محكمة النقض: تقرير الخبير عنصر من عناصر الإثبات
أكدت محكمة النقض خلال حكمها بالطعن رقم 487 لسنة 73 القضائية “أحوال شخصية”، أن تقرير الخبير هو عنصر من عناصر الإثبات التي تخضع لتقدير قاضي الموضوع دون معقب.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – تتحصل فى أن الطاعن أقام الدعوى رقم…. لسنة 1993 كلى أحوال شخصية شمال القاهرة على المطعون ضدها للحكم ببطلان عقد زواجه منها، وقال بيانًا لذلك إنه تزوجها بموجب العقد المؤرخ 19/ 1/ 1993 الذى أقرت فيه بأنها بكر، ثم أقرت له فى الإقرار المؤرخ 5/ 5/ 1993 بأنها ثيب فأقام الدعوى، طعنت المطعون ضدها على هذا الإقرار بالتزوير صلبًا.
ندبت المحكمة مصلحة الطب الشرعى لأداء المأمورية، وبعد أن أودعت تقريرها، قدم الطاعن طلبًا عارضًا بتطليق المطعون ضدها لسوء السلوك، ثم أقام الدعوى رقم…. لسنة 1996 كلى أحوال شخصية شمال القاهرة للحكم برد خبراء مصلحة الطب الشرعى المنتدبين لأداء المأمورية ومنعهم منها وندب خبراء آخرين من خارج المصلحة للقيام بها، ثم تنازل الطاعن عن جميع الدعاوى المقامة منه ما عدا الدعوى رقم….. سالفة الذكر كما أقامت المطعون ضدها الدعوى رقم….. لسنة 1997 كلى أحوال شخصية شمال القاهرة على الطاعن للحكم بتطليقها عليه.
وقالت بيانًا لذلك إنها زوجته ومدخولته إلاَّ أنه دائم التعدى عليها بالضرب والسب وتعددت الخصومات القضائية بينهما مما أدى إلى استحكام النفور بينهما وافتراقهما عن بعضهما أكثر من ثلاث سنوات متصلة فقد أقامت الدعوى، ضمت المحكمة الدعاوى، ثم حكمت بتاريخ 29/ 12/ 2001 فى الدعوى رقم….. لسنة 1996 كلى أحوال شخصية شمال القاهرة برفضها وفى الدعوى رقم….. لسنة 1993 كلى أحوال شخصية شمال القاهرة فى موضوع الادعاء بالتزوير بقبوله وبرد وبطلان عبارات وبيانات صلب الإقرار محل الطعن، استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم…… لسنة 6 ق القاهرة، وبتاريخ 15/ 6/ 2002 حكمت محكمة أول درجة بعدم قبول الدعوى رقم……
لسنة 1993 كلى أحوال شخصية شمال القاهرة وبعدم جواز نظر الطلبين العارضين فيها والدعوى رقم….. لسنة 1997 كلى أحوال شخصية لسابقة الفصل فيهم بالحكم الصادر فى الدعوى رقم…. لسنة 2002 كلى أحوال شخصية جنوب القاهرة، استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم….. لسنة 6 ق القاهرة، ضمت المحكمة الاستئنافين، ثم قضت بتاريخ 23/ 4/ 2003 بعدم جواز الاستئناف رقم… لسنة 6 ق، وبعدم قبول الاستئناف رقم….. لسنة 6 ق لانتفاء مصلحة الطاعن، طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأى برفض الطعن، عرض الطعن على المحكمة فى غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالوجه الثانى من السبب الأول والسبب الثالث منها على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون، والفساد فى الاستدلال وفى بيان ذلك يقول إن الحكم استند فى قضائه بعدم قبول الاستئناف رقم….. لسنة 6 ق لانتفاء مصلحته فيه إلى إقراره بطلبات المطعون ضدها فى الدعوى رقم….. لسنة 2002 كلى أحوال شخصية جنوب القاهرة والمقضى فيها بتطليقها عليه خُلعًا فى حين أن هذا الإقرار لا يدل على ترك حقه فى الطعن على الحكم الصادر فى دعوى بطلان الزواج لاختلافها سببًا عن دعوى الخلع.
كما أنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بأن له مصلحة حالة ومحققه تعود عليه فى طلب بطلان عقد الزواج لأن أسباب انحلاله واردة على سبيل الحصر فى شريعة الأقباط الأرثوذوكس التى ينتمى إليها ولا يدخل ضمنها الطلاق عن طريق الخلع، ويترتب على ذلك حرمانه من الزواج طيلة حياته لعدم انفصام عرى الزوجية بأحد الأسباب الواردة فى شريعته إلا أن الحكم التفت عن هذا الدفاع مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى غير مقبول ذلك أنه لما كانت المادة 20 من القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية تنص على أنه ” للزوجين أن يتراضيا فيما بينهما على الخلع، فإن لم يتراضيا عليه وأقامت الزوجة دعواها بطلبه، وافتدت نفسها وخلعت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية الشرعية.
وردت عليه الصداق الذى أعطاه لها، حكمت المحكمة بتطليقها عليه…… ويقع بالخلع فى جميع الأحوال طلاق بائن، ويكون الحكم فى جميع الأحوال غير قابل للطعن عليه بأى طريق من طرق الطعن ” وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن رابطة الزوجية القائمة بين الطاعن والمطعون ضدها قد انفصمت عراها بصدور حكم نهائى بتطليقها منه خُلعًا فى الدعوى رقم…… لسنة 2002 كلى أحوال شخصية جنوب القاهرة، وبذلك تنقضى العلاقة التى كانت قائمة بينهما ويصير كل منهما أجنبيًا عن الآخر.
ومن ثم تضحى دعوى بطلان زواج مطلقته المذكورة منه لا محل لها لورودها على عقد زواج انقضى فلم يعد ثمة جدوى من إعادة بحث بطلانه أو صحته سيما وأن حكم الخلع المشار إليه ينطوى ضمنًا على صحة عقد الزواج، إذ لا يرد الخلع بحسبانه تطليقًا إلا على عقد زواج صحيح، مما كان يتعين معه رفض الاستئناف، وإذ كان قضاء الحكم فى هذه الحالة بعدم قبوله يستوى فى نتيجته مع رفضه، وكان حكم الخلع فى ذاته لا يمنع الطاعن من الزواج مرة أخرى إلا إذا قضى بذلك، وكان ذلك القضاء لم يقض بحرمانه من الزواج، فإنه يجوز له أن يتزوج بأخرى طبقًا لنص المادة 69 من لائحة الأقباط الأرثوذوكس الصادرة سنة 1938، ومن ثم فإن النعى يكون غير منتج وبالتالى غير مقبول.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن بالوجه الأول من السبب الأول والسبب الثانى على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب ذلك أنه قضى بعدم قبول الاستئناف رقم….. لسنة 6 ق لانتفاء مصلحته فيه فى حين أن الحكم الفرعى الصادر فى الدعوى والقاضى برد وبطلان عبارات وبيانات صلب الإقرار الصادر له من المطعون ضدها ضار به، ومن شأنه تعريضه للمسئولية المدنية والجنائية، لقيامها بإقامة جنحة مباشرة ضده لمعاقبته عن جريمتى تزوير هذا المحرر واستعماله وإلزامه بالتعويض المؤقت، الأمر الذى يتوافر به للطاعن مصلحة حالة ومحققه فى استئنافه، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر ولم يعرض لدفاعه فى هذا الشأن، فإنه يكون معيبًا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى سديد، ذلك أنه لما كان النص فى المادة الثالثة من قانون المرافعات على أنه ” لا يقبل أى طلب أو دفع لا يكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون ” يدل على أن شرط قبول الدعوى هو وجود مصلحة لدى المدعى عند التجائه للقضاء للحصول على تقرير حقه أو لحمايته، وأن تظل المصلحة متحققة – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – حتى صدور الحكم فيها، ولا تهدف المصلحة إلى حماية الحق واقتضائه فحسب وإنما قد يقصد بها مجرد استيثاق المدعى لحقه بحيث لا يلزم أن يكون له حق ثابت وقع عليه العدوان حتى تقبل دعواه بل يكفى حتى تكون دعواه جديرة بالعرض أمام القضاء أن يكون ادعاؤه مما يحميه القانون وتعود عليه الفائدة من رفع الدعوى به.
لما كان ذلك، وكان الواقع فى الدعوى أن الطاعن تمسك أمام محكمة أول درجة بصحة الإقرار الصادر له من المطعون ضدها وبدلالته على ثبوت دعواه ببطلان عقد الزواج المؤرخ 19/ 1/ 1993 وسلكت المطعون ضدها سبيل الادعاء بتزوير هذا المحرر وقضى لها برده، فإن الطاعن يكون وحده صاحب المصلحة فى الطعن بالاستئناف على ذلك الحكم باعتباره الخصم المحكوم عليه وتعود عليه منفعة من طعنه على فرض الحكم لصالحه، وإذ خلص الحكم المطعون فيه إلى غير ذلك فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون بما يوجب نقضه فى هذا الخصوص.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه – ولما تقدم – وكان من المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أن تقرير الخبير هو عنصر من عناصر الإثبات التى تخضع لتقدير قاضى الموضوع دون معقب وكان الحكم المستأنف قد أقام قضاءه فى موضوع الادعاء بالتزوير المبدى من المطعون ضدها بقبوله وبرد وبطلان عبارات وبيانات صلب الإقرار محل الطعن المؤرخ 5/ 5/ 1993 على قوله ” أن المحكمة تطمئن عقيدتها ويرتاح وجدانها إلى تقريرى مصلحة الطب الشرعى إدارة أبحاث التزييف والتزوير رقمى 655 ت لسنة 1994، 253 ت لسنة 1996 والمؤرخين 14/ 4/ 1994، 6/ 7/ 1996 دون غيرهما.
وذلك لسلامة الأسس والأسانيد التى بنيا عليهما ولاتساقهما وعدم تناقضهما والنتيجة التى انتهيا إليها والتى مؤداها أن…… (المطعون ضدها) هى الكاتبة بخط يدها لتوقيعها الثابت بالإقرار موضوع الطعن المؤرخ 5/ 5/ 1993 غير أنها وقعت بتوقيعها قبل إثبات وكتابة عبارات صلب الإقرار أى أنها وقعت على بياض، وأن…… (الطاعن) هو الكاتب بخط يده لعبارات صلب الإقرار السالف، ومن ثم فإن المحكمة تأخذ بهما وتقضى بالابتناء عليهما…… “.
وإذ كان ما أورده الحكم سائغًا ويكفى لحمل قضائه ويؤدى إلى ما انتهى إليه فى هذا الخصوص. وكان النص فى المادة 37 من مجموعة قواعد الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذوكس الصادرة فى سنة 1938 على أنه ” إذا وقع غش فى شخص أحد الزوجين فلا يجوز الطعن فى الزواج إلا من الزوج الذى وقع عليه الغش وكذلك الحكم فيما إذا وقع غش فى بكارة الزوجة بأن ادعت أنها بكر وثبت أن بكارتها أزيلت بسبب سوء سلوكها…… ”.
وفى المادة 38 منها على أنه ” لا تقبل دعوى البطلان فى الأحوال المنصوص عليها فى المادة السابقة إلا إذا قدم الطلب فى ظرف شهر من وقت أن أصبح الزوج متمتعًا بكامل حريته أو من وقت أن علم بالغش ويشترط ألا يكون قد حصل اختلاط زوجى من ذلك الوقت ” يدل – وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض – على أن الغش فى بكارة الزوجة يجيز إبطال الزواج على أساس أنه غلط فى صفة جوهرية يعيب الإرادة.
وهو يتوافر بمجرد ادعاء الزوجة أنها بكر على خلاف الحقيقة ثم ثبت فيما بعد أنها لم تكن بكرًا وأن الزوج لم يكن على علم بذلك من قبل شريطة أن يرفع الدعوى ببطلانه فى خلال شهر من وقت علمه بالغش على ألا يكون قد حصل اختلاط زوجى بين الطرفين من ذلك الوقت وكان توافر ذلك الغلط ووقت اتصال علم الزوج به ومخالطته أو عدم مخالطته لزوجته بعد هذا العلم من مسائل الواقع التى تستقل بتقديرها محكمة الموضوع طالما قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفى لحمله.
لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائى الذى أنهى الخصومة كلها فى الدعوى رقم…. لسنة 1993 قد استخلص فى حدود سلطته التقديرية أن الطاعن كان يعلم فى تاريخ 17/ 2/ 1993 بالغش المقول به بشأن بكارة المطعون ضدها وانتهى إلى أن دعوى بطلان زواجه منها قد أقيمت بعد مضى أكثر من شهر من تاريخ علمه به بما يترتب عليه عدم قبول الدعوى إعمالا لنص المادة 38 سالفة الذكر.
وكان ذلك من الحكم استخلاص موضوعى سائغ مما له مأخذه من الأوراق ويؤدى إلى ما انتهى إليه، ومن ثم يتعين القضاء فى موضوع الاستئناف رقم….. لسنة 6 ق القاهرة برفضه وتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم قبول الدعوى رقم…… لسنة 1993 كلى أحوال شخصية شمال القاهرة.