محكمة النقض تعرف القواعد القانونية التي تعتبر من النظام العام
كتب/ عبدالعال فتحي
عرفت محكمة النقض في حكمها الطعن رقم ٩٧١٥ لسنة ٩٠ قضائية ـ الدوائر المدنية – جلسة ٢٠٢١/٠٦/٢٠، القواعد القانونية التي تعتبر من النظام العام، بأنها هي قواعد يقصد بها تحقيق مصلحة عامة تتعلق بنظام المجتمع الأعلى وتعلو على مصلحة الأفراد فيجب على جميع الأفراد مراعاة هذه المصلحة وتحقيقها ولا يجوز لهم أن يناهضوها باتفاقات فيما بينهم حتى لو حققت هذه الاتفاقات لهم مصالح فردية باعتبار أن المصلحة الفردية لا تقوم أمام المصلحة العامة وسواء ورد في القانون نص يجرمها أو لم يرد .
باسم الشـعب
محكمــة النقــض
دائرة الأحد (ب) المدنية
الطعن رقم ٩٧١٥ لسنة ٩٠ قضائية
جلسة السبت الموافق ٢٠ من يونيه سنة ٢٠٢١
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
برئاسة السيد القاضى / عبد الصبور خلف الله نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة القضاة / محمد عبد المحسن منصور،هشام عبد الحميد الجميلي
د/ طه عبد العليم ومصطفى حمدان” نواب رئيس المحكمة “
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١ – ٣) حكم ” حجية الأحكام : مدى تعلقها بالنظام العام ” ” ما يحوز الحجية : نطاق الحجية ومداها ” ” استنفاد الولاية : من أحوال استنفاد الولاية ” . قوة الأمر المقضى ” نطاقها : أحكام تحوز قوة الأمر المقضى ” ” أثر اكتساب قوة الأمر المقضى ” ” قوة الأمر المقضى واعتبارات النظام العام ” . دعوى ” شروط قبول الدعوى : العرض على لجان التوفيق المنصوص عليها بق ٧ لسنة ٢٠٠٠” .
(١) القضاء النهائى . اكتسابه قوة الأمر المقضى فيما فصل فيه بين الخصوم . أثره . امتناع عودة الخصوم فى الدعوى التى صدر فيها إلى مناقشة المسألة التى فصل فيها ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها أو أثيرت ولم يبحثها الحكم الصــادر فيها .
(٢) قضاء المحكمة باختصاصها بنظر الدعوى غير المختصة بها ولائياً . حيازته قوة الأمر المقضى ما لم يطعن الخصوم عليه بالطرق المقررة قانوناً . أثره . وجوب تصديها للفصل فى الموضوع . علة ذلك . سمو حجية الأحكام على اعتبارات النظام العام . م ١١٠ مرافعات .
(٣) صدور حكم نهائي باختصاص محكمة أول درجة ولائياً بنظر الدعوى . أثره . امتناع المحكمة مخالفته أو إعادة بحثه وكذا الخصوم من التنازع في أي حق آخر يتوقف ثبوته أو انتفائه على ثبوت تلك المسألة السابق الفصل فيها . علة ذلك . حجية الأحكام . تعلق طلبات المطعون ضده بالحق العينى العقارى . أثره . عدم اللجوء للجان التوفيق . م٤ ق ٧ لسنة ٢٠٠٠ . النعى عليه في هذا الخصوص . على غير أساس .
(٤ ، ٥) أشخاص اعتبارية ” أشخاص القانون العام : وحدات الحكم المحلى : صاحب الصفة فى تمثيلها أمام الغير “. دعوى ” شروط قبول الدعوى : الصفة الإجرائية : صاحب الصفة في تمثيل وحدات الحكم المحلى ” .
(٤) المحافظ فى دائرة اختصاصه . الرئيس لجميع الأجهزة والمرافق. مؤداه . تمثيله للمحافظة أمـــام القضاء وفى مواجهة الغير . وحدات الإدارة المحلية . لكل منها شخصية اعتبارية مستقلة عن باقى الوحدات وذمة مالية خاصة بها وممثل قانونى له حق التعامل مع الغير وأمام القضاء . المواد ٤ ، ٢٦، ٢٧ من ق ٤٣ سنة ١٩٧٩ المعدل بق ٥٠ لسنة ١٩٨١ ، ١٤٥ لسنة ١٩٨٨.
(٥) حظر المشرع إنشاء تقسيم إلا بصدور قرار من المحافظ المختص وتحديد شروط التقسيم وقائمة الشروط البنائية وتحديد قيود الارتفاع والقيود البنائية وتوحيد الارتفاع بالمبانى . الوحدة المحلية المختصة منوط بها إصدار ترخيص البناء وحظر إنشاء مبان أو إقامة المحال أو توسيعها أو تعديلها وتدعيمها أو هدمها إلا بعد الحصول على ترخيص منها وأن يتم البناء وفقاً للبيانات والرسوم التى على أساسها تم منح الترخيص . مؤداه . المحافظ المختص والوحدة المحلية لهما الصفة والمصلحة القانونية باعتبارها المهيمنة على إصدار الترخيص وتنفيذه ومراقبة الأعمال . أثره . توافر المصلحة لهما فى رفع الطعن بالنقض . النعى عليه في هذا الخصوص . على غير أساس .
(٦) دستور ” الملكية الخاصة “.
كفالة الدستور لحق الملكية الخاصة وتأكيده الدور الاجتماعى له . مؤداه . جواز تحميل الملكية لبعض القيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ما دام لم تبلغ أو تصيب حق الملكية فى جوهره أو يعدم جل خصائصه .
(٧ – ١٠) نظام عام ” المسائل المتعلقة بالنظام العام : المسائل الموضوعية الآمرة “.
(٧) القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام . ماهيتها .
(٨) النص التشريعى المتضمن لقواعد منظمة لوضع بذاته على نحو محدد لا يجوز الخروج عليه التزاماً بمقتضيات الصالح العام وترجيحاً لها على مصلح الأفراد . اعتبارها متعلقة بالنظام العام.
(٩) ثبوت تضمن قرار التقسيم قائمة شروط تحدد قيود الارتفاع والبناء . مؤداه . اعتبارها قيود بنائية قانونية يقتضيها التنظيم العام لحق الملكية وجزء من قرار التقسيم . مقتضاه . اعتبارها شريعة نافذة لا يجوز التحلل منها أو الاتفاق على مخالفتها . أثره . سريان تلك القيود على المشترين وخلفائهم ولكل ذى مصلحة التمسك بها قبل بعضهم البعض .
(١٠) قضاء الحكم المطعون فيه بإزالة القيود والاشتراطات البنائية المرفقة باعتماد التقسيم المفروضة من الطاعنين بصفتيهما اعتماداً على ما ورد بتقرير الخبير من أن تلك القيود تمثل حقوق ارتفاق يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها بعد أن تجارى بعض أصحاب العقارات المجاورين لأرض التداعى على مخالفتها ملتفتاً عن دفاع الطاعنين باعتبار تلك القيود والاشتراطات من القواعد الآمرة التي لا يجوز مخالفتها . مخالفة للقانون وخطأ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
١- المقرر– في قضاء محكمة النقض- أن للقضاء النهائى قوة الأمر المقضى فيما يكون قد فصل فيه بين الخصوم ، ومتى حاز الحكم هذه القوة فإنه يمنع الخصوم فى الدعوى التى صدر فيها من العودة إلى المناقشة فى المسألة التى فصل فيها بأى دعوى تالية يثار فيها هذا النزاع ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها أو أثيرت ولم يبحثها الحكم .
٢- المقرر– في قضاء محكمة النقض- أن النص فى المادة ١١٠ من قانون المرافعات – على أنه ” على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة ، ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية …… وتلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها ” مفاد مفهوم مخالفة هذا النص أن المحكمة إذا كانت غير مختصة بنظر النزاع موضوع الدعوى لخروجه عن ولايتها ومع ذلك قضت باختصاصها بنظره ولم يطعن الخصوم فى هذا الحكم بطرق الطعن المقررة قانوناً ، فإن قضاءها فى هذا الشأن يعتبر حائزاً قوة الأمر المقضى ، ويتعين عليها التصدى لنظر هذا النزاع ، وذلك لما هو مقرر- من أن حجية الأحكام تسمو على اعتبارات النظام العام .
٣- إذ كان البين من الحكم الصادر فى الاستئناف رقم ٠٠٠ لسنة ١٣١ ق القاهرة والمقضى فيه بتاريخ ٢٩/١٠/٢٠١٤ بإلغاء الحكم المستأنف – فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى – وبإحالتها إلى محكمة أول درجة لنظر موضوعها تأسيساً على أن طلبات المطعون ضده متعلقة بحق من الحقوق العينية العقارية الناشئة عن حق الملكية وليست متعلقة بالطعن على قرار إدارى وكانت تلك الأسباب – مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمنطوق – ولما كانت تلك المسألة بشأن اختصاص القضاء العادى بنظر الدعوى وعدم اختصاص القضاء الإداري بنظرها ، وكذا أن الدعوى تتعلق بحق عينى عقارى قد استقرت بين الخصوم بموجب الحكم الصادر فى الاستئناف سالف الذكر ، فإنه يمتنع على المحكمة مخالفته أو إعادة بحث ما انتهى إليه هذا القضاء ، كما يمنع الخصوم أنفسهم من التنازع بطريق الدعوى أو الدفع فى شأن أى حق آخر يتوقف ثبوته أو انتفائه على ثبوت تلك المسألة السابق الفصل فيها بين هؤلاء الخصوم أنفسهم عملاً بحجية الأحكام التى هى من النظام العام ، وكانت طلبات المطعون ضده على ما سلف بيانه تتعلق بالحق العينى العقارى ، ومن ثم تدخل ضمن الاستثناء الذى أورده المشرع فى المادة الرابعة من القانون رقم ٧ لسنة ٢٠٠٠ بإنشاء لجان التوفيق فى فض بعض المنازعات التى تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية طرفاً فيها ولا يتطلب لرفعها اللجوء لتلك اللجان ، ومن ثم يضحى النعى برمته على غير أساس .
٤- المقرر– في قضاء محكمة النقض- أن مفاد نصوص المواد ٤ ، ٢٦ ، ٢٧ من قانون الإدارة المحلية رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٩ والمعدل بالقانونين رقمى ٥٠ لسنة ١٩٨١ ، ١٤٥ لسنة ١٩٨٨ أن المحافظ فى دائرة اختصاصه هو رئيس جميع الأجهزة والمرافق وأنه هو الذى يمثل المحافظة أمام القضاء فى مواجهة الغير وقد جعل المشرع لكل وحدة من وحدات الإدارة المحلية شخصية اعتبارية مستقلة عن باقي الوحدات ولها ذمتها المالية الخاصة بها – وحدد الممثل القانوني لها الذى له حق التعامل مع الغير وتمثيلها أمام القضاء ، وأن هذا مشروط بأن يكون هذا التمثيل فيما يدخل فى نطاق اختصاصه طبقاً لأحكام القانون .
٥- المقرر– في قضاء محكمة النقض- أن المشرع حظر إنشاء تقسيم إلا بصدور قرار من المحافظ المختص وقد تكفل المشرع بتنظيم إجراء تقاسيم البناء وتنظيم المباني وفقاً لقوانين البناء سالفة الذكر ، بما فى ذلك تحديد شروط التقسيم وقائمة الشروط البنائية وتحديد قيود الارتفاع والقيود البنائية وحد الارتفاع بالمباني ، كما أناط بالوحدة المحلية المختصة إصدار ترخيص البناء وحظر إنشاء مبان أو إقامة المحال أو توسيعها أو تعديلها وتدعيمها أو هدمها إلا بعد الحصول على ترخيص من الوحدة المحلية المختصة بالإشراف على شئون التنظيم ، وأن يتم البناء وفقاً للبيانات والرسوم التي على أساسها تم منح الترخيص وبالتالي يكون للمحافظ المختص والوحدة المحلية الصفة والمصلحة القانونية فى الدعوى المطروحة باعتبارها المهيمنة على إصدار الترخيص وتنفيذه ومراقبة أعمال قائمة شروط التقسيم والترخيص والتي تقوم بما يكفل الحمل على تنفيذها ومتابعة البناء وحدود قيود الارتفاعات بما تتوافر لهما المصلحة فى رفع الطعن بالنقض . إذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى لإلغاء الحكم المستأنف وإجابة المطعون ضده لطلباته ( بإنهاء وزوال وسقوط كافة القيود البنائية والاشتراطات المرفقة باعتماد تقسيم الشطر الثالث من العين محل التداعى كحقوق ارتفاق وأحقيته فى البناء على أساس مرة ونصف عرض الشارع) وكان الطاعن الأول بصفته هو المختص بتنظيم إجراء تقاسيم البناء وتنظيم المباني وتحديد بنود الارتفاع والقيود البنائية وحد الارتفاع بالمباني بما تتوافر له المصلحة فى الدعوى مع الطاعن الثاني بصفته ، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر ، فإنه يكون قد طبق صحيح القانون ، ويضحى النعي بهذا الوجه على غير أساس .
٦- المقرر– في قضاء محكمة النقض- أن الدستور وإن كفل حق الملكية الخاصة إلا أنه لم يخرج فى ذلك عن تأكيده الدور الاجتماعي له ، حيث يجوز تحميل الملكية لبعض القيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية طالما لم تبلغ هذه القيود مبلغاً يصيب حق الملكية فى جوهره أو يعدم جل خصائصه .
٧- المقرر– في قضاء محكمة النقض- أن القواعد القانونية التى تعتبر من النظام العام هى قواعد يقصد بها تحقيق مصلحة عامة تتعلق بنظام المجتمع الأعلى وتعلو على مصلحة الأفراد فيجب على جميع الأفراد مراعاة هذه المصلحة وتحقيقها ولا يجوز لهم أن يناهضوها باتفاقات فيما بينهم حتى لو حققت هذه الاتفاقات لهم مصالح فردية باعتبار أن المصلحة الفردية لا تقوم أمام المصلحة العامة وسواء ورد فى القانون نص يجرمها أو لم يرد .
٨- المقرر– في قضاء محكمة النقض- أنه إذا دلت عبارة النص التشريعي أو إشارته على اتجاه قصد المشرع من تقرير القاعدة القانونية الواردة به إلى تنظيم وضع بذاته على نحو محدد لا يجوز الخروج عليه التزاماً بمقتضيات المصلحة العامة تغليباً لها على ما قد يكون لبعض الأفراد من مصالح خاصة مغايرة – فإن القاعدة تعتبر من القواعد الآمرة المتعلقة بالنظام العام .
٩- إذ كان ما تضمنته قائمة التقسيم من قائمة شروط ومنها قيود الارتفاع والبناء على ارتفاع محدد تعد شروطاً بنائية من نوع القيود التى تتضمنها القوانين واللوائح بما يفيد انسلاخها عن صفتها كحقوق ارتفاق وإندراجها تحت القيود القانونية التى يقتضيها التنظيم العام لحق الملكية فلا يجوز تجاهلها بل يكون الحمل على تنفيذها عملاً لازماً باعتبارها شريعة نافذة لا يتحلل أحد منها هذا إلى أن هذه الشروط تعد جزءً من قرار التقسيم وتسرى هذه الشروط على المشترين وخلفائهم مهما تعاقبوا ، بل ويكون لهم ولكل ذى مصلحة التمسك بها قبل بعضهم البعض .
١٠- إذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإزالة القيود والاشتراطات البنائية المرفقة باعتماد التقسيم المفروضة من الطاعنين بصفتيهما اعتماداً على ما ورد بتقرير الخبير من أن تلك القيود تمثل حقوق ارتفاق يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها بعد أن تجارى بعض أصحاب العقارات المجاورين لأرض التداعي على مخالفتها ، مما يجعله فى حل من الالتزامات لانتفاء سبب هذا الالتزام والحل منه ملتفتاً عن دفاع الطاعنين القائم فى جوهره على أن تلك القيود والاشتراطات هى تطبيق لقانون البناء الموحد والتي تعد بمثابة القواعد الآمرة المتعلقة بالنظام العام التى لا يجوز الاتفاق على مخالفتها ، ولم يتناول دفاع الطاعنين بما يقتضيه من البحث والتمحيص ولم يفطن إلى حقيقته ومرماه فى ضوء الشروط الواردة بقرار تقسيم الأرض محل التداعي ، فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه على أن يكون مع النقض الإحالة .
المحـكــمــة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد الاطلاع على الأوراق ، وسماع التقرير الذى تلاه السيد القاضي المــــــــــــقرر / مصطفى حمدان ” نائب رئيس المحكمة ” والمرافعة وبعد المداولة .
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية .
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم ٤٢٦٠ لسنة ٢٠١٣ مدنى جنوب القاهرة الابتدائية على الطاعنين بصفتيهما بطلب الحكم بإنهاء وزوال وسقوط كافة القيود البنائية والاشتراطات المرفقة باعتماد تقسيم الشطر الثالث من العين محل التداعى كحقوق ارتفاق وأحقيته فى البناء على أساس مرة ونصف عرض الشارع ، وقال بياناً لذلك إنه يمتلك قطعة الأرض محل التداعى ، وإذ صدر قرار محافظ القاهرة رقم ٢٥٤ لسنة ١٩٧٩ باعتماد مشروع تقسيمها بعد أن درج غالبية الملاك بتلك المناطق على مخالفة الاشتراطات والقيود البنائية لعدم تناسبها ومتطلبات الحياة العصرية وإزاء ما أصابه من أضرار لعدم انتفاعه بملكه الانتفاع الأمثل فقد أقام الدعوى – حكمت المحكمة بعدم الاختصاص الولائى وإحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى – استأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم ٥٥٠٦ لسنة ١٣١ ق القاهرة – وبتاريخ ٢٩/١٠/٢٠١٤ قضت بإلغاء الحكم المستأنف والإعادة لمحكمة أول درجة ، ندبت المحكمة خبيراً وبعد أن أودع تقريره . حكمت بتاريخ ١٤/٩/٢٠١٩ برفض الدعوى . استأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم ١١٠٦٣ لسنة ١٣٦ ق القاهرة ، وبتاريخ ٢٣/٣/٢٠٢٠ قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبالطلبات. طعن الطاعنان بصفتيهما فى هذا الحكم بطريق النقض ، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأى بنقضه ، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة- فى غرفة مشورة – فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها .
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعنين بصفتيهما بالسبب الأول والوجه الأول من السببين الثانى والثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة قواعد الاختصاص الولائى ، إذ قضى فى الاستئناف رقم ٥٥٠٦ لسنة ١٣١ ق القاهرة بإلغاء حكم أول درجة وباختصاص القضاء العادى بنظر الدعوى استناداً إلى أن الطلبات فى الدعوى الراهنة متعلقة بحق من الحقوق العينية العقارية الناشئة عن حق الملكية ، وأنها غير متعلقة بطعن على قرار إدارى رغم أن الدعوى أقيمت استناداً إلى أحكام القانون رقم ١١٩ لسنة ٢٠٠٨ بشأن البناء الموحد والذى تضمن نصا صريحاً بالمادة ١١٤ منه أن كافة المنازعات الناشئة عن تطبيقه يختص بنظرها مجلس الدولة دون القضاء العادى، وأن موضوع الدعوى يتعلق – بالقيود والاشتراطات البنائية المرفقة باعتماد تقسيم المعادى ويختص بنظرها القضاء الإداري باعتباره طعن على قرار إداري سلبى بالامتناع ، كما أنه تمسك أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بالدفع بعدم قبول الدعوى لرفعه بغير الطريق الذى رسمه القانون رقم ٧ لسنة ٢٠٠٠ ، إذ إنها ليست من الدعاوى المستثناة من الخضوع لأحكام هذا القانون ومن ثم يتعين عرضها على لجان التوفيق المختصة ، وإذ خالف الحكم المطعون هذا النظر ولم يعرض لهذا الدفاع إيراداً ورداً مما يعيبه ويستوجب نقضه .
حيث إن هذا النعى فى غير محله ، ذلك أن المقرر- فى قضاء هذه المحكمة – أن للقضاء النهائى قوة الأمر المقضى فيما يكون قد فصل فيه بين الخصوم ، ومتى حاز الحكم هذه القوة فإنه يمنع الخصوم فى الدعوى التى صدر فيها من العودة إلى المناقشة فى المسألة التى فصل فيها بأى دعوى تالية يثار فيها هذا النزاع ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها أو أثيرت ولم يبحثها الحكم ، وأن النص فى المادة ١١٠ من قانون المرافعات – على أنه ” على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة ، ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية …… وتلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها ” مفاد مفهوم مخالفة هذا النص أن المحكمة إذا كانت غير مختصة بنظر النزاع موضوع الدعوى لخروجه عن ولايتها ومع ذلك قضت باختصاصها بنظره ولم يطعن الخصوم فى هذا الحكم بطرق الطعن المقررة قانوناً ، فإن قضاءها فى هذا الشأن يعتبر حائزاً قوة الأمر المقضى ، ويتعين عليها التصدى لنظر هذا النزاع، وذلك لما هو مقرر- من أن حجية الأحكام تسمو على اعتبارات النظام العام . لما كان ذلك ، وكان البين من الحكم الصادر فى الاستئناف رقم ٥٥٠٦ لسنة ١٣١ ق القاهرة والمقضى فيه بتاريخ ٢٩/١٠/٢٠١٤ بإلغاء الحكم المستأنف – فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى – وبإحالتها إلى محكمة أول درجة لنظر موضوعها تأسيساً على أن طلبات المطعون ضده متعلقة بحق من الحقوق العينية العقارية الناشئة عن حق الملكية وليست متعلقة بالطعن على قرار إدارى وكانت تلك الأسباب – مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمنطوق – ولما كانت تلك المسألة بشأن اختصاص القضاء العادى بنظر الدعوى وعدم اختصاص القضاء الإداري بنظرها ، وكذا أن الدعوى تتعلق بحق عينى عقارى قد استقرت بين الخصوم بموجب الحكم الصادر فى الاستئناف سالف الذكر ، فإنه يمتنع على المحكمة مخالفته أو إعادة بحث ما انتهى إليه هذا القضاء ، كما يمنع الخصوم أنفسهم من التنازع بطريق الدعوى أو الدفع فى شأن أى حق آخر يتوقف ثبوته أو انتفائه على ثبوت تلك المسألة السابق الفصل فيها بين هؤلاء الخصوم أنفسهم عملاً بحجية الأحكام التى هى من النظام العام ، وكانت طلبات المطعون ضده على ما سلف بيانه تتعلق بالحق العينى العقارى ، ومن ثم تدخل ضمن الاستثناء الذى أورده المشرع فى المادة الرابعة من القانون رقم ٧ لسنة ٢٠٠٠ بإنشاء لجان التوفيق فى فض بعض المنازعات التى تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية طرفاً فيها ولا يتطلب لرفعها اللجوء لتلك اللجان ، ومن ثم يضحى النعى برمته على غير أساس .
وحيث إن الطاعنين بصفتيهما ينعيان بالوجه الثانى من السببين الثانى والثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه والقصور فى التسبيب – انهما تمسكا أمام محكمة الموضوع بالدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفة بالنسبة للطاعن الأول بصفته ذلك أن وحدات الإدارة المحلية لها الشخصية الاعتبارية المستقلة ويمثلها رئيسها أمام القضاء وفى مواجهة الغير وهو المنوط به مراعاة الاشتراطات البنائية بدائرة المعادى الجديدة ومن ثم تنعقد الصفة للطاعن الثانى وحده دون غيره إلا أن الحكم المطعون فيه لم يعرض لهذا الدفاع إيراداً ورداً بما يعيبه ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعى فى غير محله – ذلك أن مفاد نصوص المواد ٤ ، ٢٦ ، ٢٧ من قانون الإدارة المحلية رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٩ والمعدل بالقانونين رقمى ٥٠ لسنة ١٩٨١ ، ١٤٥ لسنة ١٩٨٨ أن المحافظ فى دائرة اختصاصه هو رئيس جميع الأجهزة والمرافق وأنه هو الذى يمثل المحافظة أمام القضاء فى مواجهة الغير وقد جعل المشرع لكل وحدة من وحدات الإدارة المحلية شخصية اعتبارية مستقلة عن باقي الوحدات ولها ذمتها المالية الخاصة بها – وحدد الممثل القانوني لها الذى له حق التعامل مع الغير وتمثيلها أمام القضاء ، وأن هذا مشروط بأن يكون هذا التمثيل فيما يدخل فى نطاق اختصاصه طبقاً لأحكام القانون . ولما كان المشرع حظر إنشاء تقسيم إلا بصدور قرار من المحافظ المختص وقد تكفل المشرع بتنظيم إجراء تقاسيم البناء وتنظيم المباني وفقاً لقوانين البناء سالفة الذكر ، بما فى ذلك تحديد شروط التقسيم وقائمة الشروط البنائية وتحديد قيود الارتفاع والقيود البنائية وحد الارتفاع بالمباني ، كما أناط بالوحدة المحلية المختصة إصدار ترخيص البناء وحظر إنشاء مبان أو إقامة المحال أو توسيعها أو تعديلها وتدعيمها أو هدمها إلا بعد الحصول على ترخيص من الوحدة المحلية المختصة بالإشراف على شئون التنظيم ، وأن يتم البناء وفقاً للبيانات والرسوم التي على أساسها تم منح الترخيص وبالتالي يكون للمحافظ المختص والوحدة المحلية الصفة والمصلحة القانونية فى الدعوى المطروحة باعتبارها المهيمنة على إصدار الترخيص وتنفيذه ومراقبة أعمال قائمة شروط التقسيم والترخيص والتي تقوم بما يكفل الحمل على تنفيذها ومتابعة البناء وحدود قيود الارتفاعات بما تتوافر لهما المصلحة فى رفع الطعن بالنقض . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى لإلغاء الحكم المستأنف وإجابة المطعون ضده لطلباته ، وكان الطاعن الأول بصفته هو المختص بتنظيم إجراء تقاسيم البناء وتنظيم المباني وتحديد بنود الارتفاع والقيود البنائية وحد الارتفاع بالمباني بما تتوافر له المصلحة فى الدعوى مع الطاعن الثاني بصفته ، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر ، فإنه يكون قد طبق صحيح القانون ، ويضحى النعي بهذا الوجه على غير أساس .
وحيث إن مما ينعاه الطاعنان بصفتيهما بالوجهين الثالث والرابع من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه ، وفى بيان ذلك يقولا أنه قضى بطلبات المطعون ضده استناداً إلى تقرير الخبير المنتدب أمام محكمة أول درجة الذى أورد أن غالبية ملاك القطع فى التقسيم الكائن به العقار محل التداعي قد خالفوا شروط التقسيم وقيود الارتفاق وأن ذلك يجعلهم فى حل من الالتزام بتلك القيود وذلك بالمخالفة لأحكام القانون ومبادئ المحكمة الدستورية العليا، إذ إن حكم الدستورية فى الدعوى رقم ٥٥ لسنة ١٨ ق دستورية العليا بتاريخ ٢٢/٣/١٩٩٧ تضمن أن الشروط البنائية تعتبر شروطاً تأتى فى مرتبة الأحكام الواردة بقوانين ولوائح البناء وهى من القواعد الآمرة المتعلقة بالنظام العام التى لا يجوز مخالفتها أو الاتفاق على ما يخالفها ، كما أنه استند إلى قواعد القانون المدني المنصوص عليها بالمادتين ١٠١٥ ، ١٠١٨ رغم الاختلاف بين حق الارتفاق المنصوص عليه بالقانون سالف الذكر واشتراطات البناء الواردة فى قانون البناء الموحد رقم ١١٩ لسنة ٢٠٠٨ والتى تعد قرارات إدارية بمثابة قيود بنائية تندرج تحت القيود القانونية التى يقتضيها الصالح العام ، كما استند إلى شيوع المخالفات البنائية بين أصحاب الأراضي فى ذلك التقسيم ، فى حين أن شيوع تلك المخالفات لا يبرر المخالفة ولا تكسب المطعون ضده أو غيره حقاً مكتسباً فى مخالفة الاشتراطات البنائية ، إذ إن المساواة إنما تكون فى تطبيق القانون وليس مخالفته – وإذ لم يلتزم الحكم المطعون فيه هذا النظر ، فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعى فى محله ، ذلك أن الدستور وإن كفل حق الملكية الخاصة إلا أنه لم يخرج فى ذلك عن تأكيده الدور الاجتماعي له ، حيث يجوز تحميل الملكية لبعض القيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية طالما لم تبلغ هذه القيود مبلغاً يصيب حق الملكية فى جوهره أو يعدم جل خصائصه ، وأن القواعد القانونية التى تعتبر من النظام العام هى قواعد يقصد بها تحقيق مصلحة عامة تتعلق بنظام المجتمع الأعلى وتعلو على مصلحة الأفراد فيجب على جميع الأفراد مراعاة هذه المصلحة وتحقيقها ولا يجوز لهم أن يناهضوها باتفاقات فيما بينهم حتى لو حققت هذه الاتفاقات لهم مصالح فردية باعتبار أن المصلحة الفردية لا تقوم أمام المصلحة العامة وسواء ورد فى القانون نص يجرمها أو لم يرد ، كما أنه إذا دلت عبارة النص التشريعي أو إشارته على اتجاه قصد المشرع من تقرير القاعدة القانونية الواردة به إلى تنظيم وضع بذاته على نحو محدد لا يجوز الخروج عليه التزاماً بمقتضيات المصلحة العامة تغليباً لها على ما قد يكون لبعض الأفراد من مصالح خاصة مغايرة – فإن القاعدة تعتبر من القواعد الآمرة المتعلقة بالنظام العام . وكان ما تضمنته قائمة التقسيم من قائمة شروط ومنها قيود الارتفاع والبناء على ارتفاع محدد تعد شروطاً بنائية من نوع القيود التى تتضمنها القوانين واللوائح بما يفيد انسلاخها عن صفتها كحقوق ارتفاق وإندراجها تحت القيود القانونية التى يقتضيها التنظيم العام لحق الملكية فلا يجوز تجاهلها بل يكون الحمل على تنفيذها عملاً لازماً باعتبارها شريعة نافذة لا يتحلل أحد منها هذا إلى أن هذه الشروط تعد جزءً من قرار التقسيم وتسرى هذه الشروط على المشترين وخلفائهم مهما تعاقبوا ، بل ويكون لهم ولكل ذى مصلحة التمسك بها قبل بعضهم البعض . لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإزالة القيود والاشتراطات البنائية المرفقة باعتماد التقسيم المفروضة من الطاعنين بصفتيهما اعتماداً على ما ورد بتقرير الخبير من أن تلك القيود تمثل حقوق ارتفاق يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها بعد أن تجارى بعض أصحاب العقارات المجاورين لأرض التداعي على مخالفتها ، مما يجعله فى حل من الالتزامات لانتفاء سبب هذا الالتزام والحل منه ملتفتاً عن دفاع الطاعنين القائم فى جوهره على أن تلك القيود والاشتراطات هى تطبيق لقانون البناء الموحد والتي تعد بمثابة القواعد الآمرة المتعلقة بالنظام العام التى لا يجوز الاتفاق على مخالفتها ، ولم يتناول دفاع الطاعنين بما يقتضيه من البحث والتمحيص ولم يفطن إلى حقيقته ومرماه فى ضوء الشروط الواردة بقرار تقسيم الأرض محل التداعي ، فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه على أن يكون مع النقض الإحالة .
لـــــذلك
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه ، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف القاهرة ، وألزمت المطعون ضده المصروفات .