نعود إلى عام 1914 ، فقد رأينا محمد فريد حاضرًا مؤتمر الأجناس المضطهدة الذى عُقد فى لندن فى فبراير 1914 ، وقوبل فى محطة الوصول بحفاوة بالغة ، كما قوبل بالحفاوة والتصفيق الطويل لحظة وصوله إلى قاعة المؤتمر بجلستها الأولى 16 فبراير ، وألقى كلمة عن حالة مصر وقانون الصحافة فيها ، مدافعًا عن حرية الصحافة ، ووجوب تحرير مصر من الاحتلال .
وأقامت الجالية المصرية فى أكسفورد ، تحت رعاية « الجمعية المصرية » احتفالاً بمحمد فريد ، ممن خطبوا فيه حفنى محمود ، ذاكرًا للزعيم أنه قد ضحى بكل شىء من أجل وطنه ، إلاَّ الشرف فإنه ضاعفه .
وأقامت « جمعية أبى الهول » المصرية ـ حفلاً بدورها لتكريمه ، تواصلت فيه الكلمات عن الشأن المصرى ، فى حضور لفيف من الشخصيات الأجنبية المهمة ، منهم المستر أودنل Odonel الكاتب الأيرلندى ، والمستر ألدى ، وظفر على خان الصحفى الهندى . وانتهز محمد فريد الفرصة ، فألقى خطبتين إحداهما بالفرنسية ، والأخرى بالعربية ، فأدان فيهما الاحتلال البريطانى بمصر ، ومثالب تدخل بريطانيا فى السياسة المصرية العامة , وتأثيرها السلبى على الجمعية التشريعية ، مؤكدًا أن الإصلاح لا يكون إلاَّ مصريًّا ، وبدستور مصرى تنهض مصر على وضعه ، وركز على مبدأ « مصر للمصريين » ـ أنه مبدأ الحزب وشعاره ، وأنه إذا كان يتحدث فى لندن ، فلإعلام الرأى العام ببريطانيا على ما تفعله فى مصر ، أما نحن كمصريين ـ فلا نخاطب غير الحكومة المصرية ، ولا نطالب الإنجليز إلاَّ بالجلاء عن بلادنا .
وبين هذا المؤتمر بلندن فى فبراير 1914 ، ومؤتمر نادى الاتحاد الإسلامى فى بلجيكا فى مارس 1914، والجمعية المصرية فى نيو شاتل بسويسرا فى مايو 1914 ، وافتتاح النادى المصرى فى لندن فى نفس الشهر ، حضر المؤتمر الشبيبة المصرية بأوروبا المنعقد فى جنيف فى يوليو 1914، وصممت جمعية « أبو الهول » المصرية بجنيف على أن يرأس المؤتمر ، واستمر هذا المؤتمر منعقدًا لعدة أيام ، فكان فرصة ــ فضلاً عن الخطب ــ لصلات وعلاقات صبت فى صالح القضية المصرية .
ومما يُذكر، أنه أثناء الحرب العالمية الأولى ، جاهد محمد فريد جهادًا كبيرًا لنصرة مصر والمطالبة باستقلالها ، وأرسل إلى الخديو عباس فى الآستانة خطابًا فى 22 أغسطس 1914 ، هنأه بنجاته من حادث الاعتداء عليه ، ولكن نصحه بوجوب صدور دستور لصالح الأمة ، والتقى به فى الآستانة قبل أن يخلع ، وتصالحَا ، ووعده الخديو بإصدار مرسوم يعلن فيه الدستور ، وفى 11 نوفمبر 1914 أصدر الخديو منشورًا إلى الأمة المصرية بإعلان الدستور الكامل فى مصر ، وقد أورده الرافعى فى تاريخه .
وللأسف أعلنت الحماية البريطانية على مصر فى 18 ديسمبر 1914 ، وخلع الخديو عباس الثانى وتولى السلطان حسين كامل العرش ، وكلف حسين رشدى باشا بتأليف الوزارة .
وكان أن أُعلنت الأحكام العرفية خلال الحرب ، واقترن ذلك بتجاوزات فى حق المصريين ، نال أقطاب الحزب الوطنى أوفى نصيب فيها ، واعتُقل كثيرون ونُفى آخرون إلى خارج البلاد ، وممن نُفوا إلى أوروبا الدكتور نصر فريد بك ، وإلى مالطة الدكتور عبد الغفار متولى ، والأستاذ محمد عوض محمد ، والأستاذ محمود إبراهيم الدسوقى ، والأستاذ محمد عوض جبريل ، وحامد بك العلايلى ، والأستاذ حامد المليجى ، وسلامة أفندى الخولى ، والأستاذ على فهمى خليل ، والأمير أفندى العطار ، وغيرهم ، وقد لبثوا فى المعتقلات أو فى المنفى مددًا طويلة ، ومنهم من لبث فى السجن أو المنفى إلى ما بعد الهدنة ونهاية الحرب سنة 1918 ، أما من أُفرج عنهم فقد قيدت حريتهم ، ووضعوا تحت المراقبة .
وفى ديسمبر 1915 ، دعا محمد فريد إلى اجتماع للوطنيين ، عُقد فى جنيف برئاسته ، وأصدروا قرارًا إجماعيًّا بالتمسك باستقلال مصر ، وأن الحكومة القائمة آنذاك لا تمثل الأمة المصرية ، وأنه لا محل لتدخل تركيا فى شئون مصر ، فمصر للمصريين ، لا إنجليز ولا أتراك ، وأنه مصر لا ترتضى سوى الاستقلال التام .