منه فيه (2)

من تراب الطريق (1097)

منه فيه (2)

نشر بجريدة المال الاثنين 10/5/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

اتهم الأستاذ عبد المجيد بك عبد الحق المحامي الكبير ـ اتهم زملاءه المحامين، ونعى عليهم في مايو 1947 أنهم إزاء الفقر والجهل اللذان أهلكا الناس. لم يفكروا في تأليف هيئات منهم لدراسة العوامل التي أدت إلى فقر الشعب وشيوع الجهل وطرق علاجها.

ربما كان لهذا العتاب وجه عام 1947، فقد كانت المحاماة والمحامون بخير.. علمًا ومعرفةً وتأهلاً وقدرةً واستطاعةً.. لديهم من فائض العلم والخبرة ما يسمح بأن يخصصوا وقتًا وجهودًا لدراسة أحوال الشعب وحل قضاياه، ولكن القضية التي طرأت في زماننا هي دراسة العوامل التي هبطت بمعارف خريجي الجامعات أنفسهم، ومنهم طلاب الحقوق؛ مما اقتضى محاولة تعويض هذا الهبوط بمعهد المحاماة، ثم بأكاديمية يحتاج إنشاؤها إلى جهود وأموال، وإلى تكاتف ورعاية، لتنهض بدور يلى ما تنهض به معاهد المحاماة.

زحفت سلبيات كثيرة على التعليم، بدأت تنحر في مستواه منذ ستين عامًا، ونحرها يزداد ولا يقف أو يقل.. وانتقل هذا الهبوط والنحر إلى التعليم الجامعي؛ فأصابه كثير مما أصاب التعليم الإبتدائي والثانوي، وكان أثر هذه السلبيات أكبر في كليات الحقوق !

وقعت كليات الحقوق فريسة تصنيفات مكتب التنسيق، فالمكتب مضطر إلى الأخذ بمعيار الدرجات في التوزيع على الكليات والمعاهد العليا، وهو ما يفرضه العرض والطلب، واختلت رؤية الطلب الذي انصرف عن كليات الحقوق لصعوبة وكثافة وطول مناهجها، وزوال البريق الذي كان لها، حين كان يطلق عليها « كلية الوزراء ».

من تلقائيات قانون السوق، أن انخفضت مجاميع درجات من يلتحقون بكليات الحقوق، لاستيعاب ما يسمى بكليات القمة للحاصلين على الدرجات العالية. وسبحان مغير الأحوال. فقد تراجع قانون السوق بكليات الحقوق، وتقدّم عليها كليات الاقتصاد والعلوم السياسية، والإعلام، والتجارة.. مع أن خريجي الحقوق أوسع تأهيلاً ومن ثم فرصًا في العمل، فواجهت كليات الحقوق مفارقة أو معادلة صعبة، أن الملتحقين بها هم الأقل درجات، بينما مناهجها أصعب كثيرًا وأطول من كافة الكليات النظرية، فضلاً عن أن دراسة القانون تحتاج إلى ملكة خاصة تاه تطلبها وانزوى إزاء صراعات الدرجات، ومكتب التنسيق !

يقال في الأمثال الدارجة: « اللى عاوزه البيت يحرم على الجامع ».. ومن الترف الغير منطقي، أن تقعد المحاماة والمحامون عن رعاية بنيهم وملاحقتهم بما يحتاجونه، ثم يطلب منهم السعي لتقليص الفقر والجهل السائدين في المجتمع !

كذلك صار يسود في المجتمع، اتخاذ موقف غير منصف للمحاماة والمحامين، نضحت ممارساته في الإعلام وطالت عملية التشريع. ما لا يلاحظه من اقترحوا حرمان نقابة المحامين والمحامين من المقابل الضئيل جدًا عن قيامهم بالتصديق على العقود، وإذا بمشروع قانون يظهر في الأفق بمجلس النواب، يصفق له إعلاميون لم يعطوا المسألة عنايتها من الفحص والدراسة، يتغيّا إلغاء حصول النقابة على هذا المقابل الضئيل، دون أن يتفطن هؤلاء وأولاء إلى الدور الرئيسي للنقابة وللمحاماة في إنتاج العدالة، وتوازن المجتمع، أو التفطن إلى العبء الذي تتحمله نقابة المحامين بقبول أعداد غفيرة في جداولها، علاجًا للبطالة التي تصنعها سياسة غير رشيدة في التعليم، جعلت الثانوية العامة قبلة للجميع، والعمل المكتبي هو وحده الغاية، واضطر مكتب التنسيق إزاء تزايد أعداد الحاصلين على الثانوية العامة، زيادات هائلة، إلى أن يرمى أحماله على الكليات النظرية، حالة كون الكليات العملية تستلزم معامل ومختبرات وإمكانيات، فتضخمت أعداد خريجي كليات الحقوق، ولكن نقابة المحامين لم تتخل عن واجبها في حفظ توازن المجتمع، واتقاء انفجار البطالة في وجه الجميع !

وبديهي فإن ما تحملته وتتحمله نقابة المحامين لصالح المجتمع، يكبدها نفقات ضخمة في العلاج والرعاية والتأهيل ثم المعاشات للأعداد الغفيرة التي صارت تقيد في جداولها !

منه فيه. نحن نحتاج إلى دعم لم يعطه لنا أحد.. بل نرى العكس في ضريبة القيمة المضافة التي يكلف المحامون باستئدائها من متلقى الخدمات، عكس ما أقره القانون بالنسبة للأطباء، أخذًا بأن عملاءهم في حالة ضرورة للمرض، مع أن هذه الضرورة أشد في عملاء المحامين المهددين في حياتهم بالإعدام، وفي حرياتهم بالسجن ومشتقاته. ثم أخيرًا وليس آخرًا محاولة إلغاء مقابل التصديق على العقود !!!

عفوًا، هذا الاتهام غير منصف، لا بالأمس، ولا اليوم !

زر الذهاب إلى الأعلى