مدى دستورية المادة 24 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية
كتبه: إسلام ميزار المحامي
وفقاً لما لمسته من عوار في تلك المادة، وما رأيته من واقع خبرتي العملية الضئيلة – نسبةً لأشخاص من رجعت لكتبهم و تشرفت ونقاشهم في الموضوع نفسه – وجدت في نفسي الرغبة لكتابة هذا المقال و لقد كان فضل الإشراف الأكاديمي فيها يرجع للدكتور أدهم حشيش عضو هيئة التدريس بجامعة الأسكندرية .. و قد شاركت بها في مسابقة أحمد سيف للحقوق و الحريات و نالت جائزة تقديرية من اللجنة المنظمة بتاريخ 21 يونيو 2018 .
نص المادة 24 مكرر : على مأموري الضبط القضائي و مرؤسيهم و رجال السلطة العامة أن يبرزوا ما يثبت شخصياتهم وصفاتهم عند مباشرة أي عمل أو إجراء منصوص عليه قانوناً و لا يترتب على مخالفة هذا بطلان العمل أو الإجراء ، و ذلك دون إخلال بتوقيع الجزاء التأديبي.
النصوص الدستورية ذات الصلة
مادة 59 من الدستور المصري : الحياة الآمنة حق لكل إنسان وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها ولكل مقيم على أرضها.
مادة 92 من الدستور المصري : الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا إنتقاصاً ولا يجوز لأي قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها.
التعديلات الدستورية ” وثيقة الحقوق ” (دستور الولايات المتحدة الأمريكية):
التعديل الخامس :- لا يجوز اعتقال أي شخص لاستجوابه بشأن جناية أو جريمة شائنة أخرى الا تبعاً لصدور قرار الاتهام.
التعديل السادس : في جميع المحاكمات الجنائية للمتهم الحق بأن يحاكم محاكمة سريعة و علنية، وأن يستعين بمحام للدفاع عنه.
تفسير المادة 24 مكرر : تضع المادة التزام على عاتق مأموري الضبط و مرؤوسيهم و رجال السلطة العامة أن يبرزوا ما يثبت شخصياتهم وصفاتهم عند مباشرة أي عمل أو إجراء منصوص عليه قانوناً، وهو التزام فرضته المادة، يهدف إلى حماية المواطنين من التجاوزات التي قد تحدث من البعض بادعاء أنهم من مأموري الضبط القضائي وذلك لتطمين المواطن وتزويده باسم و صفة من مارس الإجراء في مواجهته، و هو إجراء محمود طالما أن العمل أو الإجراء ذاته سيظل خاضعاً من حيث صحته أو بطلانه للقواعد التي تحكمه و لكن رأينا بعدم دستورية المادة يتلخص في جملة ” ولا يترتب على مخالفة هذا بطلان العمل أو الإجراء “.
و نحن نرى أن الأساس من ذلك هو أن يستطيع الإنسان معرفة من مارس الإجراء في حقه ليشعر بالأمان و الطمأنينة كأحد الضمانات التي كفلتها المادة 59 من الدستور من ناحية، ومن ناحية أخرى التأكد من هوية ممارس الإجراء ، ليستطيع مقاضاة شخص مأمور الضبط القضائي أو رجل السلطة العامة حال حدوث تجاوز في حقه، فليس من المعقول أنه يشتكي المتضرر شخصاً لا يعرف اسمه أو صفته، ويمكن القول ان أول سؤال يتبادر لذهننا من الأسئلة التي قد تصدر من السيد وكيل النائب العام أثناء التحقيق حال إخباره بحدوث تجاوز ما في حق الشخص – ” من الذي تجاوز في حقك ؟ ما إسمه ؟ هل تعرفه ؟ هل بينكم سابق عداوة ؟ “، فتكون الإجابة أنا لا أعرفه ولا أعرف شخصه، وبفرض أيضاً أن تخيل الشخص أن هؤلاء الأفراد ينتحلون صفة رجال الضبطية و قاومهم كيف له أن يثبت حسن نيته حين يقابل بجريمة مقاومة السلطات؟
كيف لي أن أضمن حقي في شكوى من تجاوز في حقي دون أن أعرفه أو أتبين صفته و مدى قانونية الإجراء و حدود السلطة المخولة له و حقه في ممارسته ابتداءً ؟، و من جهة أخرى كيف لي أيضاً أن أضع حقوق المواطنين تحت صعوبة إثبات الوقائع أمام وكلاء النيابة، فأقوال الشاكي قد يكون لا سند لها أمام محضر الضبط ، الى جانب الحالات التي يقاوم فيها الشخص أمر مأمور الضبط كما ذكرنا سابقاً و الذي لم يعلن صفته و لا يلبس الملابس الرسمية ليجد الشخص الأول نفسه متهماً بمقاومة السلطات و هو يظن أنهم أشقياء يبتغون له ضرراً.
من الجدير بالذكر أن حالة من الاضطرابات وعدم الاستقرار الأمني و انتشار الجريمة و الإرهاب تلت ثورة 25 يناير و استمرت حتى الأن – من ما ذكرت هناك جرائم خاصة تمثلت في انتحال أشخاص صفة الموظف العام و بالأخص صفه ضباط الشرطة من أجل أعمال النصب و الاحتيال على المواطنين و تعمد ترويعهم لممارسة أعمالهم غير المشروعة، و قد تم ضبط العديد من هؤلاء بالفعل و تم إحالتهم للمحاكم بتهم انتحال صفات ضباط و طلبة من كلية الشرطة و ضباط جيش و رجال سلطة عامة – و بُناء عليه يجب على مأموري الضبط القضائي المنوط بهم عملية الاستيقاف مثلاً أو مباشرة إجراء محدد نص عليه القانون أن يبرز تحقيق هويته حال طلب الشخص الذي يتخذ الإجراء بحقه ذلك و هو حقه و ضمانه أساسية يكفلها له الدستور في المواد السابق ذكرها.
و نعيب على المشرع الإغفال في أن يكون مجرد عدم الالتزام بحكم المادة يعرض المخالف لجزاء تأديبي فقط لصعوبة إثبات ذلك من قِبل المُتجَاوز في حقه من الأساس و هذا اولاً.
ثانياً لأنه حق الإنسان في الحياة الآمنة المطمئنة في محل إقامته، أو في وطنه تجاه القائمين على إنفاذ القانون بأن لا يتجاوزوا اختصاصهم القانوني وأن يعي جيداً حقوقه، وواجباته، تجاه مأمور الضبط القضائي.
ونستشهد 1/ بما هو عليه الوضع في قانون الولايات المتحدة الأمريكية التي توجب على الشرطة أن توجه التحذير الشهير بحقوق ميراندا أو قواعد ميراندا (Miranda warning) .
للمشتبه فيهم جنائياً عند استيقافهم، أو حبسهم، أو احتجازهم للاستجواب، و قبل أن يتم استجوابهم للحفاظ على مقبولية بيناتهم قبل استخدامها ضدهم في الإجراءات الجنائية .. و يعود تحذير ميراندا إلى قرار المحكمة العليا في سنة 1966 في قضية عرفت باسم ميراندا ضد أريزونا.
Miranda V. Arizona
و ملخصها شكوى مقدمة من ارنستو ارتورو ميراندا يثبت فيها ان الشرطة قد انتهكت حقوقه بحسب التعديلين الخامس و السادس للدستور و قد اشرنا لهم في البداية لأنها لم تقل له ما هي هذه الحقوق بعد إعتقاله .. و قد وقفت المحكمة العليا بجانبه و اعيدت محاكمته مرة اخرى بسبب هذه الخطأ من مأمور الضبط القضائي حينها.
و نستشهد 2/ قرار المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة في الدعوى رقم 53942 لسنة 63 قضائية – إحالة المواد 12 و 14 و 20 من القانون 158 لسنة 1962 المعروف بقانون الطوارئ للمحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستوريتهم.
و تتلخص وقائع القضية حيث أصدرت محكمة الجنايات حكماً يقضي ببراءة المتهمين من تهمة إنشاء تنظيم على خلاف أحكام القانون و أصبح الحكم نهائياً بفوات مواعيد الطعن عليه، الا ان رئيس الوزراء قرر في 21 سبتمبر 2014 الغاء ذلك الحكم و إعادة المحاكمة أمام دائرة اخرى إعمالاً لقانون الطورئ و بناء على قرار رئيس الوزراء سالف الذكر أعيدت المحاكمة و صدر بحق المتهم حكم بإعدامه شنقاً ، و تنظر المحكمة الدستورية حالياً الدعوى المحالة اليها و قررت حجز الدعوى للتقرير
و من الجدير بالذكر انه في حالة استجابة المحكمة الدستورية لهذا الطعن و قضائها بعدم دستورية تلك النصوص فإن كل الأحكام التي ستصدر من محاكم أمن الدولة العليا طوارئ تطبيقاً لقانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 سوف تصبح نافذة بذاتها ولا تعلق على تصديق الحاكم العسكري عليها ، كما لا يجوز له طلب إعادة محاكمة المتهمين الصادر بشأنهم أحكام منها و كذلك لا يجوز للمتهمين سلوك طريق النقض طعناً على هذه الأحكام.
و 3/ إن المحكمة الدستورية العليا قضت بأن الدستور هو القانون الأساسي الأعلى الذي يرسي القواعد و الأصول التي يقوم عليها نظام الحكم و يحدد السلطات العامة و يرسم لها وظائفها و يضع الحدود و القيود الضابطة لنشاطها و يقرر الحقوق و الحريات العامة و يرتب الضمانات الأساسية لحمايتها و تستوي قواعده على القمة من البناء القانوني للدولة و تتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التي يتعين على الدولة التزامها في تشريعاتها ، و هذه القواعد و الأصول هي التي يرد اليها الأمر في تحديد ما تتولاه السلطات العامة من وظائف أصلية و ما تباشره كل منها من أعمال أخرى استثناء من الأصل العام الذي يقضي بانحسار نشاطها في المجال الذي يتفق و طبيعة وظيفتها.
حكم المحكمة الدستورية العليا بجلسة 2/6/2013 في القضية رقم 17 لسنة 15 قضائية دستورية.
و 4/ من المقرر انه لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الإفتئات على حريات الناس و القبض عليهم بدون وجه حق نقض رقم 174 لسنة 43ق جلسة 9/4/1973.
و 5/ ان الحرية الشخصية حق طبيعي و هي مصونة لا تمس، ….. و كانت المادتان 35 و 34 من قانون الإجراءات الجنائية المعدل بالقانون رقم 37 لسنة 1972 قد أجازتا لمأمور الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات و الجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد ضده أدلة كافية على اتهامه بالجريمة فإن لم يكن حاضراً جاز لمأمور الضبط أن يصدر أمراً بضبطه و إحضاره و كانت المادة 46 من القانون ذاته تجيز تفتيش المتهم في الحالات التي يجوز فيها القبض عليه قانوناً فإذا جاز القبض عليه قانوناً جاز تفتيشه و إن لم يجز القبض عليه لم يجز تفتيشه و بطل ما أسفر عن القبض و التفتيش البطلان.
نقض رقم 21646 لسنة 66ق جلسة 22/3/1999.
و بما أن رقابة دستورية القوانين و النظام القانوني للدفع بعدم الدستورية يهدف الى ضمان سمو الدستور و حماية الحقوق و الحريات من اي اعتداء او مخالفة .. و ان الحقوق و الحريات الخاصة بالمواطنين مصونة لا تمس و يجب أن يأتي التشريع بما لا بغفل تلك الحقوق الدستورية فكان من الواجب على المشرع تضمين المادة 24 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية بما يبطل الإجراء طالما لم يعلن مأمور الضبط او القائم بالإجراء المنصوص عليه قانوناً عن هويته و صفته … و عليه فنرى و ندفع بعدم دستوريتها.
————————————————————–
المراجع
محمد زكي أبو عامر – الإجراءات الجنائية (الدعوى الجنائية) – الجزء الأول – 2018 – دار الجامعة الجديدة
أدهم أحمد حشيش – القانون الأمريكي (مدخل) – الجزء الثاني – 2017 دار النهضة العربية
عوض محمد عوض – تعليقات على أحكام القضاء (دراسة نقدية لبعض أحكام النقض) – الطبعة الأولى – 2017 – دار الشروق
أحكام الإدارية و الدستورية العليا و النقض
عيسو نادية ، أمير كهينة – الدفع بعدم الدستورية القوانين ( رسالة ماجستير ) – جامعة عبدالرحمان ميرة – بجاية – 2016
ويكيبديا