مودرن سبورت دبي.. بين الرياضة والسياسة والقانون
مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
في يوم الخميس الموافق الحادي عشر من شهر سبتمبر 2025م، أعلن رجل الأعمال الدكتور وليد دعبس، رئيس مجلس إدارة نادي مودرن سبورت، عن تأسيس نادٍ رياضي جديد في دولة الإمارات العربية المتحدة، تحت اسم «مودرن سبورت دبي». وبحسب ما أعلنه النادي، فإن ذلك يأتي ذلك ضمن خطة استراتيجية تهدف إلى التوسع الدولي في مجال الاستثمار الرياضي وكرة القدم. وأكد الدكتور وليد دعبس أن الفريق الجديد سيبدأ مشواره في دوري الدرجة الثالثة الإماراتي، على أن يخوض الفريق الجديد مباراته الرسمية الأولى يوم الخميس الموافق 19 سبتمبر 2025م. وأوضح رئيس مجلس إدارة نادي مودرن سبورت أن هذه الخطوة تمثل بداية لخطة توسع طموحة تشمل عدة دول. وتابع الدكتور وليد دعبس، قائلاً: «نادي مودرن سبورت يسعى إلى التواجد في مختلف أنحاء العالم، ونبدأ هذه المرحلة من الإمارات، ثم ننتقل إلى نيجيريا، على أن تشمل المرحلة المقبلة التوسع في قارة أوروبا، وتحديداً في جمهورية إيرلندا». واختتم رئيس مجلس إدارة نادي مودرن سبورت تصريحه، مؤكداً أن «هذا التوجه يأتي في إطار رؤية نادي مودرن سبورت لتأسيس بنية رياضية قوية قادرة على المنافسة إقليمياً ودولياً، والمساهمة في تطوير المواهب الكروية والاستثمار في البنية التحتية الرياضية».
وتأتي هذه الخطوة في ظل القانون الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم (4) لسنة 2023 بشأن الرياضة، والذي يحدد أهدافه، مبيناً من بينها «بناء مجتمع رياضي متميز بالشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، وتعزيز شؤون الرياضة»، و«تهيئة وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في القطاع الرياضي» (المادة الثالثة من القانون). وطبقاً للمادة الثامنة والأربعين من القانون ذاته، وتحت عنوان «تأسيس الشركات الرياضية»، «1. مع مراعاة التشريعات النافذة في الدولة، يجوز للأندية والاتحادات الرياضية والقطاع الخاص بعد الموافقة المسبقة من الجهات المختصة تأسيس شركات رياضية لإدارة نشاط رياضي أو أكثر بمفردها أو بالشراكة مع أشخاص طبيعيين أو اعتباريين. 2. تكتسب هذه الشركات عضوية الاتحادات أو الروابط الرياضية، وذلك وفقاً للاشتراطات التي تضعها الاتحادات والروابط الرياضية في أنظمتها الأساسية».
وإذا كانت هذه الخطوة تشكل تطوراً مهماً وكبيراً للاستثمار الرياضي المصري خارج الحدود، ولاسيما في الدول العربية، فإن الخطوة الأهم والأفضل في اعتقادي هي قيام الأندية الرياضية المصرية بإنشاء أكاديميات رياضية في الدول الأفريقية. وقد سبق لي أن عرضت هذه الفكرة على الكابتن محمود الخطيب، رئيس النادي الأهلي، وحدث ذلك في إحدى زياراته إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وأثناء لقاء جمعني بسيادته في منزل الإعلامي الإماراتي الكبير الأستاذ يعقوب السعدي، رئيس قناة أبو ظبي الرياضية، وفي حضور المستشار الدكتور عبد المجيد محمود، النائب العام المصري الأسبق، والسفير محمد محمود، نائب سفير جمهورية مصر العربية لدى دولة الإمارات العربية المتحدة آنذاك. فقد اقترحت وتمنيت على الكابتن محمود الخطيب أن يقوم بإنشاء أكاديميات للنادي الأهلي في بعض الدول الأفريقية، ولاسيما في الدول المشهورة بوفرة المواهب الكروية فيها، مثل غانا وكوت ديفوار والكاميرون ونيجيريا وبوركينا فاسو والسنغال.
وفي يوم الجمعة الموافق الحادي عشر من شهر يوليو 2025م، وفي مكالمة تليفونية طويلة مع المهندس ممدوح عباس، رئيس نادي الزمالك الأسبق، تمنيت كذلك أن يقوم نادي الزمالك بإنشاء بعض الأكاديميات الرياضية في الدول الأفريقية، حيث أكد لي أن هذه الفكرة مطروحة فعلاً وأن النادي يفكر في تنفيذها.
والواقع أن إنشاء مثل هذه الأكاديميات هي فكرة تراودني منذ زمن بعيد، ولاسيما منذ واقعة اللاعب «جون بنتسيل»، مدافع المنتخب الغاني لكرة القدم المشارك في النسخة الثامنة عشرة من بطولة كأس العالم لكرة القدم التي أقيمت في ألمانيا عام 2006م، حيث احتفال اللاعب بفوز بلاده على جمهورية التشيك، رافعاً العلم الإسرائيلي. ففي مباراة غانا والتشيك، أحرز سولى مونتارى الهدف الثاني للمنتخب الغاني، فاحتفل بنتسيل بالهدف مع زملائه في الملعب، وأخرج علم إسرائيل، مما آثار استفزاز العالم العربي والإسلامي والدولي أيضاً، باعتبار أنه رفع علم دولة لا يلعب باسمها مع احتلالها للأراضي الفلسطينية.
وقد نفى جون بانتسيل، لاعب المنتخب الغاني، أن يكون قد تلقى أموالاً من أجل رفع علم إسرائيل، موضحاً أنه قام بذلك بناءً على طلب جماهير نادى هبويل تل أبيب الذي كان يلعب له في ذلك التوقيت. إذ كان اللاعب محترفاً ضمن صفوف نادى ماكابى تل أبيب الإسرائيلي، خلال الفترة من 2002 إلى 2004م، وشارك معهم في 46 مباراة، وفى العام 2004م انتقل إلى نادى هابويل تل أبيب الإسرائيلي، ولعب معهم حتى عام 2006م، وشارك معهم في 42 مباراة وسجل ثلاثة أهداف. قال بانتسيل في تصريحات لصحيفة «الهداف» الجزائرية، إنه قام بذلك دون وجود أي نية في توجيه الإساءة إلى العرب أو المسلمين، مشيرًا إلى أنه لو كان طلب منه رفع علم فلسطين في المونديال لفعل ذلك دون تردد.
وفي اعتقادي أن السبب الحقيقي وراء احتفال اللاعب من خلال رفع العلم الإسرائيلي يعود إلى نشأته في إحدى أكاديميات الكرة المملوكة لرجل أعمال يهودي. وقد أحسنت جريدة الوطن صنعاً بعمل تحقيق صحفي في عددها الصادر يوم الجمعة الموافق 15 فبراير 2013م، تحت عنوان: «مدارس الكرة» طريق إسرائيل لشراء «الحب والانتماء» للكيان الصهيوني داخل القارة الأفريقية. والتحية واجبة هنا للصحفيين الذين قاموا بهذا التحقيق الصحفي، وهم: محيي وردة وإيهاب الخطيب ومحمد يحيى وأحمد ناصر. وقد جاءت عبارات التحقيق الصحفي بمثابة جرس إنذار لكل من تهمه المصلحة الوطنية والقومية، ولاسيما في ظل الظرف الدقيق الذي تمر به المنطقة بأسرها في الوقت الحالي. فعلى حد عبارات التحقيق الصحفي، «يبحث المستعمر الجديد عما تحبه الشعوب ليضعه لهم، بل ويقدمه ليصبح هو من يقدم الحب، وبالتالي يحقق الانتماء لكيانه، وهذا هو منهج المستعمر اليهودي الذي فطن دون غيره إلى احتلال العقول ومحاربة الكراهية التي يواجهها من خلال عنصريته بتقديم وسائل المتعة، خاصة عند النشء الصغير. وبعد دراسات يهودية ومحورية، أيقن اليهود والكيان الصهيوني أن المتعة التي وحدت العالم بأسره هي كرة القدم، فبدأ مخطط الاحتلال الأفريقي كبداية للسيطرة على متعة العالم بالسيطرة على كرة القدم في أفريقيا ورعاية الصغار وأنشاء المدارس الكروية العالمية تحت مسميات يهودية».
وتنفيذاً لهذا المخطط، بدأت إسرائيل في التوغل والانتشار في دول حوض النيل، أريتريا وأوغندا وإثيوبيا والسودان والكونغو الديمقراطية وجنوب السودان وبورندى وتنزانيا ورواندا وكينيا، ودخلت هذه الدول عن طريق كرة القدم، وأقامت مدارس وأكاديميات للساحرة المستديرة تحت مسميات أكبر الفرق الأوروبية الإنجليزية والإسبانية والإيطالية بأدوات إسرائيلية، وأصبح للدولة العبرية الكلمة العليا في أفريقيا على الشباب والصغار وقامت بإجراء المسابقات بين اللاعبين الشباب والحصول على المواهب الكروية للعب في الدوري الإسرائيلي المجهول، ثم الاتجاه إلى أوروبا، حتى أصبحت بعض الكيانات والأندية الأفريقية الكبيرة بصبغة يهودية، مثل أنيمبا النيجيري ومازيمبى الكونغولي الذى يمتلكه رجل أعمال يهودي، وهو مويس كاتومبى شابوى، تاجر الألماظ اليهودي الذي امتلك زمام الكرة، وأصبح فريقه مازيمبى المخيف على مستوى القارة، والذى يمتلك أفضل العناصر وكذلك طائرتين خاصتين لنقل اللاعبين وملعباً هو الأفضل في أفريقيا رغم فقر جمهورية الكونغو الديمقراطية (تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن جمهورية الكونغو الديمقراطية قد اختارت الامتناع عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 12 سبتمبر 2025م باعتماد إعلان نيويورك حول التسوية السلمية لقضية فلسطين وحل الدولتين. وكذلك، فعلت الأمر ذاته الكاميرون وإثيوبيا وجنوب السودان).
ولم يتوقف عند هذا الحد الاهتمام الإسرائيلي باستغلال اللعبة الشعبية الأولى على مستوى العالم في تحقيق الهيمنة على قلوب الجماهير، فذهب شيمون بيريز الرئيس الإسرائيلي الأسبق في زيارة خاصة للنادي الملكي ريال مدريد، ليحمل هذا الاسم العريق إلى بلاده إسرائيل كبداية بعدها لنشر مدارس ريال مدريد الرياضية في القارة الأفريقية تحت إدارة يهودية، وبالفعل، انتهى الصهاينة من تدشين خمس مدارس لريال مدريد الإسباني في إسرائيل في حولون وديمونة بالنقب ومدرسة يهودية عربية بالرملة ومدرستين لعرب فلسطين 48 ببلدة عرابة بالجليل وكفر قاسم بالمثلث. وبات حلم أي لاعب أفريقي اللعب في الدوري الإسرائيلي لبداية المشوار الأوروبي حتى أصبحت الأندية الإسرائيلية ممتلئة باللاعبين الأفارقة، فضلاً عن القوافل الرياضية الإسرائيلية إلى دول أفريقيا وخاصة أثيوبيا التي تطور أداؤها على يد الخبراء اليهود لتظهر في الصورة الأفريقية بقوة خاصة في جنوب أفريقيا، ولم يتوقف الطموح الإسرائيلي على غزو أفريقيا كروياً بطريق غير مباشر، وقدرتها على تحويل الكراهية لحب وانتماء من خلال الكرة، وإنما حاول اللوبي اليهودي الرياضي استغلال توقف النشاط الكروي في مصر في سنة 2012م، وطلبت الأندية الإسرائيلية التعاقد مع عدد من اللاعبين في الدوري المصري، كان أبرزهم محمد أبو جبل، والمهدي سليمان، وشوقي السعيد، في محاولة لاستقطاب اللاعبين المصريين وتحقيق التطبيع الشعبي الذي فشلوا في تحقيقه على مدار عدة عقود. كذلك، جرت محاولات مع بعض لاعبي القسم الثاني والثالث، للعب في إسرائيل وإغرائهم بالأموال الطائلة. وعلى الرغم من ترديد آليات الدعاية الإسرائيلية المزاعم عن وجود بعض اللاعبين المصريين بالدوري الإسرائيلي، فالحقيقة هي أن هؤلاء اللاعبين ليسوا بمصريين، ومنهم من أصوله مصرية بحكم والدته، ومنهم المولود في فلسطين أو من عرب 48.
وفي الختام، وبعد نجاح الكيان الصهيوني في غزو أفريقيا والسيطرة على دول حوض النيل عن طريق كرة القدم والقوافل الرياضية، هل آن الأوان أن نقرأ جميعاً المشهد ونستعد لمواجهة هذا المخطط بالطريقة ذاتها؟ فهذا هو صراع القرن الجديد، وهي مباراة كرة قدم طويلة، الرابح فيها يكسب القارة السمراء بحبها وانتمائها.. فهل تفهم الأندية الكبيرة، مثل الأهلي والزمالك، ويفهم رجال الأعمال المصريون المهتمون بالشأن الرياضي أن الصراع الكروي لا يقتصر على المستطيل الأخضر، وأن من المهم والضروري مواجهة خطر احتلال الصهاينة للكرة الأفريقية للحصول على الحب والانتماء؟
إن المادة الأولى من الدستور المصري لعام 2014م تنص على المحددات الأساسية للسياسة العامة المصرية وتوجهات الدولة المصرية في سياستها الخارجية، مؤكدة على أن «جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شيء منها، نظامها جمهوري ديمقراطي، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون. الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها، ومصر جزء من العالم الإسلامي، تنتمي إلى القارة الإفريقية، وتعتز بامتدادها الآسيوي، وتسهم في بناء الحضارة الإنسانية». وهكذا، فإن المشرع الدستوري المصري يقرر بشكل واضح وصريح حقائق التاريخ والجغرافيا الحاكمة للسياسة الخارجية المصرية، مؤكداً على اعتزاز مصر بانتمائها الأفريقي. وهذا الانتماء يتطلب تدشين بعض الآليات التي تكفل تعزيز علاقات مصر بجيرانها في المحيط الجغرافي الأفريقي. ونعتقد أن الأندية الرياضية، ولاسيما الأندية الكبيرة مثل الأهلي والزمالك والإسماعيلي هي أحد الروافد المهمة لتعزيز الحضور المصري في أفريقيا. والله من وراء القصد.