من مبادئ النقض.. تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة لا يصح سببا للطعن
كتب: علي عبدالجواد
في الطعن رقم ١٦٦٤٠ لسنة ٨٤ قضائية الدوائر الجنائية – جلسة ٢٠٢٠/٠٢/٢٢، تحدثت محكمة النقض عن” إجراءات التحقيق “، ” الإخلال بحق الدفاع، وما لا يوفره “، و” أسباب الطعن مالا يقبل منها “، وقالت :« تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة لا يصح سببا للطعن».
من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
ومن حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمتى مواقعة أنثى بغير رضاها وإحراز أسلحة بيضاء بغير مسوغ من الضرورة الشخصية أو الحرفية، قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه جاء قاصراً في بيانه لواقعة الدعوى بياناً تتحقق به أركان الجريمتين اللتين دانه بهما خاصة ركن القوة في جريمة المواقعة كما خلا من بيان مؤدى أدلة الثبوت التى عوَّل عليها في الإدانة، ودانت المحكمة الطاعن بجريمة مواقعة انثى بغير رضاها على الرغم من الدلائل التى تنبئ عن انتفاء ركن الإكراه في حق المجنى عليها وهو ما تعزز بما أورده تقرير الطب الشرعى من عدم وجود إصابات بجسم المجنى عليها، هذا إلى أن المحكمة اعتنقت صورة للواقعة استمدتها من أقوال المجنى عليها والشاهد الثانى رغم تناقضها في محضر جمع الاستدلالات وتحقيقات النيابة العامة في مواضع حدَّدَّها، وعوَّل الحكم في الإدانة على الدليلين الفنى والقولى على الرغم من تناقضهما تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق ودون أن يعنى برفع هذا التناقض بشأن استخدام القوة في المواقعة مع ما أفصح عنه تقرير الطب الشرعى من عدم حدوث عنف جنائى، كما تساند الحكم في الإدانة إلى معاينتى النيابة العامة رغم إجراء إحداهما في غيبة المتهمين والأخرى في ظروف تغاير ظروف الواقعة والتفتت المحكمة عن دفعه المثار في هذا الشأن، هذا ورغم أن المحكمة استجابت لطلب الدفاع سماع أقوال شهود الإثبات عادت وعدلت عن سماعهم دون أن تورد سبباً سائغاً يبرر هذا العدول، وأخيراً فإن المدافع عنه لم يبد دفاعاً موضوعياً حقيقياً في الدعوى إذ انضم إلى المدافع عن المحكوم عليه الخامس فيما ساقه من دفاع واقتصرت مرافعته على طلب البراءة أصلياً والرأفة احتياطياً بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأقام عليهما في حقه أدلة سائغة مستمدة من أقوال المجنى عليها وشهود الإثبات وما قرره المتهمون بتحقيقات النيابة العامة وبما ثبت بتقرير الطب الشرعى ومن العرض القانونى الذى أجرته النيابة العامة وما ثبت بمعاينتها، وأورد مؤداها في بيان وافٍ يكفى للتدليل على ثبوت الصورة التى اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها، كما جاء استعراض الحكم لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافى وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغى عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة.
لما كان ذلك، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التى وقعت فيها، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون كما جرى به نص المادة ٣١٠ من قانون الإجراءات الجنائية. فإن النعى على الحكم في هذا الشأن يكون ولا محل له.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن ركن القوة في جناية المواقعة يتوافر كلما كان الفعل المكون لها قد وقع بغير رضاء المجنى عليها سواء باستعمال المتهم في سبيل تنفيذ مقصده وسائل للقوة أو التهديد أم غير ذلك مما يؤثر في المجنى عليها فيعدمها الإرادة ويقعدها عن المقاومة.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أخذاً بأقوال المجنى عليها والشهود وأقوال المتهمين الرابع والخامس والسادس ومن العرض القانونى الذى أجرته النيابة العامة، والتى اطمأن إليها، أن الطاعن وباقى المحكوم عليهم هددوا المجنى عليها بقتلها هى وصغيرتها التى كانت تحملها إن هى لم تستجب لرغبتهم في مواقعتها مما أدخل الفزع والخوف على قلبها – بعد أن انفردوا بها في منطقة زراعية نائية – خشية على نفسها ووليدها فأسلمت نفسها لهم تحت تأثير هذا الخوف، فإن هذا الذى أورده الحكم كافٍ لإثبات ركن القوة في جريمة مواقعة أنثى بغير رضاها. وكان تقدير توافر ركن الإكراه في جريمة المواقعة مسألة موضوعية تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب مادام استدلالها سليماً، وكان لا يقدح في ثبوت جريمة المواقعة بالقوة وتوافر ركن الإكراه فيها – كما اقتنعت بها المحكمة – خلو جسم المجنى عليها من الإصابات، مادام يصح في العقل والمنطق أن يقع الإكراه دون حدوث إصابات أو أن يترك أثراً بالمجنى عليها. وكان الحكم قد أثبت أن المجنى عليها إنما أسلمت نفسها للطاعن خوفاً من تهديده بقتلها هى وصغيرتها، وكان ما أورده الحكم – فيما سلف – سائغاً في العقل والمنطق ويكفى لحمل قضائه فيما انتهى إليه من توافر ركن الإكراه في حق الطاعن في جريمة المواقعة ولم لم يترك الإكراه أثراً بجسم المجنى عليها، وإذ كانت المحكمة قد استخلصت في استدلال سائغ أن الطاعن قد واقع المجنى عليها بالقوة كرهاً عنها، وتساندت المحكمة فيما خلصت إليه من ذلك إلى أدلة منتجة من شأنها أن تؤدى إلى ما انتهى إليه ولا يجادل الطاعن في سلامة استخلاص الحكم بشأنها، فإنها تكون قد فصلت في مسائل موضوعية لا رقابة لمحكمة النقض عليها فيها. مما لا يقبل معه من الطاعن نعيه في هذا الشأن.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى مادام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق. وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع، وكان التناقض في أقوال المجنى عليها وشاهد الإثبات الثانى – بفرض صحة وجوده – لا يعيب الحكم مادام قد استخلص الإدانة من أقوالهما استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو مجرد جدل موضوعى في تقدير الأدلة مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه ولا مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تتطابق أقوال شهود الإثبات ومضمون الدليل الفنى على الحقيقة التى وصلت إليها المحكمة بجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع جوهر الدليل الفنى تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، ولما كانت أقوال المجنى عليها كما أوردها الحكم – والتى لا ينازع الطاعن في أن لها سندها من الأوراق – لا تتعارض بل تتلاءم مع ما نقله عن تقرير الطب الشرعى، وكان الحكم قد خلا مما يظاهر دعوى الخلاف بين الدليلين القولى والفنى، وكان ليس بلازم أن يورد الحكم ما أثاره الدفاع عن الطاعن من وجود تناقض بين الدليلين مادام ما أورده في مدوناته يتضمن الرد على ذلك الدفاع، إذ المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحى دفاعه المختلفة والرد عليها على استقلال طالما أن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التى أوردها الحكم. فضلاً عن أنه لما كان يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن لم يثر شيئاً مما أورده بوجه الطعن بشأن قالة التناقض بين الدليلين القولى والفنى، ومن ثم لا يسوغ له أن يثير هذا الأمر لأول مرة أمام هذه المحكمة – محكمة النقض – لأنه دفاع موضوعى لا يقبل منه النعى على المحكمة إغفال الرد عليه مادام لم يتمسك به أمامها.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المعاينة التى تجريها النيابة لمحل الحادث لا يلحقها البطلان بسبب غياب المتهم وقت إجرائها، إذ المعاينة ليست إلا إجراءً من إجراءات التحقيق يجوز للنيابة أن تقوم به في غيبة المتهم إذا هى رأت لذلك موجباً، وكل ما يكون للمتهم هو أن يتمسك لدى محكمة الموضوع بما قد يكون في المعاينة من نقص أو عيب حتى تقدرها المحكمة وهى على بينة من أمرها كما هو الشأن في تقدير سائر الأدلة. فإذا كان الدفاع لم يتمسك أمام محكمة الموضوع بشئ في صدد المعاينة بل ترافع في الدعوى على أساسها، فإنه لا تثريب على المحكمة إذا هى أخذت بها واستندت إليها في حكمها. ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون على غير أساس.
لما كان ذلك، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يثر بها ما يدعيه من أن النيابة العامة أجرت المعاينة في ظروف تخالف ظروف الحادث ولم يطلب من المحكمة تدارك هذا النقص وإجراء تجربة للرؤيا تتفق وظروف الحادث، ومن ثم فلا يحق له من بعد أن يثير شيئاً من ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض إذ هو لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن في الحكم. هذا فضلاً عن أن البين من الأوراق أن معاينة النيابة العامة تم إجراؤها في ظروف لا تختلف عن ظروف الواقعة – خلافاً لما يذهب إليه الطاعن بأسباب طعنه – ويكون نعى الطاعن في هذا الشأن غير قويم.
لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تستغنى عن سماع شهود الإثبات إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحةً أو ضمناً دون أن يحول عدم سماعهم أمامها من أن تعتمد في حكمها على أقوالهم التى أدلوا بها في التحقيقات مادامت هذه الأقوال مطروحة على بساط البحث.
لما كان ذلك، وكان يبين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن، وإن استهل طلباته بطلب سماع شهود الإثبات، إلا أنه – في جلسة المرافعة الختامية التى انتهت بحجز الدعوى للحكم – عاد وتنازل عن طلبه وترافع في موضوع الدعوى طالباً الحكم ببراءة الطاعن دون أن يتمسك بسماع اقوالهم، ولم يبد الطاعن اعتراضاً على تصرف المدافع عنه، فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن سماع أقوالهم، ولا تكون المحكمة مخطئة إذا عولت على أقوالهم في التحقيقات مادامت تلك الأقوال كانت مطروحة على بساط البحث في الجلسة. وكان قرار المحكمة الذى تصدره في صدد تجهيز الدعوى لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق الخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق، فإنه لا جناح على المحكمة إن هى التفتت عن طلب الطاعن سماع الشهود الذى يتحدى به، وإن كان قد أصر عليه واستجابت له المحكمة من قبل في جلسات سابقة في سبيل تجهيزها الدعوى، مادام أنه قد كف عن طلب التأجيل ولم يعد إلى التمسك به في جلسة المرافعة الختامية، ويكون نعى الطاعن في هذا الشأن غير مقبول.
لما كان ذلك، وكان القانون قد أوجب أن يكون بجانب كل متهم بجناية محام يتولى الدفاع عنه أمام محكمة الجنايات، إلا أنه لم يرسم للدفاع خططاً معينة لأنه لم يشأ أن يوجب على المحامى أن يسلك في كل ظرف خطة مرسومة بل ترك له – اعتماداً على شرف مهنته واطمئناناً إلى نبل أغراضها – أمر الدفاع يتصرف فيه بما يرضى ضميره وعلى حسب ما تهديه خبرته في القانون. ومادام الأمر كذلك، فإنه متى حضر عن المتهم محام وأدلى بما رأه من وجوه الدفاع، فإن ذلك يكفى لتحقيق غرض الشارع بصرف النظر عما تضمنه هذا الدفاع.
لما كان ذلك، وكان المدافع عن الطاعن قد رأى أنه نظراً لوحدة الواقعة وتشابه موقف موكله مع المتهم الخامس – والذى مثل معه بالجلسة – فانضم في أوجه دفاعه ودفوعه إلى ما سبق أن أدلى بها المدافع عن المتهم الخامس، على ما هو مدون بمحضر الجلسة، ثم اختتم المدافع عن الطاعن مرافعته بطلب البراءة أصلياً واحتياطياً استعمال الرأفة، فلا يكون ثمة مخالفة للقانون ولا إخلال من جانب المحكمة بحق المتهم في الدفاع، ويضحى ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ولا محل له. هذا فضلاً عن أن المقرر أنه إذا اكتفى المحامى بأن انضم إلى زميله ظناً منه أن المحكمة اقتنعت ببراءة موكلهما، ثم حكمت المحكمة على الموكل بالعقوبة، فليس لهذا المحامى أن يتضرر – فيما بعد – من عدم استيفائه الدفاع عن موكله.
لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.