من تراب الطريق (1220)

 الإمام الطيب والقول الطيب (53)

نشر بجريدة المال الأحد 14/11/2021

ــ

بقلم : الأستاذ/ رجائى عطية نقيب المحامين

لا شك أن مهمة علماء الأزهر فى الخارج ، تختلف عن المهمة فى مصر ، فعالم الأزهر ، يكون بمثابة سفير للأزهر ، وللإسلام , فى المجتمعات التى يتعامل معها بخارج البلاد . ومن ثم مطلوب منه أكثر مما هو مطلوب منه فى وطنه ، ويلزمه أن يتحلى بمزيد من القدرات حتى يستطيع الاقتراب من أناس مختلفين فى الجنس والثقافة والتقاليد الاجتماعية ، وهناك فى المجتمعات الفقيرة فى قلب أفريقيا وغيرها ، ما يستوجب من الداعية أن يكون ملمًّا بقدرات إضافية ، فى الإسعاف مثلاً ، وبذل المعونة الطبية ، لذلك فقد حرص الدكتور أحمد الطيب ،أن يلتقى بعلماء الأزهر الشريف الموفدين إلى أرجاء الدنيا ، ليتحدث إليهم فى رسالتهم التى سينهضون بها  وآدابها ، ووصاياه إليهم .

كان هذا اللقاء فى شوال 1431 هـ : ستبمبر 2010 م ، نبّه فيه إلى أن المهمة الموفدين لأدائها ، هى مهمة عُظمى ، جوهرها حمل رسالة الإسلام الصحيحة إلى الدنيا ، وتعليم المسلمين ومن يشاء من غير المسلمين بالإسلام .

أول معالم هذه المهمة ، أن كلاًّ من الموفدين ، موفد فى رسالة سامية هى تعليم الإسلام ، وتعليم اللغة العربية لمن يحتاج إلى معرفتها أو الإلمام بها ، وهذا واجب يقتضى من القائم بها أن يكون على مستوى هذه الرسالة ، علمًا ، وخُلقًا ، وسلوكًا ، واستشعارًا للمسئولية ، وهو ما يدعوه أن يترفع فى سلوكه بعامة ، عن الدنايا والصغائر ، وأن يكون سفيرًا صالحًا فى تمثيل الإسلام والنيابة عن الأزهر الشريف .

وثانى ما يجب إلتفاتهم إليه ، أنهم سيجدون إلى جوارهم مبشرين مـن أديـان وملل أخرى ، وقد جاءوا من بلاد غنية ، ومع ذلك رضوا بمستوى للمعيشـة أقل كثيرًا مما اعتادوه فى بلادهم ، ويتحملونه وفاءً لرسالة التبشير التى يؤمنون بها واغتربوا من أجلها .

ولو تأمل موفدوا الأزهر ، لعلموا أنهم أفضل فى أوضاعهم بالقياس إليهم ، وهو ما يجب أن يحثهم على الاكتفاء بالقليل ، لأن همّهم الأول والأخير هو القيام برسالة سامية فى دعوتهم فى أفريقيا وآسيا وأوروبا ..

وثالث ما يجب التفطن إليه ، أن الأزهر قد عالج من أجــل نجاحهــم فـى رسالتهم سلبيات تراكمت فى قضية إيفاد علماء الأزهر ، وهى تسمية يؤثرها الإمام على مسمى « إعارة مدرسين » .

فليست هذه الرسالة مجرد إعارة مدرس ، وقد وُفق الأزهر وجامعته فى كفالة فرص الانبعاث لكل مؤهل لاجتياز الاختبارات العلمية والشخصية ، وستظل هذه الاختبارات هى أساس المفاضلة والاختيار .

وكذا ، فإن معيار الاستمرار فى الإعارة وإكمالها ، هو أداء المبعوث بالخارج : أدؤه العلمى ، وإلتزامه بمنهج الأزهر وثقافته ، وسلوكه مع الناس ومع من يتلقون عنه ، وعنايته بمظهره وملبسه ونظافته  .

ولا ينسى الدكتور الطيب أن ينبّه إلى وجوب إلتزام اللغة العربية الفصحى ، وأن يكون الكلام سهلاً مضبوطًا بقواعد اللغة العربية .

فمما يبعث على الأسى سماع طالب من أفريقيا يتحدث اللغة بأفضل مما يتحدث بها كثير من الطلاب ، بل المدرسين والأساتذة فى الأزهر .

ويحذر الإمام الطيب ، من استثقال هذا الأمر ، فالعلم بالتعلم ، والوجود بين غير العرب فرصة لتمرين اللسان على الأسلوب العربى السهل الصحيح ، وسوف يجد الداعية مساعدًا فى قراءة القرآن الكريم ، والمؤلفات الإسلامية التى اقترنت بسلاسة الأدب ، كمؤلفات طه حسين الإسلامية . وغيرها .

فإذا كانت البعثة فرصة لإتقان اللغة العربية الفصحى ، المنضبطة والسهلة ، فإنها فرصة أيضًا لتعلم لغة البلد الذى يعيش فيه ، وأمامنا ما فعله رفاعة الطهطاوى عندما عاد من بعثته فى فرنسا وقد أتقن اللغة الفرنسية ، وكان هو باعث مدرسة الألسن .

وفى صراحة واضحة ، يقول الإمام للموفدين :

لا تقتلوا أوقات الفراغ وأمسياتكم فى حساب المرتب ، وكم تصرف ، وكم توفر ، وكم يساوى الدولار ، وما هى الحصيلة المتوقعة فى نهاية العالم ؛ فكل هذه أمور قسمت من قبل أن تولدوا ، ومن العبث ضياع الوقت فيها .

اقض وقت الفراغ بالليل فى القراءة والبحث ، وإعداد الدرس جيدًا . لا تتقوقعوا فى مساكنكم وتكتفوا بالحديث عن الأهل والأوطان والبلاد ، بل تلفتوا حولكم ، وادرسوا  الأجواء التى تحيط بكم ؛ الجو السياسى ، الجو الثقافى ، العادات والتقاليد …

حاولو أن تقيّدوا كل ليلة فى سطور قليلة أو كثيرة حياتكم اليومية ، واحتفظوا بها ، فهذا التقييد اليومى سيدرّبكم فى غضون شهر على الكتابة السليمة ، والنطق السليم ، وطبعًا القراءة السليمة .

زر الذهاب إلى الأعلى