نسقية أصول المهارات اللغوية اللازمة للتكوين اللغوي والتمكين المهاري للقانونيين (8)
بقلم :د. محمد عبد الكريم الحسيني
جرى بالفعل عملية جرد واستقصاء وحصر لجميع المهارات اللغوية اللازمة للسادة القانونيين، وقد وصعنا مصفوفة متكاملة بهذا الاستقراء وذلك الحصر، وفي هذا السياق يمكن لنا الإشارة إلى نسقية عامة بأهم تلك مهارات التي تتعلق مباشرة بالقانونين ومجالاتها:
أولا: مهارات النطق الصحيح والأداء الفصيح للغة القانونية وخاصة في الأعمال القانونية التواصلية.
ثانيا: مهارات الإملاء والترقيم في الكتابات القانونية.
ثالثا: مهارات علمي الدلالة والصرف لتحصيل الثروتين الدلالية واللغوية من خلال عمليات الاشتقاق .
رابعا: مهارات النحو القانوني، لضبط أواخر الكلم وتحديد طبيعة الجملة وعلاقاتها .
خامسا: مهارات البلاغة القانونية، لبلوغ قلب وعقل المخاطب سواء كان مستمعا أم قارئا.
وهي ما ستتضمنه مناهج التكوين اللغوي والتمكين المهاري بعد عمليات الصياغة المنهجية بطريقة علمية تربوية على أيدي متخصصين أكفاء :
أما عن عناصر تلك المهارات فهي:
أولا: مهارات علم الصوتيات (Phonetics).
مهارات النطق الصحيح والأداء الفصيح
وهي جملة مهارات وخبرات مستمدة من علم الصوتيات تساعد القانونيين في أداء أعمالهم الشفاهية مثل: (الإلقاء القانوني، المرافعات القانونية، والتلاوة القانونية للأحكام ومواقف التخاطب والخطابة والمخاطبة القانونية…).
وبالنسبة للمهارات المستمدة من علم الصوتيات فهي :
1- مهارة النطق الصحيح للأصوات (وتجنب التأتأة والفأفأة والبأباة والعجمة والارتاج …) من خلال ممارسة وإتقان مهارات:
أ-الجهر والهمس بالأصوات.
ب- التفخيم والترقيق والإطالة.
ج- مهارات الوقف والإكمال والسكوت .
د- سائر مهارات الصوتيات المتعلقة بصفات وخصائص كل صوت (=حرف مكتوب) .
2- مهارات الأداء الفصيح حيث التألق اللفظي (اللباقة واللياقة اللفظية).
أ-مهارة النبر ( مواضعه وانتقاله للكلمة وللجملة.
ب-مهارة التنغيم (في الكلمة – في العبارة).
ج-مهارة الرنين (وظائفه – مواضعه – أحواله).
ثانيا: مهارات علم الحروف =فن الرسم (فن الإملاء والترقيم).
تبدأ اللغة بالصوت ويدرسه (علم الأصوات) كما سبق، والصوت إذا كتب أصبح حرفا ويدرسه علم وبالأحرى فن (الرسم) أو الإملاء والترقيم، وأهميته الإلمام بمهارات فن الإملاء والترقيم بالنسبة للقانوني تكمن في:
أ-تحقيق الكتابة اللغوية الصحيحة للمسائل والموضوعات والأحكام القانونية.
ب- التعبير عن الانفعالات والمقاصد النفسية (التعجب، الاستنكار، الاستفاهم، التعظيم..) من خلال الكتابة.
أهم مهارات الإملاء والترقيم هي:
1-مهارة كتابة الحرف بصيغ النسخ والرقعة والثلث، ومراعاة الحروف التي تنطق ولا تكتب وتلك التي تكتب ولا تنطق.
2-مهارة كتابة الهمزة بحسب مواضعها ( أول الكلام – أواسطه – آخره ).
3-مهارة كتابة التاءات (المفتوحة – المربوطة – وهاء السكت والتبديل بينهما في بعض المواضع).
4-مهارة كتابة ألفات القطع والوصل والقصر والمد واللين بحسب مواضعها وأحوالها.
5-مهارة الفواصل (الشولات) المنقوطة وغير المنقوطة ومواضعها وسياقاتها.
إلى غير ذلك من المهارات المفردة والمركبة ذات الصلة
ثالثا: مهارات علمي الكلمة = (علم المعجم وعلم الصرف).
الحرف إذا وضع بإزاء حرف وحروف أخرى تكونت الكلمة، وهي إما (اسم أو فعل أو حرف) ويدرسها علم المعجم «علم الدلالة» وعلم الصرف ومهارات هذين العلمين هي:
(1) مهارات علم المعجم ( علم الدلالة).
1-مهارات التجريد واستخراج المصدر الأصلي للكلمة وتعرف جذرها .
2-مهارة البحث عن الكلمة في المعاجم القانونية واللغوية المتنوعة بحسبها :
(أ-بحث هجائي. ب – بحث بالقافية. ج – بحث موضوعي. د – بحث صوتي).
3-مهارة تعرف الدلالات المفاهيمية والسياقية والإجرائية للكلمات القانونية.
4-مهارة تعرف الدلالات المباشرة وغير المباشرة لأي مفردة قانونية:
أ-دلالة المطابقة.
ب- دلالة التضمن .
ج- دلالة الالتزام .
وهي دلالات خطيرة في تفسير الأحكام وتحليل النصوص القانونية.
5-مهارة الربط بين الدلالات السابقة وبين المعاني الوضعية والمجازية للكلمات القانونية بحسب سياقها.
(2) مهارات علم الصرف
علم الصرف من أهم وأخطر علوم اللغة بالنسبة للقانونيين – من وجهة نظري: فهو العلم الذي تمكن مهاراته ومعارفه من توليد ثروة لغوية قانونية هائلة من خلال عمليات الاشتقاق والقياس … وتعلم مهاراته تعدُّ ذخيرة القانوني في مهامه وأعماله القانونية (الشفاهية والكتابية )… أما عن أهم مهاراته التي تخص القانوني فهي:
1-مهارة وصف الكلمة القانونية من جميع جوانبها:
أ-الاسمية والفعلية والحرفية والمختلطة (اسم الفعل). ب-التجريد والزيادة. د-التذكير والتأنيث. هـ-الإفراد والتثنية والجمع. و-الاشتقاقية والجمود. ز-الصرفية وعدم الصرفية.
2-مهارة الاشتقاق: وهي من أهم المهارات اللازمة لكل قانوني، بل هي الغاية الأكبر من تعلم مهارات العلوم اللغوية و(بها يولِّد القانوني ما يشاء من الكلمات لما يشاء من المواقف).
وأنواع الاشتقاق هي:
النوع الأول: الاشتقاق الصغير.
وهو ذلك الاشتقاق المعروف من مثل اسم الفاعل واسم المفعول وصيغ المبالغة والصفة المشبهة وافعل التفضيل واسما الزمان والمكان .
ويتوجب هنا الحفاظ على ترتيب الحروف مع التماثل في المعاني والتقارب بينها، وهذا النوع مجمع عليه، ولا خلاف فيه .
النوع الثاني: الاشتقاق الكبير.
وهو ما عبر عنه ابن فارس في “معجمه مقاييس اللغة “، وهو يأتي بغير معنى واحد أو اثنين للمصدر الأصلي للكلمة، وذلك مثل كلمة حكم
يقول عنها(حكم) الحاء والكاف والميم أصلٌ واحد، وهو المنْع. وأوّل ذلك الحُكْم، وهو المَنْع من الظُّلْم. [معجم مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 91)]
ثم يؤكد ذلك ابن فارس من خلال استقرائه لغة العرب فيقول:”وسمِّيَتْ حَكَمة الدابّة لأنها تمنعُها يقال حَكَمْت الدابةَ وأحْكَمتها. ويقال: حكَمت السَّفيهَ وأحكمتُه، إذا أخذتَ على يديه. قال جرير:
أبَنِي حَنيفة أحْكِمُوا سُفهاءَكم
إنّي أخاف عليكــــــــــــــــــــم أن أغْضَبَا
والحِكمة هذا قياسُها، لأنها تمنع من الجهل. وتقول: حكَّمت فلاناً تحكيماً منعتُه عمّا يريد. وحُكِّم فلانٌ في كذا، إذا جُعل أمرُه إليه. والمحكَّم: المجرِّب المنسوب إلى الحكمة. قال طرفة:
ليت المحكَّمَ والموعوظَ صَوْتَكُـــــــــــــــما
تحتَ التُّرَاب إذا ما الباطلُ انكشَفَا
أراد بالمحكَّم الشيخَ المنسوبَ إلى الحكمة. [السابق (2/ 91)]
وفي الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم: “إنّ الجنة للمحكَّمين” وهم قومٌ حُكِّمُوا مخيَّرين بين القَتل والثّبات على الإسلام وبين الكفر، فاختارُوا الثّباتَ على الإسلام مع القتل، فسُمُّوا المحكمين. [السابق أيضا (2/ 92)]
النوع الثالث: الاشتقاق الأكبر
وهو ما نبه على ابن جني في الخصائص وغيره، من أن كلمة مثل :(جبر) وجذرها (ج.ب.ر) ويمكن أن نكون منها :
(جبر – بجر- رجب – جرب – بجر).
فكل هذه المفردات تشترك في معنى واحد وهو القوة، وهذا يعني أن المشتقات وإن لم تراع ترتيب الحروف كما سبق في النوعين المثالين ، فهي تعطي معنى واحد اصلي للكلمة ، وقد وقع هنا الاختلاف بين العلماء .
3-مهارة تعرف وتوليد الإيقاعات الصوتية للكلمة:
أ- مهارة الوزن اللفظي للكلمة (الميزان الصرفي).
ب- فن التجريد والزيادة .
ج- مهارة القياسات الافتراضية للكلمة.
د- بعض متعلقات فن الإتباع (السماعي والقياسي)
(4)مهارات علم الجملة ( علم النحو )
باجتماع الألفاظ ذات المعنى المفيد يتكون الكلام، على ما يقول ابن مالك في الألفية:
كلامنا لفظ مفيد كاستقمْ واسم وفعل ثم حرف الكَلِمْ
ومن ثمَّ تنشأ الجملة ويدرسها علم النحو
وأهمية النحو للقانوني أنه يعصم اللسان عن اللحن، وتوسع مداركه وقواه الخطابية وصدقوا حيث قالوا:
النحوُ يصلحُ من لسان الألكن والمرءَ أكرمه إذا لم يلحنِ
وإذا طلبتَ من العلوم أجـــــــــــــــــــلَّها فأجلُّها منها مقيمُ الأَلسُنِ
وأهم مهاراته بالنسبة للقانونين:
1-مهارة ضبط أواخر الكلم (الإعراب والبناء والتنوين …).
2-مهارة التكوين البنائي للجملة القانونية تبعا للقواعد النحوية وتبعا للسياق المقصود.
3- مهارة معرفة وظائف الكلمات القانونية في الجملة وتعرف أحوال الاسم والفعل والحرف … والمفرد والمركب .
4-مهارات تعرف العامل والمعمول في الجملة والعلاقات السببية المنطقية بين المفردات.
5-مهارة تعرف التركيب الصحيح وعير الصحيح للجملة في اللغة القانونية.
(5)مهارات علم الفقرات والعبارات ( علم البلاغة )
من أهم العلوم التي يحتاجها القانونيون في أعمال القانون الشفاهية والكتابية معا (مثل أهمية علم الصرف) وعلوم البلاغة ثلاثة وهي :
1-علم البيان.
2-علم المعاني .
3- علم البديع.
ومهارات تلك العلوم البلاغية والتي تتصل بالأعمال القانونية هي :
(أ) مهارات علم البيان (الإفصاح والبيان)
1-مهارات التعبير عن المعنى الواحد بطرق مختلفة .
2-مهارات التصوير الفني (والتخييل اللغوي) باستخدام التشبيهات والاستعارات والكنايات والمجازات.
(ب) مهارات علم المعاني (موافقة مقتضى الحال)
به يتم تحديد المعنى الدقيق وتوظيف الحروف والمفردات تقديما وتأخيرا (لإصابة كبد الحقيقة).
1-مهارة تعرف الأساليب وتكوينها وتعديلها تبعا للحاجة القانونية (أساليب الحصر والقصر والخبري والإنشائي والحقيقي والمجازي..)
2-مهارة التقديم والتأخير والفصل والوصل في الكلام.
3- مهارة الإيجاز والإطناب (التوسع) والمساواة.
4-مهارة التعرف على حروف المعاني وتوظيفها وتحليل نصوصها.
(ج) مهارات علم البديع (الإبداع اللفظي والإمتاع السمعي).
1-مهارة حسن الاسنهلال ولف ونشر الكلام والإبداع فيه بما يناسب الحال.
2-مهارة توضيح المعني وإبرازه مباشرة وضده من التورية.
3- مهارات تركيز المعنى والمبالغة فيه وتكميله وتذيله وتعليله وتسبيبه.
ولكل ما سبق تفصيلاته وتطبيقاته التي سنأتي عليها في سياقها.