مصلحة الشهر العقاري والتوثيق
بقلم: الأستاذ/ بلال طارق غنيم
تعد مكاتب الشهر العقاري من أكثر الجهات التي لها صلة مباشرة بالجمهور ويتعامل معها ملايين المواطنين يوميًا.
وأنشئت مصلحة الشهر العقاري والتوثيق بموجب القانون رقم 114 لسنة 1946م، وهو العام نفسه الذي أنشئ فيه واحدة من أعرق المؤسسات القضائية وهو مجلس الدولة في عهد الملك فاروق، وتحت رعاية وزير العدل في ذلك الوقت المستشار محمد كامل مرسى باشا، والذي كانت له أفكار هامة لتطوير منظومة العدالة بمصر، وله الدور الكبير في إنشاء هذين الكيانين؛ مجلس الدولة والشهر العقاري والتوثيق، وفقًا للنظام الفرنسي خلال عام 1946.
وتتكون مصلحة الشهر العقاري والتوثيق من قطاعين أساسيين يكملان بعضهما الآخر، قطاع التسجيل العقاري وقطاع التوثيق.
ويستفيد من خدماتهما جميع المواطنين المصريين والأجانب المقيمين وذوي المصلحة أو من ينوب عنهم بتوكيل رسمي.
والهدف من إنشاء مصلحة الشهر العقاري والتوثيق، هو ضبط وتوفير الحماية القانونية الكاملة للملكيات العقارية والمنقولة ومنع اغتصابها باعتبارها وظيفة اجتماعية وعنصراً من عناصر الثروة القومية في المجتمع، بهدف استقرار المعاملات بين الأفراد في المجتمع عن طريق البحث والتحقيق في أساس الملكية وقيد الحقوق العينية سواء كانت أصلية أم تبعية من واقع المستندات المعروضة للبحث.
والخدمات التي تقدمها مكاتب الشهر العقاري هي، مراجعة المحررات المقدمة للشهر بعد التأشير على مشروعاتها من المأموريات المختصة بالصلاحية للشهر (المراجعة الفنية).)
إثبات المحررات في دفاتر الشهر والتأشير عليها بما يفيد شهرها وتصوير المحررات التي يطلب شهرها، وحفظ أصول المحررات التي تشهر وموافاة الجهات المختصة بصور منها وإعطاء الشهادات العقارية، وإعداد فهارس المحررات التي تشهر.
كما تعتبر مكاتب الشهر جهة خبرة فيما يطلب إليها دراسته من الجهات القضائية وذلك بالنسبة إلى الحقوق العينية العقارية.
القانون رقم 114 لسنة 1946 بشأن تنظيم الشهر العقاري:
مصلحة الشهر العقاري والتوثيق هي مصلحة قانونية عريقة مستقلة وقائمة بذاتها وتتمتع بالشخصية الاعتبارية والمعنوية المستقلة ويمثلها قانونا رئيسها وليست جهة معاونة وتتبع إداريا وزارة العدل كالعديد من دول العالم وكما تتبع الهيئات القضائية ونخص بالذكر كلا من هيئة قضايا الدولة، وهيئة النيابة الإدارية.
مصلحة الشهر العقاري والتوثيق أنشئت بموجب القانون رقم 114 لسنه 1946 م وهو العام الذي أنشأ فيه الشهر العقاري جنبا إلى جنب مع إنشاء أعرق المؤسسات القضائية إلا وهو مجلس الدولة المصري في عهد الملك فاروق وحكومة التكنوقراط إسماعيل صدقي باشا وتحت رعاية واهتمام وإصرار وزير العدل المصري في ذلك الوقت المستشار محمد كامل مرسي باشا ومجهوده وأفكاره العظيمة لتطوير منظومة العدالة بمصر وقتها في إنشاء هذان الكيانين مجلس الدولة والشهر العقاري والتوثيق وفقا للنظام الفرنسي خلال عام1946.
تتكون مصلحة الشهر العقاري والتوثيق من قطاعان أساسيين يكملان بعضهما الآخر(قطاع التسجيل العقاري، وقطاع التوثيق)، قطاع التسجيل العقاري (الشهر).
ويشمل نظامي التسجيل العقاري المقرران الآن بمصر وفقا للقانون الساري الآن وهما (نظام الشهر الشخصي، ونظام السجل العيني):
والشهر العقاري هو نظام قانوني تثبت به الحقوق العينية العقارية ويتيح للكافة العلم بالموقف القانوني للعقار، ولعل هذا هو الحد الأدنى المتفق عليه من دور الشهر العقاري في الأنظمة القانونية المختلفة ولكن يبدو أن التعريف المختار في المتن أقرب إلى واقع نظام الشهر العقاري في مصر، حيث أنه فضلا عن دوره في إتاحة العلم بالموقف القانوني للعقار فإن الشهر العقاري شرط للاحتجاج بالحق العيني في مواجهه الغير تارة، وشرط لانتقال الحق العيني ونشاته وزواله واكتسابه بين أطرافه وفي مواجهة الغير تارة أخرى، وبذلك فإن هذا التعريف يستوعب معنى نظام الشهر في ظل كل من نظام الشهر الشخصي والسجل العيني، بيد أن المشرع لم يترك تعريف السجل العيني للفقه أو القضاء، ولكن قام هو بتعريفه في المادة (1) من قانون السجل العيني رقم (142) لسنة 1964 بانه :- ( مجموعه الصحائف التي تبين أوصاف كل عقار وتبين حالته القانونية وتنص على الحقوق المترتبة له وعليه وتبين المعاملات والتعديلات المتعلقة به).
أولا: نظام الشهر الشخصي
نظام قانوني قديم للتسجيل العقاري، ابتكره المستعمر الأجنبي في المستعمرات المحتلة، لتمكين الأجانب من تملك الأراضي ومزاحمة المواطنين الأصليين في تملك الأراضي والتعامل عليها والتصرف فيها، ولم يعد يتم استخدامه إلا بمصر، يتخذ من الأشخاص أساسا وموردا له، بحيث يتم البحث عن الملكيات والحقوق العينية الأخرى في فهارس هجائية تضم أسماء الأشخاص.
ثانيا: نظام السجل العيني
نظام قانوني حديث نسبيا للتسجيل العقاري، وهو النظام القانوني المنتشر تقريبا بجميع دول العالم، والذي يتخذ من العقارات ذاتها أساسا له، بحيث يفرد لكل وحدة عقارية صحيفة يدرج فيها بيانات العقار والمتعاملين عليه والحقوق المتعلقة به.
ولا زال النظام القانوني المصري بشأن التسجيل العقاري في طور التحول من نظام الشهر الشخصي إلى نظام السجل العيني، حيث يتم تطبيق النظام الأخير بشكل تدريجي على الأقسام التي يحددها وزير العدل وفقا للمادة الثانية من قانون إصدار قانون السجل العيني.
فقد لاحت فكرة إدخال نظام السجل العيني في الإقليم المصري عام 1902 م، حيث قامت الحكومة المصرية بتقديم مشروعين إلى اللجنة التشريعية الدولية بهدف إصلاح نظام الشهر، حيث كان المشروع الأول يهدف إلى توحيد جهات الشهر وسجلاته، واستهدف المشروع الثاني إدخال نظام السجل العيني بمصر أسوة بمعظم دول العالم، وقد مكثت هذه اللجنة سنتين في دراسة هذين المشروعين وأدخلت عليهما بعض التعديلات وجعلتهما صالحين للتطبيق وأقرتهما سنة 1904 لكنهما لم يصدرا وظلا حبيسي الأدراج وظل الأمر على ذلك حتى عم الشعور بمسيس الحاجة إلى إصلاح نظام التسجيل سنة 1920 مما دعا إلى تشكيل لجنة أخرى لبحث موضوع السجل العيني، فأقرت مشروع الإصلاح سالف الذكر، وأوضحت أن إدخال نظام السجل العيني يتطلب توافر أمرين:
الأمر الأول: إعادة مسح البلاد لتحديد العقارات تحديدا دقيقا.
الأمر الثاني: تحديد الموقف القانوني لهذه العقارات.
تمهيدا للإصلاح المنتظر والمأمول وقتها الذي يتضمن إدخال نظام السجل العيني، وصدر قانون التسجيل المزدوج رقمي ( 18، 19 ) لسنة 1923، ثم أعقبه صدور القانون رقم 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقاري، إلى أن صدر القرار بقانون رقم 142 لسنة 1964 بنظام السجل العيني، وبالرغم من ذلك كله لم تنجح الحكومة المصرية في تعميم نظام السجل العيني حتى الآن.
وعليه فان نظام الشهر العقاري المصري يعد نظاما قانونيا مزدوجا، بحيث يسري عليه نظام السجل العيني في بعض الأقسام المساحية، في حين يبقى نظام الشهر الشخصي مطبقا في البعض الأخر . ولكل من النظامان أدوات وأساليب مختلفة ومتميزة بخلاف ما لحقهما من مميزات وعيوب تخص كل منهما على حدا، لا مجال لتناولهما الآن.
مكاتب التوثيق بأنواعها المختلفة
والتوثيق في اللغة: مصدر وثق، يقال وثقت الشيء توثيقا إذا أحكمته.
ومنه قوله تعالى: ﴿فشدوا الوثاق).
وقوله تعالى: ﴿الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض).
وقال تعالى: ﴿قال لن أرسله معكم حتى تؤتون ِموثقا من الله لتَأْتُنَّني به إلا أن يحاط بكم فلما أتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل).
أولا: معنى التوثيق اصطلاحا
علم قانوني يهتم بتحرير ومراجعة العقود والمحررات والشهادات في شكل وثائق، وفقا لأوضاع وقوالب شكلية وموضوعية معينة ووفقا لأحكام الشريعة الإسلامية والدستور والقانون والنظام العام والآداب وتحوز الوثيقة أو العقد بعد توثيقه وتسجيله أمام موثق عدل حجية كاملة مطلقة في الإثبات، وعرف التوثيق بعدة تعريفات تدور حول كونه علما يبحث في كيفية إثبات العقود والتصرفات والالتزامات على وجه يحتج به.
وقد ذكر التوثيق في صورته العامة في كتاب الله في مواضع منها قوله تعالى: ﴿إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم﴾.
وقـولـه تعـالى: ﴿ستكتب شهادتهم ويسألون﴾.
والشروط والوثائق والعقود أسماء لمسمى واحد لعلم واحد (علم التوثيق) وسمي هذا العلم علم الشروط أيضا لأنه غالبا ما يتضمن ذكر شروط بين المتعاقدين فسمي الكل بالجزء الذي يتركب منه تجوزا.
ثانيا: تعريف التوثيق قانونا
التوثيق قانونيا هو مجموعه الإجراءات القانونية الشكلية والموضوعية التي يقوم عليها الموثق لتوثيق وتسجيل وتحقيق وبحث وصياغة وتحرير وقيد المحررات والعقود بكافة أنواعها وفقا لأحكام الدستور و القانون والموثق ملتزم ومسئول شرعا وقانونا وأخلاقيا ببحث الإرادة وتلقيها والتحقق من الأهلية وبحث الصفة والسلطة والمراجعة القانونية الكاملة للعقود شكلا موضوعا للعقود المطلوب توثيقها ومدى مطابقتها للدستور والقانون النظام العام والآداب.
وتختص مكاتب التوثيق المصرية اختصاصا عاما في توثيق كافة أنواع العقود والمحررات فطبقا لما هو معروف أن مصلحة الشهر العقاري والتوثيق تتكون من قطاعين أساسين يكمل بعضهما الأخر ولا يمكن أن يقوم أحدهما بعمله دون الأخر( قطاع الشهر – قطاع التوثيق ) فقطاع الشهر متعلق بتسجيل العقود والمحررات التي تتناول أيا من الحقوق العينية العقارية واجبة الشهر طبقا لقانون الشهر العقاري، كما سبق تناوله، في حين أن قطاع التوثيق فأن أعماله واختصاصاته لا تعد ولا تحصى وأشمل وأعم من قطاع الشهر من توثيق كافه أنواع العقود المسماة والغير مسماه وسواء ما تعلق منها بحق عيني أو حق شخصي أو حتى أحوال شخصية وشرعية.
ثالثا: طرق التوثيق
وأخيرا فإن طرق التوثيق ثلاث:
(المحررات الرسمية الموثقة – التصديق على التوقيعات – إثبات تاريخ المحررات العرفية)
فـإما أن يقع على المحرر بأكمله، فيكون المحرر حينئذ موثقا، وهذا هو المعنى الأصلي للتوثيق والأقوى حجية، ويحوز حجية ثبوتية مطلقة بين أطرافه وأمام الغير وأمام القضاء، وهو أعلى درجات الحجية الثبوتية وتشمل أطراف التعاقد وتوقيعاتهم وكذلك موضوع المحرر وقوته الثبوتية الكاملة كمحرر موثق وإما أن يقع على بعض ما اشتمل عليه المحرر من بيانات، وهو ما يسمى بالتصديق على التوقيعات من طرفي التعاقد، فنكون بصدد توثيق للتوقيع على المحرر، وحجيته الثبوتية تقتصر على توقيعات أطراف التعاقد وانها قد تمت أمام الموثق وبمعرفته وعلى مسئوليته وما اشتمله من بيانات تأكد منها الموثق بنفسه من بحث للصفة والسلطة والإرادة والأهلية، والدرجة الأخيرة من حجية المحرر هي إثبات التاريخ للمحررات العرفية أمام الموثق، وحجيتها أدنى من الطريقتان السابقتان وتقتصر على تاريخ تحرير المحرر فقط لا غير ولا تمتد إلى موضوعه أو أطرافه، ويدخل في هذا المعنى التآشير على الدفاتر التجارية.
هذا التقسيم لقطاعي المصلحة (الشهر العقاري، والتوثيق)، هو نظام قانوني مصري حالي واستثنائي ومميز جدا، أن لم يكن نادر الوجود حاليا، وغير موجود إلا بعدد قليل جدا من دول العالم وخاصه الاشتراكية منها، وهو الجمع إداريا بين جهات التسجيل العقاري والتوثيق في مؤسسة حكومية واحدة، ولكن لظروف نشأة مصلحة الشهر العقاري والتوثيق والوضع المتميز المصري حقق القطاعان تكامل ناجح واستمر القطاعان يكونان مصلحة الشهر العقاري والتوثيق، ولم يوجه إليهما أي نقد حتى تاريخه، بل أن الأمر وخلال العديد من الندوات والمؤتمرات الدولية والعربية، قد لاقى استحسان وإعجاب الجمع بين إدارات الملكية العقارية وجهات التوثيق في كنف مؤسسة قانونية واحدة تشرف عليها الدولة شكلا وموضوعا ممثلة في وزارة العدل المصرية.
بل ولأبعد من ذلك فقد أدى الجمع بين القطاعان (التسجيل العقاري والتوثيق) في جهة قانونية واحدة يقوم عليها عضو قانوني واحد، حيث الآن وعلى مدار عام مضى وما زالت إجراءات الضم والدمج مستمرة فقد تم دمج وضم جميع مأموريات الشهر العقاري مع مكاتب التوثيق، ويقوم على العمل القانوني بهما موثق واحد (عضو فني) يشمل اختصاصه الوظيفي والمهني العملان معا في ذات الوقت، مما اسهم بشكل فريد وكامل في صقل وتنمية الملكة القانونية للموثق (العضو الفني) والمهارات الفنية والخبرات القانونية التي يتمتع بها الموثق المصري في توثيق وتسجيل وتحرير كافه أنواع العقود أيا كانت المسماة منها والغير مسماه وأيا كان تصنيفها القانوني أو النظري، وسواء تعلقت بحق عيني اصلي أو تبعي أو ارتبطت بحق شخصي أو حتى تضمنت التعامل على منقول أو عقار بالتخصيص أو حتى الأحوال الشخصية للمصريين والأجانب، فأصبح الموثق المصري يشمل اختصاصه توثيق وتسجيل كافه أنواع المحررات أيا كانت، بصورة قانونية فريدة على مستوى الأسرة القضائية والقانونية المصرية والعربية والدولية.