مشروعية الدليل في قانون الإجراءات الجنائية
بقلم الدكتور/ أحمد سمير اللويزي
تمثل قاعدة مشروعية الدليل الجنائى ، الضمانة الأساسية لحماية المتهم من تعسف السلطة، أو شططها، أثناء مراحل مواجهته بالدليل ، وسواء كان ذلك فى مرحلة جمع الاستدلالات أو مرحلة التحقيق الإبتدائى أو مرحلة المحاكمة.
الحقيقة أن وضع تعريف محدد لقاعدة مشروعية الدليل الجنائى ليس بالأمر اليسير ، ذلك أن هذا المفهوم ليس قانونيآ بحتآ، ولا يستقى من مصدر واحد، ولا تحرص التشريعات الإجرائية على النص عليه صراحة ولا يتم تحديد ملامحه العامة إلا فى ضوء التطبيقات التشريعية وجهود الفقه والقضاء .
فكان للفقه القانونى دوره البارز فى تحديد مشروعية الدليل الجنائى وذلك من خلال إدانته كل الصور الغير مشروعة فى الحصول على الدليل .
وفي ذلك تقول محكمة النقض المصرية: ” أن القاضي الجنائي يحكم في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته، إلا أنه محظور عليه أن يبني حكمه على أن دليل لم يطرح بالجلسة، يستوي في ذلك أن يكون دليلا على الإدانة أو البراءة .
وترتيبا على ذلك فإن القول بأن القاضى الجنائي يملك حرية تقدير الأدلة وفقا لمبدأ حرية الإثبات والاقتناع ليس معناه أنه يملك الحكم بالإدانة على غير أساس من التثبت والتيقن، ذلك أن أكثر ما تكون حالات فساد الاستدلال عندما يتسرع القاضى ويجزم بثبوت الإدانة.
لكن هذا لا يمنع القاضي من أن يؤسس قضاءه بإدانة المتهم على ترجيح فرض على آخر إذ أن شرط القطع واليقين لا يتعارض مع إمكان افتراض صور مختلفة لحصول الواقعة وإدانة المتهم على أية صورة من الصور التي افترضها الحكم.
نخلص مما تقدم : إلى أن عدم قدرة أدلة الإدانة على إحداث القطع أو اليقين يترتب عليه إستمرار حالة البراءة.
فالحكم بالإدانة، يستوجب اليقين بوجود هذه الإدانة وذلك لأنها إثبات على خلاف الأصل الذى لا يمكن إثبات عكسه إلا بمقتضى حالة من اليقين تتساوى في نتائجها مع تلك المسلم بوجودها إبتداء نتيجة لمبدأ افتراض البراءة.
أما الحكم بالبراءة، فهو مجرد تأكيد لمبدأ البراءة الذي يتمتع به الفرد منذ ميلاده ولذلك فإنه يكفى للتقرير به مجرد التشكك فى وقوع ذلك الأمر العارض والمتمثل في حالة الإدانة مما يفضى من ثم إلى إعادة تأكيد حالة البراءة الأصلية إلا أن الاكتفاء بمجرد الشك في إثبات التهمة مشروط بأن يشمل الحكم بالبراءة ما يفيد أن المحكمة قد أحاطت بظروف الدعوى وأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام عن بصر وبصيرة ووازنت بينها وبين أدلة بينها وبين أدلة النفى فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة أدلة الإثبات.
ورغم أنه من المستقر عليه أن الحكم بالإدانة يجب أن يبنى على اليقين في صحة أدلة الإثبات، بينما حكم البراءة يكفي فيه أن يؤسس على الشك في هذه الأدلة، إلا أن محكمة النقض الفرنسية لا تأخذ بمبدأ أن الشك يفسر لمصلحة المتهم إلا في نطاق ضيق، حيث أنها تتشدد فى فحص أسباب الحكم بالنسبة لأحكام البراءة المبنية على الشك أكثر من تشددها بالنسبة لأحكام الإدانة فمجرد التأكيد أنه يوجد شك فى الإدانة يكفى لتبرئة ساحة المتهم ، بل يجب أن يستند هذا الشك علي أدلة قاطعة .