من توابع الفوضى ! (6)
من توابع الفوضى ! (6)
نشر بجريدة الوطن الجمعة 16 / 4 / 2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
أسفرت الفوضى المتراكمة التي حدثتك عن بعضها، عن موقف تربصي لم يعد خافيًا على المراقبين، ولعل من تعبيراته الخطوات المتلاحقة التي اتخذها رئيس الإخوان. فإثر العمليات الصحفية التي أزاحت ووسدت بالصحف القومية رؤساء تحرير من الإخوان أو من الموالين لهم، وبات للصحافة القومية موقف كان بالطبع حصاد هذه التغييرات، ويدين لها بالولاء والمساندة.. تلتها تغييرات مقصودة بوزارة الداخلية، ثم قرارات عفو متتالية أصدرها الرئيس شملت محكومًا عليهم من الإخوان فضلًا عن محكوم عليهم بأحكام نهائية في قضايا محل نظر، وشملت فيمن شملت تجار سلاح وذخائر، وجانحين مدانين في جرائم خطيرة، ولم يقترن بإصدار العفو عنهم بحوث أمنية تستطلع مدى خطورة إطلاق سبيلهم على الأمن العام للبلاد، وقد ظهرت للإفراج عن بعضهم بوادر غير طيبة لم ينج رئيس الجمهورية الإخواني نفسه من طلقات طائشة أطلقها صوبه السيد / وجدى غنيم قبل أن يجف مداد توقيع الرئيس على قرار العفو عنه، وتزامن مع خروج هذه الأرتال عمليات عنف جرت هنا وهناك، حملت مؤشرات دلالات غير طيبة، ووصل بعضها إلى حد اتهام بعض المعفي عنهم ــــ حددت بعض المصادر أسماءهم ــــ في حادث رفح الذي استشهد فيه سبعة عشر من صف الضباط والجنود المصريين.
تزامن مع هذه المتلاحقات، زيارة أمير قطر الذي تثار تحفظات مصرية على أهدافه وأهداف ومشاريع قطر وأغراضها في مصر، ولم ينه زيارته إلاّ بإطلاق تصريح أنه سيودع ملياري دولار كوديعة بالبنك المركزي، ودعنا من أنه لم يودع سوى خمسمائة ألف، فقد كان القصد هو البشارة الأميرية القطرية في تلك الأيام، التي كان من المفارقة ـــ ولكنها لافتة ـــ أنها قد اقترنت بعنف من نوع جديد، جرى فيما بدا أنه من أتباع الإدارة، ضد الإعلاميين على أبواب مدينة الإنتاج الإعلامي، وآخر مورس على المتظاهرين ضد الرئيس عند المنصة والمقر الرئاسي، صاحبه نزع الملابس والتعليق على الأشجار وأعمدة الإنارة !!!
أيام وأصدر رئيس الإخوان في 12 أغسطس 2012، أصدر قرارًا أطلق عليه من عندياته أنه إعلان دستوري، ونشر بذات اليوم بالجريدة الرسمية ( العدد32 مكرر )، وتضمن هذا القرار الجمهوري الذي لم يرد بديباجته أي مرجعية دستورية أو قانونية تعطى الرئيس سلطة إصدار إعلان دستوري، ولا ما تضمنه هذا الإعلان الدستوري من قرارات بالغة الأهمية بل والخطر، فقد ألغى الإعلان الدستوري المكمل، ومنح نفسه كافة السلطات المقررة في المادة 56 من الإعلان الدستوري 30 مارس 2011، وفي مقدمتها سلطة التشريع، ليجمع الرئيس في يده في سابقة غير مسبوقة، بين السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، ومن هذه السلطات، سلطة العفو عن العقوبة أو تخفيفها، مع أن قرارات العفو كانت قد صدرت بالفعل ـ بلا مرجعية ولا سند ـ قبل هذا القرار الجمهوري الصادر 12 أغسطس 2012، كما تضمن هذا الإعلان الدستوري المخالف للقانون وللمبادئ الدستورية، أن تكون للرئيس وحده ودون سواه، سلطة تشكيل الجمعية التأسيسية إذا ما قام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية الحالية لعملها. وهذا، مع سلطة التشريع التي اجتمعت مع السلطة التنفيذية بيد الرئيس، هو بيت القصيد !!!
وفضلاً عما أوردتُه سلفًا من أسباب بطلان قرار تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، واطمئناني لرؤيتي وسداد أسبابي سواء فيما لابس قرار التشكيل من صدوره ابتناء على قانون لم يصدر، أم لاختياره أعضاءً من مجلسي الشعب والشورى خلافًا لحكم محكمة القضاء الإداري الذي أدى إلى فض الجمعية التأسيسية الأولى، أم لما لحق عملية استعواض بدلاء المنسحبين والمعتذرين من تعطيل وتضارب بسبب عدم وجود مجلس الشعب الذي كان منوطًا به هذا العمل، فإن هذا الأمر أدى إلى تقلص عدد الجمعية إلى 89 عضوًا بدلًا من مائة كنص المادة 60 من الإعلان الدستوري 30 مارس، فضلًا عمّا أدى إليه تشكيل الوزارة وتعيين مساعدين وهيئة استشارية للرئيس ـ من قيام التعارض لعشرة آخرين من أعضاء الجمعية التأسيسية بين مقتضيات المناصب التي عينوا فيها بالحكومة أو إلى جوار الرئيس، وبين واجباتهم في الجمعية التأسيسية ومهامهم فيها وما تقتضيه من تجرد !
أقول إنه رغم ذلك، لم يكن معروفًا ما سوف تحكم به محكمة القضاء الإداري بشأن قرار تشكيل الجمعية التأسيسية، وما لحق تشكيلها بعده ـــ ولكن الذي لا خلاف عليه إنه إذا صدر الحكم برفض الدعوى واستمرار التأسيسية، فإن ذلك سيضع الدستور القادم أمام العوائق والمعضلات الناجمة عمّا ذكرته، وأنه في حالة الحكم بقبول الدعوى ووقف قرار تشكيل الجمعية التأسيسية، فإن ذلك سوف يفتح أبوابًا لن تنغلق للجدل حول سلطة الرئيس في أن ينفرد وحده دون سواه بتشكيل التأسيسية الجديدة إعمالًا للسلطة التي منحها لنفسه بالمادة الثالثة بالإعلان الدستوري الذي أصدره في 12 أغسطس ـ بلا مرجعية دستورية أو قانونية !!
فقد نصت المادة الثالثة من هذا الإعلان الدستوري، على أنه في حالة قيام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية لعملها، يشكل رئيس الجمهورية ـ وحده ـ خلال خمسة عشر يومًا جمعية تأسيسية جديدة تمثل أطياف المجتمع بعد التشاور مع القوى الوطنية لإعداد مشروع الدستور الجديد خلال ثلاثة أشهر.. إلخ.
فهل كانت المقدمات التي طفحت في تلك الفترة الأخيرة، تبشر بإمكانية قيام تشاور حقيقي فاعل مع القوى الوطنية لإنجاز هذا الاختيار في حيدة وتجرد، وهل سيغلب الإخلاص لمصر على الانحيازات الحزبية أو الطيفية، ويتوافق رئيس الإخوان توافقًا حقيقيًا مع أطياف المجتمع الوطني على اختيار جمعية تأسيسية تعبر عن مجمل المصريين وتضم كفاءات حقيقية عالمة عارفة خبيرة قادرة على صناعة الدستور وأداء هذه المهمة الجليلة بوضع دستور يليق بالبلاد ويصلح لحكم مصر وتسيير دفتها في أمان في السنوات القادمة ؟! الجواب معروف !!!