«مبنى دار القضاء».. أسس على الطراز الإيطالي وزاره رئيسان للجمهورية وانطلقت من أمامه شرارة «25 يناير»

تقرير: محمد علاء

مبنى دار القضاء العالي، يقع بشارع 26 يوليو بمنطقة وسط القاهرة، أو كما يطلق عليها البعض «القاهرة الخديوية»، وهو أحد أبرز مبانيها التاريخية.

وأنشأ المبنى على الطراز الإيطالي، بأعمدته وصالاته الواسعة وارتفاع مبانيه، وبجواره مبنى مصلحة الشهر العقاري الذي بني في الفترة ذاتها.

نظرة تاريخية

كان صاحب فكرته هو نوبار باشا (توفي عام 1899)، أول ناظر للنظار، -رئيس الوزراء بمصطلح اليوم- زمن الخديوي إسماعيل، لكن تنفيذه جاء بعد ذلك بسنوات طويلة، بعدما كلفت الحكومة المهندس محمد كمال إسماعيل عام 1933 بتصميمه، كما تقول بعض المصادر التاريخية.

بناءه

صمم المهندس محمد كمال إسماعيل -شيخ المعماريين- الرسوم الهندسية لمبنى دار القضاء العالي، وهو مهندس مصري سافر لفرنسا وحصل على الدكتوراة للمرة الأولى في العمارة من مدرسة بوزال عام 1933، ليكون بذلك أصغر من يحمل لقب دكتور في الهندسة، تلاها بعدها بسنوات قليلة بدرجة دكتوراة أخرى في الإنشاءات.

وعاد إلى مصر والتحق بالعمل في مصلحة المباني الأميرية التي شغل منصب مديرها؛ وكانت المصلحة وقتها تشرف على بناء وصيانة جميع المباني والمصالح الحكومية، لتصمم يداه العديد من الهيئات ومنها دار القضاء العالي، مصلحة التليفونات، مجمع المصالح الحكومية الشهير بمجمع التحرير.

العلاقة بين المبنى ونادي الزمالك

في إطار الرغبة لتطوير وتوسيع نادي المختلط -الزمالك حاليا- الذي تأسس عام 1911، قرر جورج مرزباخ مؤسس النادي، وهو محام بلجيكي كان رئيساً لإحدى المحاكم المختلطة بمصر، بنقل مقره من قصر النيل إلى تقاطع شارع فؤاد الأول -26 يوليو حاليا- وشارع عباس الأول -رمسيس حاليا- وهي الأرض التي كانت فيما بعد مقرا لدار القضاء العالي، والشهر العقاري.

1937 وإلغاء المحاكم المختلطة

استطاعت الحكومة المصرية بإشراف الملك فاروق ورئاسة مصطفى باشا النحاس إلغاء الامتيازات الأجنبية عن مصر، وإلغاء المحاكم المختلطة؛ بعد توقيع اتفاقية «مونترو» بسويسرا في 8 مايو 1937 بحضور الدول صاحبة الامتياز الأجنبي، ليصبح المبنى فيما بعد وحتى الآن رمزا للقضاء المصري.

وقبل هذا المبنى كانت المحاكم المختلطة تقع في ميدان العتبة بجوار مبنى البريد، وقد تم هدم مبناها الأصلي عام 1936.

وفي عام 1949 تم إلغاء المحاكم المختلطة فعليا وفقا لاتفاقية «مونترو»، وفي إبريل 1950 تمت إزالة الكتابة القديمة عن المبنى وكتابة دار القضاء العالي بدلا منها.

الهيئات المتواجدة بدار القضاء العالي

يتواجد بالمبنى محكمة النقض، وهي المحكمة التي تمثل قمة هرم القضائي في مصر، ومحكمة واحدة مقرها القاهرة، وأبرز قاعاتها مسماة على اسم عبد العزيز باشا فهمي، أول رئيس لمحكمة النقض، وثاني نقباء المحامين، كما يتواجد بها مكتب رئيس المحكمة، رئيس مجلس القضاء الأعلى.

ويتواجد بالمبنى أيضا، مقر محكمة استئناف القاهرة، وتنعقد بعض دوائرها داخل المبنى، إضافة إلى مكتب النائب العام، ومقر لنقابة المحامين، يقدم به العديد من الخدمات لمترددين على المبنى من أعضاء الجمعية العمومية.

رؤساء الجمهورية ودار القضاء العالي

كان الرئيس الأسبق حسني مبارك، أول رئيس يزور دار القضاء العالي، في عيد القضاة المصري في 9 يناير 2011، وقت تولي المستشار سرى صيام رئاسة مجلس القضاء الأعلى ومحكمة النقض.

وفي 9 يناير 2015، شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي، في احتفالية عيد القضاة، بدار القضاء العالي، بعدما توقف الاحتفال بها على مدار الأربع سنوات التي سبقتها.

وقال الرئيس السيسي خلال كلمته في الاحتفالية: “إن دار القضاء العالي هو الصرح الشامخ لسيادة القانون، وأن القضاء المصري حاز مصداقيته من خلال مسيرة طويلة”، مؤكدا أن مصر شرعت في تأسيس دولة القانون القائمة على العدل والمساواة وهو الأمر الذي يلقي على مؤسسات الدولة القضائية مسئولية كبيرة، وأشار إلى ثقته في أن القضاء بخبرته قادر على التعامل مع كافة القضايا».

المظاهرات ومحيط دار القضاء العالي

في العشرين سنة الأخيرة، شهد محيط دار القضاء العالي العديد من المظاهرات والوقفات الاحتجاجية التي غيرت شكل الحياة السياسية في مصر، أبرزها:

  • في 12 ديسمبر 2004، شهد المبنى أول تظاهرة أمامه، نظمتها حركة «كفاية»، لتعلن رفضها التمديد للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك أو توريث الحكم لنجله جمال، وحاصرت قوات الأمن المركزي المرابطة أمام دار القضاء العالي المظاهرة كانت تضم قرابة 300 فرد من شباب ومثقفين وشخصيات عامة.
  • في مايو 2015، احتشد آلاف المواطنين أمام دار القضاء العالي، لإعلان تضامنهم مع المستشارين محمود مكي، وهشام البسطويسي نائبي رئيس محكمة النقض في أزمتهما مع نظام مبارك على خلفية إحالتهما للمحاكمة أمام مجلس الصلاحية لكشفهم تزوير الانتخابات البرلمانية.
  • في 25 يناير 2011، شهد محيط دار القضاء العالي الشرارة الأولى للثورة، حيث طوقته قوات الأمن لمنع احتشاد عشرات من الشباب أمامه، لكن الأعداد زادت، وتمكن المتظاهرون من كسر الحواجز الأمنية، وسريعًا ما التحم المتظاهرون مع تظاهرة أخرى تضم الألاف قادمين من شارع الجلاء، قبل أن يتحول وجهة كافة التظاهرات إلى ميدان التحرير للاعتصام فيه.

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى