مشروعية المحاماة وأهميتها

بقلم: الأستاذ/ عـــلاء الدليــــل

      لم تكن المحاماة معروفة بهذا الاسم – في عهد الرسول (ص(، ولا في صدر الإسلام، وإنما عرفت في العصور المتأخرة، وإن كان أصل عملها موجودًا في عهد الرسول (ص) وصحابته، ولكنها مندرجة تحت مسمي الوكالة، أو الوكالة على الخصومة، وكانت الحاجة إليها قليلة؛ حيث قلة الجرائم، وقوة الإيمان، وعلو الهمم في المسابقة إلى الخير، ولما تطور المجتمع ماديًا، وضعف الوازع الديني عند بعض الناس، وكثرت خصوماتهم، ونشأت الحاجة إلى إيجاد أناس أهل اختصاص في هذه المهنة (المحاماة) تتوافر فيهم شروط معينة، والغرض من ذلك تحقيق المصلحة العامة للمجتمع بأثره، جاء في بدائع الضائع ( فأما اليوم فقد فسد الزمان، وتغير الناس، فهان العلم وأهله، فوقعت الحاجة إلى هذه التكليفات، للتوصل إلى إحياء الحق وإنصاف المظلوم من الظالم).

وبناء على هذا الحديث فإن هناك العديد من الأدلة على مشروعية المحاماة

أولًا : الأدلة من القرآن الكريم:-

قال تعالى: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًاصدق الله العظيم  

سورة النساء : الآية (109)

وجه الاستشهاد: أن الآية نصت على عدم وجود من يتوكل بالدفاع عن الخائنين يوم القيامة.

وقوله تعالى: (فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا).

صدق الله العظيم … سورة النساء : الآية (35)

ويتضح من الآية بعث توكيل الحكمين من قبل كل من الزوج وزوجته؛ لأن الحكمين كلاهما وكيل في الخصومة من قبل أحد الزوجين.

وقوله تعالى: حكاية عن سيدنا موسي عليه السلام:

(قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35)). صدق الله العظيم …

سورة القصص : الآية (33-35)

وسيدنا موسي عليه السلام طلب من ربه عز وجل أن يرسل معه أخاه هارون عليه السلام ليتولى بيان حجته عنه ، لتعذر ذلك عليه ، لوجود ثقل في لسانه، وليس للقتال أو الحماية، بل للدفاع عنه في التهمة الموجهة إليه، لأنه أفصح منه لسانًا، فكان هارون بمنزلة المحامي الذي يساند المتهم، ويكشف عن حاله، ويعمل على براءته، مما يدل على مشروعية المحاماة للدفاع عن الغير، وهذا دليل أيضًا على أن المجتمعات ما قبل الإسلام عرفت نظام استعانة الإنسان بغيره ممن هو أفصح بيانًا وأقوى حجة في الدفاع.

ثانيًا : الأدلة من السنة النبوية:-

ما ثبت عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما أنهما قالا:-

(إن رجُلاً من الأعراب أتي رسول الله فقال : يا رسول الله أنشُدك الله ألا قضيت لي بكتاب الله ، فقال الخصم الآخر – وهو أفقه منه – نعم فاقض بيننا بكتاب الله وأذن لي ، فقال رسول الله (قل) ، قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا، فزني بامرأته، وأني أُخبرت أن على ابن الرحم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة؛ فسألت أهل العلم فأخبروني إنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم . فقال رسول الله، والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ، الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، وأغد يا أُنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، قال فغدا عليها، فاعترفت فأمر رسول الله فرجمت) صدق رسول الله

وهذا الحديث من أظهر الأدلة في مشروعية المحاماة، ووجه الاستشهاد منه أن والد العسيف هو الذي تكلم بين يدي رسول الله نيابة عن ابنه محاميًا ومخاصمًا عنه، ولم ينكر عليه رسول الله، وإقراره على ذلك دليل على مشروعية المحاماة، كما أن في الحديث أيضاً – توكيل النبي أنيساً في الاستفسار من المرأة، وتنفيذ الحكم عليها إذا اعترفت، وهذا يدل على مشروعية الوكالة.

ما ثبت عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله قال:-

(إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون الحن بحجته من بعضه، فأقضي على نـحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار ) صدق رسول الله

وفي هذا الحديث وصفًا لأحوال الناس، وتفاوت قدراتهم أمام القضاء، من حيث بلاغ الحجة والدفاع عن حقوقهم، وبناء على منهج الإسلام في تحقيق المساواة بين الخصمين أمام القضاء، فإن من حاله أضعف من خصمه في البيان وإيصال حجته، له الحق في أن يوكل من يعينه على إظهار حجته، والمطالبة بحقه، وهذا دليل على مشروعية المحاماة، تحقيقًا للمساواة، والعدل بين المتخاصمين.

ثالثًا: من الآثار:-

توكيل سيدنا علي بن أبي طالب لعقيل بن أبي طالب وعبد الله بن جعفر، كلما عرضت له خصومة، دليل على مشروعية الوكالة في الخصومة، التي هي جزء من عمل المحاماة، فدل ذلك على جواز المحاماة ومشروعيتها.

وجاء في مجلة الأحكام العدلية:-

( لكل من المدعي والمدعي عليه، أن يوكل من يشاء بالخصومة …..)

وبناء على ما تقدم ذكره نجد أن المحاماة تهدف إلى تحقيق مصالح الأشخاص والتيسير عليهم، ورفع الحرج عنهم، لأن الأشخاص ليسوا على درجة واحدة في مباشرة الخصومات، فهناك من الأسباب التي تحول دون مباشرة المرء بنفسه للخصومة وتجعله في حاجة إلى المحاماة؛ إما لعدم تفرغه لها، وإما لعدم اهتدائه إلى معرفة الحجج والخصومات.

لــــــذلـــــــــك

كانـــــــت رسالـــــــة المحامــــاة

وللحديث بقيـــة…

زر الذهاب إلى الأعلى