ما معنى تفاقُ العاقدَيْنِ على التقايل بأثرٍ رجعيٍّ؟.. محكمة النقض تجيب

كتب/ عبدالعال فتحي

أوضحت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم ٤٤٢٣ لسنة ٧٥ قضائية ـ الدوائر المدنية – جلسة ٢٠٢١/١٠/١٨، أنَّه إذا ثبت اتفاقُ الطرفَيْنِ على التقايلِ وعلى ترتيبِ الأثرِ الرجعيِّ له بالنسبةِ لحقوقِهما والتزاماتِهما المتبادلةِ أُعْتُبِرَ العقدُ الذي اتفَقَ طرفاه على التفاسخِ منْهُ كأنْ لمْ يكنْ منذُ نشأتِه، فيعودُ المتعاقدانِ إلى الحالةِ التي كانا عليها قَبْلَ العقدِ، وتخضعُ دعوى التعويضِ عنْ خطأ أحدِ العاقدَيْنِ في تنفيذِ التزاماتِه في هذه الحالةِ لقواعدِ المسئوليَّةِ التقصيريَّةِ؛ ذلك أنَّ العقدَ بعدَ التقايلِ منْهُ لا يصلحُ أساسًا لطلبِ التعويضِ، وإنَّما يكونُ أساسُه هو الخطأُ التقصيريُّ، الذي – إنْ ثبُتَ – فإنَّ التعويضَ عنْهُ يكونُ شاملًا– وَفقًا لأحكامِ المسئوليَّةِ التقصيريَّةِ– لكلِّ ضررٍ مباشرٍ سواءً كانَ مُتوقعًا أمْ غيرَ متوقعٍ، إلَّا أنَّه يجبُ عندَ تحديدِ المسئوليةِ الوقوفُ عندَ الخطأ المنتجِ للضررِ، وهُوَ الذي يكونُ كافيًا بذاتِه لإحداثِ النتيجةِ بالصورةِ التي تمتْ بها مُستغنيًا عنْ مساهمةِ الأخطاءِ الأخرى.

الحكم

جلسة ١٨ من أكتوبر سنة ٢٠٢١

برئاسة السيـد القاضي/ مجدي مصطفى نــائب رئـــيـس الــمحكمـة وعضوية السادة القضـاة/ وائل سعد رفاعي، عصام توفيق، رفعــت هيبـة وهاني عميـــــــرة نواب رئـيس المحكمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطعن رقم ٤٤٢٣ لسنة ٧٥ القضائية

(١) نقض ” سلطة محكمة النقض ” .

لمحكمة النقض. إسباغ الوقائع الثابتة تكييفها القانوني الصحيح. شرطه. عدم اعتمادها على غير ما حصلته محكمة الموضوع منها.

(٢) عقد ” زوال العقد : التقايل من العقد ” .

التقايلُ. ماهيته. تراضي طرفي العقد على إلغائه بعد إبرامه. عدم تنظيم التقنين المدني له ضمن نصوصه. إعماله تحت ظله كونه مجرد تطبيق للقواعد العامة. العقد في قيامِه. صنيعةُ التراضي وتوافق إرادتي العاقدين.

(٣) عقد ” زوال العقد : التفاسخ : التفاسخ الضمني ” .

التقايلُ. كيفيتُه. إيجاب وقبول صريحان أو ضمنيان. مناطه. عدم الإضرار بالغير. التقايل الضمني. شرطه. كونُ الوقائعِ والظروفِ كاشفةً بغير لَبس عن إرادة طرفي التعاقد على التقايل.

(٤) تعويض ” الخطأ الموجب للتعويض ” ” الضرر القابل للتعويض ” ” دعوى التعويض عن الخطأ التقصيري ” .

اتفاقُ العاقدَيْنِ على التقايل بأثرٍ رجعيٍّ. أثره. اعتبار العقد كأن لم يكن منذ نشأته. إعادة المتعاقدَيْنِ إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد. خضوع دعوى التعويض عن خطأ أحدهما في تنفيذ التزاماته لقواعد المسئوليَّة التقصيريَّة. العقد بعد التقايل منه. عدم صلاحيته أساسًا لطلب التعويض. ابتناءُ التعويض على الخطأ التقصيري. مؤداه. شموله كل ضررٍ مباشرٍ متوقعًا أم غيرَ متوقعٍ. وجوبُ الوقوف عند الخطأ المنتج للضرر.

(٥) مسئولية ” المسئولية التقصيرية: عناصر المسئولية: الخطأ: تعدد الأخطاء: مساهمة المضرور في الخطأ “.

ثبوت إعادة الطاعن المبيع للجمعيةِ المطعون ضدها ورد الأخيرة إليه الثمنَ وإعادة بيعه لحسابِها. مؤداه. تقايلهما من العقد سند التداعي. لازمه. خضوع دعوى التعويض المقامة من الطاعن بعد التقايل للمسئوليَّة التقصيريَّة. ثبوت مسئولية الجمعية المطعون ضدها عن عدم صلاحيةِ المبيع للاستهلاكِ الآدميِّ. أثره. توافرُ الخطأ التقصيريّ في حقِها واستغراق ما عداه من أخطاء. مخالفة الحكم المطعون فيه ذلك النظرَ وتأسيس قضائه على أحكامِ المسئولية العقديَّةِ ونسبته للطاعنِ المساهمةَ في الخطأ مع الجمعيَّةِ المطعونِ ضدها والتفاته بغير مبررٍ عن المحررِ الصادرِ من المستوردِ القبرصيِّ والذي يفيدُ سدادَ الطاعنِ له مبلغًا لتسويةِ النزاع بينهما بعد ثُبوتِ عدمِ صلاحيةِ الشُّحنةِ رغمَ عدمِ منازعةِ الجمعيةِ المطعونِ ضدها في صحةِ هذا المحررِ. خطأ وفساد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١- المقرر- في قضاء محكمة النقض– أنَّ لمحكمةِ النقضِ أن تعطيَ الوقائعَ الثابتةَ في الحكمِ تكييفَها القانونيَّ الصحيحَ ما دامت لم تعتمدْ في ذلك إلَّا على ما حصلَّه الحكمُ المطعونُ فيه منهـا.

٢- المقرر- في قضاء محكمة النقض– أنَّ التقايلَ أو التفاسخَ هو تراضي طرفي العقدِ على إلغائِه بعدَ إبرامِهِ، وإذا كانَ التقنينُ المدنيُّ لم يعرضْ لتنظيمِهِ ولمْ يشرْ إليه في نصوصِه، فإنَّه لا شكَّ في إعمالِهِ تحتَ ظلِه؛ إذْ هُوَ مجردُ تطبيقٍ للقواعدِ العامةِ، فالعقدُ في قيامِه بحسبِ الأصلِ صنيعةُ التراضي وتوافقِ إرادتي العاقدَيْنِ.

٣- المقرر- في قضاء محكمة النقض– أنَّ لهما (المتعاقدَيْنِ) الاتفاقَ على نقضِه بإيجابٍ وقبولٍ صريحَيْنِ أو ضمنيَيْنِ، وذلك في الحدودِ التي لا تضرُ الغيرَ، وإذا كانَ التقايلُ ضمنيًّا، فإنَّه يجبُ أن تكونَ الوقائعُ والظروفُ كاشفةً وبغير لَبسٍ عن إرادةِ طرفي التعاقدِ على هذا التقايلِ.

٤- المقرر- في قضاء محكمة النقض– أنَّه إذا ثبت اتفاقُ الطرفَيْنِ على التقايلِ وعلى ترتيبِ الأثرِ الرجعيِّ له بالنسبةِ لحقوقِهما والتزاماتِهما المتبادلةِ أُعْتُبِرَ العقدُ الذي اتفَقَ طرفاه على التفاسخِ منْهُ كأنْ لمْ يكنْ منذُ نشأتِه، فيعودُ المتعاقدانِ إلى الحالةِ التي كانا عليها قَبْلَ العقدِ، وتخضعُ دعوى التعويضِ عنْ خطأ أحدِ العاقدَيْنِ في تنفيذِ التزاماتِه في هذه الحالةِ لقواعدِ المسئوليَّةِ التقصيريَّةِ؛ ذلك أنَّ العقدَ بعدَ التقايلِ منْهُ لا يصلحُ أساسًا لطلبِ التعويضِ، وإنَّما يكونُ أساسُه هو الخطأُ التقصيريُّ، الذي- إنْ ثبُتَ- فإنَّ التعويضَ عنْهُ يكونُ شاملًا– وَفقًا لأحكامِ المسئوليَّةِ التقصيريَّةِ– لكلِّ ضررٍ مباشرٍ سواءً كانَ مُتوقعًا أمْ غيرَ متوقعٍ، إلَّا أنَّه يجبُ عندَ تحديدِ المسئوليةِ الوقوفُ عندَ الخطأ المنتجِ للضررِ، وهُوَ الذي يكونُ كافيًا بذاتِه لإحداثِ النتيجةِ بالصورةِ التي تمتْ بها مُستغنيًا عنْ مساهمةِ الأخطاءِ الأخرى.

٥- إذْ كانَ البينُ مِنْ مدوناتِ الحكمِ المطعونِ فيهِ –وبغيرِ خُلْفٍ بين الخصوم– أنَّ الطاعنَ أعادَ التمرَ المُتعاقدَ عليه للجمعيَّةِ بتاريخ ١٩/١٢/١٩٩٩ بعد رفضِ دولةِ قبرص دخولَه إليها، وأنَّ الجمعيَّةَ المطعونَ ضدها ردَّتْ إليهِ ثمنَ المبيعِ في ٦/٢/٢٠٠٠ بموجبِ شيكٍ صادرٍ منها، بلْ وأعادتْ بيعَه لحسابِها في السوقِ المحليِّ، ممَّا يقطعُ بانصرافِ إرادتِهما المشتركةِ إلى التقايلِ منَ العقدِ واعتبارِه كأنْ لمْ يكنْ، ومحوِ كلِّ أثرٍ له وإعادةِ الطرفَيْنِ إلى ما كانا عليه قَبْلَ إبرامِه، ممَّا تكونُ معه دعوى التعويضِ الراهنةِ، والتي أقامها الطاعنُ بتاريخ ٥/٧/٢٠٠٠ – أيْ بعدَ زوالِ العقدِ– قوامُها المسئوليَّةُ التقصيريَّةُ، والتي تتسعُ للتعويضِ عنْ كلِّ ضررٍ مباشرٍ سواءً كانَ مُتوقعًا أمْ غيرَ متوقعٍ، وكانَ البينُ مِنْ تحصيلِ الحكمِ الابتدائيِّ ومِنْ تقريرِ الخبيرِ المندوبِ في الدعوى– المرفقِ بالأوراقِ- أنَّ السلطاتِ الصحيَّةَ القبرصيَّةَ ثبُتَ لها عند فحصِ الشُّحنةِ بتاريخ ١٥/١١/۱۹۹۹ عدمُ صلاحيةِ التمرِ للاستهلاكِ الآدميِّ لوجودِ كميَّةٍ كبيرةٍ من الديدانِ بهِ، ورفضتِ الإفراجَ عنْهُ، وطلبتْ إعدامَه أو إعادةَ توريدِه، وهو الأمرُ الذي تقعُ مسئوليتُه كاملةً على الجمعيَّةِ المطعونِ ضدها؛ إذْ إنَّ إعدادَ وتجهيزَ الشُّحنةِ وفقًا لاتفاقِ الطرفَيْنِ تمَّ بمعرفتِها وفي مصنعِها ومن ثَمَّ تحتَ إشرافِها، وهو ما أكدَّهُ تقريرُ الخبيرِ، ممَّا يتوافرُ في حقِها الخطأُ التقصيريُّ الذي ترتَّبَ عليه– بمفردِه- كافةُ الأضرارِ التي لحقتْ بالطاعنِ واستغرقَ ما عداه من أخطاءَ، لمَا كان ذلك، وكانَ الحكمُ المطعونُ فيه قدْ خالفَ هذا النظرَ، وأقامَ قضاءَه استنادًا لأحكامِ المسئوليَّةِ العقديَّةِ ونسبَ للطاعنِ المساهمةَ في الخطأ معَ الجمعيَّةِ المطعونِ ضدها، والتفتْ بغير مبررٍ عن المحررِ الصادرِ من المستوردِ القبرصيِّ، والذي يفيدُ سدادَ الطاعنِ له مبلغ ثلاثينَ ألف دولارٍ لتسويةِ النزاع بينهما بعدَ ثُبوتِ عدمِ صلاحيةِ الشُّحنةِ، ورغمَ عدمِ منازعةِ الجمعيةِ المطعونِ ضدها في صحةِ هذا المحررِ؛ فإنَّه يكونُ معيبًا (بالفسادِ في الاستدلالِ والخطأ في تطبيقِ القانونِ).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمــة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الـذي تـلاه السيد القاضي المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.

حَيْثُ إِنَّ الطَّعْنَ اسْتَوْفَى أَوْضَاعَهُ الشَّكْلِيَّةَ.

وَحَيْثُ إِنَّ الْوَقَائِعَ- على ما يبينُ من الحكمِ المطعونِ فيهِ وسائرِ الأوراقِ- تتحصلُ في أنَّ الجمعيةَ المطعونَ ضدها أقامتْ على الطاعنِ الدعوى رقم … لسنة ٢٠٠٠ أمامَ محكمةِ أسيوطِ الابتدائيَّةِ” مأموريةِ الخارجةِ ” بطلبِ براءةِ ذمتِها منَ المبلغِ الذي أنذرَها به الطاعنُ لسدادِه ومقدارُه ۱۳۱۹۹,۸۱ (ثلاثة عشر ألفًا ومائة وتسعة وتسعون جنيهًا وواحد وثمانون قرشًا)، على سندِ أنَّه بموجبِ العقدِ المؤرخ ۱۷/۱۰/۱۹۹۹ باعتْ للطاعنِ كميَّةً مِنَ التمرِ الذي تنتجُه بمصنعِها لِيُصدِّرَه إلى دولةِ قبرص، إلَّا أنَّ الطاعنَ تعذَّرَ عليه تسويقُ المبيعِ بالخارجِ، فطالبَها بردِّ المبلغِ آنفِ البيانِ؛ باعتبارِه يمثلُ المصروفاتِ والنفقاتِ التي تكبَّدَها، فأقامت الدعوى. كما أقام الطاعنُ على الجمعيةِ المطعونِ ضدها الدعوى التي صارَ قيدُها برقم … لسنة ٢٠٠٠ أمامَ ذاتِ المحكمةِ، بطلبِ إلزامِ الجمعيةِ بأنْ تُؤديَ له تعويضًا مقدارُه ١٦٣٩١٩،٨١ (مائة وثلاثة وستون ألفًا وتسعمائة وتسعة عشر جنيهًا وواحدٌ وثمانون قرشًا) وقالَ بيانًا لذلك: إنَّ التمرَ المُباعَ له منْ الجمعيةِ بموجبِ العقدِ سالفِ البيانِ رفضتِ السلطاتُ الصحيةُ القبرصيةُ دخولَه للبلادِ بعدَ ثُبوتِ عدمِ صلاحيتِهِ، ممَّا ألحقَ به أضرارًا ماديةً وأدبيةً، فأقامَ الدعوى. ضمتِ المحكمةُ الدعويينِ، وندبتْ فيهما خبيرًا، وبعدَ أنْ أودعَ تقريرَه قضتْ في الدعوى الأولى برفضِها، وفي الثانيةِ بإلزامِ الجمعيَّةِ بأن تُؤديَ للطاعنِ تعويضًا مقدارُه ۱۳۸۹۱۹،۸۱ (مائة وثمانية وثلاثون ألفًا وتسعمائة وتسعة عشر جنيهًا وواحدٌ وثمانون قرشًا). استأنفتِ الجمعيةُ المطعونُ ضدها الحكمَ أمامَ محكمةِ استئنافِ أسيوطِ بالاستئناف رقم … لسنة ٧٩ ق، كما استأنفَهُ الطاعنُ بالاستئناف رقم … لسنة ٧٩ ق أمامَ ذاتِ المحكمةِ. ضمتِ المحكمةُ الاستئنافَيْنِ، وبتاريخِ ١١/١/٢٠٠٥ قضتْ في الاستئنافِ الأولِ بتعديلِ المبلغِ المقضي بهِ إلى ۱۳۹۱۹،۹۱ (ثلاثة عشر ألفًا وتسعمائة وتسعة عشر جنيهًا وواحدٍ وتسعين قرشًا)، ورفضتِ الاستئنافَ الثاني. طعنَ الطاعنُ في هذا الحكمِ بطريقِ النقضِ، وأودعتِ النيابةُ مذكرةً أبدتْ فيها الرأيَ برفضِ الطعنِ، وإذْ عُرض الطعنُ على هذه المحكمةِ، في غرفةِ مشورةٍ، فقررتْ استبعادَ السببِ الأولِ من أسباب الطعنِ للأسبابِ الواردةِ بالقرارِ المودعِ ملفَ الطعنِ، وحددتْ جلسةً لنظرِ باقي الأسبابِ، وفيها التزمتِ النيابةُ رأيَها.

وحيثُ إنَّ مما ينعاه الطاعنُ على الحكمِ المطعونِ فيه الفسادَ في الاستدلالِ والخطأَ في تطبيقِ القانونِ، وقال بيانًا لذلك: إنَّه أَبرَمَ تعاقدًا معَ الجمعيَّةِ المطعونِ ضدها اشترى منها بموجبِه كميَّةً من التمورِ المُنتجَةِ بمصنعِها لتصديرِه إلى عميلِه بدولةِ قبرص، إلَّا أنَّ السلطاتِ الصحيَّةَ بها رفضتْ دخولَه للبلادِ لعدمِ صلاحيتِهِ للاستهلاكِ الآدميِّ، فاضطَّرَ لسدادِ مبلغِ ثلاثينَ ألف دولارٍ لعميلِه القبرصيِّ لتعويضِه عنْ إلغاءِ الصفقةِ، وأعادَ المبيعَ للجمعيَّةِ واستردَّ ثمنَه، ثم أقامَ دعواه الراهنةَ مُطالِبًا بالتعويضِ عما تكبَّدَه من نفقاتٍ وما لحقَ بهِ منْ أضرارٍ ماديَّةٍ وأدبيَّةٍ ثبُتَتْ مِنَ المستنداتِ المقدمةِ منْهُ ومِنْ تقريرِ الخبيرِ المندوبِ في الدعوى، وقَضَى بها الحكمُ الابتدائيُّ استنادًا لتوافرِ الخطأ التقصيريِّ في حقِ الجمعيَّةِ، إلَّا أنَّ الحكمَ المطعونَ فيهِ استندَ إلى أحكامِ المسئوليَّةِ العقديَّةِ، ونسب إليه- خلافًا للثابتِ بالأوراقِ- المساهمةَ معَ الجمعيةِ في الخطأ، وأطرحَ بغير مسوغٍ دليلَ سدادِه التعويضَ لعميلِه القبرصيِّ، ثم قضى بتخفيضِ التعويضِ المقضي بهِ أمامَ محكمةِ أولِ درجةٍ، ممَّا يعيبُ الحكمَ، ويستوجبُ نقضَه.

وحيثُ إنَّ هذا النعيَّ سديدٌ؛ إذْ إنَّ لمحكمةِ النقضِ أن تعطيَ الوقائعَ الثابتةَ في الحكمِ تكييفَها القانونيَّ الصحيحَ ما دامت لم تعتمدْ في ذلك إلَّا على ما حصلَّه الحكمُ المطعونُ فيه منهـا. وكان التقايلُ أو التفاسخُ هو تراضي طرفي العقدِ على إلغائِه بعدَ إبرامِهِ، وإذا كانَ التقنينُ المدنيُّ لم يعرضْ لتنظيمِهِ ولمْ يشرْ إليه في نصوصِه، فإنَّه لا شكَّ في إعمالِهِ تحتَ ظلِه؛ إذْ هُوَ مجردُ تطبيقٍ للقواعدِ العامةِ، فالعقدُ في قيامِه بحسبِ الأصلِ صنيعةُ التراضي وتوافقِ إرادتي العاقدَيْنِ، ومنْ ثَّم فإنَّ لهما الاتفاقَ على نقضِه بإيجابٍ وقبولٍ صريحَيْنِ أو ضمنيَيْنِ، وذلك في الحدودِ التي لا تضرُ الغيرَ، وإذا كانَ التقايلُ ضمنيًّا، فإنَّه يجبُ أن تكونَ الوقائعُ والظروفُ كاشفةً وبغير لَبسٍ عن إرادةِ طرفي التعاقدِ على هذا التقايلِ. فإذا ثبت اتفاقُ الطرفَيْنِ على التقايلِ وعلى ترتيبِ الأثرِ الرجعيِّ له بالنسبةِ لحقوقِهما والتزاماتِهما المتبادلةِ أُعْتُبِرَ العقدُ الذي اتفَقَ طرفاه على التفاسخِ منْهُ كأنْ لمْ يكنْ منذُ نشأتِه، فيعودُ المتعاقدانِ إلى الحالةِ التي كانا عليها قَبْلَ العقدِ، وتخضعُ دعوى التعويضِ عنْ خطأ أحدِ العاقدَيْنِ في تنفيذِ التزاماتِه في هذه الحالةِ لقواعدِ المسئوليَّةِ التقصيريَّةِ؛ ذلك أنَّ العقدَ بعدَ التقايلِ منْهُ لا يصلحُ أساسًا لطلبِ التعويضِ، وإنَّما يكونُ أساسُه هو الخطأُ التقصيريُّ، الذي- إنْ ثبُتَ- فإنَّ التعويضَ عنْهُ يكونُ شاملًا– وَفقًا لأحكامِ المسئوليَّةِ التقصيريَّةِ– لكلِّ ضررٍ مباشرٍ سواءً كانَ مُتوقعًا أمْ غيرَ متوقعٍ، إلَّا أنَّه يجبُ عندَ تحديدِ المسئوليةِ الوقوفُ عندَ الخطأ المنتجِ للضررِ، وهُوَ الذي يكونُ كافيًا بذاتِه لإحداثِ النتيجةِ بالصورةِ التي تمتْ بها مُستغنيًا عنْ مساهمةِ الأخطاءِ الأخرى. لمَّا كان ذلك، وكانَ البينُ مِنْ مدوناتِ الحكمِ المطعونِ فيهِ –وبغيرِ خُلْفٍ بين الخصوم– أنَّ الطاعنَ أعادَ التمرَ المُتعاقدَ عليه للجمعيَّةِ بتاريخ ١٩/١٢/١٩٩٩ بعد رفضِ دولةِ قبرص دخولَه إليها، وأنَّ الجمعيَّةَ المطعونَ ضدها ردَّتْ إليهِ ثمنَ المبيعِ في ٦/٢/٢٠٠٠ بموجبِ شيكٍ صادرٍ منها، بلْ وأعادتْ بيعَه لحسابِها في السوقِ المحليِّ، ممَّا يقطعُ بانصرافِ إرادتِهما المشتركةِ إلى التقايلِ منَ العقدِ واعتبارِه كأنْ لمْ يكنْ، ومحوِ كلِّ أثرٍ له وإعادةِ الطرفَيْنِ إلى ما كانا عليه قَبْلَ إبرامِه، ممَّا تكونُ معه دعوى التعويضِ الراهنةِ، والتي أقامها الطاعنُ بتاريخ ٥/٧/٢٠٠٠ – أيْ بعدَ زوالِ العقدِ– قوامُها المسئوليَّةُ التقصيريَّةُ، والتي تتسعُ للتعويضِ عنْ كلِّ ضررٍ مباشرٍ سواءً كانَ مُتوقعًا أمْ غيرَ متوقعٍ، وكانَ البينُ مِنْ تحصيلِ الحكمِ الابتدائيِّ ومِنْ تقريرِ الخبيرِ المندوبِ في الدعوى– المرفقِ بالأوراقِ- أنَّ السلطاتِ الصحيَّةَ القبرصيَّةَ ثبُتَ لها عند فحصِ الشُّحنةِ بتاريخ ١٥/١١/۱۹۹۹ عدمُ صلاحيةِ التمرِ للاستهلاكِ الآدميِّ لوجودِ كميَّةٍ كبيرةٍ من الديدانِ بهِ، ورفضتِ الإفراجَ عنْهُ، وطلبتْ إعدامَه أو إعادةَ توريدِه، وهو الأمرُ الذي تقعُ مسئوليتُه كاملةً على الجمعيَّةِ المطعونِ ضدها؛ إذْ إنَّ إعدادَ وتجهيزَ الشُّحنةِ وفقًا لاتفاقِ الطرفَيْنِ تمَّ بمعرفتِها وفي مصنعِها ومن ثَمَّ تحتَ إشرافِها، وهو ما أكدَّهُ تقريرُ الخبيرِ، ممَّا يتوافرُ في حقِها الخطأُ التقصيريُّ الذي ترتَّبَ عليه– بمفردِه- كافةُ الأضرارِ التي لحقتْ بالطاعنِ واستغرقَ ما عداه من أخطاءَ، لمَا كان ذلك، وكانَ الحكمُ المطعونُ فيه قدْ خالفَ هذا النظرَ، وأقامَ قضاءَه استنادًا لأحكامِ المسئوليَّةِ العقديَّةِ ونسبَ للطاعنِ المساهمةَ في الخطأ معَ الجمعيَّةِ المطعونِ ضدها، والتفتْ بغير مبررٍ عن المحررِ الصادرِ من المستوردِ القبرصيِّ، والذي يفيدُ سدادَ الطاعنِ له مبلغ ثلاثينَ ألف دولارٍ لتسويةِ النزاع بينهما بعدَ ثُبوتِ عدمِ صلاحيةِ الشُّحنةِ، ورغمَ عدمِ منازعةِ الجمعيةِ المطعونِ ضدها في صحةِ هذا المحررِ؛ فإنَّه يكونُ معيبًا، ممَّا يوجب نقضه.

وحيثُ إنَّ الموضوعَ صالحٌ للفصلِ فيهِ، ولِمَا تقدَّمَ، تقضي المحكمةُ بتأييدِ الحكمِ المستأنفِ.

زر الذهاب إلى الأعلى