مفهوم البطولة في الشعر العربي
من تراب الطريق (1087)
مفهوم البطولة في الشعر العربي
نشر بجريدة المال الأربعاء 21/4/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
من يتتبع مراحل تطور الشعر العربي، سواء في الجاهلية، أو في الإسلام، وكذا إبان المواجهات المتنوعة تاريخًا وظرفًا وسببًا، في الحروب مع الروم، أو في الحروب الصليبية وكذا المغولية، وفي معارك التحرير، ونقصد بها التحرر من الحملة الفرنسية على مصر، والغزو والاحتلال البريطاني ـ سوف يجد أن معنى البطولة قد تطورت معالمه من حقبة لأخرى، ومن ظرف لآخر.
أتحف الأستاذ الدكتور شوقي ضيف ـ المكتبة العربية، بكتاب صغير الحجم كبير المحتوى، عن « البطولة في الشعر العربي »، ملاحظًا أنه حينما عاد أدراجه مصعدًا في الزمن حتى العصر الجاهلي، قاصدًا التعرف على ما تغنّى به شعراؤنا على مر الزمن من بطولات الآباء والأجداد، رأى أن روافد نهر البطولة متعددة، منها الحربى وقوامه الاستبسال في القتال، ومنها النفسي أو المعنوي الذي يقوم على احتمال الشدائد بأسلحة الصبر والحزم والحلم والأنفة والعزة، ومنها الخلقي الذي يقوم على حماية الشرف وصيانته وعلى الكرم والوفاء بالعهد ونجدة الجار.
بذلك تعانقت من قديم بطولة السيف والفروسية، مع بطولة النفس والخُلق والطموح إلى المثل العليا الرفيعة، كالإباء والأنفة والشعور بالعزة والكرامة والنجدة وإغاثة الملهوفين وإطعام الجوعى.
وزَكَّى الإسلام البطولة بمعانيها الثلاثة، وزاد عليها الروحانية التي أمدها بها، فكان لذلك انعكاسه على ما حققه المسلمون العرب في الزمن الأول للمبعث، حين كانت الدعوة في أوجها والالتزام بها حيًّا. وما هي إلاَّ سنوات قصار حتى انتصرت الدعوة بمؤمنيها وأبطالها، على الفرس والروم، وتمددت البلدان الإسلامية شرقًا وغربًا.
ومع ذلك مرت انتكاسات منذ العصر العباسي الثاني، وامتدت إلى الدولة العثمانية، فشهدت الساحة حروب المغول، والحروب الصليبية، حتى أخذنا العصر الحديث إلى مواجهات مع الطليان والإنجليز والفرنسيين، وأخيرًا إسرائيل التي باتت التحدي الأكبر للعرب والمسلمين.
والبطولة ليست محض غلبة، وإنما هي أيضًا جسارة وبسالة في القتال الحروب، ومناقب وسجايا في احتمال الخطوب والشدائد، وفي الصبر على المكاره، وفي صيانة العرض والشرف.
ولعل أشهر ما ذاع من أشعار في الجاهلية، تعبّر عن البطولة والأبطال، ما تنادى به عمرو بن كلثوم..
ملأنا البر حتى ضاق عنا كذاك البحر تملؤه سفينا
إذا بلغ الرضيع لنا نطاقًا تخر له الجبابر ساجدينا
ونشرب إن وردنا الماء صفوًا ويشرب غيرنا كدرًا وطينا
فلما أهل الإسلام، رأينا الصحابي عمير بن الحمام الأنصاري يوم بدر يلقى ما بيده من تمرات كان يأكلها، ويقول لنفسه: بَخٍ بَخْ ! ( أي عجبًا عجبًا ) أما بيني وبين أن أدخل الجنة إلاَّ أن يقتلني هؤلاء، وألقى بنفسه في الوغى يقاتل ببسالة حتى استشهد وهـو يتغنى:
ركضًا إلى الله بغير زادٍ إلاَّ التُّقى وعمل المعادِ
والصَّبْر في الله على الجهاد وكلُّ زادٍ عُرْضَةُ النَّفَادِ
غير التُّقَى والبِرِّ والرَّشادِ
ورأينا على بن أبى طالب يصيح بالأحزاب يوم الخندق..
نَصَر الحجارةَ من سفاهةٍ رأيهِ ونصرتُ دين محمد بضراب
لا تحسبُنّ الله خاذِلَ دينَـــه ونبيِّه يا معشر الأحــزاب