستنزفها . هنا .. تتلاقى الرّسالات على دعوة واحدة : * أن نكون بحقّ : حُماةََ لِلأرض .. رُعاةً لا غُزاة *.
ومِن ثمّ .. يُصبح الإيمان ليس فقط .. وسيلةََ للخَلاص الفرديّ ، بل رؤية تشاركيّة مع الكوكب .
٢ )✦ مِن الشّريعة إلى الدّستور: البيئة بين الوحي والقانون .
ليست الأشجار مجرّد ديكورٍ طبيعيٍّ ، بل *رئات للأرض وأعمدة للعدالة *. يُدرك جيّدََا .. الدّستور المصريّ الحالي هذه الحقيقة .. حين يُكرّس في ديباجته ، ومادّته رقْم
( ٢٩ ) ضرورة حماية البيئة ، والزّراعة بوصفها قضيّة وجود ، لا خَيارًا سياسيًّا . وبينما تُوصي الأديان بحماية الطّبيعة ، يُقرّ القانون .. بأنّ من يقطع شجرةََ .. كمن يَخُن الوَطَن .
٣ ) ✦ بيانٌ أرضيٌّ بلُغة الهَواء : العدالة البيئيّة كحقٍّ .
في فقرات هذا البيان ، نُعاين كيف تتحوّل * البيئة من ضحيّة صامتة إلى شاهد ناطق * على التّمييز .. مِن عُمّال يعيشون تحت سماءٍ مُلوّثة مسمّمة ، إلى قرى تُخفَى من خرائط السّياسات ، تتجلّى * الفوارق المناخيّة * كمرآةٍ للفوارق الاجتماعيّة . العدالة البيئيّة .. هنا ، تُقاس بهواء يُستنشَق ، وماء يُشرب ، وشجرة تُترك لتعيش .
٤ ) ✦ القانون المِصريّ .. كأداة استجابة لِصراخ الطّبيعة .
مِن الدّستور إلى قوانين العقوبات ، يُعيد المُشرّع المصريّ الاعتبارَ للطّبيعة :
– الدّستور : في موادّه (46) و(29) و(32) يُرسّخ مفهوم البيئة كحقّ .
– قانون العقوبات : يجرّم الأفعال الّتي تضرّ بالأرض والزّراعة .
– قانون البيئة : يمنح الطّبيعة “شخصيّة قانونيّة”.
– قانون المخلّفات: يُحوّل النّفايات من عبء إلى مورد .
– قانون الموارد المائيّة : يُعامل الشّجرة كمكوّن من مكوّنات الأمن القوميّ .
كلّ نصٍّ هنا .. لا يحمي الطّبيعة ، فحسب .. بل يُنصت جيّدََا لها .
٥ ) ✦ السّياسات الوطنيّة : من الالتزام إلى الإلهام .
لم تقف الدّولة المصريّة عند حدود القانون ، بل أطلقت
” الاستراتيجيّة الوطنيّة للمناخ 2050 ” ضمن رؤية شاملة تُدمج بين التّنمية والعدالة. هذا التّحرك يُحيل البيئة إلى بُعدٍ استراتيجيّ ، لا فقط إيكولوجيّ ، يرتبط بجودة حياة الإنسان .
مِن اتّفاقيّة باريس إلى قمّة COP27 ، تُشارك مصر لا كمستقبِلٍ للاتّقاقِيّات ، بل كصوتٍ أفريقيّ يحمل القضايا كافّة إلى مائدة المفاوضات . فالبيئة في السّياسات المصريّة لم تُعد قضيّة محلّيّة فقط ، بل نافذة يُطلّ منها العالَم .. على معركة الإنسان ضد الاندثار .
✦ الخِتام :
* بيانٌ أخيرٌ بِلُغة الشَّجر .
حِين ينطق القانون بلُغة الأشجار… يتحوّل النص إلى غابة ، والفقرة إلى جِذر .
هذه القوانين ليست متوازية ، بل تتشابك في شجرةٍ تشريعيّةٍ تُذكّرنا بأنّ البيئة لم تعُد خلفيةً صامتَةََ للحياة ، بلْ شريكة في وجودها . إذا صمتنا اليوم عن الشّجرة ، فقد لا نجد هواءً نصرخ به غدًا .
وختامََا .. أودّ أن أقترح ، أن أُوسّع هذا البيان إلى * مخطوطةٍ أطول أو كتابٍ صغيرٍ* يكون بمثابة “عقد اجتماعيٍّ أخضر” أنسجه من هنا .. أصوغه مِن قلب مصر حتّى يصل إلى ضمير العالَم . وقد يكون فيه .. لكلّ فصلٍ لغة : فصل بالأدب ، وآخر بالنّصّ القانونيّ ، وثالث بلُغة التّأمّلات الرّوحيّة .
وما زال في الجُعبة .. الكثير !
حفظ اللَّٰه الوطن .