ننشر حيثيات حكم حظر تجسيد الأنبياء والصحابة وآل البيت في الأعمال الفنية

أشرف زهران

قضت محكمة القضاء الإدارى الدائرة الثانية بمجلس الدولة، أمس الأحد، بوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار السلبي للجهات المدعى عليها بالامتناع عن تنفيذ قرار مجلس البحوث الإسلامية رقم 100 لسنة 1999 م، بعدم جواز اشتمال أي عمل تمثيلي في المسرح أو السينما أو التلفاز ـ أو أي جهاز آخر ـ على شخصية: الأنبياء والرسل والعشرة المبشرين بالجنة، وآل البيت الكرام، مع ما يترتب على ذلك من آثار على النحو المبين بالأسباب، وألزمتها المصروفات، وأتعاب المحاماة.

صدر الحكم برئاسة المستشار فتحي توفيق نائب رئيس مجلس الدولة، ورئيس الدائرة وعضوية المستشارين إبراهيم عبد الغنى، فتحي هلال، رأفت عبد الحميد، حامد محمود المورالى، أحمد ضاحى، أحمد جلال نواب رئيس مجلس الدولة.

وجاء في حيثيات الحكم أن المحكمة تعي دورها في حماية الحرية الفكرية وما يتبعها من حرية الرأي والتعبير فإنها تؤكد ـ كذلك ـ دورها الفعال في ترسيخ أركان الدولة، وحماية النظام العام وأجهزة الدولة المختلفة وتجنب إثارة الفتنة والفرقة بين الأمة الإسلامية، أو حتى إثارة العواطف الدينية، في عصر يوجب على الجميع التكاتف والتعاضد كالبنيان المرصوص.

ومن حيث الموازنة بين حرية الرأي والتعبير، والقيود التشريعية التي قد تفرض عليها، فإن البين من المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16/12/1966 والذي انضمت إليه مصر وصدر قرار رئيس الجمهورية رقم 536 لسنة 1981 بالموافقة عليه أن ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة (2) ترتبط بواجبات ومسئوليات خاصة، ولذلك أجازت المادة وضع قيود قانونية من أجل: أ- احترام حقوق أو سمعة الآخرين. ب- حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق.”

وهو ما أكدته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في مجال تعرضها للمادة العاشرة (حرية التعبير عن الرأي) من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، من أن: “صور التعبير بموجب المادة 10 إذا تجاوزت حدود الإنكار النقدي، وعلى وجه التحديد إذا كان من المرجح أن تثير عدم التسامح الديني فيمكن للدولة أن تعتبرها بصورة مشروعة غير متوافقة مع حرية الاعتقاد والفكر والدين، وأن تتخذ من التدابير المناسبة ما يقيدها”. (حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في الشكوى رقم 38450/12 بجلسة 25/10/2018)

ومن ناحية أخرى: فالتعبير عن الآراء والأفكار وعن الإبداع بصوره المختلفة يجب أن يتم في إطار من احترام أحكام الدستور والقانون والنظام العام والآداب والمصالح العليا للدولة، إذ أن الإنسان في الدولة المدنية الحديثة تنازل عن جزء من حريته في سبيل الحياة في ظل دولة تتكون من مجموع الأفراد مما يجعل لها هوية دينية وسياسية وفكرية ـ حسب ما توافق عليه المجموع ـ وهذه الهوية تتكون من مجموع المبادئ والقيم الأساسية التي تعارف عليها المجتمع وتسمى بالنظام العام، بحيث لا يجوز لآحاد الأفراد أن يطعن في هذه الهوية أو يأتي من الأقوال أو الأفعال ما ينتقص منها ويؤذى ضمير الجماعة، أو يتعارض معها، وثقافة الاختلاف تقوم على التعددية في الرأي في المسائل التي تحتمل الرأي دون المسلمات التي توافق عليها المجتمع ككون الدين الإسلامي دين الدولة وحرية الأفراد في اعتناق الدين فلا إكراه في الدين، وأن المسيحية واليهودية من الشرائع السماوية التي تعترف بها الدولة، دون غيرهما مما العبادات الأخرى على مستوى العالم، أو تحريم وتجريم الأفعال المنافية للفطرة الإنسانية السليمة.

وترتيبا على ما تقدم، وحيث وقر في ذهن الجماعة المصرية والأمة الإسلامية صورة ذهنية واسعة، من ناحية الشكل والحركات والمضمون، قائمة لكل فرد حول الشخصيات الدينية، التي لها من الإجلال والاحترام، في نفوس أفراد المجتمع ، فلا يجوز بحال من الأحوال أن تقع أسيرة رؤية فنية، يفرضها الكاتب، ويشخصها الممثل تشخيصا لا محالة يخالف الحقيقة، لأنه سوف يؤدى حركاتها وإيماءاتها وأسلوبها بما وقر في ذهنه الشخصي عن الشخصية الدينية محل التشخيص، ويجسد مضمونها بما وقر في ذهن الكاتب، وهو حتما يغاير تخيل المتلقي لهذه الشخصيات والصورة الذهنية القائمة عنده حولها، ويستبدلها بصورة فنية مقدمة إليه، مما يكون له أثر بالغ في تغيير صورة الشخصيات، وفرض رؤية الكاتب والممثل فرضا، فيشكك البعض في عقائدهم ويهون في نفوسهم الإجلال والتقدير، وتهبط إلى ساحة الجدل والمناقشة والنقد ـ بين عامة الناس ـ غير القائم على أسس علمية ودينية، فيؤدى إلى خلق طوائف ونشوب خصام وجدال، وفتنة، ومفاسد يجب درؤها. فضلا عن ذلك فإن عمل الصحابى ـ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يعد من المصادر الفقهية المختلف عليها بين الفقهاء، مما يعد معه العمل التمثيلى لهم مثارا لخلاف وجدال، لا طائل من ورائه سوى الفرقة والانقسام.

ومن حيث إنه يثبت من كل ما تقدم أن كل تمثيل في المسرح أو السينما أو التلفاز ـ أو في أي جهاز آخر ـ لشخصية من: الأنبياء و الرسل والعشرة المبشرين بالجنة، وآل البيت الكرام، غير جائز شرعا، ومخالفا لأحكام الدستور والقانون والنظام العام في المجتمع، فإنه يتعين على أجهزة الدولة بكل درجاتها، الالتزام بذلك، ومنعه قبل حدوثه، وبصفة خاصة: الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، والمنطقة الحرة الإعلامية، والشركة المصرية للأقمار الصناعية، وكذلك المجلس القومي لتنظيم الإعلام ـ وهو غير مختصم في الدعوى ـ باعتبار أن القرار الصادر عن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف رقم (100) بجلسته الرابعة عشرة في دورته الخامسة والثلاثين التي عقدت بتاريخ 16 من ربيع الأول 1420 هـ الموافق 30 من يونيه 1999 م ـ المشار إليه ـ قرارا إداريا نافذا صادرا من صاحب الاختصاص الأصيل وفقا لأحكام الدستور والقانون.

ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن مجمع البحوث الإسلامية ومن أجل حماية الأمن الوطني والنظام العام، فيما يتعلق بالإسلام وعقيدة المجتمع، قد أرسل إلى رئيس هيئة الاستثمار الكتاب رقم 171 بتاريخ 11/7/2012 يفيد أن وسائل الإعلام نشرت أن هناك مسلسلا بعنوان عمر بن الخطاب سيُعرض علي بعض القنوات الفضائية المصرية في شهر رمضان المعظم سنة 1433 هـ الموافق سنة 2012 ، وأنه سيتم فيه تجسيد شخصية سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وأنه سبق للمجمع أن أصدر قراره بتحريم تجسيد الأنبياء وآل البيت الكرام والعشرة المبشرين بالجنة، وأنه يُرجى عدم إذاعته على القنوات الفضائية المصرية، تنفيذا لهذا القرار واحتراما لأغلبية الشعب المصري، إلا أنه بالرغم من ذلك فقد تم إذاعة مسلسل “عمر” والذى يجسد شخصية عمر بن الخطاب رضى الله عنه، على قناة (mbc) في شهر رمضان 2012م، وأن القناة المشار إليها تُبث من خلال ترددها على النايل سات (الشركة المصرية للأقمار الصناعية).

ومن حيث إن القرار الإداري السلبي هو تعبير عن موقف سلبي للإدارة حيث لا تعلن عن إرادتها للسير في اتجاه أو آخر بالنسبة للأمر الواجب عليها اتخاذ موقف بشأنه، ومناط اعتبار امتناع الإدارة عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقا للقوانين واللوائح هو أن تكون هناك قاعدة قانونية عامة تقرر حقا أو مركزا قانونيا وتنظم وسيلة اكتساب هذا الحق أو المركز القانوني بحيث يكون تدخل الإدارة لتقريره أمرا واجبا عليها .

ومن حيث أن امتناع الجهة المختصة بالتنفيذ عن إعمال آثار قرار تنظيمى صادر من جهة إدارية أخرى ناط بها القانون إصدار ذلك القرار، وعدم مبادرتها لاتخاذ الإجراءات الكفيلة لتنفيذ ذلك القرار، وفق الاختصاص المنوط بها قانونا، يمثل قرارا إداريا سلبيا، وإلا عُد ذلك القرار معدوم الأثر، فيجوز الطعن عليه باستنهاض ولايتها نحو تحقيق الأثر القانوني المترتب على القرار التنظيمي العام.

ومن حيث إنه يبين من ذلك العرض الفائت أن الجهات والهيئات المنوط بها تنفيذ قرار مجلس البحوث الإسلامية رقم 100 لسنة 1999 ـ المشار إليها ـ لم تصدر قراراتها التنفيذية في حدود اختصاص كل منها، بحظر تمثيل الشخصيات الدينية الواردة في القرار، امتثالا للقرار ، باعتباره قرارا إداريا مخاطبا لأجهزة الدولة المختلفة حسب اختصاص كل منها، إذ كان يتعين على الهيئة العامة للاستثمار ـ لدرء كل المخالفات التي قد تقع ـ إصدار قرارها بحظر تمثيل هذه الشخصيات، واعتبار مخالفة ذلك القرار مخالفة لشروط الترخيص الممنوح للقنوات الفضائية المرخصة لديها، بما لها من سلطة بمقتضى قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017، والذى أبقى على أحكام القانون السابق الملغي ـ القانون رقم 8 لسنة 1997 ـ فيما يتعلق بسلطة الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة بالإشراف والرقابة على المشروعات والشركات التي تقام بالمناطق الحرة العامة. كما أن المنطقة الحرة الإعلامية المنشأة بقرار مجلس الوزراء رقم 411 لسنة 2000، امتنعت عن إصدار قرارها بحظر تمثيل مشاهد بالمنطقة تخالف ذلك القرار، وكذلك الشركة المصرية للأقمار الصناعية بحظر إذاعة مشاهد تمثيلية على ترددات قنواتها، إذ لا يجب على مجمع البحوث الإسلامية التدخل بالتوجيه نحو تنفيذ قراره، في كل حالة تمثل مخالفة له، وهو الأمر الذى ترتب عليه إذاعة المسلسل المشار إليه، بالمخالفة لقرار مجمع البحوث الإسلامية رقم 100 لسنة 1999 والصادر وفق الاختصاص المحجوز له بأحكام الدستور والقانون، الأمر الذي يكون معه امتناع تلك الجهات المدعى عليها عن إصدار قرارها التنفيذي لقرار مجلس البحوث الإسلامية رقم 100 لسنة 1999م، قرارا سلبيا إداريا واجب الإلغاء، مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها عدم إعادة إذاعة المسلسل المشار إليه على القنوات التي تبث عن طريق القمر الصناعي (نايل سات) أو تمثيل عمل فنى يتضمن مخالفة لقرار مجمع البحوث الإسلامية بالمنطقة الحرة الإعلامية.

( يراجع في هذا الشأن حكم محكمة القضاء الإداري الدائرة الثانية بالقاهرة – في الدعوى رقم 22262 لسنة 67 ق – بجلسة 22 ديسمبر 2019 – برئاسة معالي المستشار فتحي توفيق نائب رئيس مجلس الدولة، ورئيس الدائرة وعضوية السادة المستشارين إبراهيم عبد الغنى، فتحي هلال، رأفت عبد الحميد، حامد محمود المورالى، أحمد ضاحى، أحمد جلال نواب رئيس مجلس الدولة )

زر الذهاب إلى الأعلى