ملاحقة الإسلام والمسلمين ! (1 ــ 2)

ملاحقة الإسلام والمسلمين ! (1 ــ 2)

نشر بجريدة الوطن الجمعة 10 / 9 / 2021

بقلم : الأستاذ رجائى عطية نقيب المحامين

يخطئ من يظن أن ملاحقة الإسلام والمسلمين ، والإساءة إلى رسوله ، بتت هذه الأيام ، أو أنها من أثر غارة سبتمبر 2001 التى لم يكشف كامل النقاب عنها بعد ، وإنما هى ملاحقة قديمة ، ضاربة فى القدِم فى تاريخ الغرب وموقفه من الإسلام ورسوله والمسلمين.

وهذا العداء , أو الملاحقة ، أسبق من الحروب الصليبية التى أغار بها أوروبيون على الشرق الإسلامى من أواخر القرن الحادى عشر حتى الثلث الأخير من القرن الثالث عشر الميلادى ، فقد كانت تلك الحروب الصليبية صدى لهذا العداء القديم الشديد !

كشفت الراهبة السابقة « كارين أرمسترونج » ــ جذور هذا العداء فى كتابها « محمد » سيرة النبى ، الصادر في نيويورك 1992 ، وترجمه إلى العربية الدكتوران محمد عنانى وفاطمة نصر .

وطأت كارين أرمسترونج لكتابها ، بفصل مستفيض عن جذور العداء فى الغرب لرسول الإسلام بعنوان « العدو محمد » !.. لتستأصل ببحثها الموضوعى شأفة المفاهيم المغلوطة التى تراكمت مع هذا العداء وصارت كالأساطير التى لا يحاول أحد مناقشتها هناك !.. من الغريب أننا مع عنايتنا بترجمة هذا الكتاب إلى العربية ، لم نلتفت لترويج نسخه الإنجليزية ، مع أن ذلك متاح بأموال النفط الفائضة بالمليارات ، ما عليها سوى أن تروج التوزيع ـ ولو مجانا! ـ بالغرب ، ليرى الغربيون بلغتهم وأسلوبهم ومفاهيمهم كيف تراكمت المغالطات المضلة فصارت تلالا ثم جبالا باتت تحجب الرؤية وتسلس إلى التجاوزات المتتابعة التى سوف تفتح أبوابا لن تنغلق للصراع بين الأديان !

معرفة وفهم تراكمات وجذور المغالطات ، وكيف شكلت منظور كثير من الغربيين عن الإسلام ورسوله ، ضرورة بالغة الأهمية لتوجيه الخطاب إليهم ، بلغتهم لا بلغتنا ، وهى غاية جاءتنا على الجاهز فى كتاب الراهبة البريطانية السابقة كارين أرمسترونج الموضوعى المنصف . فيه تتبعت جذور العداء والصورة المغلوطة التى أخذت تتراكم فى الغرب ضد الإسلام ورسوله !.. كيف اعتقد يولو جوليو وألفارو ـ وغيرهما أن سطوع نجم الإسلام ما هو إلا إشارة لقدوم المسيخ الدجال ، وهو « الدجال العظيم » الذى ورد وصفه فى العهد القديم ، والذى ينذر حكمه بحلول الأيام الأخيرة للبشرية . وكيف جعل البعض يفسرون ما ورد فى سفر « رؤيا يوحنا اللاهوتى » عن وحش عظيم ، يخرج من الهاوية ويتوج نفسه على عرش جبل المعبد ، ويحكم العالم ـ بأنها نذير يطابق مقدم « محمد » الذى أتى بعد المسيح ، ويومئ إلى انتشار الدين الذى جاء به ، وإلى فتح المسلمين بيت المقدس ، وبنائهم مسجدين عظيمين على جبل المعبد ، وأن إقبال المسيحيين على هذا الدين الجديد ما هو إلاّ ارتداد وهرطقة ! حتى جعل بعضهم يتساءل : « كيـف سمح الله لهذه العقيدة ( الكاذبة ) بالظهور والانتشار ؟ ترى هل تخلى الله عن مناصرة شعبه وأهله » ؟!

على مدار سنين ، فيما فصلته كارين أرمسترونج ، توالت صيحات التهجم المحمومة ضد نبى الإسلام ، مدفوعة بالوهم الذى سيطر على الأذهان بالتفاسير المغلوطة « للرؤيا » ، والرعب الذى طفق يسيطر أن « محمدًا » ـ عليه السلام ـ دجال كاذب ، نصب نفسه نبياً ليخدع العالم ، وجعلت هذه الأوهام الكاذبة تصور نبى الإسلام بأنه فاسق يستمرئ الفسق البذىء ، ويدفع أتباعه إلى محاكاته ، ويجبر الناس بحد السيف على اعتناق عقيدته . أما الإسلام فليس ديناً مستقلاً أو منزلاً ، بل بدعة وصورة مشوهة من صور المسيحية ، تؤمن بالعنف والسيف ، وتمجد الحرب والقتل !

تعقب الراهبة البريطانية السابقة : كارين أرمسترونج ـ بأن هذه الأساطير الغربية ، عادت إلى الظهور بعد 250 سنة وأوروبا توشك على العودة للساحة الدولية ، ولتعيد رسم هذه الصورة الوهمية الخيالية لنبى الإسلام الذى حُرف اسمه إلى « ماهوند » Mahond ، وأصبح مع انتشار هذه الأوهام على المستوى الشعبى ـ العدو الأكبر للهوية الغربية الناشئة ! وصار ـ فيما تقول المؤلفة : « يرمز لكل ما نتمنى أن ننفيه عن ذواتنا . ولا تزال آثار الوهم القديم قائمة حتى يومنا هذا . إذ لا يزال الشائع عند الغرب أن يسلموا دون نقاش بأن محمداً ليس سوى رجل « استغل » الدين فى تحقيق الفتوحات وسيادة العالم ، وأن الإسلام دين عنف يعتمد على السيف ، وذلك على الرغم ـ والكلام للمؤلفة ـ من وجود دراسات علمية وموضوعية كثيرة عن الإسلام ونبى الإسلام تثبت خطل هذه الأسطورة المرتبطة « بماهوند » !

تتوقف الباحثة البريطانية ، فى استقصائها تراكم عداء الغرب للإسلام ، واستشرائه عن جهالة وسوء فهم واستسلام للأساطير .. تتوقف عند موجات الحروب الصليبية التى تزامنت مع شن الحروب من الشمال ضد مسلمى الأندلس ، وقيام البابا أوريان الثانى باستدعاء فرسان أوروبا عام 1095 لما أسماه تحرير قبر المسيح فى أورشليم . تبرز كارين أرمسترونج كيف تفصح ملحمة « أنشودة رولان » التى ألفت فى زمن الحملة الصليبية الأولى عن جهـل فاضح بالطبيعة الأساسية لعقيدة المسلمين ، إذ صورتهـم « عابدى أصنام » يركعون للآلهـة « أبولو » و « تيرفاجان » و « محمد » !! .. وأنهم وباء وقذارة ينبغى تطهير الأماكن المقدسة منهم !!

كشفت أرمسترونج كيف صنعوا « أسطورة ماهوند » عدو الممالك المسيحية ، وكيف صارت هذه الأسطورة الزائفة راسخة فى مخيلة أبناء الغرب ، وكيف أدى هذا الوهم الكاذب الخيالى « لشخصية ماهوند » ( نبى الإسلام ) ـ إلى زيادة الصعوبة التى يواجهها الغربيون اليوم إذا حاولوا النظر إليه باعتباره ـ على الأقل ـ شخصية تاريخية جديرة بالدراسة التى يولونها لنابليون أو للإسكندر الأكبر !

يستغرب كل عاقل ، مقدار خيبة الأساطير التى شكلت الوجدان الغربى بعامة عن رسول القرآن عليه السلام . فهو فى هذه الأساطير ساحر دبر « معجزات » زائفة ليخدع العرب السذج ويدمر الكنيسة فى أفريقيا والشـرق الأوسط . تتحدث إحـدى الحكايات عن نور أبيض أثار الذعر ثم ظهر آخر الأمر بالقرآن الذى أتى به محمد إلى العرب ، وأخرى تروى أن محمداً قام بتدريب حمامه على التقاط حبات البازلاء من أذنيه ليبدو للرائـى كأن روح القدس تتنزل عليه . مهما غضبت فلـن تستطيع إلا الإشفـاق على تصديقهـم هـذه الخزعبلات التى اصطنعها مغرضون لم يجدوا تفسيراً لنجاح الإسلام إلا بإنكار الوحى وتصويره أنه مجرد هرطقة أو فرقة خارجة على المسيحية ، وهى أوهام تراكمت فى تكوين القلق من الإسلام ثم العداء له وللمسلمين .. سطـروا بها صفحات مخجلة لا يتسع المقام هنا لتفصيلها !! .. يكفى أن تعرف أن دانتى الذى يتشدق كثيرون بعبقريته فى الكوميديا الإلهية ، قد صور فيها محمداً ـ عليه السلام ـ فى الدرك الثامن من الجحيم فى عذاب مهين مع أرباب الفتنة التى أحدثت الانشقاق الدينى !! .. قريب من هذا الفكر الملبوس ما وقع فيه مارتن لوثر والبروتستانت وآخرون من بعدهم درجوا ـ حتى فى عصر النهضة ـ على نعت الإسـلام « بالمذهب المحمـدى » ونعت رسوله بأنه : « الدجـال » الشهير بمحمـد ، أو بأنه النبى الكـاذب ، وإطـلاق مسمـى « المحمديـة » Mohamadism بدلا مـن « الإسلام » .. وهو ما صار يجرى الآن فيما تمد به الولايات المتحدة شبكة الإنترنت ، متوهمة أنها بذلك تستطيع أن تخفى الإسلام الذى عم المعمورة ويتزايد معتنقوه كل يوم فى أمريكا ذاتها !

زر الذهاب إلى الأعلى