«مؤسسة العدالة وإعادة بناء الجسور»  زهرة على سطح مستنقع! 

بقلم/ خالد المهدي المحامي 

لا يوجد سبب حقيقي للخلاف الحاد بين أطراف العدالة [هيئة الشرطه والنيابة العامة والقضاء والدفاع] غير أنها أزمة تواصل فقط لا غير، أحدثت تصدع وشقاق زادت حدته على مر السنين، فتكونت به جزر منعزلة، لا يربط بينها سوى مياه ضحلة، سُدَّت مجاريها فانقطع الوصل، وحُجبَت عن قاعِها شمس التجديد، وتحولت الى مستنقع تغرِق فيه كل قدم تحاول أن تطئها، ولكن ما زالت هناك زهرة على سطح هذا المستنقع! أمل لإعادة بناء الجسور.

 

إن اختلاف الأدوار التي يقوم بها كل طرف من أطراف العدالة لا يفيد بالضرورة الشقاق والتباعد، وبناء ثقافات منغلقة تتحول إلى عقيدة، والتمسك بها إلى حد التطرف،

 

ولكنه مسرح العدالة يجتمع على خشبته أبطال العمل كلِِ في مكانه ومرحلته ليقوم بدوره المعهود وفي سياقه المُعَد مسبقاً، ليَخرُج في النهاية عمل كامِل ذات مَغزَى ورسالةً شريفةً، عمل قائم على التعددية والاختلاف والتشاركية في ذات الوقت،

 

فما العدالة إلا نِتاج الجمع بين اتجاهات متباينة ومقارعة الحُجَج، وليس التشابه الذي يتحقق به العُقم فلا يَنتُج عنه شيء، ولو أنتَج شيء فيكون مخلوقاً مشوهاً، أما الاختلاف الذي يجمعه غاية واحدة فيَصل بأي مجال إلى درجات القمة والتحضر،

 

فلو أخذنا العدالة الجنائية كمثال:

تجِد أن الشرطة لا ترى إلا المُجرم ولا تبحث إلا عن الجريمة، فذلك يجعلها تشتبه في الجميع وترى من وراء كل موقف جريمة ما، وذلك لحملها مسئولية أمن المجتمع،

 

وتَجِد أن النيابة تُحَقِق مع شخص بل تَحبِسُهُ احتياطياً لمجرد تحقق نسبة شَك بسيطة في حقه لا تتعدى ال 10%، وذلك من فرط حساسيتها تجاه صالح المجتمع والعمل على حمايته حتى لو تطلب الأمر حَبس الأفراد لمجرد الشك،

 

وكذلك القضاء والذي نُمَثِلُهُ (بعصابة على العين) دلالةً على فَرط الحياد، وتأكيداً على أنه لا يرى دلائل الإثبات أو النَفي إلا من خلال النيابة أو الدفاع وحتى لو رآها! لأنه يُرَجِح فقط،

 

وكذلك الدفاع تجده يدافع عن الإنسان وحريته وكرامته وهو يعمل على إرساء دولة القانون، حتى إذا كان هذا الإنسان يَتلبسهُ مُجرم أو جانياً فلا يبالي ولا يتنازل عن دفاعه عن غايته الأسمى وهي تطبيق صحيحالقانون،

 

ولو أنً أي دور مما سبق انفرد بالمشهد وحده، سيتحول العمل إلى روايةً تُمثِل عصر مظلم كئيب، ولكن في تكامُلها يَشِع نور العدل والرحمة والمساواة،

 

لذلك أقترح إنشاء ما يسمى «منظمة العدالة» وهي منظمة مستقلة، هدفها جمع أطراف العدالة [هيئة الشرطة والنيابة والقضاء والدفاع] داخل هيكل واحد، ويكون هدفها الارتقاء بمنظومة العدالة وأضلاعِها علمياً ومهنياً وأخلاقياً، وتحقيق التواصل بينهم، وتوعيتهم بأدوارهم وأدواتهم، ويكون لها الفوقية في هذا الإطار فقط دون المساس باستقلالية كل فئة،

 

وإلى أن يحدث ذلك، من الممكن أن نبدأ بخطوات تمهيدية بأن نوجِد آليات فرعية ودية أكاديمية وتعليمية مهنية بين نادي القضاة وهيئة الشرطة ونقابة المحامين، بتدشين ندوات ومحاضرات ودورات مشتركة، تنعقد مرة في نادي القضاة، ومرة في نقابة المحامين وأخرى في أكاديمية الشرطة،

 

وكذلك أنشطة رياضية وثقافية وفنية…. يتواصل فيها أعضاء المحاماة والقضاء والشرطة والنيابة مع بعضهم البعض ولو بصفةدورية ربع سنوية مثلاً،

 

أتحدى أن لا يذوب الجليد في غضون أقل من عام، ما يعود بالنفع في النهاية على الوطن والمواطنين والعدالة،

‏وأقترح أن يكون أول موضوع للدورة أو المحاضرة هو:

«التكامل الرقمي بين أطراف العدالة والعدالة الرقمية»

زر الذهاب إلى الأعلى