من تراب الطريق (1212) الإمام الطيب والقول الطيب (45)
نشر بجريدة المال الثلاثاء 2/11/2021
ــ
بقلم : رجائى عطية
ومن المؤسف ان التناقضات التى رأيناها فى منطق الغرب , لا تزال تعمل عملها فى الجانب الغربى حين يجلس إلى مائدة الحوار . ومن المؤسف أيضًا أن هذه التناقضات , تنتج آثارها المرة فى سياسية الغرب الاستعلائية , وفى سياسة تعدد المكابيل تبعًا لتعدد الأغراض !
على أن الجانب الشرقى , لم يخل تمامًا من السلبيات , من أهمها إختزان رواسب عدائية تاريخية فى نظرته للغرب , وربما اختلفت وشخصيًّا فى تحميل الشرق عدم التخلص من هذه الرواسب , ذلك أن المواقف الجديدة والمستمرة تحرك هذه الرواسب , وإن اختلفت الصور ؛ لذلك فقد لمس الإمام الطيب كبد الحقيقة حين قال إن عدم التخلص من هذه الرواسب ينصرف إلى الحروب الصليبية فى العصور الوسطى , والاستعمار بصوره ــ فى العصر الحاضر . وكما هو صحيح أن العاملين يعملان أثرهما السلبى فى مشاعر المسلمين نحو الغربين , فإن الصحيح أيضًا أن المسلك الإستعمارى الحديث يحرك بالضرورة الرواسب القديمة , ومن ثم فإن هذه السلبية ـ فيما قال الإمام الطيب ــ مسئولية مشتركة بين الغربيين والشرقيين .
على أن من المهم التفطن إلى أن العداء التاريخى لدى المسلمين من جراء مالاقوه , لم يكن موجهًا للمسيحية ولا لليهودية , ولا موسى وعيسى عليهما السلام , فذلك انحراف عن الإسلام ذاته وقر كل الأنبياء وأقر الرسالات السابقة على الإسلام , لذلك فإن موقف المسلمين إزاء الغرب , اتجه إلى الذين يتاجرون بالدين فى سوق السياسات وساحات الحروب .
ومن المؤسف أن الغرب المتباهى بتقدمه , لا ينظر إلى الأمور النظرة الموضوعية للشرق الإسلامى , بل اختلطت لديه الأوراق , فشرعوا سهامهم ورماحهم صوب القرآن والإسلام والرسول عليه الصلاة والسلام .
ولعل المسلمين واجب عليهم , فيما يشير إليه الإمام الأكبر , ألا يعمموا السيئات أو يضخموها فى حوارهم مع الغربيين . فالانصاف الذى نتعلمه من الإسلام يلزمنا بأن نسمى الأشياء بمسمياتها , وألا نعمم حتى لا نصيب قومًا بجهالة دون أن نقصد , فالغرب الأمريكى مثلاً , غير الغرب الأوربى , وهما كلاهما غير الغرب الروسى , هذا إلى أن المؤسسات الدينية الغربية لا تعبر فى آرائها ومسلكها عن كل الغربيين , بل ولا الكثرة الغالبة منهم , فلا بد إذن من التفريد بدل التعميم . خذ لذلك مثلاً أنه إن كانت بعض الكنائس الغربية تلتزم سياسة مهاجمة الإسلام , إلاَّ أن كثرة كاثرة من الكنائس الأخرى ترفضها , ويتمثل الإمام الأكبر بموقف عاينه شخصيًا ابان جولاته الحوارية فى الغرب , أنه رأى بنفسه من فضلاء رجال الدين الكاثوليكي ــ من رفضوا تصريحات بابا الفاتيكان السابق , رغم صعوبة ذللك عقديًا فى مذهبهم الدينى .
أما السلبية الثالثة : فهى أن كثيرًا ممن يتحدثون اليوم باسم الإسلام يحكمون على الحضارة الغربية من منظور الإسلام , وفى ضوء الأحكام الفقهية التى جاءت بها شريعته , وهو فهم مغلوط لصحيح الإسلام وصريح نصوصه , فليس مطلوبًأ من المسلمين أن يزنوا تصرفات غير المسلمين بميزان الشريعة الإسلامية , والوضع الصحيح هو حق الأخرين وحريتهم الكاملة فى أن يكونوا كما يشاؤون , وكما يشاء لهم تمدنهم الإجتماعى الذى اختاروه , ما دامو لا يفرضون علينا رؤاهم , آية ذلك القرآنية الكريمة التى تقول : « لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ » ( الممتحنة 8 ) , والقاعدة الشرعية فى علم أصول الفقه أن غير المسلم ليس مخاطبًا بفروع شريعة الإسلام , كما نحفظ الحكم الذى يقرر أن الخمر فى الإسلام مال غير محترم , وأن المسلم لو أراق خمرًا مملوكًا لمسلم ؛ فإنه لا يضمن له ثمنه , أما إذا أراقه لغير مسلم ؛ فإنه يضمن ثمن الخمر المراق , ويلزمه أداء الثمن شرعًا ؛ لأن الخمر وإن كانت مالا غير محترم فى الإسلام فقد تكون مالاً محترمًا عند الغير .
بقى أن تقول إن الصوت الصارخ فى الساحة الإسلامية الآن هو الصوت المتشدَّد , وأن الإمكانات المادية والمالية التى تدعم هذا الخطاب المُتشدَّد تريُده أن يكون المتحدث الرسمى باسم الإسلام , ويسعون إلى مصادرة غيرهم من ذوى الخطاب الفاهم الوسطى , وهذا خلل واضح فى الخطاب الإسلامى , يترتب عليه بالضرورة فهم غير صحيح للإسلام من جهة , واعوجاج فى منهج التواصل والتفاهم بين الإسلام والغرب من جهة أخرى .