مقاطعة الدين ومجافاة الأخلاق والقيم !! (2)
من تراب الطريق (1029)
مقاطعة الدين ومجافاة الأخلاق والقيم !! (2)
نشر بجريدة المال الأحد 31/1/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
يبدو للمتأمل ـ أن البشر الآن في جماعاتهم المتقدمة وغير المتقدمة لم تعد تبالى بهذه القيم، وإن كانت تذكرها وتشير إليها بين آن وآخر في معرض الاحتجاج لتقوية حجـة أو أخـرى في شأن الأفكار والموضوعات التي نتداولها في أيامنا، وأخطر ما في هذا أننا لم نعد نؤمن إيمانًا عميقًا فعليًا بتلك القيم الأساسية التي عشنا في ظلها إلى اليوم !.. لم نعد للأسف نؤمن ببشريتنا وأجناسها وشعوبها وماضيها وحاضرها بجماعاتها وأسرها وأوطانها وبلدانها ودولها، كما لم نعد نؤمن بعقائدنا ودياناتنا وما تعد به في دنيانا وأخرانا ـ من حساب وثواب وعقاب !!.. فما فائدة ما بقي في أيدينا ومعنا بعد ضياع ذلك كله وإهداره؟!
هل نحن الآن نخدع أنفسنا ـ في كل مكان ـ بكلام كله زيف وتهويل، ونتعلق باصطلاحات مضللة.. يرددها بعضنا لبعض نهارًا وليلاً صيفًا وشتاءً، وننشد أغراضاً براقة خائبة ولنجري سكارى وراء أضغاث أمان تنتهي حتمًا إلى فشل وخراب ودمار؟ هل أضعنا ـ باعتيادنا تناسى ونسيان تلك القيم الأساسية ـ سلامة عقولنا ومعها سلامة حاضرنا ومستقبلنا؟!.. إن اقتصادنا العالمي أو المحلى زائف في أساسه مختل في أدائه ونشاطه ـ ينضح كذبًا وخداعًا وغشًا وغدرًا ونهبًا ورشوة وسرقة، وعدلنا العالمي أو المحلي غارق في الحمأة نفسها، وأمننا العالمي أو المحلى واقع في ذات البلاء.. أما تراحم الأفراد والأسر والقرابات والجوارات والأحياء والنجوع والقرى فلم يعد للأسف له وجود !!!
ويبدو أن إغفال تلك القيم الأساسية وعدم الالتفات إلى لزومها للآدمي من جانب العلم الوضعي بفروعه ومعاهده ومدارسه، وانعدام نصيبها من الاهتمام في البحوث والاختبارات والكشوف والاجتهادات.. هذا كله قد أدى بغير قصد ـ إلى ما صرنا إليه الآن، وساق في طريقه وطريقته الفكر البشرى الواعي بأجمعه.. إلاّ ما ندر !!
والإشكال الخطير الذي لا يكاد يلتفت إليه أحد ـ هو كيف تنجو البشرية بحضارتها من الأخطار الهائلة العديدة التي تحاصرها بتراجع القيم على مدى ثلاثة قرون أمام الانشغال التام بوضعية العلوم والفنون والأفكار والكشوف والأبحاث والمخترعات والاقتصاديات والسياسات.. وتوتر العلاقات المائجة الهائجة بين الأفراد والجماعات والدول والأمم، وتداول الحروب والأزمات، وتفكك الصلات الذي أتى على الأخلاق والروابط التي ابتعدت بعدًا بعيدًا جدًّا عن تلك القيم الأساسية؟!
فلم تنجُ البشرية ـ كما كان يظن ـ من تراكم وتزايد المخاطر وتفاقمها ـ باتباع تلك الوضعية التي استغرقت في زماننا العالم والجاهل والكبير والصغير !.. ويبدو أن هذه الوضعية المادية قد ذهبت نهائيًا ـ بما كان قائمًا باقيًا لدى آبائنا من بعض الاتزان والاعتدال والتماسك ـ فبتنا الآن نتخبط ونزداد باستمرار تخبطاً ـ بلا هادٍ نثق فيه أو يمكن أن يكون كذلك، في عالم بات بالغ الضجيج والقلق وانعدام الثقة دائب الحركة غير المفهومة أو المجدية لما هو نافع جدى.. يحتشد لينفض وينفض ليحتشد في توافه وأوهام.. لا يعرف أهله بعضهم بعضًا ـ لقرابة أو صداقة جادة أو حتى لخصام أو لعداوة معقولة الأسباب.. عالم معظمه عاطل أو مشرد أو جائع لا يدرى لماذا اختص بهذا القدر غير الإنساني الذي يجره جرّا بعيدًا عن الدين والقيم والأخلاق !!
ويبدو أن وضعية الظواهر الطبيعية في جريها الذي لا يهدأ وراء ما تسميه الحقيقة ـ تجرى وراء شيء غامض شديد الغموض باستمرار لا تبالى بالإخلاص العام التام الآدمي.. لأنها تهتم بغير توقف بالمزيد من معرفة هذه الحقيقة الغامضة، ولذلك لا ولم يهتم أصحابها حتى الآن إلاّ بنجاح الناجح في العثور على ما يوضح في نظره ونظر منافسيه طرفًا من ذلك الجبل الهائل الغامض.. وهم في ذلك المسعى يدفعون بما عرفوا للجمهور.. حيث تتلقفه المطبعة وتتصيده الصناعة والزراعة والتجارة والاقتصاد .