نحو تشريعات صديقة للأسرة.. إجازة الأبوة
بقلم/ الدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
الأسرة هي الجماعة التي ارتبط ركناها بالزواج، وما نتج عنها من ذرية وما اتصل بهما من أقارب. ويتم التمييز عادة بين «الأسرة الصغيرة»، وتشمل الزوجين والأبناء، وبين «الأسرة الكبيرة» أو «العائلة» أو «العشيرة»، وتشمل الأهل والأقارب من الأجداد والأعمام والأخوال والأحفاد وبنو الأعمام وأبناء الأخوال. بل إن بعض المواثيق الدولية تستخدم مصطلح «الأسرة البشرية»، للدلالة على بني البشر جميعهم، تذكيراً لهم بأصلهم المشترك المتمثل في آدم وحواء. والأسرة هي نواة وأساس وجود المجتمعات، حيث يتكون كل مجتمع بشري من العديد من الأسر التي تنظم حياته وتسير أموره وتحقق حاجاته وميوله وعاداته وتقاليده. فالأسرة هي اللبنة الأولى لبناء المجتمع القوي المتماسك. «فالأسرة الإيجابية المتحابة المترابطة أساس استقرار وسلامة وتطور المجتمعات. الأسرة هي رمز لتتابع الأجيال، واتصال الماضي بالحاضر، والحاضر بالمستقبل. الأسرة هي الجسر الذي يربطنا جميعاً برباط الأخوة الإنسانية وصولاً لأبي البشر جميعاً آدم عليه السلام.
وإدراكاً لأهمية الأسرة في بنيان المجتمع، حرص المشرع الدستوري على كفالة حمايتها، مؤكداً أن «الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها» (المادة العاشرة من الدستور المصري الحالي الصادر عام 2014م). واتساقاً مع هذا الالتزام الدستوري، صدرت العديد من التشريعات الرامية إلى تقوية وتعزيز الروابط الأسرية، والابتعاد عن كل ما يعكر صفو العلاقة بين أفرادها، والتعامل بإيجابية وحكمة مع أي تجاوزات قد تنشأ بين أفرادها. غير أن ثمة بعض أوجه القصور التي ما زالت موجودة في المنظومة القانونية المصرية بهذا الشأن. وسنحاول في هذه السلسلة من المقالات إلقاء الضوء على النصوص القانونية الواردة في التشريعات المصرية المختلفة ذات الشأن بحماية العلاقات الأسرية، مع المقارنة بينها وبين النصوص النظيرة في التشريعات العربية، وصولاً إلى استخلاص نظرية وافية للآليات القانونية واجبة الاتباع بشأن حماية الأسرة المصرية والعربية. وسنركز في هذا المقال على إجازة الأبوة، باعتبارها أحد الأحكام القانونية المستحدثة في القانون المقارن.
والواقع أن التشريعات الوظيفية والعمالية المصرية تخلو من النص على إجازة الأبوة. والأمر ذاته ينطبق على تشريعات كل من دولة الكويت ودولة قطر وسلطنة عمان. إذ تقتصر هذه الطائفة من التشريعات على تقرير إجازة الأمومة. وغني عن البيان أن فرحة الأسرة بالمولود الجديد لا تكتمل في غياب رب الأسرة. ومن غير المقبول ألا يكتمل شمل الأسرة في هذه المناسبة التي لا تحدث سوى في فترات متباعدة، وقد لا تحدث سوى مرة أو مرتين أو بضع مرات فقط طوال العمر. وفي العادة، يلجأ الأب إلى الحصول على إجازة عارضة أو الحصول على إجازة لعدة أيام خصماً من رصيد إجازاته الدورية.
في المقابل، عمدت بعض الدول العربية مؤخراً إلى تحديث تشريعاتها الوظيفية والعمالية، تضميناً لإجازة الأبوة فيها. وباستقراء الوضع في هذه التشريعات، وما إذا كانت تساوي في هذا الشأن بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص، يمكن التمييز بين اتجاهات ثلاثة، وذلك على النحو التالي:
اتجاه تقرير إجازة أبوة مع تمييز القطاع الخاص على القطاع الحكومي
في الإمارات العربية المتحدة، وعلى المستوى الاتحادي، وطبقاً للمادة الرابعة والخمسين من المرسوم بقانون اتحادي رقم (11) لسنة 2008م بشأن الموارد البشرية في الحكومة الاتحادية، «يُمنح الموظف الذي يرزق بمولود حي إجازة أبوة مدفوعة الراتب لمدة ثلاثة أيام عمل خلال الشهر الأول من ولادة طفله، وذلك شريطة أن تتم الولادة داخل الدولة». وفي مجال علاقات القانون الخاص، ووفقاً للمادة الرابعة والسبعين من القانون الاتحادي رقم (8) لسنة 1980 في شأن تنظيم علاقات العمل، مضافة بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم (6) لسنة 2020م، «يمنح العامل إجازة والدية مدفوعة الأجر لمدة خمسة أيام عمل لرعاية طفله، تستحق من تاريخ ولادة الطفل وحتى إكماله ستة أشهر». وهكذا، وبإمعان النظر في النصين سالفي الذكر، يلاحظ أن المشرع الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة استخدم تعبير «إجازة أبوة» في التشريع المنظم للوظيفة العامة، بينما استخدم تعبير «إجازة والدية» في قانون تنظيم علاقات العمل. ولم يقتصر الأمر عند حد الاختلاف في المصطلح المستخدم، وإنما امتد إلى مدة الإجازة حيث تبلغ ثلاثة أيام في القطاع الحكومي بينما تبلغ خمسة أيام في القطاع الخاص. والواقع أنه يبدو عسيراً تبرير هذا الاختلاف، لاسيما وأن عادة تشريعات الوظيفة العامة قد جرت على منح الموظفين الحكوميين مزايا وظيفية أكبر مقارنة بالوضع في مجال علاقات القانون الخاص. بالإضافة إلى ذلك، فإن المشرع يحرص على عدم التوسع في المزايا المقررة للعمال حرصاً منه على تشجيع الاستثمارات الخاصة. ولذلك، نرى من الملائم أن يتدخل المشرع الاتحادي لتوحيد مدة إجازة الأبوة في كل من القطاع الحكومي والقطاع الخاص، وبحيث تكون ثلاثة أيام فقط في القطاع الخاص أسوة بالقطاع الحكومي.
وعلى المستوى المحلي، وطبقاً للمادة (43) من القانون رقم (6) لسنة 2016 بشأن الموارد البشرية في إمارة أبو ظبي، «يمنح الموظف إجازة أبوة مدتها ثلاثة أيام وتحدد اللائحة التنفيذية ضوابط وقواعد وشروط منح هذه الإجازة». ووفقاً للمادة (91) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 6 لسنة 2016 بشأن الموارد البشرية في إمارة أبو ظبي، الصادرة بقرار دائرة الإسناد الحكومي رقم 10 لسنة 2020م، «يمنح الموظف الذي يرزق بمولود إجازة أبوة براتب إجمالي لمدة ثلاثة أيام عمل متصلة أو متقطعة خلال الستة أشهر الأولى من ولادة طفله». ووفقاً للمادة (84) من القانون رقم (8) لسنة 2018 بشأن إدارة الموارد البشرية لحكومة دبي، «يمنح الموظف الذي يرزق بمولود إجازة أبوة براتب شامل لمدة (3) ثلاثة أيام عمل خلال شهر واحد من تاريخ ولادة طفله». وطبقاً للمادة (81) من قانون الموارد البشرية في حكومة أم القيوين رقم (1) لسنة 2016م، «يمنح الموظف الذي يرزق بمولود حي إجازة أبوة مدفوعة الراتب لمدة ثلاثة أيام عمل متصلة أو منفصلة خلال الشهر الأول من ولادة طفله، وذلك شريطة أن تتم الولادة داخل الدولة». وفي إمارة رأس الخيمة، ووفقاً للمادة (96) من قانون رقم (1) لسنة 2013 بشأن الموارد البشرية الحكومية، «يمنح الموظف الذي يرزق بمولود داخل الدولة إجازة أبوة مدفوعة الراتب لمدة ثلاثة أيام من تاريخ ولادة طفله الحي». وبمقتضى المادة (36) من القانون رقم (6) لسنة 2015م بشأن الموارد البشرية لإمارة الشارقة، معدلة بموجب المرسوم بقانون رقم (7) لسنة 2020م، يورد المشرع تعداداً للإجازات الجائز منحها للموظف، مبيناً أن من بينها «إجازة الأبوة». وتحيل المادة السابعة والثلاثون من القانون ذاته – معدلة بموجب المرسوم بقانون رقم (7) لسنة 2020م – إلى اللائحة في تحديد مُدد وإجراءات وشروط ومتطلبات منح الإجازات المنصوص عليها في المادة رقم (36) من هذا القانون. وبناء على هذا التفويض التشريعي، صدر قرار المجلس التنفيذي رقم (12) لسنة 2021م بشأن اللائحة التنفيذية للقانون رقم (6) لسنة 2015م بشأن الموارد البشرية لإمارة الشارقة، والتي تنص في المادة الثالثة والسبعين منها على أن «يمنح الموظف الذي يرزق بمولود إجازة أبوة مدفوعة الراتب لمدة ثلاثة أيام عمل متصلة شريطة تقديم شهادة معتمدة تفيد بإنجاب الزوجة داخل أو خارج الدولة على أن تستنفد الإجازة خلال شهر من تاريخ الولادة». وطبقاً للمادة (33/6) من قانون الموارد البشرية في حكومة عجمان الصادر بالمرسوم الأميري رقم (4) لسنة 2017م، «يستحق الموظف الذي يرزق مولوداً حياً، إجازة أبوة مدفوعة على أساس الراتب الإجمالي، مدة ثلاثة أيام عمل، متصلة أو منفصلة، خلال الشهر الأول من تاريخ ولادة طفله».
اتجاه تقرير إجازة أبوة مع تمييز القطاع الحكومي على القطاع الخاص
في مملكة البحرين، وتحت عنوان «إجازة أبوة»، ووفقاً للمادة (36/ 7) من لائحة شئون الموظفين بصندوق العمل المنشأ بالقانون رقم (57) لسنة 2006م، الصادرة بقرار مجلس إدارة صندوق العمل رقم (1) لسنة 2021م، «تمنح للموظف لمدة يومين تبدأ من يوم ولادة الطفل، وفقاً للتاريخ المدون في الشهادة الطبية المعتمدة».
وفي مجال علاقات العمل في القطاع الخاص أو الأهلي على حد وصف المشرع البحريني، تنص المادة الثالثة والستون من قانون العمل في القطاع الأهلي الصادر بالقانون رقم (36) لسنة 2012م على أن «… ب- للعامل الحق في إجازة مدة يوم واحد مدفوعة الأجر إذا ولد له مولود…. د- لصاحب العمل أن يكلف العامل بتقديم ما يثبت توافر أي من الحالات المنصوص عليها في الفقرات السابقة».
اتجاه تقرير إجازة أبوة مع التسوية بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص
في المملكة العربية السعودية، وطبقاً للمادة (153) من اللائحة التنفيذية للموارد البشرية في الخدمة المدنية، الصادرة بقرار وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية رقم 1550 وتاريخ 9/ 6/ 1440هـ، «يستحق الموظف إجازة لمدة (ثلاثة) أيام براتب كامل في حال ولادة مولود له خلال أسبوع من تاريخ الولادة».
وفي مجال علاقات العمل بالقطاع الخاص، وطبقاً للمادة الثالثة عشرة بعد المائة من نظام العمل الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/51 بتاريخ 23/8/1426هـ، معدلة بموجب المرسوم الملكي رقم (م/46 وتاريخ 5- 6- 1436ه)، «مع مراعاة إجازات المرأة العاملة المحددة بموجب هذا النظام، للعامل الحق في إجازة بأجر كامل لمدة خمس أيام في حالة وفاة زوجه أو أحد أصوله أو فروعه، أو عند زواجه، وثلاثة أيام في حالة ولادة مولود له، ويحق لصاحب العمل أن يطلب الوثائق المؤيدة للحالات المشار إليه».