مدى جواز الرجوع في الهبة بين أحكام الفقة وحكم الدستورية العليا
بقلم الدكتور/وليد محمد وهبه المحامي
تعليقا على حكم المحكمة الدستورية العليا، بعدم دستورية نص البند (هـــ) من المادة (502) من القانون المدني، في مجال سريانها على هبة أي من الوالدين لابنه.
حيث أن الحكم تأسس على أن المشرع استقي حكم النص المطعون فيه من الفقه الحنفي، الذي منع رجوع الوالد في هبته لابنه، ولو كان لديه عذر يبيح ذلك، حال أن جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وعلماء المدينة يجيزون ذلك
وقد دلل الفقهاء باختلافهم هذا على عدم وجود نص قطعي الثبوت والدلالة في مبادئ الشريعة الإسلامية يحكم هذه المسألة، ومن ثم تعتبر من المسائل الظنية التي يجوز فيها الاجتهاد، وهي بطبيعتها متطورة، تتغير بتغير الزمان والمكان.
وإذا كان الاجتهاد فيها حقًا لأهل الاجتهاد، فمن باب أولى يكون هذا الحق لولي الأمر (المشرع)، ينظر في كل مسألة بما يناسبها، في إطار المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية، بما تقوم عليه من الحفاظ علي الدين والنفس والعقل العرض والمال.
متي كان ذلك، وكان منع الأب من الرجوع في الهبة يجعله في حرج شديد، ويرهقه من أمره عسرًا، ويعرضه لمذلة الحاجة بعد أن بلغ من العمر عتيا، إذا أحوجته الظروف لاسترداد ما وهبه لابنه، ورفض الابن إقالته من الهبة، إضرارًا به، مستغلًا أن النص المطعون فيه يمنع الأب من الحصول علي حكم قضائي في هذا الشأن، ضاربًا عرض الحائط بالواجب الشرعي والأخلاقي لبر الوالدين، وعدم عقوقهما، والاحسان إليهما وطاعتهما في غير معصية. ومن ثم، يكون منع القضاء من الترخيص للأب في الرجوع في الهبة، ولو توافر له عذر يبيح ذلك، فضلاً عن كونه يصادم ضوابط الاجتهاد والمقاصد الكلية لشريعة الإسلامية، فإنه يكون قد انطوى على تمييز غير مستند لمبرر موضوعي بحسب صلة القرابة المحرمية التي تربط الواهب بالموهوب له، وذلك بالمخالفة لأحكام المواد (97،92،53،2) من الدستور
وإنه يتضح من هذا الحكم إن المحكمة الدستورية العليا قررت بأن الرجوع فى الهبة كحق عام للواهب إذا ما استجدت ظروف اقتصادية قد تجعله فى احتياج إلى الأموال
لكن القانون وتحديد البند (هـــ) من المادة ٥٠٢ من القانون المدنى تمنع الرحم المحرم فماهو هو صلة القرابة التى تمنع من الزواج مثل الام والاب و الابن والابنه والاخوه والاخوات وبنات الاخ و أولاد الاخت وغيرهم من الصلات التى لا يجوز التزاوج فيما بينهم
ولقد كان هذا الاستناد لموجب التفسير أو الاجتهاد الفقهى حيث تباينت الآراء الفقهية بين مؤيد ومعارض حيث كان هناك رأى للجمهور الفقهاء بجواز الرجوع فى الهبه الصادرة للارحام المحرمة بعوض وهناك من يقول بغير عوض إلا إن هناك رأى في الفقه يرفض الرجوع فى الهبه مطلقا
إلا إن البحث الذى قامت به المحكمة فى بيان الاسباب و الاسانيد الشرعية التى يستدل من خلالها على جواز الرجوع فى الهبة وكان هذا اتجاه الملكية و الاحناف والذى يعتبر اجتهاد جديد فى توضيح مضمون أحقية الاستناد إلى مذاهب الملكية فى القانون المصرى وهذا بمثابة سبق للمحكمة الدستورية العليا
حيث يرى الفقه الإسلامى إن الرجوع في الهِبَة أو المنع حقيقته: ارتجاع الواهب أو المعطي عطيته أو هبته دون عِوَض، برضا الموهوب له، أو رغمًا عنه، ويُعتبَر الرجوع عن الهبة رضاءً أو قضاءً إبطالاً لأثر العَقدِ، ولا يردُّ الموهوب له الثمار إلا مِن تاريخ الرجوع رضاءً، أو من تاريخ الحكْم، وله أن يستردَّ النفقات الضرورية، أما النفقات الأخرى، فلا يستردُّ منها إلا ما زاد في قيمة المال الموهوب، وإذا استعاد الواهب المال الموهوب بغير رضاء أو قضاء، كان مسؤولاً عن هلاكه مهما كان سببه، وإذا صدر حكم بالرجوع في الهبة وهلك المال في يد الموهوب له، بعد إعذاره أو إخطاره بضرورة التسليم، فإن الموهوب له يكون مسؤولاً عن الهلاك، مهما كان سببه.
ولقد ورد فى الحديث الشريف عن أبي هُرَيرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الواهِبُ أحقُّ بهبتِه ما لم يُثب منها
وجه الاستدلال بالحديث الشريف:
الحديث نصٌّ في جواز الرجوع في الهِبَة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم جعل الواهب أحق بهبته ما لم يَصِلْ إليه العِوَض
جـ – إجماع الصحابة؛ فإنه رُوى عن سيدنا عمر وعثمان وعلي وأبي الدرداء وعبدالله بن عُمر وكثير من الصحابة القول بجواز الرجوع في الهبة، ولم يَرِد عن غيرهم خلافه، فيكون إجماعًا
كما ان هناك رأي يرى أنَّ الأصْل الرجوع في الهِبَة إلا لمانع، ويُنسَب هذا الرأيُ إلى الحنفيَّة، واستدلُّوا على ذلك بالحديث الوارد.
وهذا ما بينته المحكمة الدستورية فى حيثيات حكمها إن الظروف قد تتغير ويكون الاب فى احتياج لهذا المال مما يستلزم معه إن يتم الرجوع فى هذه الهبه و إن هذا استدلال بالمعقول وهو استدلال صحيح فقها، لكنه لا يُفيد لزوم الهِبَة، بل يُفيد جواز الرجوع فيها.