من أسئلة الجمهور

بقلم: محمود طاهر

سأل سائل.. ازاى حضرتك كمحامى بتقدر توازن بين مهنتك فى تطبيق قواعد قانونية ممكن تكون بها بتنصر ظالم على مظلوم وبين ضميرك كإنسان !!.. وهل فكرة من يتعامل بهذا المبدأ  مش بيعرف يأكل عيش ؟.

_____ وأجبته _____
السؤال على هذه الصورة خطأ، لما يوحى أن الأصل فى المحاماة مخالفة الضمير، وذلك بالقطع غير صحيح، كما هو خطأ أيضا لما فيه من مظنة أن القواعد القانونية التى هى مجال عمل المحامى لابد وأن تخرجه عن ضميره الإنسانى، وذلك قطعا غير صحيح، فضلا عن أن هذه القواعد هى مجال عمل المحامى والقاضى على السواء بل الأخير هو الذى ينزلها منزلة الحكم والقضاء.

ومن الخطأ الذى وقع فيه السائل أيضا، حصره للمحاماة وأعمالها فى الدفاع الجنائي، وذلك غير صحيح، ولا يستقيم مع حقيقة أعمال المحاماة.

ثم بالعودة إلى دور المحامي في الدفاع الجنائي، فالأصل فيه الضمير، لأنه اما ان يكون مدافعا كى لا يدان برئ أو يكون دفاعه كى لا يدان انسان بغير ما اكتسب، أو أن تكون العقوبة المقدرة هى العقوبة القانونية المستحقة للفعل المقترف، حتى حين دفاعه عن فاعل الإثم فذلك ليس دفاعا عن الإثم بل هو فى الحقيقة يصنع الشرعية لعقابه، ويرفع مظنة الجور عليه.

هذا هو الأصل فى المحاماة فى شقها الجنائى والاستثناء يحدث من قلة لا يصح القياس عليهم.

ثم الا تعلم أيها السائل الكريم أن على بن أبى طالب رضى الله عنه دافع عن متهمة بالزنا وكان محاميا لها، بل أكثر من ذلك ألا تعلم أن القرآن الكريم كان هو المدافع عن يهودى متهم بالسرقة
أفلا تعلم أن آيات الله المحكمات هى دفاع سيدة اتهمت زورا وافكا.

وبيان ذلك على الآتي:
جئ بمرأة إلى عمر بن الخطاب رضي الله متهمة بالزنا فاستجوبها الفاروق فأقرت واعترفت.. فأمر بعقابها لما فعلت وقد ثبت عليها الجرم بالاعتراف منها __ عندها وقف على رضى الله عنه موقف المحامى وقال للفاروق دعنا ننظر فى أمرها ونستبين قصتها، ثم سأل المتهمة ما دفعك لهذا، وما حملك عليه؟

أجابت والله لقد جف نبع الماء عندنا وماتت ماشيتنا وليس لى الا امى وقد كدت انا وهى نموت من المخمصة والعطش والصحراء قاسية، وكان لنا جار عنده الماء والسقيا فطلبت منه المعونة فأبى، حتى إذا كان هلاكنا واقع لا محالة جاء فعرض أن يمنحنا السقيا والماء فى مقابل نفسى وقد أبيت عليه من قبل مرارا، ولم أملك اليوم الا الإذعان والقبول، فقال على بن أبى طالب رضي الله الله أكبر قد جعل الله لها مخرجا.

قال الفاروق وما المخرج؟ قال على رضى الله عنه قوله تعالى “ومن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه” والله انها مضطره فخلى سبيلها، فأمر الفاروق بإخلاء سبيلها واستقدام جارها الذى أحوجها للاثم.

أما دفاع القرآن عن متهم بالسرقة فذلك فى سورة النساء ، إذ يروى أن أحد المسلمين سرق درعا لغيره وخبئها فى بيت يهودى، رجل يقال له «طعمة ابن أبيرق» وفي رواية «بسير ابن أبيرق» وهو مسلم من إحدى قبائل الأنصار من بني أبيرق سرق درعًا من جارٍ له مسلم يقال له «قتادة بن النعمان»، وكانت الدرع في جراب فيه دقيق، فعندما حملها أخذ الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى دار يهودي يدعى «زيد بن السمين» فخبأها، فالتُمِسَتِ الدرع عند «طعمة» فحلف بالله ما أخذها، فقال أصحاب الدرع لقد رأينا أثر الدقيق في داخل داره فلما حلف تركوه، واتبعوا أثر الدقيق إلى منزل اليهودي فوجدوا الدرع عنده، فقال اليهودي دفعها إليَّ طعمة بن أُبيرق، فجاء بنو ظفر وهم قوم طعمة إلى رسول الله، وسألوه أن يجادل عن صاحبهم، فهَمَّ رسول الله أن يعاقب اليهودي معتقدًا أنه السارق لوجود قرائن ضده، ولكن الوحي نزل بخلاف ذلك فأنزل الله هذه الآيات من سورة النساء «إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا* وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا* وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا».

فظاهر الأمر أن اليهودى هو السارق هو أقرب للمظنة، بل إن الرسول صلوات ربى وسلامه عليه مال إلى ما تمليه هذه القرائن البادية، فكان وحى الله إليه دفاعا عن المتهم البرئ ومحاميا عنه وتلك لعمرى هى المحاماة فى حقيقة جوهرها وأساس وجودها

ولقد كان القرآن الكريم هو دفاع ومحامى ام المؤمنين عائشة رضوان الله عليها وفيه البراءة لها من الافك الذى رميت به.

زر الذهاب إلى الأعلى