من مبادئ «النقض» في حجية الحكم الجنائي أمام المحاكم المدنية وفقًا للمادتين ٤٥٦ إجراءات جنائية و١٠٢ إثبات
كتب: علي عبدالجواد
أكدت محكمة النقض في حكمها بـ «الطعن رقم ١٢٤٨٦ لسنة ٨٦ قضائيةـ الدوائر المدنية – جلسة ٢٠٢١/٠٢/٢١، أن مؤدی نص المادتين ٤٥٦ من قانون الإجراءات الجنائية و ۱۰۲ من قانون الإثبات أن الحكم الصادر في المواد الجنائية لا تكون له حجية ملزمة في الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية إلا إذا كان قد فصل فصلًا لازمًا في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله.
وقالت المحكمة: «إذا فصلت المحكمة الجنائية بحكم بات في هذه المسائل امتنع على المحاكم المدنية مخالفة الحكم الجنائي فيما سبق له الفصل فيه وتقتصر هذه الحجية على منطوق الحكم الصادر بالإدانة أو بالبراءة وعلى أسبابه المؤدية إليه بالنسبة لموضوع المحاكمة دون أن تلحق الحجية الأسباب التي لم تكن ضرورية للحكم بهذه البراءة أو الإدانة».
باسم الشعب
محكمة النقض
الدائرة المدنية والتجارية
جلسة الأحد الموافق ٢١ من فبراير سنة ٢٠٢١
الطعن رقم ١٢٤٨٦ لسنة ٨٦ قضائية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
برئاسة السيد القاضى / عبد الصبور خلف الله نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة القضاة / محمد عبد المحسن منصور،هشام عبد الحميد الجميلي
عبد الناصر أحمد المنوفى ومحمد الشهاوى” نواب رئيس المحكمة “
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١ – ٤) حكم ” حجية الأحكام : حجية الحكم الجنائي ” . قوة الأمر المقضى ” نطاقها : حجية الحكم الجنائى ” .
(١) حجية الحكم الجنائي أمام المحاكم المدنية . شرطه . فصله فصلاً لازماً في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين والوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله . فصل المحكمة الجنائية فى هذه المسائل بحكم بات . أثره . امتناع المحكمة المدنية مخالفة الحكم الجنائى فيما سبق فصله فيه . اقتصار الحجية على منطوق الحكم بالإدانة أو البراءة وأسبابه المؤدية إليه دون الأسباب التى لم تكن ضرورية للحكم . المادتين ٤٥٦ إجراءات جنائية و١٠٢ إثبات .
(٢) حجية الأمر المقضى المانعة من إعادة النزاع في المسألة المقضى فيها . مناطه . المسألة المفصول فيها سابقاً أساسية تناقش فيها الطرفان في الدعوى الأولى واستقرت حقيقتها بالحكم الأول مانعاً مناقشتها بين الطرفين في الثانية . أثره . ثبوت الحجية لما فصل فيه الأول صراحة أو ضمناً بالمنطوق أو بالأسباب المرتبطة به .
(٣) الدعوى المدنية بالمطالبة بقيمة الشيك . اختلافها عن الدعوى الجنائية المترتبة على إعطاء شيك بدون رصيد . علة ذلك .
(٤) الحكم الجنائى ببراءة المطعون ضده من جريمة إصدار شيكات بدون رصيد للشركة الطاعنة وكذا برفض الدعوى المدنية للتشكك في صحة الاتهام . لا حجية له أمام المحكمة المدنية بالمطالبة بقيمة هذه الشيكات . علة ذلك . مخالفة الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضاءه بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بالحكم الجنائى . خطأ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
١- المقرر– في قضاء محكمة النقض- أن مؤدی نص المادتين ٤٥٦ من قانون الإجراءات الجنائية و ۱۰۲ من قانون الإثبات أن الحكم الصادر في المواد الجنائية لا تكون له حجية ملزمة في الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية إلا إذا كان قد فصل فصلاً لازماً في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله ، فإذا فصلت المحكمة الجنائية بحكم بات في هذه المسائل امتنع على المحاكم المدنية مخالفة الحكم الجنائي فيما سبق له الفصل فيه وتقتصر هذه الحجية على منطوق الحكم الصادر بالإدانة أو بالبراءة وعلى أسبابه المؤدية إليه بالنسبة لموضوع المحاكمة دون أن تلحق الحجية الأسباب التي لم تكن ضرورية للحكم بهذه البراءة أو الإدانة .
٢- المقرر– في قضاء محكمة النقض- أن مناط حجية الشيء المقضي فيه المانعة من إعادة النزاع في المسألة المقضي فيها أن تكون المسألة التي فصل فيها الحكم السابق مسألة أساسية ، ويكون الطرفان قد تناقشا فيها في الدعوى الأولى واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول استقراراً مانعاً من مناقشتها في الدعوى الثانية بين الطرفين ، وتثبت الحجية لما فصل فيه الحكم السابق صراحة أو ضمناً ، سواء في المنطوق أو في الأسباب التي ترتبط به ارتباطاً وثيقاً .
٣- المقرر– في قضاء محكمة النقض- أن الدعوى المدنية بالمطالبة بقيمة الشيك تختلف عن الدعوى الجنائية المترتبة على إعطاء شيك بدون رصيد من حيث موضوعها وأساسها ونطاقها ، لأن موضوع الأولى هو قيمة الشيك وهو أساسها في حد ذاته ويتسع نطاقها لبحث بواعثه وسبب تحريره بينما موضوع الدعوى الثانية هو طلب توقيع العقوبة المقررة على الجريمة عند توافر أركانها ، كما تختلف عن الدعوى المدنية المرتبطة بها والتي تقوم في الأساس على تعويض الضرر الناشئ عن هذه الجريمة .
٤- إذ كان البين من صورة الحكم الصادر في الجنحة رقم ٠٠٠ لسنة ۲۰۱۱ جنح العجوزة أنه قضى ببراءة المطعون ضده – من تهمة إصداره بسوء نية شيكات للشركة الطاعنة لا يقابلها رصيد مع علمه بذلك – وبرفض الدعوى المدنية ، وقد أقام قضاءه على التشكك في صحة الاتهام ولم يتطرق هذا الحكم لبحث واقعة المديونية في ذاتها ، ومن ثم فإنه لا يحوز أي حجية في هذا الخصوص أمام المحكمة المدنية في الدعوى المرفوعة بالمطالبة بقيمة هذه الشيكات ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بالجنحة رقم ٠٠٠ لسنة ۲۰۱۱ جنح العجوزة ، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
المحـكــمــة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد الاطلاع على الأوراق ، وسماع التقرير الذى تلاه السيد القاضي المقرر / محمد الشهاوى ” نائب رئيس المحكمة ” والمرافعة وبعد المداولة .
حيث إن الطعن استوفي أوضاعه الشكلية .
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن الشركة الطاعنة أقامت على المطعون ضده – بعد رفض طلب أمر الأداء – الدعوى رقم ۹۰۸ لسنة ۲۰۱۲ مدني محكمة الجيزة الابتدائية ” مأمورية شمال الجيزة الكلية ” بطلب الحكم بإلزامه بأن يؤدي لها مبلغ أربعمائة ألف جنيه والفوائد القانونية بواقع ٤% من تاريخ المطالبة وحتى تمام السداد ، وقالت بيانا لدعواها : إنها تداين المطعون ضده بهذا المبلغ بموجب أربعة شيكات مستحقة الأداء ، وإذ امتنع عن سدادها لها رغم إنذاره ؛ فقد أقامت الدعوى ، وبتاريخ ١٨/٧/٢٠١٣ حكمت المحكمة بوقف الدعوى تعليقاً لحين بيتوتة الحكمين الصادرين في الجنحتين رقمي ٥٥٤٣ ، ١٤٥۲۰ لسنة ۲۰۱۱ جنح العجوزة . عجلت الشركة الطاعنة السير في الدعوى ، ودفع المطعون ضده بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها في الجنحة الأولى، وبتاريخ ٢٨/١١/٢٠١٣ حكمت المحكمة بالطلبات . استأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم ٥٢ لسنة ۱۳۱ ق لدى محكمة استئناف القاهرة ” مأمورية الجيزة ” ، ندبت المحكمة خبيراً في الاستئناف ، وبعد أن أودع تقريره قضت بتاريخ ٤/٧/٢٠١٦ بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الجنحة الأولى . طعنت الشركة الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض ، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن ، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة – في غرفة مشورة – حددت جلسة لنظره ، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الشركة الطاعنة تنعي على الحكم المطعون فيه بسببي الطعن الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق ، إذ أقام قضاءه بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بالحكم الصادر في الجنحة رقم ٥٥٤٣ لسنة ۲۰۱۱ جنح العجوزة ببراءة المتهم ( المطعون ضده ) من تهمة إصدار شيكات بدون رصيد – محل الدعوى الراهنة – ورفض الدعوى المدنية حال أن سبب هذا القضاء هو التشكك في صحة إسناد الاتهام للمطعون ضده وعدم كفاية الأدلة مما يصبح معه هذا الحكم في الدعوى الجنائية والمدنية التابعة لها – التي أساسها التعويض عن الجريمة – لا حجية له في دعوى المطالبة بأصل المديونية – محل الأربعة شيكات – لاختلاف الموضوع والسبب بين الدعويين ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون معيبا بما يستوجب نفضه .
وحيث إن هذا النعي سديد ، ذلك أن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن مؤدی نص المادتين ٤٥٦ من قانون الإجراءات الجنائية و ۱۰۲ من قانون الإثبات أن الحكم الصادر في المواد الجنائية لا تكون له حجية ملزمة في الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية إلا إذا كان قد فصل فصلاً لازماً في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله ، فإذا فصلت المحكمة الجنائية بحكم بات في هذه المسائل امتنع على المحاكم المدنية مخالفة الحكم الجنائي فيما سبق له الفصل فيه وتقتصر هذه الحجية على منطوق الحكم الصادر بالإدانة أو بالبراءة وعلى أسبابه المؤدية إليه بالنسبة لموضوع المحاكمة دون أن تلحق الحجية الأسباب التي لم تكن ضرورية للحكم بهذه البراءة أو الإدانة ، وأن مناط حجية الشيء المقضي فيه المانعة من إعادة النزاع في المسألة المقضي فيها أن تكون المسألة التي فصل فيها الحكم السابق مسألة أساسية ، ويكون الطرفان قد تناقشا فيها في الدعوى الأولى واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول استقراراً مانعاً من مناقشتها في الدعوى الثانية بين الطرفين ، وتثبت الحجية لما فصل فيه الحكم السابق صراحة أو ضمناً ، سواء في المنطوق أو في الأسباب التي ترتبط به ارتباطاً وثيقاً ، وأن الدعوى المدنية بالمطالبة بقيمة الشيك تختلف عن الدعوى الجنائية المترتبة على إعطاء شيك بدون رصيد من حيث موضوعها وأساسها ونطاقها ، لأن موضوع الأولى هو قيمة الشيك وهو أساسها في حد ذاته ويتسع نطاقها لبحث بواعثه وسبب تحريره بينما موضوع الدعوى الثانية هو طلب توقيع العقوبة المقررة على الجريمة عند توافر أركانها ، كما تختلف عن الدعوى المدنية المرتبطة بها والتي تقوم في الأساس على تعويض الضرر الناشئ عن هذه الجريمة . لما كان ذلك ، وكان البين من صورة الحكم الصادر في الجنحة رقم ٥٥٤٣ لسنة ۲۰۱۱ جنح العجوزة أنه قضى ببراءة المطعون ضده – من تهمة إصداره بسوء نية شيكات للشركة الطاعنة لا يقابلها رصيد مع علمه بذلك – وبرفض الدعوى المدنية ، وقد أقام قضاءه على التشكك في صحة الاتهام ولم يتطرق هذا الحكم لبحث واقعة المديونية في ذاتها ، ومن ثم فإنه لا يحوز أي حجية في هذا الخصوص أمام المحكمة المدنية في الدعوى المرفوعة بالمطالبة بقيمة هذه الشيكات ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بالجنحة رقم ٥٥٤٣ لسنة ۲۰۱۱ جنح العجوزة ، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ، بما يوجب نقضه .
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه ، ولما كان الحكم المستأنف في محله للأسباب السائغة التي أقيم عليها والتي تكفي لحمله ووافق صحيح القانون ، وألزم المطعون ضده بأن يؤدى للشركة الطاعنة مبلغ مقداره أربعمائة ألف جنيه والفوائد القانونية بواقع ٤% على المبلغ المقضي به من تاريخ ١٩/٦/٢٠١٢ وحتى تمام السداد ، ومن ثم تقضي المحكمة بتأييده لأسبابه.
لـــــذلك
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه ، وألزمت المطعون ضده المصروفات ومائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة ، وحكمت فى موضوع الاستئناف رقم ٥٢ لسنة ١٣١ ق القاهرة ” مأمورية الجيزة” برفضه وتأييد الحكم المستأنف ، وألزمت المطعون ضده المصاريف ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .