من واقع عالم المحاماة

بقلم: رءوف أحمد مصطفى المحامي
هل تنتهي رحلة المحامي المتدرب عند حد العمل الإداري؟ أم يمكن أن يتدخل أحدهم في الوقت المناسب ويضبط المسار؟
زميلنا استطاع بالفعل استخراج كارنيه نقابة المحامين، وأصبح ينتمي إلى تلك النقابة العريقة ” نقابة المحامين”، وبات يخطو الآن أولى خطواته في عالم المحاماة ذلك العالم الواسع، الصعب والشيق، السعيد والمقلق.

يأتي زميلنا إلى عالم الحقيقة عالم المحاماة فيجد هذا البحر المتلاطم الأمواج، الذي لم يكد يشاهد مثله إلا في عالم الأفلام والمسلسلات! ولنا هنا تعقيب بسيط على عالم الفن ممثلاً في الأعمال السينمائية والمسلسلات، هذا العالم الذي لم يُنصف المحامي ولا رسالة المحاماة إلا في القليل من الأعمال التي خرجت لنا، وكثيرة هي الأعمال التي ظهرت على الساحة الفنية وللأسف لم يخرج منها إلا صورة غير صحيحة عن المحاماة والمحامي ، عالم المحاماة الذي يستحق بحق أن يخرج للجمهور بمظهره الصحيح والسليم وأن يظهر فيه المحامي بما هو أهل له وهذا ليس خيالاً، بل هو حقيقة وواقع ينبغي أن يأخذ المحامي من خلال هذه الشاشات حقه الأدبي فهو فارس العدالة الواقفة، ولكن هذا ليس مجال حديثنا الآن فالحديث في هذا الأمر يطول ونتركه لحينه.

وبالعودة إلى زميلنا فقد يكون حالفه الحظ في أحد الأيام الخوالي وذهب بالصدفة مع أحد من أقربائه إلى إحدى المحاكم ليحضر دعوى تخصهم، تلك المحكمة التي بالكاد يتذكر مكانها، لكن الأكيد هو أنه لم يعش مراحل بداية الدعوى في المحكمة من البداية إلى النهاية، ولم تدخل خباياها إلى ذهنه بعد!

زميلنا هذا قد أشار عليه أحدهم بالذهاب إلى أحد الأساتذة للعمل معه في مكتبه ليكتسب منه الخبرة المطلوبة لشق طريقه الخاص بعد ذلك في عالم المحاماة.
بالطبع سيتفاجئ عند نزوله المحكمة لأول مرة فهو لم يعهد هذا العالم ولم يره، ولم يدرك حتى اللحظة أساليب العمل فيه بعد!

فقد كان يعيش حياة محددة على مدار دراسته في كلية الحقوق منذ التحاقه بالفرقة الأولى للكلية وحتى إتمام الدراسة والحصول على درجة الليسانس.
زميلنا نزل بناء على طلب الأستاذ صاحب المكتب إلى المحكمة في أول يوم عمل له للمحكمة بمفرده، وقد طلب منه الأستاذ إحضار بعض القرارات من المحكمة واستخراج شهادة من واقع جدول الجنح، والقيام بتسليم إعلان إلى المحضرين، وكل هذه الأمور بالنسبة للمحامين العاملين في مجال المحاماة هي أمور عادية ومتكررة ، ولكن بالنسبة له هي أعمال كبيرة وتحتاج للمرور على كثير من الغرف لإنهاءها، والسؤال المتكرر للموظفين لكي يدلوه على المكان الصحيح، ولم يتصور في مخيلته أن يصل إلى هذا الأمر وطول الوقت في الوقوف أمام طابور الخزنة الطويل الذي لا ينتهي! فقد مر عليه وقت طويل منتظراً، وبالنسبة له لم يكن يتخيل حدوث كل هذه الأمور معه على الإطلاق!

في النهاية وبعد سؤال هذا وذاك انتهى مما هو مطلوب منه وفي نفسه شعور بأنه قد صعد إلى إحدى قمم الجبال من كثرة المشقة التي عاشها، ثم ما لبث أن هبط مسرعاً نحو الأرض غير مصدق أنه انتهى من هذا الهَّم الذي عاشه ثم خرج من باب المحكمة وركب الحافلة متوجهاً إلى منزله!

توالت الأيام، ومر شهر على هذا المنوال، ولم يجد الأمور تتغير معه إلى شكل جديد مغاير عما كان يعتقده ويطمح إليه، وهنا شعر بالضجر وعدم فهم حقيقة ما يقوم به فالعمل الإداري أصبح يُثقل كاهله!
ما سردته من أحداث هو واقع عاشه المحامون القدامى في أول أيام عملهم، ويعيشه وسيعيشه الكثيرين من المحامين الجدد من أبناء هذه المهنة!
والحقيقة عندي أن العمل الإداري للمحامي المبتدئ، هو أمر جيد يجعله يفهم أساسيات هذا العالم، ولكن المحاماة بالأساس ليست مقصورة فقط على الأعمال الإدارية وعن ما يتم هدره من وقت وجهد وعرق في سبيل إنهاء هذه الأعمال وحسب، فالمحامي المتدرب أحوج ما يكون إلى من يرشده إلى البحث، وقراءة مواد القانون بفروعه، ومطالعة الأحكام القضائية القديم منها والجديد وخصوصاً أحكام محكمة النقض والإدارية العليا.

نصل أخيرأ إلى دور المحامي المخضرم وما ينبغي عليه عمله مع زميله حديث العهد بالمحاماة وضبط المسار.
– فعلى المحامي أن يوضح لزميله ويشرح له الغرف الموجودة في المحكمة والغرض منها، ومتى نذهب لهذه الحجرة، وما الذي نستخرجه منها أو نطلع عليه من خلالها.
– أن ينزل معه إلى المحكمة ليكسر حاجز الرهبة عنده، ويريه كيف يتصرف داخل المحكمة، أو عند التوجه لقسم الشرطة لعمل محضر.
– أن ينصحه بالالتزام بالمواعيد والإستيقاظ المبكر، فهذه سمة من سمات المحامين.
– ألا يرهقه بكثرة الأعمال الإدارية في البداية، فقد يُنًّفرّهُ ذلك من المحاماة، ويقلل من حماسته للمحاماة بوجه عام.
– أن ينصحه بقراءة الكتب المتعلقة بشرح القوانين المدنية والجنائية والتجارية والأحوال الشخصية، وأن يتناقش معه في أي منهم ممن له علاقة بدعوى جارية يعملان عليها في المكتب.
– البحث والإطلاع في أحكام المحاكم، في القديم والجديد منها، وخصوصاً أحكام محكمة النقض، والإدارية العليا.
– إشراكه في صياغة صحف الدعاوى والمذكرات والعقود.
– حضوره للجلسات للإستماع والفهم بما يدور أثناء انعقادها.
-أخيرأ فإن إرشاد وتوجيه الأستاذ المخضرم لزميله يعود بالنفع على كليهما، فتكلل جهود المتدرب بالنفع على المكتب، وبمرور الأيام يذكره بعد حين وينسب هذا الفضل من التوجيه والتعليم للأستاذ المحامي في كل مناسبة وموقف.

هذه بعض الأساسيات التي وجدتها هامة لكي يعبر المحامي المتدرب مع الوقت من عقبة الأعمال الإدارية وعواقبها إلى حب المحاماة والعيش في عالمها أطول قدر ممكن، ولا يستقيم هذا الأمر إلا بأستاذ قدير يعلم ثقل رسالة المحاماة الكبير، ودوره الكبير في توجيه وتطوير زمليه نحو الأفضل.

إعداد: أ/ رءوف أحمد مصطفى
المحامي
ماجستير في القانون

زر الذهاب إلى الأعلى