نحو ترسيخ مفهوم حقوق الإنسان
بقلم/ عمرو فتحي – المحامي بالنقض
الباحث في مجال حقوق الإنسان
نبدأ معا بإذن الله في الدخول عبر البوابة المعرفية لثقافة حقوق الانسان للتعرف على ماهيتها و أهميتها للمجتمع بشكل عام وللمعنيين بالعمل القانوني بشكل خاص بعد أن أصبحت ثقافة حقوق الانسان ضرورة مجتمعية وصولا الى مجتمع حر ديمقراطى تصان فيه الحريات وتحترم فيه حقوق الأنسان واجمالا فيمكن القول أن ماهية حقوق الانسان هي مجموعة من الـحقوق الأساسية التي لا يجوز المس بها وهي مستحقة وأصيلة لكل شخص لمجرد كونها أو كونه إنسان، فهي ملازمة لهم بغض النظر عن هويتهم أو مكان وجودهم أو لغتهم أو ديانتهم أو أصلهم العرقي أو أي وضع آخر والعمل على حمايتها بشكل منظم كحقوق قانونية في إطار القوانين المحلية والدولية. وهي كلّية وتنطبق في كل مكان وفي كل وقت ومتساوية لكل الناس، ولا يجوز ولا ينبغي أن تُنتزع إلا نتيجة لإجراءات قانونية واجبة تضمن الحقوق ووفقا لظروف محددة، فمثلا، قد تشتمل حقوق الإنسان على التحرر من الحبس ظلما والتعذيب والإعدام. وهي تقر لجميع أفراد الأسرة البشرية قيمة وكرامة أصيلة فيهم.
وبإقرار هذه الحريات تبرز أهمية حقوق الانسان فبها يستطيع الانسان أن يتمتع بالأمن والأمان، ويصبح قادراً على اتخاذ القرارات التي تنظم حياته. فالاعتراف بالكرامة المتأصلة لدى الأسرة البشرية وبحقوقها المتساوية الثابتة يعتبر ركيزة أساسية للحرية والعدل وتحقيق السلام في العالم. وإن ازدراء وإغفال حقوق الإنسان أو التغاضي عنها لهو أمر يفضي إلى كوارث ضد الإنسانية، وأعمالا همجية، آذت وخلّفت جروحا وشروخا عميقة في الضمير الإنساني. ولهذا فإنه من الضروري والواجب أن يتولى القانون والتشريعات الدولية والوطنية، حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم، ولكي لا يشهد العالم والإنسانية مزيدا من الكوارث ضد حقوق الإنسان و الضمير الإنساني.
وترسيخ مفاهيم حقوق الانسان لدى المجتمعات يتطلب جهودا متتالية وبلا توقف نحو نشر ثقافة حقوق الانسان في كل ميادين المجتمع فهى لها اهمية كبيرة لتمكين الناس من الإلمام بالمعلومات الاساسية اللازمة لتحررهم من جميع الانتهاكات ومعرفتهم بأهم حقوقهم، ونشر ثقافة حقوق الانسان يؤدي الى غرس الشعور بالمسؤولية تجاه حقوق الأفراد والمصالح العامة، كما أن تعليم ثقافة حقوق الإنسان ونشرها هو عملية متواصلة وشاملة تعم جميع صور الحياة، ويجب أن تصل إلى جميع أوجه الممارسات الشخصية والمهنية والثقافية والاجتماعية والسياسية والمدنية لأنها تغرس في النفوس حب واحترام الكرامة الانسانية والمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية، وتدعو الناس إلى الاحترام المتبادل والمساعدة الجماعية والتأقلم مع حاجات بعضهم البعض وحقوقهم .
والتساؤل الذي يطرح نفسه هو ما مدى أهمية ثقافة حقوق الانسان بالنسبة للمعنيين بالعمل في المجال القانوني؟ وأخص بالذكر المحامين وهم أصحاب سلطة الدفاع في المجتمع وخط الدفاع الأول ضد كل ما يمثل اعتداء على الحقوق و الحريات .
إذا كان من المعلوم و المفترض في المحامي ان يتسلح بمهارات و إمكانيات معينة تعينه في مجال عمله لتضمن له النجاح و الاستمرار مثل مداومة الاطلاع على القوانين الوطنية وما يستجد منها وما يطرأ عليها من تعديلات وكذلك أن تكون له قراءات أخرى في مجالات معرفية غير مجال القانون لتعميق ثقافته واثراء لغته و تعبيره فإنه يمكن القول و بحق أن ثقافة حقوق الانسان أضحت أحد اهم الأدوات التي يجب ان يتسلح بها المحامى العصرى المتجدد لأنه بهذه الثقافة يستطيع أن يتصدى بمفرده لانحراف السلطة التنفيذية عبر الطعن على قراراتها التي تشكل اعتداء على الحقوق و الحريات العامة و الشخصية سواء المكفولة بحماية القوانين أو تلك المنصوص عليها في الاتفاقيات و المعاهدات و المواثيق الدولية، وثقافة حقوق الانسان هو جزء أصيل من الثقافة القانونية التي يجب ان يتحلى بها محام لأنه إذا كان معلوم لدينا أن المعاهدة الدولية هي اتفاق دولي يعقد بين دولتين أو أكثر كتابة ويخضع للقانون الدولي سواء تم في وثيقة واحدة أو أكثر أيا كانت التسمية التي تطلق عليه، وتعريف أخر أنها اتفاقات مكتوبة تعقد بين شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي ضمن إطار القانون الدولي بقصد ترتيب اثار قانونية، فبالتالي فنحن نكون امام قوالب قانونية تستلزم أن يكون المتعامل معها من المعنيين بالعمل في المجال القانوني سواء كان محام أو قاضى أو مشرع على علم بها حتى يمكن تحقيق اقصى استفادة ممكنة لما حوته من نصوص و اتفاقات .
و أرى أنه قد حان الوقت ليدرج ضمن المقررات الدراسية الجامعية عامة المباديء العامة لحقوق الانسان وأن يتم تعميق هذه الدراسات بالنسبة لطلبة كليات الحقوق لأنها و كما سلف القول أصبحت احد اهم متطلبات العمل في المجال القانوني قولا واحدا في الوقت الذى تتجه فيه دول العالم المتحضر نحو انتهاج سياسات تشريعية جديدة تضمن إقرار مزيد من الحقوق والحريات لمواطنيها عبر اعلان إلتزامها بتطبيق المعايير الدولية المقررة لحماية حقوق الانسان والنص على ذلك صراحة في دساتيرها كما هو الحال في دستور مصر 2014 و الذى ينص في المادة (93) منه على أن ” تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة ” و بالتالى ووفقاً لهذا النص الدستورى فقد أصبحت الاتفاقيات الدولية و ثقافة حقوق الانسان بشكل عام واقع لا يمكن التخلي عنه أو تأجيل ترسيخ مفاهيمه لدى عامة المجتمع و المعنيين بالعمل في المجال القانوني بشكل خاص لأنه أصبح الدرب الذي يسير عليه المجتمع نحو الصورة المثالية للمجتمع الذي تصان فيه الحقوق و الحريات.