نداء الفطرة
من تراب الطريق (917)
نداء الفطرة
ومعالم المسئولية
نشر بجريدة المال الأربعاء 19/8/2020
بقلم: أ. رجائي عطية نقيب المحامين
نداء الفطرة النابع من أعماق الآدمي فى اتجاهه إلى الله.. هذا النداء ليس وهماً كما يزعم المنكرون.. فالتلقين والإيحاء الممتدان لأجيال ـ لم ينقطعا في التاريخين القديم والحديث عن غرس المعتقدات السياسية والاجتماعية فى النفوس.. ومع ذلك بقيت هذه المغروسات على اختلاف أنواعها وأشكالها على السطح.. لم تنفذ قط إلى أغوار الإنسان.. وهي إذ تجرف أحياناً كثيرة التفات الناس وتبعدهم عن الدين، حتى ليتوهم أصحاب هذه النزعات والمعتقدات أنها قد اقتلعت جذور الدين، إذ بهم يفاجئون أو يفيقون على الواقع فيكتشفون أنهم لم يكسبوا من الدين إلاَّ معارك وقتية.. ويرون أن أغوار الآدمي وأعماقه لاتزال لله، وليست للمذاهب الوضعية من شيوعية أو اشتراكية أو ديمقراطية أو أي مذهب آخر من المذاهب السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية!
ماذا يعني هذا؟
يعني أن الفطرة ليست وهماً وليست هشيماً يمكن أن تذروه الرياح مهما اشتدت.
والإسلام دين الفطرة.. ينزل الفطرة منزلة واضحة في بنيانه.. وثبات الفطرة شىء أساسي في الإسلام.. فهي غير قابلة للتغيير.. ومن هذه الفطرة ـ لا من الوالدين ـ يتلقى الإنسان روحه مباشرة من فاطره.. يتلقاها نظيفة بيضاء، عليه أن يحافظ على نظافتها وبياضها.. فهي لن تتلوث ـ إن تلوثت ـ إلاَّ من نواياه وأعماله السيئة.. وحين ندرك هذه المعاني يبرز أمامنا قول الحق جل شأنه فى كتابه المجيد: «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا * مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً » (الإسراء 13-15).
وفي اعتبار الإسلام أن المعصية إرادية.. لا تقع إلاَّ من مكلف قاصد عامد.. فجوهرها أنها خطيئة إرادة قاصدة واختيار مميز من إنسان معين، وأنه كان في وسع هذا الإنسان أن يتجنبها لو أراد ولكنه لم يفعل!
وليس في الإسلام مسئولية عن فعل الغير، ولا عن خطأ الغير أو خطيئته.. طائر كل إنسان فى عنقه.. ولذلك فلا توارث في المعاصي لأنه لا توارث فى الأرواح.. وليس في الإسلام خطيئة أصلية يولد بها الإنسان حاملاً وزرها عن سواه.. وآدم في الإسلام موضع تكريم، ارتكب ذنباً هو وزوجه ثم ندما وتابا وتاب الله عليهما بنص الكتاب المجيد.
لم تتغير فطرة الإنسان بالذنب المغفور، الذي غفره الله لآدم وحواء.
وهذا فيما يرى أستاذنا محمد عبد الله محمد ـ جزء من المحنة أو المعركة التي يجب أن تخوضها روح الإنسان في حياتها على الأرض، وأن تفوز فيها برضا الله عنها ورضاها عن الله.
وهذه الفطرة لا تستلزم أن يكون اختيار الإنسان وحريته مطلقين، أو غير مرهونين أو مشروطين بظروفه وبيئته ومحيطه، ومقدار معرفته للحق، ومبلغ ميله للحق وقبوله إياه عن رضا.. فإن المطلوب هو بذل الطاقة والجهد.. وإلى ذلك تعدد التنبيه فى القرآن الحكيم.
أما ما قد يكون بالنفس من نقص أو عاهة أو عجز ـ فمتروك للطف الله ونعمته ورحمته عز وجل.
وتلك المحنة أو المعركة التي يخوضها الإنسان في حياته على الأرض ـ ليست معركة مع الفطرة الإنسانية، وإنما هي معركة مع الشيطان.. هذه المعركة التي سبق أن انهزم فيها آدم ولكن هزيمة عرضية ثم نهض بعدها وندم وتاب عنها وعرف وجهته الصحيحة.. كذلك يفعل أبناؤه وأبناء أبنائه إلى يوم الدين.