مايترتب على قبول الدفع بالتجريد
بقلم الدكتور/وليد محمد وهبه المحامي
بعد أن بينا التعريف بالدفع بالتجريد وأوضحنا ما يستلزم من شروط لقبوله ننتقل للمرحلة الثالثة والأخيرة والخاصة بالآثار المترتبة على قبول الدفع المبدى من الكفيل أمام المحكمة المختصة وهي في النقاط التالية:
1- وقف إجراءات التنفيذ على أموال الكفيل.
2-إلزام الدائن بالتنفيذ على أموال المدين التي أرشد إليها الكفيل وتخليص الكفيل من الدين بقدر ما يتحصل من هذا التنفيذ وإلا تحمل الدائن نتيجة إعسار المدين إذا أصبح التنفيذ على هذه الأموال غير ممكن بخطئه بقدر ما كان يتحصل من إجراء هذا التنفيذ.
لا يترتب على الدفع بالتجريد منع مقاضاة الكفيل حتى يجرد المدين من أمواله لأن الدفع بالتجريد ليس دفعًا بعدم قبول الدعوى إنما يترتب على تمسك الكفيل بالدفع بالتجريد وقف إجراءات التنفيذ المتخذة على أمواله وقفًا مؤقتًا إلى أن يتم تجريد المدين من أمواله التي أرشد إليها الكفيل.
وليس المقصود بوقف إجراءات التنفيذ منع الاستمرار فيها فحسب بل أيضًا تعطيل كل أثر لما تم منها وإلغاء ما تم عند الاقتضاء إذا كان عدم إلغائه يضر بالكفيل فيتعين مثلاً إلغاء التنبيه الموجه إلى الكفيل والتأشير بذلك في هامش تسجيله لأن التنبيه وتسجيله يعتبران من إجراءات التنفيذ التي يترتب عليها تقييد حقوق الكفيل في أمواله من يوم التنبيه وكذلك الحجز التنفيذي الموقع تحت يد الغير.
فالدفع بالتجريد لا يمنع إذن الاستمرار في الدعوى المرفوعة على الكفيل ولا من الحكم عليه بالدين بل كل ما في الأمر أن هذا الحكم لا يمكن تنفيذه على الكفيل حتى يجرد المدين من أمواله وهذا لا يمنع بالطبع الدائن من اتخاذ الإجراءات التحفظية في مواجهة الكفيل كأن يطلب وضع الأختام على أموال تركته إذا مات أو أن يطلب تعيين قيِّم عليه إذا ما اعتراه جنون أوعته وله أن يوقع الحجز التحفظي وأخذ اختصاص بها.
لا يقتصر أثر الدفع بالتجريد على وقف إجراءات التنفيذ المتخذة على أموال الكفيل بل يقترن هذا الأثر بإلزام الدائن بالتنفيذ على أموال المدين التي أرشده إليها الكفيل والتي يفترض أنها كافية لسداد الدين بتمامه ويعتبر ذلك حقًا للدائن إزاء المدين وواجبًا عليه إزاء الكفيل فإذا استوفى الدائن دينه كاملاً برأت ذمة الكفيل وإذا حصل لسبب ما – كنقص -قيمتها أو إذا ظهر دائنون عاديون فزاحموا الدائن في الاستيفاء من قيمة الأموال التي أرشد عنها الكفيل – أن الدائن لم يحصل على ما يكفي لسداد دينه بتمامه فإن الكفيل يبرأ بقدر ما استوفاه الدائن من المدين.
أما إذا كان عدم تحصيل الدائن باقي حقه من أموال المدين راجعًا إلى خطأ منه أو إلى تأخره في تجريد أموال المدين كان مسؤولاً عن ذلك وبرأت ذمة الكفيل بالقدر الذي يكون فيه الدائن مسؤولاً وهذا ما نصت عليه المادة (790) بقولها: في كل الأحوال التي يدل فيها الكفيل على أموال المدين،يكون الدائن مسؤولاً قبل الكفيل عن إعسار المدين الذي يترتب على عدم اتخاذه الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب.
أي أنه إذا ثبت أنه لو لم يتأخر الدائن في تجريد أموال المدين لاستوفى منها حقه كاملاً وإنه بسبب تأخره في ذلك مكن المدين من التصرف في بعض أمواله أو من زيادة ديونه فإن الدائن المكفول دينه يكون مسؤولاً إزاء الكفيل عن القدر الذي لم يستطع تحصيله من أموال المدين بسبب تأخره في اتخاذ إجراءات التجريد وتبرأ ذمة الكفيل بهذا القدر ذاته (م 790) ويقع عبء إثبات تقصير الدائن على الكفيل.
تجريد المدين من المال المرهون في الدين المكفول:
خول المشرع الكفيل حق طلب تجريد المدين من مال معين ولو كان هذا المال غير كافٍ لوفاء الدين بأكمله ما دام قد سبق تخصيصه لوفاء الدين المكفول حيث نص في م (791) على أنه (إذا كان هناك تأمين عيني خصص قانونًا أو اتفاقًا لضمان الدين وقدمت كفالة بعد هذا التأمين أو معه ولم يكن الكفيل متضامنًا مع المدين فلا يجوز التنفيذ على أموال الكفيل إلا بعد التنفيذ على الأموال التي خصصت لهذا التأمين)
فيجب إذا لكي يستطيع الكفيل التمسك بحكم المادة (791) توافر الشروط الآتية:
1-أن يكون هناك تأمين عيني خصص لضمان الدين فلا يكفي أن يكون التأمين شخصيًا ولا يهم أن يكون المال المحمل بالتأمين العيني منقولاً أو عقارًا ولا أهمية لمصدر التأمين العيني ولا يهم إذا كان التأمين العيني ضامنًا للدين المكفول وحده أو ضامنًا له مع غيره من الديون.
2-أن يكون التأمين العيني سابقًا أو معاصرًا للكفالة، أما إذا تقرر التأمين العيني بعد الكفالة فلا يلزم الدائن بالبدء بالتنفيذ على المال المحمل به.
3-أن يكون التأمين العيني مقدمًا من المدين لأن التجريد لا يكون إلا بالنسبة إلى أموال المدين ومما يؤيد هذا الرأي أيضًا الأعمال التحضيرية كما أن المبادئ العامة تقضي باعتبار كل من الكفيل العيني والكفيل الشخصي في مركز واحد لأن التزام كل منهما التزام احتياطي ويجوز لكل منهما أن يدفع بالتقسيم إذا توافرت شروطه.
4-ألا يكون الكفيل متضامنًا مع المدين لأن الكفيل الذي يتضامن مع المدين ينزل بذلك عن حقه في التجريد فلا يجوز له طلب تجريد المدين من جميع أمواله ولا حتى من المال الذي خصص لوفاء الدين المكفول.
5-أن يتمسك الكفيل بتجريد المدين من المال المخصص لوفاء الدين المكفول.
يخلص مما سبق أن للكفيل فضلاً عن حقه في إلزام الدائن بتجريد المدين من جميع أمواله التي يرشده عنها الحق في أن يلزم الدائن كذلك بالبدء بالتنفيذ على الأموال المحملة بتأمين عيني سابق أو معاصر لانعقاد الكفالة ويجب على الكفيل في الحالتين أن يتمسك بحقه فكأن الحق الثابت للكفيل بمقتضى م (791) إن هو إلا تطبيق خاص للدفع بالتجريد يقتصر على الأموال المحملة بتأمين عيني وهذا الحق لا يفترق عن الحق العام في الدفع بالتجريد إلا من ناحية أنه لا يلزم فيه أن يكون المال المحمل بالتأمين كافيًا للوفاء بالدين كله إذ يجوز للكفيل أن يلزم الدائن بالبدء بالتنفيذ على المال المحمل بالتأمين أيًا كانت قيمة هذا المال أي ولو لم تكن قيمته كافيًا للوفاء بالدين بتمامه.