من تراب الطريق (1237)
حول التطرف والإرهاب للإمام الطيب (2)
نشر بجريدة المال الأربعاء 29/12/2021
ــ
بقلم: الأستاذ/ رجائى عطية نقيب المحامين
يصارحنا الإمام الطيب بأن نظرية المؤامرة ، ليست كل ما هنالك ، فهناك جذور بعيدة فى تاريخنا العربى الإسلامى ، وهو فيما يقول ـ منهج الفرقة والتنازع والاختلاف ، وهذه مواجهة لأنفسنا واجبة ، قمت من جانبى بكتابة مؤلف كبير حولها بعنوان « دماء على جدار السلطة » ( دار الشروق 2017 ) ، وأعنى أن مَرَدَّ كل هذه الدماء حسبما رأيت من دراستى للتاريخ ، هو عشق السلطة والاستماتة فى الوصول إليها ، أو الدفاع عنها ، والقتال وسفك الدماء من أجلها ، فمنذ الفتنة الكبرى التى بدأت بمقتل عثمان بن عفان رضى الله عنه ، تفجرت وقائع حقيقية مؤسفة ، مُرَّة ومتكررة ، جرت مشاهدها على مدار نيف وأربعة عشر قرنًا ، أريقت فيها دماء غزيرة فى طلب السلطة والوثوب إليها ، قتل الابن أباه ، والأب ابنه ، والأخ أخاه ، واتسعت دوائرها إلى غير الأقارب ، عشقًا للسلطة وجريًا وراءها ، وتنافسًا وقتالاً عليها ، ارتكبها خلفاء وملوك وسلاطين وأمراء ، ومتطلعون يتشحون بالإسلام ، ولكنهم تجاهلوه وخرجوا عنه وراء أغراضهم ومآربهم وأطماعهم ، والإسلام الذى يتشحون به برىء مما فعلوه وارتكبوه وقارفوه ، وظنى أن هذا ميراث الدواعش وكل التنظيمات الإرهابية ، تستمد مما جرى ، لتواصله فى الحاضر والمستقبل .
ولفت نظرى وبرزت أمامى مفارقة هائلة ، بين ما جلبته آفة عشق السلطة والتقاتل عليها من فواجع ، وبين صرح حضارة عظيمة حققها المسلمون ، احتلت مكانتها فى تطور الحضارة الإنسانية بعامة ، وتأثيرها فى النهضة الأوروبية بخاصة ، وهذه الحضارة هى حجة الإسلام إلى الدنيا ؛ وليس التقاتل وإراقة الدماء من أجل السلطة ، وهذه الحضارة هى الإنجاز الحقيقى فى هداية البشرية ، وتكريس الاتجاه إلى الله ، ولذلك بادرت إلى وضع كتاب « الإسلام والعلم والحضارة » ( نهضة مصر 219/2020) .
إذن فليست نظرية المؤامرة كل ما هنالك ، ولكن المؤسف أنه رغم أن أمتنا قد خصها الله تعالى بمقومات الوحدة والاتحاد ، رقعة جغرافية واحدة ، ولغة واحدة ، وقبلة واحدة ، وتاريخ واحد .. إلاّ أنه برغم جامعتنا العربية ـ فيما يقول الدكتور الطيب ـ ومنظمة التعاون الإسلامى التى مضى على إنشائها أكثر من نصف قرن ، فإن الفرقة والتنازع حَلاَّ محل الوحدة والاتحاد ، ولم نستطع حتى أن نقيم اتحادًا يشبه الاتحاد الأوروبى ، أو إقامة سوق عربية مشتركة ، بينما نجحت أوروبا رغم اختلاف الأعراق واللغات وميراث الحروب التى اندلعت فيما بينها فى الحربين العالميتين الأولى والثانية !
لا ينبغى ـ فيما يقول الإمام الطيب : « أن نغض الطرف عن مسئوليتنا عن أفكار الغلو والتطرف التى تسربت إلى عقول بعض شبابنا ، ودفعت بهم دفعًا إلى تبنى الفكر التكفيرى ، واعتناق التفسيرات المتطرقة والعنيفة ، وظهور الحركات المسلحة التى خرجت من عباءة هذا الفكر ، وراحت تعمل ليل نهار على مهاجمة الأوطان وزعزعة الاستقرار ، وقد ظهر مؤخرًا على الساحة تنظيم «داعش» الذى نادى بالخلافة الإسلامية ، وظهرت قبله وبعده ميلشيات طائفية أخرى ، تملك قوة دعائية هائلة ، عادت ـ للأسف ـ بأسوأ العواقب على الإسلام والمسلمين فى العالم كله .
وليست «داعش» هى الفصيل المسلح الوحيد على الساحة ، بل هناك ميلشيات أخرى طائفية تذبح وتُهجِّر قسرًا فى العراق وسوريا واليمن ، وهناك طوائف مذهبية تحاول جر الأوطان إلى ولاءات إقليمية خارجية باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان ، كما يحدث فى البحرين مثلا ، ولكل هؤلاء وأولئك شيوخ ومُفتون ، يحللون لهم هذه الجرائم ، ويشجعونهم على اقترافها .
وليختم بعبارات تفصح عن الكثير ، فيبدى أن الفم به كثيرٌ من الماء ، يحول دون الاسترسال فى الحديث عن هذه المأساة اللاإنسانية واللاأخلاقية ، حرصًا على وحدة المسلمين التى هى الهدف الأسمى للأزهر الشريف منذ قامت مؤسسته ، وانتشرت دعوتها فى الآفاق على مدى أكثر من ألف عام .