من أحكام «النقض» بشأن القصد الجنائي في جرائم الإكراه على التوقيع

أكدت محكمة النقض في أثناء نظرها الطعن رقم ٢١٨٩٧ لسنة ٨٨ القضائية، بجلسة الثلاثاء الموافق ١٣ من يوليو سنة ٢٠٢١، أنه لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في جريمة الإكراه بالقوة والتهديد على توقيع سند مثبت لدين أو تصرف بل يكفي أن يكون ما أورده من وقائع وظروف يدل على قيامه.

المحكمــة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن استوفي الشكل المقرر قانوناً.

حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الإكراه بالقوة والتهديد للتوقيع على سندات، قد شابه القصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه لم يبين واقعة الدعوى المستوجبة للعقوبة بياناً كافياً تتحقق به الأركان القانونية للجريمة التي دانه بها، ولم يورد مؤدى الأدلة التي أقام عليها قضائه بالإدانة، ولم يستظهر توافر القصد الجنائي وركن الإكراه في الواقعة.

واعتنق تصويراً للواقعة يجافي الحقيقة والواقع، وعول على أقوال المجنى عليها وهي أقوال مرسلة لا يؤازرها دليل مادي في الأوراق، وعلى أقوال الشاهدين الثاني والثالث فيما تضمنته تحرياته رغم أنها لا تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها، خاصة وأنه لم يتم ضبط المستندات التي ادعت المجنى عليها بإكراهها على توقيعها، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.

وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وساق على صحة الواقعة واسنادها إليه أدلة استقاها من أقوال المجني عليها وشاهدي الإثبات الثاني والثالث وأورد مؤدى كل دليل فيها في بيان واف وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. وجاء استعراض المحكمة لهذه الأدلة على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً، ومتى كان ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ــــــ كما هو الحال في الدعوى المطروحة، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون.

لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في جريمة الإكراه بالقوة والتهديد على توقيع سند مثبت لدين أو تصرف بل يكفي أن يكون ما أورده من وقائع وظروف يدل على قيامه – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – فإن ذلك حسبه بياناً لتلك الجريمة كما هي معرفة به في القانون بركنيها المادي والمعنوي، ويضحي النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد.
لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت في حق الطاعن في بيان كافِ إقدامه على ارتكاب الجريمة متوخي تعطيل إرادة المجني عليها عن طريق دس مادة مخدرة في شرابها وتهديدها بحيث حملها كرهاً عنها على إمضاء السندات بما يتوافر به هذا الركن في صحيح القانون، فإن منعي الطاعن في هذا الصدد يكون غير مقبول.

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق، وكان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه.

وهي متى أخذت بشهادتهم، فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. وأنه لا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق، بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدى إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذى رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها.

وأنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي يركن إليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وكان الحكم المطعون فيه قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال المجني عليها وأقوال شاهدي الإثبات واقتناعه بوقوع الحادث على الصورة التي شهدوا بها، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة حول تصوير المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأقوال المجني عليها وأقوال شاهدي الإثبات أو محاولة تجريحها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض.

لما كان ذلك، وكان الأصل أن الجرائم على اختلاف أنواعها إلا ما استثني بنص خاص جائز إثباتها بكافة الطرق القانونية ومنها البينة وقرائن الأحوال وأن جريمة الإكراه على توقيع سند مثبت لدين أو تصرف التي دين الطاعن بها لا يشملها استثناء، فإنه يجري عليها ما يجري على سائر المسائل الجنائية من طرق إثبات، ومن ثم فإن الحكم إذ استدل على نسبة هذه الجريمة للطاعن من أقوال المجني عليها وشاهدي الإثبات والتي لها مأخذها الصحيح من الأوراق، فإن استدلاله يكون سائغاً ومن شأنه أن يؤدى إلى ما رتبه عليه ولا يقدح في سلامة استدلال الحكم عدم ضبط المحررات محل الجريمة مادام أن المحكمة قد اقتنعت من الأدلة السائغة التي أوردتها ارتكاب الطاعن للواقعة، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير قويم.

لما كان ما تقدم، فإن الطعن المقدم من الطاعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

فلهــذه الأسبــاب

حكمت المحكمة:ــــ بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه

زر الذهاب إلى الأعلى