مثال على القصور في الأسباب الواقعية.. وأثره في الحكم
أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم 1302 لسنة 73 القضائية، والتي ذكرت فيه مثال واضح على القصور في الأسباب الواقعية، وأثره في الحكم، أن إغفال الحكم بحث دفاع أبداه الخصم يترتب عليه بطلان الحكم؛ إذا كان هذا الدفاع جوهريًا، ومؤثرًا في النتيجة التي انتهت إليها المحكمة.
وأشارت إلى أن ذلك الإغفال يعد قصورًا في أسباب الحكم الواقعية، ومؤدى ذلك أنه إذا طرح على المحكمة دفاع كان عليها أن تنظر في أثره في الدعوى، فإن كان منتجًا فعليها أن تقدر مدى جديته حتى إذا ما رأته متسمًا بالجدية مضت إلى فحصة لتقف على أثره في قضائها، فإن هي لم تفعل كان حكمها قاصرًا.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المطعون ضدها أقامت الدعوى رقم… لسنة 2000 مدنى جنوب القاهرة الابتدائية على الطاعن بطلب الحكم بإلزامه بأن يؤدى لها مبلغ ستمائة ألف جنيه تعويضًا عن الأضرار المادية والأدبية، وقالت بيانًا لدعواها إنها تزوجت بالطاعن فى عام 1983 وقد اصطحبها معه إلى دولة الإمارات خلال شهر مايو 1992 وبموافقته التحقت بعدة وظائف هناك حتى عادت إلى مصر فى إجازة بتاريخ 31/ 7/ 1997.
وبتاريخ 17/ 9/ 1997 وإثر خلافات زوجية دبت بينهما، تقدم بطلب لإدارة الجوازات والجنسية لسحب جواز سفرها مما حال بينها وبين السفر للعمل بالوظيفة التى تشغلها بدولة الإمارات ومن ثم فقد أصابها من جراء ذلك أضرار مادية وأدبية فأقامت الدعوى، حكمت المحكمة برفض الدعوى، استأنفت المطعون ضدها هذا الحكم بالاستئناف رقم… لسنة 119 ق القاهرة وبتاريخ 30/ 12/ 2002 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام الطاعن بأن يؤدى للمطعون ضدها مبلغ ثلاثين ألف جنيه، طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأى بنقض الحكم، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة فى غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب وفى بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بأنه بصفته زوجًا ومسئولاً عن أسرته قام بإخطار وزارة الداخلية بسحب جواز سفر المطعون ضدها – حال قيام الزوجية بينهما لرعاية ابنتيهما والمحافظة على كيان الأسرة ومن ثم لا يعد ذلك التصرف خطأ، وكان الحكم المطعون فيه قد التفت عن هذا الدفاع الجوهرى وأقام قضاءه بإلزامه بالتعويض تأسيسًا على أنه أساء استعمال حقه فى منع المطعون ضدها من السفر للعمل بالخارج بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
الأسباب الواقعية:
وحيث إن هذا النعى سديد، ذلك أن المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أن إغفال الحكم بحث دفاع أبداه الخصم يترتب عليه بطلان الحكم إذا كان هذا الدفاع جوهريًا ومؤثرًا فى النتيجة التى انتهت إليها المحكمة، إذ يعتبر ذلك الإغفال قصورًا فى أسباب الحكم الواقعية، ومؤدى ذلك أنه إذا طرح على المحكمة دفاع كان عليها أن تنظر فى أثره فى الدعوى، فإن كان منتجًا فعليها أن تقدر مدى جديته حتى إذا ما رأته متسما بالجدية مضت إلى فحصة لتقف على أثره فى قضائها، فإن هى لم تفعل كان حكمها قاصرًا.
وأنه لما كان الأصل حسبما تقضى به المادة الرابعة من القانون المدنى أن “من استعمل حقه استعمالاً مشروعًا لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر” باعتبار أن مناط المسئولية عن تعويض الضرر هو وقوع الخطأ وأنه لا خطأ فى استعمال صاحب الحق لحقه فى جلب المنفعة المشروعة التى يتيحها له هذا الحق، وكان خروج هذا الاستعمال عن دائرة المشروعية إنما هو استثناء من ذلك الأصل وحددت المادة الخامسة من ذات القانون حالاته على سبيل الحصر بقولها “يكون استعمال الحق غير مشروع فى الأحوال الآتية: – أ – إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير – ب – إذا كانت المصالح التى يرمى إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها – ج – إذا كانت المصالح التى يرمى إلى تحقيقها غير مشروعة” وذلك درءًا لاتخاذ ظاهر القواعد القانونية شعارًا غير أخلاقى لإلحاق الضرر بالغير، وكان يبين من استقراء تلك الصور أنه يجمع بينها ضابط مشترك هو نية الإضرار سواء على نحو إيجابى بتعمد السير إلى مضارة الغير دون نفع يجنيه صاحب الحق من ذلك أو على نحو سلبى بالاستهانة المقصودة بما يصيب الغير من ضرر من استعمال صاحب الحق لحقه استعمالاً هو إلى الترف أقرب مما سواه مما يكاد يبلغ قصد الإضرار العمدى.
وكان من المقرر أن معيار الموازنة بين المصلحة المبتغاة فى هذه الصورة الأخيرة وبين الضرر الواقع هو معيار مادى قوامه الموازنة المجردة بين النفع والضرر دون نظر إلى الظروف الشخصية للمنتفع أو المضرور يسرًا أو عسرًا، إذ لا تنبع فكرة إساءة استعمال الحق من دواعى الشفقة وإنما من اعتبارات العدالة القائمة على إقرار التوازن بين الحق والواجب، إذ كانت المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1920 بشأن أحكام النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 قد نظمت أحكام خروج الزوجة من مسكن الزوجية – دون إذن زوجها وموافقته – للعمل المشروع وقد استقر الفقه والقضاء على وجود عدد من الحالات ليس للزوج فيها منع زوجته من الخروج للعمل المشروع تقوم فى مجموعها على فكرة ثبوت رضائه الصريح أو الضمنى بهذا العمل أو توافر حالة ضرورة ماسة للمال، إلا أنه يشترط لذلك ألا يكون خروج الزوجة مناف لمصلحة الأسرة أو تنشئة الأولاد الصغار ورعايتهم أو تسئ الزوجة استعمال حقها فى العمل حيث يعود للزوج فى هذه الحالات الحق فى منع الزوجة من الخروج للعمل رغم سبق رضائه الصريح أو الضمنى.
وإذا ما خالفته الزوجة فى ذلك تسقط نفقتها، وهى أحكام وإن قننها المشرع بمناسبة تنظيمه لأحكام النفقة الزوجية إلا أنها تعد تطبيقًا هامًا لمفهوم حق الزوج فى منع زوجته من العمل المشروع وحدود هذا الحق وضوابطه، بحيث يكون استعمال الزوج لحقه فى منع زوجته من العمل استعمالاً مشروعًا إذا ما ادعى أن هذا العمل مناف لمصلحة الأسرة وتربية الأولاد وأثبت ذلك، باعتبار أن الحرص على مصلحة الأسرة بوصفها اللبنة الأولى فى المجتمع وتربية الأبناء – ورعايتهم والعناية بهم وتنشئتهم على تعاليم الدين وثوابته والخلق القويم وضوابطه وحمايتهم من مخاطر الانحراف والمفاسد والبعد عن جادة الصواب خاصة فى السنوات الأولى لحياتهم التى تؤثر فى تكوين شخصياتهم ونظرتهم للأمور – مقدم على المصلحة الخاصة للزوجة فى العمل داخل البلاد أو خارجها، إذ كان الثابت بالأوراق أن وزارة الداخلية قامت بسحب جواز سفر المطعون ضدها بناءً على طلب الطاعن حال قيام الزوجة بينهما الأمر الذى حال بين المطعون ضدها وبين السفر للعمل خارج البلاد، وكان ذلك استنادًا إلى حكم المادة الثالثة من قرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996 فيما تضمنته من تنظيم منح وتجديد جوازات سفر الزوجات قبل القضاء بسقوطها بالحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 4/ 11/ 2000 فى القضية رقم 243 لسنة 21 ق دستورية.
وأن الطاعن تمسك أمام محكمة الاستئناف بأنه استخدم حقه كزوج وراع لأسرته لمنع المطعون ضدها – حال قيام الزوجية بينهما – من السفر للعمل خارج البلاد حماية لكيان هذه الأسرة لرعاية ابنتيهما خاصة وأن إحداهما لم تتجاوز العاشرة من عمرها، وإذ التفت الحكم المطعون فيه عن هذا الدفاع ولم يقسطه حقه من البحث والتمحيص ويفطن لدلالته مع أنه دفاع جوهرى من شأنه – لو صح – أن يتغير به وجه الرأى فى الدعوى فإنه يكون مشوبًا بالقصور بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقى أسباب الطعن.