من تراب الطريق (1235)
نشر بجريدة المال الاثنين 27/12/2021
ـــ
بقلم: الأستاذ رجائى عطية نقيب المحامين
وَعُدنا عزيزى القارئ الكريم
واظبت على كتابة مقال المال ، منذ تأسيسها حين كانت الجريدة أسبوعية ، وبعد أن صارت يومية ، لم أنقطع يومًا واحدًا ، ولكن الكورونا اللعينة هاجمتنى بشدة ، مع أننى تناولت مرتى اللقاح ، وملتزم بالتعليمات وأخصها الكمامة وعدم الملامسة ، بيد أنه يبدو أن للكورونا أحكام . اضطررت آسيًا للتوقف عن مقالى اليومى بالمال ، وافتقدت ركنًا هامًّا فى حياتى . فالكتابة عندى رسالة وصلة ووشيجة . الكاتب يكتب ليؤدى رسالة ، إن فارقها فلا معنى للكتابة ، والصلة والوشيجة بين الكاتب والقارئ عمود هذه الرسالة .
افتقدت بسبب الكورونا ـ جسر التواصل مع القراء ، وهو جسر بدونه يحس الكاتب أنه يحرث فى البحر ، وحين شفيت والحمد لله بعد معاناة مُرَّة شديدة ، كان أول ما فرحت به أن أعود لألتقى بقراء المال ، وهو لقاء يحفزنى على استنفار خواطرى وتأملاتى ، وحفز عقلى ، كيما يكون القلم تعبيرًا عن شىء جدير بأن أقدمه للقراء .
كان آخر ما كتبته سبعين مقالاً عن الإمام الطيب ، والقول الطيب ، وهو العنوان الذى اختاره فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر ، حفزنى إلى ذلك أننى وجدت فى المجلدات الثلاثة التى صدر بها المؤلف ، المشروع الفكرى الدينى ، لإمام تلاقيت معه من نحو عشرين سنة ، فشدنى إليه زهده ، ودماثة خلقه ، وعلمه الغزير ، وقد امتد الحبل بيننا طوال تلك السنين ، بداية كعضوين بمجمع البحوث الإسلامية ، ثم كعضو ورئيس للمجمع بحكم توليه إمامة الأزهر الشريف ، وأسرنى أن المنصب لم يغيره ، بل زاده زهدًا حتى إنه لا يأخذ راتبه ، وتطامن للناس أكثر ، وأتاحت له الإمامة الكبرى أن يوجه السفينة بحكمة وعلم ، ليعيد أمورًا كثيرة إلى نصابها ، وليدعم مراجعة وتحديث العلوم والمواد التى تدرس فى كليات ومعاهد ومدارس الأزهر ، ويكرس الخطاب الإسلامى الصحيح ، ليدرأ عن الإسلام التشويه الذى نتج عن ممارسات الإرهاب والمتطرفين ، وهى مهمة كبرى عانيت بنفسى كيف ينهض بها بهمة ونشاط وإصرار ، لا يكتفى بما بعثه فى الأزهر من روح جديدة عمت أركانه ووحداته ، بل طفق يجلى الإسلام فى العالم ، وكان من أهم ما أنجزه ، الصداقة العقلية مع بابا الفاتيكان ، وتحالفهما معًا فى محاربة التطرف والإرهاب ، والدعوة المشتركة إلى الإخاء والمحبة والسلام بين جميع الأديان ، وأسس مجلس حكماء المسلمين لدعم هذه الاستنارة فى العالم الإسلامى ، والتضافر فى القيام بهذه الرسالة ، وأنشأ بيت العائلة الذى ضم معه قداسة بابا الكنيسة الأرثوذكسية ورهطًا من العلماء المسلمين والمسيحيين ، وآخرين من رجال الفكر المستنير ، ليكون بيت العائلة راعيًا للوحدة الوطنية ، ونشر ثقافة التآخى والمحبة والسماحة ، ولمعالجة ما عساه يحدث من حادثات تؤثر على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى .
وجدت فى المجلدات الثلاثة ، كنوزًا يجب أن تصل للقراء ، الإمام قائم بمهمة كبرى لتجلية الإسلام لغير المسلمين إلى جانب المسلمين ، وتجديد الفكر والخطاب الدينى ، وبث ثقافة الإخاء والتسامح ، فى إطار مشروع فكرى متكامل .
وقد انتهيت من تناول المجلد الأول فى السبعين مقالاً ، وأتمنى أن أستكمل المهمة بتناول ما فى المجلدين الثانى والثالث ، فعرضهما وفاء بحق الإسلام ، وبحق القراء فى معرفة الصواب فى فكر وأحكام دينهم ، ولم أقرر بعد ، هل أستمر الآن ، أم أتيح فترة لموضوعات أخرى ، استأنف بعدها العودة إلى ما بدأته ، ومن واقع الصلة والوشيجة بين الكاتب والقراء ، أنتظر أن أسمع أو أقرأ منكم ، قبل أن أستأنف الرحلة .