من تراب الطريق (1180)
الإمام الطيب والقول الطيب(12)
نشر بجريدة المال الأربعاء 15/9/2021
بقلم: الأستاذ رجائى عطية نقيب المحامين
الفتوى وأثرها فى حياة المسلم
هذه محاضرة ألقاها الدكتور أحمد الطيب فى جامعة الأزهر فى 18 صفر 1428 هـ الموافق 8 مايو 2007 ، استهلها بإشارة إلى جامعة الأزهر الشريف أقدم وأشهر جامعة فى العالم الإسلامى ، بل وفى العالم كله ، تمد العالم الإسلامى منذ أكثر من ألف عام بالإسلام الصحيح ؛ شريعة وأحكامًا وفتاوى ، وتتصدى لمستجدات العصور وتطورات الزمن .
لا مراء فى أن الوعى بقضية الفتوى وإثرها ، يتوقف أولاً على الوعى بالإسلام كدين ذى طبيعة خاصة فى نظرته للإنسان وتوجيهه لحياته فى إطار أخلاقى دقيق ، يضمن له السعادة والفلاح فى الدارين .
لا ينحصر دور الإسلام فى بيان العقيدة والأخلاق فقط ، وإنما يتخطى ذلك إلى دائرة لا تقل أهمية فى بناء حياة الإنسان على دعائم صلبة من الحق والخير والجمال ؛ ويعنى بها الدكتور الطيب دائرة العمل والسلوك والتصرفات ، فى الفرد والإسرة والمجتمع ، وفى العلاقات الدولية .
« من هنا ؛ يرتبط المسلم بالإسلام وبتوجيهاته فى غالب أحواله الحياتية والمعيشية ، ويغدو الحلال والحرام فى منظور المسلم أمرًا بالغ الأهمية فى حياته الشخصية والعائلية والمجتمعية ، ويكفى أن نتصور أن أحكام الشريعة الإسلامية تتولى المسلم أو المسلمة منذ تكونهما نطفتين فى أرحام الأمهات وحتى لحظة دخولهما القبر ، مرورًا بمراحل الحمل والولادة والرضاعة والطفولة والمراهقة والزواج والشباب والكهولة والصحة والمرض … إلى آخر كل ذلك » .
وإذا كان الحديث يجرى أحيانًا على التشابه بين اليهودية والإسلام فى كثير من الأحكام الشرعية ، وبين المسيحية والإسلام فى أغلب الوصايا الأخلاقية ؛ إلاَّ أن المقارنة العميقة بين الإسلام وما سبقه من الأديان السماوية التى يشترك معها فى وحدة المصدر ووحدة الغاية والهدف ، تدلنا أيضًا على ما فى شريعة الإسلام من مرونة وقدرة على الأستجابة لمطالب التطور الحضارى أو الإجتماعى ، ولتصحيحه أيضًا إذا ما انحرف به السير بعيدًا عن المقاصد الإنسانية العليا التى تحميها كل الأديان السماوية ، وحتى الشرائع الوضعية التى تستمع إلى صوت الفطرة الإلهية ونداء الضمير الإنسانى ..
ومن هنا وجدنا أحكام التشريع فى الإسلام تتقدم دائمًا على خطين متوازيين : الخط الأول : خط ما يمكن أن نسميه بخط الاحكام الثابتة التى لا تقبل التغيير ولا التبديل .
والخط الثانى : هو خط الاحكام التى تتغير وتتبدل ، ولكن بشرط أن يكون تغيرها محكومًا بالمعايير الأخلاقية والقيم التى يقرها الإسلام وتقرها الشرائع السماوية السابقة .
ويلاحظ أن غالبية الثوابت جاءت فى مجال الإعتقاد والعبادة والاخلاق والأحوال الشخصية ، من ميراث وزواج وطلاق إلى غير ذلك . ولهذا حكمة فى الإسلام لا تفوت ، أبانها الإمام الطيب .
أما الأحكام المتعلقة بما يجرى فى حياة الإنسان من متغيرات ، وهى عديدة جدًا ، لا حصر لها ، فإن حكمة الإسلام تجلت فى أنه إقتصر فى شأنها على إيراد المبادئ والأحكام العامة ، تاركًا مساحة للمتغيرات التى قد يفرضها الزمان أو المكان أو الظروف .
خذ مثلا لذلك ، أن مواد البيع والشراء والإجارة فى القانون المدنى المصرى ، قد تضمنتها ( 63 ) مادة .
بينما نصوص القرآن الكريم فى أحكامها أربعة فقط .
كذلك الأمر فيما يتعلق بالقانون الدستورى ، تجرى الدساتير على تعدد مواده ، لما يجاوز المائتين فى أى دستور .
بينما إقتصرت نصوص القرآن الكريم على تقرير مبدأ الشورى والعدل والمساواة .
ومن سعة الإسلام ، أنه أباح الأخذ بشرع من قبلنا إذا لم يتعارض مع الإسلام ، بل وأخذ بمبدأ أن الأصل فى الأشياء الإباحة ، ولا حظر أو منع أو التحريم ، إلاَّ بدليل واضح كل الوضوح .
وهنا يعقب الإمام الطيب أنه كان من أثر ذلك ، أن دائرة المحرمات فى الأسلام ضيقة ومحددة ومحصورة ، لا تكاد تظهر إلى جوار اللانهائيات من الطيبات المباحة فى الإسلام .
لذلك ، فإن دور الفتوى فى المجتمعات الإسلامية ، هو دور إجتماعى فى المقام الأول ، لأنها تمس حياة المسلم اليومية وما قد تستدعيه من رغبة فى معرفة حكم الإسلام .