مـحمد فريد الزعيم النبيل الشهيد (1)

من تراب الطريق ( 1257 )

بقلم الأستاذ رجائي عطية نقيب المحامين رئيس اتحاد المحامين العرب

نشر بجريدة المال الأربعاء 9/2/2022

صاحب هذه المسمَّيات ، هو محمد بك فريد ، أقرب زعماء مصر طُرَّا إلى قلبى ، فقد كان نبيلاً فعلاً ، وشهيدًا فعلاً ، ضحى بكل شىء من أجل وطنه ..

كتبت عنه كتابة مطولة فى « رسالة المحاماة » ( دار الشروق 2008 ) ، وعدت للكتابة عنه فى « فرسان ثوار » ( كتاب الهلال ـ 4771 ـ يوليو 2015 ) تحت عنوان : الفارس النبيل ، شهيد الوطنية المصرية .

تعرف شخصية هذا النبيل ، حين تراه وهو أكبر سنًّا من مصطفى كامل ، وأسبق تخرجًا فى الحقوق بسبع سنوات ، يقبل أن ينضوى تحت لواء مصطفى كامل بلا تردد ، ثم حمل الراية بعد وفاة مصطفى كامل ، ولكن لم تكن هذه بداية إهتماماته بالحركة الوطنية ، فقد انخرط فيها وهو لا يزال طالبًا ، وقد كتب مذكراته الوطنية بدءًا من عام 1891 إبان أن كان مصطفى كامل فى بداية دراسته بالحقوق ، وما كاد يلتحق بالنيابة العامة بعد تخرجه ، حتى غلبته وطنيته على اعتبارات الوظيفة ، فجاهر وهو وكيل نيابة بتعاطفه مع عامل التلغراف توفيق كيرلس ، والشيخ على يوسف ، حين دبرت سلطات الاحتلال لمحاكمتهما ، بتعلّة أن جريدة المؤيد لصاحبها الشيخ على يوسف نشرت برقية فى 28/7/1896 ، وافاها بها توفيق كيرلس ، وكانت البرقية صادرة عن السردار اللورد كتشنر ، عن أحوال الحملة على دنقلة بالسودان ، وكثرة الوفيات والإصابات فيها .

وحين صدر الحكم ببراءة الشيخ على يوسف ، وحبس توفيق كيرلس ثلاثة أشهر ، ثارت ثائرة الإنجليز ، وصبوا جام غضبهم على « محمد فريد » ونجحوا فى إستصدار أمر بنقله لى نيابة بنى سويف على أن يكون مقره فى مغاغة ، ولكن محمد فريد أراح الجميع ، وإن أغضب إياه ، بالاستقالة من النيابة العامة والعمل بالمحاماة ليكون حرًّا فى نشاطه الوطنى كما يشاء !

تستطيع من هذه البدايات ، أن تتعرف على نبل هذا الزعيم الوطنى ، الذى ضحى من أجل الحركة الوطنية ، بحريته ومستقره وماله بعد أن ضحى بوظيفته ، وأمضى السنوات الأخيرة من حياته طريدًا خارج بلده مطارد من سلطات الاحتلال فيها ، ولكنه كرس حياته وماله للدعوة لحقوق مصر بالخارج ..

فى بدايته ، أججت مقالاته التى كان يكتبها تحت عنوان : « ماذا يقولون ؟ » ـ أججت غضب السراى وسلطات الاحتلال ، وجمع العرائض والتوقيعات للمطالبة بدستور للبلاد ، وأفسح للشيخ عبد العزيز جاويش المجال ليكتب مقالات نارية ضد الإنجليز فى صحيفة « اللواء » لسان حال الحزب الوطنى الذى تولى رئاسته بعد رحيل مصطفى كامل ، وقاد حملة وطنية للمطالبة بالجلاء ودستور للبلاد ، وألهب الشعور الوطنى ، وحمل راية نشر التعليم الذى ساهم فيه الحزب بإنشاء مدارس الشعب الليلية التى صارت كتل وعى متنامية ، وتقدم للتدريس فيها متبرعون إقتداءً بمحمد فريد .. أخذوا على عاتقهم تنوير الشعب بالتعليم ليعرف حقوقه ويطالب بها ويكافح من أجلها .

تبنى إقامة مؤتمر وطنى حاشد فى القاهرة ، إنتهى إلى تشكيل لجنة من عشرة من أعضاء المؤتمر ، كلهم من المحامين والحقوقيين بعامة ، منهم المحامى المؤرخ عبد الرحمن الرافعى ، والأستاذ محمود بك أبو النصر النقيب الثالث للمحامين ، ولم ينفض المؤتمر قبل أن يصدر بالإجماع قرارين حملتهما عريضة تجدد الاحتجاج على الاحتلال الإنجليزى ، وتطالب بإعادة الدستور والمجلس النيابى للبلاد .

ترصدته السراى والإنجليز ، وقد كشف أحمد شفيق باشا رئيس الديوان الخديوى ، كشف فى مذكراته فى نصف قرن ، كثيرًا مما كان يجرى وراء الكواليس بين الخديو والإنجليز ، وكيف كان توجسهم من الحزب الوطنى الذى يؤجج الشعور الوطنى ، وترصدهم له ولزعيمه محمد فريد .

وحينما تقلد بطرس غالى رئاسة مجلس النظار ، على غير رغبة الشعب والقوى الوطنية ، تصدى محمد فريد لقراراته التى مالأت الإنجليز ، وعارض إبرامه اتفاقية السودان التى أضرت بالسودان لمصلحة الإنجليز ، وهاجم بقوة ـ تبنيه مد إمتياز شركة قناة السويس العالمية لسنة 1969 مقابل أربعة ملايين جنيه ، وعارض بشدة إعادة قانون المطبوعات الذى يصادر ويقيد الحريات ، وقانون النفى الإدارى ، الذى به أمعنت السلطات فى التغول على الحريات الشخصية ، فأصدرت فى 4/7/1909 ، القانون الذى عرف آنذاك بقانون النفى الإدارى ، وهو يتيح للسلطة الإدارية نفى من تشاء تحت شعار أنه خطر على الأمن العام ــ إلى الجهات النائية ، فنشطت القوى الوطنيه لمقاومته ، وفى مقدمها الفارس النبيل شهيد الوطنية محمد فريد ، ومعه من أعلام المحاماة محمد لطفى جمعة وأحمد بك لطفى (النقيب فيما بعد) ، وصاحبنا الأستاذ محمود بك أبو النصر ، أحد أوتاد الحزب الوطنى القديم.

زر الذهاب إلى الأعلى